الإثنين, نوفمبر 18, 2024
مقالاتحكاية سبع تلال أو السبعة: فضح سردية نظام الإيراني تجاه الأحواز

حكاية سبع تلال أو السبعة: فضح سردية نظام الإيراني تجاه الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

فور الاحتلال النظام الإيراني لشمال الأحواز، المسمى في الوثائق الإيرانية في العصر القاجاري بعربستان، حتى بدأ عملية كبيرة لنهب ثروات الأمير خزعل، وتصنفيها ضمن الممتلكات والأراضي المستخصلة (الأراضي الخالصة). وقد كان تصنيف الأراضي بالمستخلصة يعني، وفق الجهاز القضائي الإيراني، يعني تلك الأراضي والإقطاع الذي صودر منذ حكم نادرشاه الأفشاري وانحصرت حيازته بيد البلاط. ولكن إذا كان هذا التحديد للأراضي المستخلصة يضفي طابعا قانونيا على حيازة الدولة لها وشرعية تصرف البلاط فيها، فإن تلك العملية التي جرت في نهب ثروات الأمير خزعل لا تندرج في هذا السياق القانوني، والتحديد القضائي الملتبس على كل حال. وذلك لأن عملية نهب ثروات الأمير هي نهب بأتم معنى الكلمة، استخدمت فيها أدوات العنف العاري، عنف النظام الجديد الإيراني، الذي أهمل كافة حقوق الشعب الأحوازي العربي وقام بنهب جل ممتلكات أمير البلاد.

وقبيل هذا التاريخ المشؤم، فقد كان البلاط القاجاري يتعامل مع الأحواز على حذر شديد ويأخذ في حساباته وجوب صيانة ممتلكات الشعب الأحوازي. ولكن على عكس ذلك فإن الوثائق المتاحة التي توفرت في الفترة الأخيرة، إلى جانب شهادات فئات كبيرة من الشعب الأحوازي، تثبت حقيقة تصرفات نظام الاحتلال الإيراني البهلوي، الآتي على أنقاض السلسلة القاجارية، وخوضه عملية نهب واسعة سلبت الكثير من ممتلكات الشعب الأحوازي المنقولة وغير المنقولة من أراض زراعية وعقارات وإقطاع.

وبالتزامن مع تحويل أراضي اليشخ خزعل إلى الأراضي المستخلصة التابعة للنظام البهلوي، في العام 1316/1937 خاض النظام عملية واسعة لمصادرة أراضي عدد كبير من شيوخ القبائل العربية في الأحواز بالقوة عن طريق الجيش الإيراني وأجهزة الأمن. وعلى رأس هذه الأراضي كانت الأراضي الزراعية التي تسمى اليوم بـ هفت تبه أو التلال السبع.

وقد اعتاد الكثير من رجال النظام الإيراني ممن ساهم في سلب هذه الأراضي، ومن ثم تأسيس شركة هفت تبه بالتعاون مع النظام، اعتاد الحديث مع وسائل الإعلام عن مساهمته في هذا الأمر حديث البطل القومي. وقد كان مبررهم في ذلك هو تحويلهم المنطقة التي أقيمت عليها هذه الشركة العملاقة من مجرد “صحراء قاحلة” إلى أراضي زراعية منتجة زاهرة.

ولكن هذا المبرر ينافي الطبيعة الجغرافية لهذه المنطقة جملة وتفصيلا؛ وذلك لأن هذه المنطقة هي خصبة وواد ذي زرع معروف، ما إنْ بدأ هذا المشروع حتى تسبب بموت كثير من الأراضي الزراعية من مخلفات هذه الشركة ومساهمتها في ملوحة الأرض بشكل واسع.

وبناء على ما أشرت إليه من نهب الأراضي العربية على يد النظام الإيراني، ومصادرتها بسند قانوني هش أدرجها ضمن الأراضي المستخلصة، بدأت إثر ذلك عملية نهب ومصادرة واسعين. فقد صودرت أراضي الكثير من الناس، ثم أقيمت بموازة ذلك شركات عديدة للزراعة والصناعة على أراضي  العرب المنهوبة. بين ما مُنحت للمستوطنين الفرس بحجم آلاف الهكتارات، وبين ما تحولت إلى معسكرات أراد النظام حفظ سلطته الجديدة بقوتها وترهيبها.

