المقصود هنا بالأسرى الأحوازيين هم الأفراد الذين اعتقلوا بسبب تبنيهم لعقيدة سياسية تناهض انتماء الأحواز إلى إيران والذين سعوا لوضع رؤية سياسية تهدف إلى كسر سيطرة إيران على الأحواز. بالتالي، تم اعتقال هؤلاء من قبل السلطات الإيرانية بسبب أفكارهم أو نشاطهم السياسي، وتم إدانتهم بتهم مختلفة من بينها السجن والإعدام، وهذا يعكس النهج القمعي الذي يتبعه النظام الإيراني تجاههم.
أثناء التفاعل مع هذا الموضوع، نسلط الضوء بشكل مختصر على كيفية تعامل النظام الإيراني مع هؤلاء الأفراد. وكما هو معروف بالنسبة لكل نظام قائم على الاحتلال، فإن الاستخدام العنيف للقوة كان سمة بارزة في التعامل معهم. ومن المعروف أيضًا أن هؤلاء الأفراد لديهم مستوى عالٍ من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والالتزام برفعة العلم والقيم الإنسانية. ولذلك، لا يجب النظر إليهم على أنهم مجرمون مدانون بأفعال جنائية، بل على أنهم أسرى ينشرون الوعي بالقضايا الإنسانية والوطنية وحقوق الانسان. ولذلك فإن الحديث عن هؤلاء النزلاء في السجون الايرانية، يعني الحديث حول أسرى جريرتهم هي تبني القضايا الانسانية، ومناصرة حقوق الاخرين.
عند أدنى تحقيق في طرق تعامل سلطات السجون، مع هؤلاء الأسرى، يتبين على الفور بطش السلطات بهم، كما سيرد مصاديق عنه في نهاية هذا التقرير، بطش أقله التعذيب، والحرمان من الدواء، ومنع زيارة الذوين، والسلب عن جميع الحقوق البشرية.
من الملفت للنظر في حالة الأسرى والسجناء السياسيين أو المعتقلين بسبب الرأي في اقليم الأحواز، أن هناك اختلاف واضح في معاملة السلطات بين الفرس والأحوازيين اللذين يواجهون تهما مماثلة. فالتعاطي مع الفارسي الذي يخالف النظام أسهل بكثير من التعاطي مع الأحوازي الذي يعتنق عقائد تختلف عن عقائد النظام. يتمتع الفارسي بمعاملة أكثر رخاء وحق في العلاج واللقاء بأحبائه، بينما يتعرض الأحوازيون للاختفاء القسري، والتعذيب، والقتل بدون محاكمة عادلة، بالإضافة إلى صدور أحكام بالإعدام أو السجن المؤبد.
هناك حالة أخرى مثيرة للدهشة في حالة الأسير الأحوازي، تعد أشد رعبًا من الحالة السابقة المذكورة. هذه الطريقة القاسية من التعامل مع الأسير، التي تنتهك إنسانيته، ليست مقتصرة على الجهات الأمنية ورجال الشرطة والاستخبارات فقط، بل تنتشر في المجتمع بأسره. يظهر هذا التعامل قابلاً للقبول من قبل فئات واسعة في المجتمع الإيراني، ويتجلى ذلك من خلال عدة حالات. فمنها التصريح بضرورة معاملة أي شخص يعتدي على وحدة الدولة بقسوة وقتل، وامتناع وسائل الإعلام الإيرانية، خاصة المعارضة للنظام الحاكم، عن تناول قضايا الأسرى الأحوازيين وتغطية حالاتهم الصعبة، بالإضافة إلى محاولة مدرسي الجامعات والنشطاء المجتمعيين والمؤسسات الثقافية[1] والإعلامية فرض رقابة على النشاط الأحوازي، سواء في الفكر أو العمل، ووضع معايير لضبطه والالتزام بها إذا ما أراد التجنب من كفر الإنفصالية.