وبعد مضي 25 عاما على احتلال إيران للأحواز، وإقدام النظام على سياسة التغيير الديموغرافي، عمد النظام إلى سياسة أخرى هدف من خلالها تحويل الأحواز إلى منطقة قائمة على زراعة وحيدة هي قصب السكر. وكان الهدف من جعل الأحواز أحادية المنتج الزراعي، تعزيز اعتمادها غذائيا على المنتجات الزراعية الإيرانية في باقي المناطق، مما يوطد هيمنة الاحتلال ونظام حكمه. وهذه سياسة ما تزال مستمرة لغاية الآن في ظل تعزيز النظام زراعة قصب السكر، وعرقلته زراعة كافة المنتجات. وخير دليل على ذلك هو متابعة مختلف المشاريع الإيرانية العملاقة التي تصب كلها في هذا الاتجاه، وتولي لزراعة قصب السكر الاهتمام بالتزامن مع منع باقي أنواع الزراعة الأخرى.

ويبدو أن هذه الفكرة، فكرة حصر الإنتاج الزراعي في منتج وحيد، استلهما النظام الإيراني من التاريخ الأمريكي، حيث أقدمت الولايات المتحدة، بعد قيامها وبهدف تعزيز الوحدة الوليدة بين الولايات الأمريكية، أقدمت على توزيع الزراعة بين مختلف المناطق لتصبح كل ولاية مختصة بمنتج واحد، لا تنتج كافة احتياجاتها الزراعية، لتظل هكذا محتاجة إلى باقي المناطق، وبذلك تتعزز روح الوحدة بتعزيز اعتمادها على بعضها. وهذا ما طبقه النظام الإيراني على الأحواز ظنا منه بأن ذلك سيكفل اعتماد الأحواز على المناطق الإيرانية، تمهيدا لاعتمادها الكلي عليها. ولكن الواقع الأحوازي وطبيعة الأحواز الجغرافية لم تكن تسمح بذلك، لأنها فضلا عن إمكانية زراعة مختلف المنتجات على أراضيها، كانت تمتلك من الثروات الطبيعية الأخرى، ما يصعب تماما اعتمادها على منتج واحد.

 

السبعة الاسم التاريخي

تقع السبع التلال بالقرب من مدينة السوس على بعد 14 كيلومترا عنها. وقد كان النظام الإيراني قد زور الاسم الحقيقي والتاريخي لهذه المنطقة بعد الاحتلال مباشرة، شأنه شأن المناطق العربية الأحوازية الأخرى. وقد جاء اسم هفت تبه، وفق التسمية الفارسية المزورة، ترجمة للمعنى العربي حرفيا. وهفت تعني بالفارسية سبعة، والسبعة هي إشارة إلى تلال تاريخية سبع تقع في قلب المدينة هذه، ويعتقد الناس أن مدينتهم كانت تقع قديما فيها، وهي بقايا مدينة تاريخية كانت عامرة يوما. وتتميز هذه التلال السبع بتربتها الحمراء، تبتعد قليلا من المدن المجاورة لها، تضم بقايا مدينة تاريخية قديمة من بقايا معالم الحضارة العيلامية، ومقبرة لملوكها والأسر الحاكمة فيها. أما الحضارة العيلامية فهي حضارة قديمة تسبق الحضارة الإخمينية، والتوافد الفارسي الآري للمنطقة الإيرانية، بآلاف السنين، وليست هذه التلال السبع إلا بقايا قليلة من معالمهم وآثارهم الكبيرة. وقد كانت هذه الحضارة زاهرة قبيل التصادم الآسوري وبعد ذلك الإخميني الذي حولها إلى دمار. وقد كان آخر الدمار الذي لحق هذه المنطقة هو عملية بناء شركة قصب السكر على أنقاض البقايا التاريخية لهذه الحضارة على يد النظام الإيراني.