وبإزاء هذه الحقيقة بالتحديد نستعرض سريعا جانبا من آراء ميشيل فوكو، بالنظر إلى الحالة الأحوازية أبدا، مما يعيننا على فهم هذه الحالة المجتمعية الفارسية، وتبيين الخطاب الكامن فيها، على سبيل الاختصار. يتناول ميشيل فوكو في كتابة المراقبة والمعاقبة: ولادة السجون تلك الآليات الاجتماعية والفكرية الكامنة خلف التغاير بين نظام السجون قديما: القائم على أساس الأبدان ومعاقبتها، وبين النظام الجديد في السجون: المتقوم على إصابة الروح والفكر والإرادة والحرية، على المستويين الفردي والمجتمعي. تغاير يبدأ من التعذيب في ساحة المدينة بفسخ اليدين والرجلين وتقطيع اللحم والعظم، كما عليه حال المعاقبة قديما، وينتهي إلى تعذيب آخر ناعم وهادئ يتجسد في تعاون على المعاقبة بين المجتمعات الانضباطية.
يقول فوكو: إن هذه السجون الجديدة التي وُضع فيها السجناء، لم تنظر لهم على أنهم مجرد أجساد استوجبت العقوبة، عقوبة لا تطال إلا الجسد حصرا، بل إنها كانت مركزا لإعادة قولبة الفرد وتلقينه المعاييرالمقبولة، وتأديبه على طرائق السلوك يصبح بالالتزام بها فردا مقبولا من قبل السلطة وأصحابها، لا بل يصبح فردا عاقلا يعيش في مجتمع يتقبله. إن المعاقبة المعيارية، إن صح القول، لا تريد للسجين أن يغير من سلوكه فحسب، بل هي عبر تأديبه تريد أن تُظهر للمجتمع أيضا السلوكيات المقبولة للإنسان، بما هو إنسان معياري، له محددات مشتركة. وهكذا العقاب «لم يعد ضمن مجال الرؤية والمشاهدة شبه اليومية، بل أصبح داخلا في مجال الوعي المجرد».
ولكن، ماذا لو كان هذا المعاقب يرفض هذه القوانين التي فُرضت في بلاده؟ وماذا إذا كان يعتبرها علامة من علامات الظلم والهيمنة؟ في هذه الحالة، سيتم اعتباره متمردًا وسيُعاقب على ذلك، سواء بإعادة التأديب له أو بإخضاعه للإعدام. هذه هي الوضعية التي يواجهها المناضل الأحوازي، السجين والمحرر، الذي يواجه نظام الحكم الإيراني الذي يتمتع بقوة واسعة الانتشار.
من هنا يمكننا سريعًا فهم القمع الذي يتعرض له الأحوازيون من قبل السلطات الإيرانية، سواء في المجتمع أو في السجون. يعود هذا القمع إلى الاعتقاد الجذري في الوعي الفارسي بأن أفكار المناضلين هي تمردهم على القوانين والمعايير المقبولة، مما يجعلهم غير مرغوب فيهم في المجتمع ويستحقون السجن أو الإقصاء. ولذلك فإن مختلف أساليب التأديب التي تتفنن بها السلطة الإيرانية، بدأ من المدارس والجامعات والجهاز الإداري ومراكز الثقافة إلخ، إنما لتشكيل سلوك محدد أو قمع أي انحراف عن السلوك المعتاد الموافق معهم. ومن هنا أيضا يتم النظر إلى الأسير والمناضل وأصحاب الفكر الأحوازي على أنهم خارجين عن المقبول ويجب حذفهم كليا من ساحة الوجود.
إن هذا المنع الذي يفرض على وصول الأدوية للأسرى، على سبيل المثال، لا يقتصد تعذيبهم كأجساد أو أفراد فحسب، بل هو بالدرجة الأولى يتوخى التوكيد على المقبول عندهم؛ ولأن هؤلاء قد خرجوا عن المقبول أو شروط السلطة وبذلك فإنهم بمستوى بشري أسفل بالنسبة للنظام الفارسي، ومن ثم يتم سلب حقوقهم التي يستأهلها كل فرد. هذه القسوة من السلطات الفارسية انما هي معاقبة للوعي الفردي والجماعي، حيث تعتبره السلطات عملية تأديبية جماعية يكسبها من خلال الشعور بوجع الاخر أو معاناته وبالتالي قبول عقيدة مغايرة للحراك الأحوازي أو موافقة للنظام الايراني. فإذا ما كان الأسير يتبنى فكرة تحرير الأحواز أو دعم الحراك الأحوازي، فإنه بذلك جلب لنفسه وِزْرَ عقائد تكسب له الحرمان من الحقوق مما يتمتع به الإنسان الاخر.