وكما ذكرت سابقا كانت المنطقة هذه قبل تدشين شركة “هفت تبه” لقصب السكر، تُعرف بين أهلها بالسبعة. ولكن بالتزامن مع تأسيس هذه الشركة وقدوم المستوطنين الفرس بشكل واسع، ثم تأسيس شركة السكك الحديدية، وما عزز ذلك من نشر الاسم على اللافتات العامة والمراسلات البيروغراطية، بات هذا الاسم الفارسي دارجا. ولكن الشعب الأحوازي وأهالي هذه المنطقة على الرغم من ذلك كله ظلوا يطلقون الاسم الحقيقي عليها: السبعة. وهو اسم لا يمكن أن يكون إلا وريث الاسم العيلامي لهذه المنطقة: تكيني.

 

قيام شركة هفت تبه لزراعة قصب السكر  وصناعاتة

تأسست شركة قصب السكر في عام 1340/1961 تحت إشراف منظمة مياه وكهرباء خوزستان (الاسم المزور الجديد الذي أطلق على شمال الأحواز) بميزانية عظيمة خصص لـ”مشروع هفت تبه لقصب السكر”. وبعد عقد من نشاط الشركة وإنتاجها، تغير اسم الشركة إلى “شركة هفت تبه لزراعة القصب وصناعاته”، وخرجت بذلك عن إشراف منظمة المياه والكهرباء إلى وزارة الزراعة الإيرانية”.

وبغض النظر عن السردية الإيرانية نتساءل كيف تحولت السبعة إلى هفت تبه؟

بعد إقرار الميزانية المخصصة وإسناد مهمة الإشراف إلى منظمة المياه والكهرباء ووصول الخبراء الأجانب وتحديد عدد الموظفين، جرت مفاوضات بين شركة المياه والكهرباء وأحد أهم ملاكين الأراضي التي صودرت لصالح الشركة فيما بعد. وقد كان ذلك المالك يدعى خلف آل كثير، أو كما يعرف شيخ خلف الحيدر آل كثير. وقد كان خلف آل كثير، شيخا قويا ومحتنكا. له إقطاعات عديدة وأراض كبيرة، ورثها عن طريق أهله، أو زاد هو فيها عن طريق توسع عمله الزراعي. على أن معظم أراضيه كانت ملك أسرته المعروفة، آل كثير، التي كانت تحكم كل من منطقة القنيطرة وتستر، فضلا عما أورثه له أبوه، مما جعل أراض شاسعة تسجل باسمه.

وكانت أولى ردود فعل شيخ خلف على تأسيس شركة قصب السكر، بطبيعة الحال، الرفض والامتناع، متخذا في ذلك مختلف الأساليب. ولكن الإرهاب السياسي والأمني الذي مارسه النظام الإيراني لم يترك له خيارا إلا الاستسلام. وفي إحدى المقابلات التي جمعت خلف آل كثير بالملك الإيراني، محمد رضا بهلوي، في قرية الحسينية في عمق الأراضي المنهوبة لصالح مشروع قصب السكر، قال شاه إيران له: إني على استعداد لتسديد 15 ألف ريال لكل متر من أراضيك، حتى تعدل عنها لصالح مشروع قصب السكر. فما كان لخلف آل كثير إلا أن أجابه بأني على استعداد لدفع 30 ألف ريال لكل متر لك لعدولكم عن أرضي. وهذا ما جعل شاه إيران ينصدم بهذه الإجابة، مما زاد رغبته في مصادرة جميع الأراضي العائدة للشعب الأحوازي التي يحتاجها المضي في هذا المشروع.

وإضافة إلى أراضي خلف  الحيدر البالغة آلاف الهكتارات، فإن مصير باقي أراضي الفلاحين لهذه المنطقة المصير ذاته من المصادرة، خصصت بعد ذلك لهذا المشروع، وظل الملاك الحقيقين لها لا يمتلكون إلا الوثائق التي تثبت ملكيتهم لأراضيهم. على أن الجدير بالذكر هو أن مصادرة هذه الأراضي تمت على قاعدة النهب والسلب، دونما مقابل مالي يخصص لمن صودرت أراضيه، سواء كان خلف  الحيدر آل كثير أو باقي المزارعين والملاك ممن سلب النظام الإيراني أراضيهم.