وما دام الأمر على هذا الحال، فيصبح الطريق معبدا لإنزال صنوف التعذيب بالأسرى الأحوازيين، نجمل منها الأمثلة التالية، وهي تتلخص في أربع: التعذيب النفسي؛ ونقل سجناء الجرائم المدنية نظير القتلة والسراق وتجار المخدرات إلى زنازين الأسرى؛ والاختفاء القسري؛ والتعذيب الجسدي الطبي.
1) التعذيب النفسي:
يلازم التعذيب النفسي، عملية التعذيب الجسدي في سجون النظام الإيراني، حيث تكون الأساليب النفسية لإضعاف معنويات الأسير وإرقامه على الاعترافات القسريه. ومن أبرز فنون هذا العذاب النفسي، وفق روايات الأسرى المحررين، هي:
-
الإعدامات المفبركة:
حيث يقوم مسؤلو السجن بإخبار الأسير عن صدور حكم بالإعدام عليه، سيتم تنفيذه في فترة لاحقة. وعادة ما يتأخر السجان في إبلاغ موعد التنفيذ، إلى بضعة شهور في بعض الحالات، ليضع الأسير في حالة انتظار تفضي إلى انهياره. وبعد إخبار الأسير بيوم التنفيذ، يأتون إليه في الصباح الباكر، يذهبون به إلى حبل المشنقة، واضعين المشنقة حول رقبته، وما إنْ يبتدي الشنق، حتى ينقطع حبل المشنقة. وعند وقوع الأسير على الأرض، يخبرونه بأن انقطاع الحبل أرجأ عملية التنفيذ إلى أجل مقبل، وهكذا تتكرر هذه اللعبة في التعذيب.
-
الوضع في التوابيت:
وهنا يؤتى بالأسير، فيوضع في تابوت حديدي أعد سلفا، يبلغ ارتفاعه 50 سنتي متر، وطوله 175، بالتقريب، ثم تركه هناك داخل التابوت لفترات زمنية تطول ساعات. ويذكر الأسرى أن معظمهم كان يغمى عليه بعد نصف ساعة من المكوث فيه نتيجة صعوبة التنفس. كما أن الأسير الطويل القامة يواجه صعوبة أكبر نتيجة اضطراره جمع رجليه، ليؤدي ذلك إلى صدمات في الركب. إلى جانب ذلك فإن الوضع في التابوت الحديدي يصاحب في بعض الفترات الضرب على جوانبه بالعصي، وهو ما يسبب جراحات في الأذن وفقدان حاسة السمع عند حالات يشتدد فيها الضرب على حديد التابوت من قبل أفراد التعذيب.
-
الحبس الإنفرادي:
وهي أكثر الأساليب شيوعا في سجون الاحتلال، إذ قضى بعض الأسرى شهورا عديدة من الإنفرادي، لا يلتقون فيها بأي بشر، ولا يخرجون من زنزانتهم الضيقة. وعادة ما تكون الغرفة الإنفرادية خالية من أية وسائل يحتاجها الفرد بشكل يومي.
-
منع اللقاء بالأقارب:
ولقد كثرت الحالات التي منع فيها الأسير الأحوازي من لقاء أهله وزوجه وأبناءه، في جميع الظروف، حتى في الحالات التي يموت فيها أحد أقاربه، أو أمه وأبيه. وفي حالات نظير حالة الأسير مختار ألبوشوكة، ومحمد علي العموري، أو الاسيرة فهيمة بدوي الذين اقتربت فترة أسرهم إلى عقدين، فقد كان المنع من لقاء الأهل منعا باتا، خال عن أية مأذونية للقاء الذوين، أو أية رخصة طبية حتى، إلى جانب ذلك يتم منع الأهل من زيارة قريبهم في السجن أيضا، وذلك إما بإرهاب الأهل أمنيا، أو بإخفاء الأسير وعدم الإبلاغ عن مكان أسره. وهذا الإخفاء القسري عادة ما يكون نصيب الأسير في السنوات الأولى من أسره، إذ تتكتم السلطات عن الإفصاح عن مكان السجن بصورة تامة.