وما إن تم تدشين أراضي شركة قصب السكر، حتى بدأت الأعمال الخاصة بهذه الزراعة، من تعبيد الأراضي ومد قنوات المياه، وأنابيب ري الأرض. وكان لأبناء شيخ خلف دورا صغيرا في ذلك، استمالة من الساواك (جهاز الاستخبارات الإيراني البهلوي) لهم، لفترة قصيرة، حيث أوكلت لهم مهمة توظيف العمال، ممن سلبت أراضيهم، وجعلهم عمال بسطاء بعد أن كانوا أصحاب أراضي زراعية ومكنة نسبية. وعلى العموم لم يكن عدد هؤلاء العمال إلا قليلا، لأن معظم الموظفين والعمال والمديرين إلخ، كانوا من المستوطنين الذين جلبوا من باقي المناطق الفارسية، بحافز الحصول على عمل ومرتبات كبيرة، وقروض بنكية، وسكن مجان، وباقي المحفزات التي جعلتهم يتوافدون على هذه المنطقة بأعداد مهولة.

ومهما يكن من أمر فإن هذه الخدعة، خدعة توظيف عدد من أصحاب الأراضي المصادرة في شركة قصب السكر، وتحويلهم إلى عمال، ساهمت مساهمة مباشرة في مضي مشروع قصب السكر، دون مقاومة تذكر من جانب من صودرت أراضيهم، وتمكن النظام الإيراني بهذا الأمر من منع انتفاضة ضد هذا المشروع، كان يمكن أن تكون انتفاضة مسجلة، بالنظر إلى توفر السلاح بيد العرب، أصحاب الأرض الأحوازية.

 

تدمير المعالم الأثرية العيلامية

ومع بدأ الأعمال العمرانية الخاصة بتدشين شركة قصب السكر عثر علماء الآثار العاملين في هذه المنطقة على معالم أثرية قديمة وثمينة في حرم الشركة هذه، على رأسها مقبرة تعود إلى ملوك الحضارة العيلامية، فيها أثريات وقطع تتعلق بالحضارات القديمة. وما زالت تلك المقبرة، لغاية الآن، تقع في الحد الفاصل بين محطة قطار هفت تبه وبوابة رقم 400. أما باقي أجزاء المقبرة فقد بنى النظام الإيراني على أنقاضها منطقة سكنية، بعد أن سواها بالجرافات والمعدات العاملة بإشراف شركة هفت تبه وشركة هاوايي الأمريكية. على أن معظم الحيز الخاص بالمقبرة العيلامية تحول إلى مخيمات سكنية خُصصت للمستوطنين وموظفي الشركة، بالإضافة إلى موظفي شركة بارس لصناعة الورق (شركت كاغد سازي بارس) وشركة نراقي للزراعة والصناعة (شركت كشت وصنعت نراقي) التي تحولت بعد ثورة عام 1979 إلى شركة بهشتي.

ومن ضمن المعالم التاريخية التي دمرها النظام بمشاريعه، يمكن الإشارة إلى عدد من التلال التاريخية التي غمرتها حقول قصب السكر، وجرفتها حاصداتها. ثم جاء دور شركة بارس لصناعة الورق فقامت، هي الأخرى، بتدمير مزار عباس بن علي الواقع في شرق الشركة. وفي معرض ذكر هذا المزار، فإن الجدير بالذكر هو أن الأهالي في هذا المنطقة كانوا يعتقدون بأنه مزار أحد الأولياء، لكن تحقيقات العالمة الفرنسية جان ديالافوا أثبتت عكس ذلك. لقد قامت الباحثة ديالافوا، طيلة القرن التاسع عشر، بتحقيقات شملت معظم الأراضي الواقعة في مدينة تستر، رفقة زوجها. وفي كتابها “إيران السوس وكلده” تقول: إن للعرب اهتماما كبيرا بحفظ معالمهم التاريخية، ما جعلهم يبتدعون أساليب عديدة للحفاظ عليها. حتى إنهم أخذوا يدفنون موتاهم إلى جانب الأماكن الأثرية، ليبعدوا بذلك اللصوص منها، ويتسبب بخوفهم المفضي إلى تجنب هذه الأماكن.