-
نقل سجناء الجرائم المدنية إلى قسم الأسرى:
إن هؤلاء الأسرى، كما ذكر سابقا، ليسوا لصوصا ولا محتالين ولا قتلة إلخ، بل إن سجلهم السلوكي وأخلاقهم المجتمعية تثبت بالمطلق، أو يكاد، مستويات راقية من التصرف الإنساني، والمعاملة الحسنة، وتقدما علمي كبير. فجلهم أو بينهم الكاتب والمعلم والمهندس و الشاعر والأديب إلخ. ولذلك فإنهم غير محتكين بأمثال المجرمين الذين يجلبون للسجون، ولا يتقنون أساليب التعامل مع رجال ونساء حكم عليهم بجرائم جنائية. تعامل قد يتطلب عنفا كبيرا، ومخاطرة وأساليب غير حضارية، ولذلك فإن نقل المحكومين الآخرين إلى قسم الأسرى، هو محاولة ضاغطة من جانب السلطات، لجعلهم يعانون من التعامل مع المحكومين، ووضعهم في موقف يتعرضون فيه لشتى المخاطر من ضرب، وكسر مواضع البدن، والتعرض للبتر من سكاكين السجناء، وشتى صنوف العنف المنتشر في السجن. وفي مثل هذه المحاولات كان رد فعل بعض الأسرى تسريب احتجاج ضد هذا القرار، والإشارة إلى المخاطر التي تهدد حياتهم جراءه. كما قام أسرى آخرون بالإضراب عن الطعام احتجاجا على مثل هذه القرارات. وفي حالة حزينة كان عدد من السجناء قد اعتدى على كتب الأسرى، فقام بإتلافها، فتسبب لهم بألم كبير، خاصة في ظروف الكتاب فيها سلعة نادرة جدا، يمانعه السجان.
-
الاختفاء القسري:
وهو نصيب جميع الأسرى في بدايات الأسر والقاء القبض. ولكن هذا الأسلوب في التعامل يمتد إلى طول فترة الأسر أيضا، لأن سلطات السجن عادة ما تعمد إلى إخفاء مكان الأسير عن أهله، عبر التصريح بنقله إلى محافظات إيرانية أخرى؛ وذلك إما محاولة لمنع اللقاء، أو محاولة لإخفاء آثار التعذيب الظاهرة على جسده ووجهه، في أنفه وأسنانه وعينيه، تجنبهم أية مساءلة قانونية قد يقدم عليها ذوي الأسير. إلى جانب ذلك يكون الاخفاء القسري حل سائدا عند ما يتم قتل الأسير تحت التعذيب، إذ في مثل هذه الحالة تتجنب السلطات القضائية والشرطية، من الاعتراف بمكان الأسير، للتنصل من المسؤلية القانونية لقتله، تماما مثل ما حدث للشهيد ناصر الخفاجي (خفاجيان) الذي لا يعلم مصيره لغاية الآن؛ بعد أن أفاد رفاقه بأنه استشهد تحت التعذيب، وقامت السلطات بالتخلص من جثته، وامتنعت عن تسليمها لأهله بعد سنين طويلة من السجن والأسر.
2) التعذيب الجسدي الطبي:
وأما التعذيب الجسدي فله عدة مظاهر وسلوكيات، وهو الأكثر انتشارا في سجون الاحتلال الإيراني، يكاد يمارس يوميا ضد الأسرى. ومن أبرز حالاته هي:
-
منع العلاج:
فمن أكثر الحالات التي باتت تتزايد في الفترة الأخيرة، إثر تقدم الأسرى بالعمر (بعد أن ألقي القبض عليهم في عنفوان شبابهم) هي حالة إصابتهم بمختلف الأمراض، والتردي الصحي البدني المستمر، نتيجة غياب الرعاية الطبية، وعدم وصول الأدوية اللازمة. سجن شيبان، على سبيل المثال، يخلو من طبيب عام، وليس فيه إلا غرفة صغيرة يقوم فيها ممرض بفحص المرضى الأسرى، ويقرر لهم أدوية وحبوبا، عادة ما تكون هي ذاتها التي تتقدم لجميع الأمراض، يعطيها لكل مراجع مريض. بالإضافة إلى بيئة السجن الملوثة جدا، المفقترة إلى أية لوازم الصحة، مما تفاقم حالات الإصابة، وتتسبب بتعاظم الأمراض.