على أن هذه القناعة التي وثقتها ديالافوا تقترب من الحقيقة جدا، ولدى كاتب هذه السطور ما يعززها: ففي إحدى التلال التاريخية التي يبدو أنها كورة لصناعة الطوب من العهد العيلامي، الواقعة في قرية العين شرقي التلال السبع، قام الأهالي بتحويل التل إلى مقبرة. وإلى جانب المقبرة بئر ماء قديم، يبدو أنه كان يستخدم في تلك الصناعة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن مقابلاتي مع الجيل الأول من عمال وموظفي شركة هفت تبه، كشفت لي، بشهادتهم أنفسهم، عثور الكثير من المزارعين، العاملين في الحقول، على قطع أثرية قديمة. وبناء على كل ذلك فإني اعتقد بأن المزار المذكور هو لا يعود إلى أحد الأولياء، بل هو معلما تاريخيا أريد له البقاء عبر تحويله إلى مزار لولي من قبل الأهالي.

وفي إحدى الاكتشفات التي تمت قبل سنوات قريبة، عثر بعض الأهالي في منطقة تحولت إلى مزار يدعى مزار علي بن عون على معالم أثرية وتحف أثرية قديمة، ما أثبت فرضية السيدة ديالافوا بأن الأهالي حفاظا على الأماكن التاريخية قاموا بتحويلها إلى أماكن دينية.

 

المقاومة الشعبية

نظرا لتعامل النظام الإيراني مع مشروع قصب السكر من زاوية عنصرية، كسب الجهاز الاستخباري (ساواك) في مدينة القنيطرة مكانة خطيرة. وقد كانت مهمة هذا الجهاز، الذي اتخذ من أطراف الشركة ومستوطناتها السكنية مقرا له، هو جرد عدد العاملين المستوطنين في هذا الشركة مما تقع أعمارهم دون الخمسين، لاستدعائهم إلى تدريبات عسكرية بعد انتهاء ساعات الدوام مباشرة. وفي مقابلاتي مع عدد من الجيل الأول من موظفي وعمال الشركة هذه (أيام عملي لفترة خمس سنوات في هذه الشركة)، أفادني بعضهم وهم من المستوطنين القادمين من محافظة جهارمحال وبختياري، أفادني بتدريبه العسكري: فقد كنا نذهب يوميا إلى الشقق الاستيطانية نتدرب على السلاح لمدة ثلاث ساعات. وكان جهاز الساواك دوما يرافقنا، حتى في عمليات العمل على الحقول حيث كانوا يأتون بزي مدني. وكانوا يذكروننا على الدوام بأن هذه الأراضي تعود للعرب، ويمكن لهم في أي ساعة أن يشنوا هجمات ضدكم، ولذلك يجب عليكم تعلم استخدام السلاح.

على أن بعض الحركات الشعبية التلقائية، قد شنت هجمات متقطعة على هذه الشركة ونشاطها المتشعب. وفي إحدى هذه العمليات قامت خلية تتكون من ثلاثة مناضلين باسم حبش وبطوش وفديعس بتسديد ضربة إلى المخفر، المخصص للحفاظ على مضخة مياه تمد الحقول بالماء شرقي محطة قطار هفت تبه. أدى هذا الهجوم إلى مقتل ضابط، والاستحواذ على معدات المخفر العسكرية. على أن مثل هذه الحركات لم تكن منظمة وعسكرية، تفتقد إلى الدعم اللوجستي اللازم. وهذا ما سمح لمشروع قصب السكر أن ينجح ويمضي سريعا على حساب تدمير القرى العربية وأهلها، ومصادرة جميع الأراضي العربية.

ومن ضمن المقاومة التي أظهرها الشعب العربي، هو الاحتفاظ بالوثائق الملكية التي تثبت عودة الأراضي لهم، والمطالبة بها كلما أتيح المجال، خاصة لدى الجهاز القضائي في طهران.

 