فمثلا يعاني الأسير جابر الصخراوي، المأسور منذ 12 عاما، من مرض “أم أس” وهي حالة نادرة، وسرعان ما تسبب في ضعف بصره، بدأ ضعفا يسيرا كان ممكنا أن يشفى بسهولة، لكن انعدام الأطباء في السجن، وممانعة السلطات من تلقيه العلاج في خارج السجن عبر مأذونية طبية، فاقمت مرض عيونه وجعلته قاب قوسين فقدان البصر. حاله حال الأسرى الاخرين من امثال عبدالإمام الزائري الذي تفاقم فيه مرض البروستات، حتى جعله يعيش حياة مأساوية في السجن، قوامها الوجع الشديد اليومي، وانعدام مقدرته على التبول، وسجن لا يجد فيه أبسط لوازم الأكل والشرب.
-
الضرب والتعذيب:
وبينما هذا هو الحال النفسي والجسدي، فإن سلوك سلطات السجن والعناصر الأمنية، جعلتهم لا يختلفون عن السجناء المجرمين، إذ أن الشتم والسباب هي طريقتهم في الكلام مع الأسرى، وحيث بات الضرب المستمر هو أسلوبهم لإثبات المهابة، وكسب احترام السجناء. فمثلا هناك طريقة في التعامل مع السجناء أطلق عليها كهف الموت: يقف فيها عناصر الأمن على طرفي طابور، وجها لوجه، يفصلهم متر واحد عن بعض، يأمرون الأسرى بالمرور منه، ثم ما إنْ يتجاوز الأسير من وسط هذا الطابور، وهو كهف الموت فعلا، حتى يبدأ طرفي الطابور، من عناصر الأمن، بالضرب بالهراوات والعصي عليهم، مبرحينهم ضربا شديدا، ليأخذ كل أسير نصيبه من كسر الأيادي والرأس وفقرات الظهر، أو نصيبه من كسر الأنف والأسنان إنْ سقط وصار وجهه إلى الأعلى يستقبل وابل ضربات عناصر الأمن. أما مصير الأسير المكسور اليد أو الأنف أو الجسم إلخ، ليس سوى الانتظار لشفاء الكسور لحالها، لغياب الأطباء؛ وعادة ما تشفى الكسور لوحدها على شلل تام أو نصفي. إلى جانب كل ذلك فإن الفترات الطويلة من الخفر جعلت عناصر السجن ناقمين على عملهم، مفرغين سخطهم ذلك على الأسرى؛ الأسرى الذين يعتبرونهم شذوذا عن المجتمع، برفضهم السلطة القائمة فيه، أخلاقيا وقوميا.
-
رداءة الغذاء والمياه:
انعدام المياه الصالحة للشرب، وعدم وجود شبكة صرف صحي صحيحة، وتردد الفئران والحشرات في غرف السجناء والمطبخ، وعدم تخصص ميزانية كافية لغذاء السجناء، وفقدان الثلاجات لحفظ الأغذية في مطبخ السجن وغرف الأسرى، كل تلك أمور تجعل الشأن الغذائي مترديا إلى أبعد الحدود. فجل الأسرى، إلى جانب السجناء، يصرحون بأن الوجبات التي يتم توزيعها في السجن ترجع من دون أن يأكلها معظم السجناء، وذلك لشدة رداءتها وبشاعتها. وكان أحد الأسرى المحررين قد ذكر بأن الحيوانات ذاتها لم تكن تستطيع قضم طعام السجون. أما بخصوص المحل المخصص لبيع الأغذية في السجن، فعانى جل النزلاء من ارتفاع الأسعار حيث سعر السلعة الواحدة يبلغ أضعاف أسعار خارج السجن، وذلك على مسمع المسؤلين الذين لهم حصة من مبيعات السجن وارتفاع أسعار المواد المعروضة فيه. وكل ذلك في ظل حقيقة جعلت الأسرى مفقرين بفعل مكوثهم الطويل في السجن، أضعف من موارد أسرهم أيضا، وجعلهم يعانون فقرا. وهذا يظهر جليا في عجز أسرة الأسير من تخصيص موارد شهرية، أو أسبوعية، لتأمين مصروفه في السجن.
-
تكدس السجناء مع الأسرى في غرف ضيقة:
وتفيد معلومات الأسرى المحررين بأن غرف سجن كارون في الأحواز، أو سجن شيبان، لا تتسع إلا لعدد معين لا يتعدى 10 أسرة بطابقين عادة في الغرفة الواحدة. ولكن سلطات السجن عادة ما تقوم بزج 40 أو 50 سجينا في الغرف تلك، التي لا تتسع إلا لعشرين. وهذا التكدس البشري يبلغ الذروة عند الإنتفاضات التي تخرج في الأحواز، إذ تتبعها حملة اعتقالات واسعة، تجعل السجون تضيق بالأسرى.
هذه هي نماذج التعذيب في سجون الاحتلال، وتلك هي أساليب التعامل مع الأسرى، بين تجويع ومهانة ومنع علاج ولقاء أحبة، وبين ضرب وكهف موت وإخفاء قسري وتوابيت حديد.
كل ذلك سبيلا إلى سلب صفة الإنسانية من الأسير الأحوازي: المعلم، والشاعر، والموظف، والمهندس، والأب إلخ؛ ذلك الأسير الذي يخلو سجله المدني، ما قبل أسره، عن أية مخالفة مدنية وإنْ على حد تجاوز إشارة مرور. أجل كل ذلك سبيلا إلى تلقين المجتمع الأحوازي ما يجب عليه تجنبه، وتأديبه على سلوك العقائد المطلوبة، وحصره في معايير فرضها صاحب السلطة الفارسية.
إن هذا التعامل يستهدف بالدرجة الأولى المجتمع قبل الفرد، فهو لا يريد للفرد أن يتأدب بشحمه ودمه، بل هو يريد النيل من هذه العقائد والرؤى التي حملتها الأبدان، الرؤى التي لها في المجتمع مكوث وقبول. فما من ضربة وجهت لأسير، ولا دواء حجب عنه، ولا إعدام ناله شهادة إلخ، إلا فيها كلها محاولة لترهيب المجتمع، الأحوازي، وترسيخ خوف فيه من محرمات أصحاب السلطة، وتبعاتها المثبتة منه. فإذا ما تعامل النظام الإيراني مع أسرى المناضلين بهذه الطريقة المشروحة أعلاه، ثم سرب بعمد جميع الروايات التي تقصها وتنشرها، فإنه بذلك أراد الوصول إلينا، نحن الشعب بالدرجة الأولى، والأجيال اليافعة الجديدة، من فتيات وشبان، محذرا إيانا من أن صغر السن لا يشفع عنده إن انتهى بسلوك الطريق ذاته الذي سلكه قبله الأسرى. فجلهم في العشرينيات، وقليل منهم في الثلاثينات، حين ألقي القبض عليهم ووضعوا بسجون الاحتلال. فقضوا فترة شبابهم في التعذيب والتجويع والحروب النفسية للسجان.
[1] . نذكر هنا السيد مجتبى كهستوني، الذي تحول إلى أداة رقابة واستطلاع استخباري، يرصد جميع كتابات الأحوازيين واتجاهاتهم الفكرية، عبر تسليطه الضوء على «خفايا» نوايا الكتاب العرب، من الشعب الأحوازي العربي، وعرض مقتطفات من كتاباتهم وفيديوهات من نشاطهم الميداني، يحث بها السلطات على التصدي لهؤلاء الذين يطلق عليهم اسم الإنفصاليون/تجزيه طلب.