القرى العربية التي دمرها مشروع قصب السكر

  • فليفله: قرية تعود لعلي الأكبر نجل خلف الحيدر آل كثير، ممن صودرت أراضيهم تماما، وهي قرية تقع في سهل شاسع بين السوس والتلال السبع.
  • بيت شويع: وهي قرية اضطر أهلها إلى الهجرة إلى السوس، بعد مصادرة أراضيهم وحقولهم، وهي تقع في المنطقة التي باتت تسمى اليوم البوابة رقم 400 وهي مدخل المحمية الخاصة بشركة هفت تبه. وقد ظلت الآثار المدمرة والبيوت المهجورة لغاية الآن شاهدة تعكس ما جرى على أهلها.
  • الحسينية (التي زور اسمها النظام إلى حسين آباد أو حسيناوه): وهذه القرية هي التي التقى فيها شيخ خلف الحيدر  مع شاه إيران وجرت بينهما مشادة كلامية.
  • آل حمزة: غادر سكان هذه القرية بعد مصادرة حقولهم الواقعة في شرق هفت تبه بالقرب من مزار عباس بن علي على ضفاف نهر الدزغربا، إلى القسم الشرقي من النهر. وقد انتهي المطاف ببعضهم إلى الاستقرار في قرية العين في الجنوب من هفت تبه.
  • النجه: والنجه تعني في المحكية الأحوازية الأرض الرطبة المخضرة. وقد تشرد سكان هذه القرية بين من هاجر بعيدا أو من توطن في قرية بيت إكريم.
  • بيت شيخ صالح: تفرق سكان هذه القرية، الواقعة في منطقة بمب استيشن وقرية بيت إكريم، بين من سكن القرى البعيدة وبين من لم يعرف مصيره.

أجل هكذا تم المضي في مشروع قصب السكر، ورأى هذا المشروع النور على أنقاض القرى، وعبر تشريد السكان العرب وتهجيرهم. وصحيح أن بعضا من العرب، الشعب الأحوازي وأصحاب الأرض، قد تم توظيفهم كعمال فقراء في هذه الشركة، بيد أني أذكر تماما كيف كان هؤلاء العرب، بزيهم وثقافتهم وصورهم، مادة لسخرية الفرس المستوطنين وازدرائهم، بمساندة النظام الإيراني الذي كان يمد ذلك بشتى وسائل الدعم للمستوطنين. وأذكر تماما كيف كان هؤلاء المستوطنين هم من عبث بالمعالم التاريخية الخاصة بهذه المنطقة، وكيف كانوا يتعاملون معها بتدمير، أو مصاردتها وانتسابها إلى الإخمينين.

ثم ساهمت هذه الشركة في بث التزوير الخاص بأسماء المدن والآثار، حيث أن المراسيم الخاصة بها كانت تفرض على جميع العمال والموظفين استخدام الأسامي الفارسية الرسمية المزورة، سواء في الحديث اليومي، أو في اللافتات، أو في السجل البيروغراطي المكتوب والمراسلات. ومن أبرز ما زور عبر تأثير هذه الشركة كان اسم قناة العتيج صاحب التاريخ القديم بقدمة الحضارة العيلامية الذي تحول إلى قناة داريوش. وكان جميع المستوطنين من موظفين في هذه الشركة يحرصون في اتصالاتهم اللاسلكية على استخدام الاسم المزور.

السبعة مشروع استعماري حوله النظام إلى جنة للمستوطنين من عمال أميين أو متحصلين على شهادات مدرسية فقط، الوافدين من جبال زاغروس، وجدوا فيه جميع أسباب العيش الرقيد الحالمين به. وقد كان المشروع هذا تصميم الخبراء الأمريكيين والأوربيين، استمر تطويره بعد الثورة على يد أولئك المستوطنين، أصحاب الشهادات المدرسية، حتى تشعب إلى شركات كبيرة وكثيرة أخرى، جلبت أعداد مهولة من المستوطنين الأميين الحالمين: من ضمنها شركة بارس لصناعة الورق، وشركة صناعة الحرير، وشركة أغذية الطيور إلخ. ولم يكن نتاج ستة عقود من الاحتلال والوجه الاستعماري لهذا المشروع، وهو أحد المشاريع التي دشنت في الأحواز، إلا تهجير أهل السبعة، وتغيير أسماء مدنها وقراها، واستيطان جلب الخير للمستوطنين على حساب أهلها وتفقيرهم، في غمرة من تمتع أولئك برفاهيات تضاهي رفاهيات المدن المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة.

وفي التساوق مع تمتع المستوطنين بالمسابح ودور السينماء والأندية الرياضية والمدارس المتقدمة والدعم الحكومي إلخ، مما مهد لهم التقدم العلمي وحصول أعلى الشهادات الجامعية، كان التفقير والتهجير والازدراء وزيادة نسبة الأمية، وانتشار الأمراض إلخ، من نصيب العرب، أصحاب هذه الأرض، والشعب الأحوازي المحتل.

 

 

 

نوري حمزة، صحفي أحوازي

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!