الإثنين, نوفمبر 18, 2024
مقالاتتداعيات طوفان الأقصى على مسار التقارب السعودي الإسرائيلي، وسيناريوهات حل الأزمة

تداعيات طوفان الأقصى على مسار التقارب السعودي الإسرائيلي، وسيناريوهات حل الأزمة

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

بات جلي لأي قارئ ظل الآثار السلبية لعملية “طوفان الأقصى” على مسار العلاقة السعودية-الإسرائيلية خصوصاً، والعربي/الإسلامي-الإسرائيلي المحتملة عموماً، بدفعها للوراء زمنياً، أو وضعها في الثلاجة مؤقتاً ولربما دفنها، لاسيما بالنظر لمواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الرافضة لحل الدولتين، إرضاءً لشركاء حكومته المتطرفين، أو بالنظر لسخونة بعض نقاط الاشتباك الإقليمية بدعوى مؤازرة غزة، ما قد يؤدي لانفجار إقليمي، سعت واشنطن وشركاؤها الإقليميون لتجنبه.

ورغم إشكالية القول بعلم إيران المسبق ب “طوفان الأقصى”، ومسؤوليتها المباشرة أو غير المباشرة عنها. إلا أن المؤكد، “مثالية الواقع الحالي لإيران”، كأكبر مستفيد من تعطيل عملية التقارب السعودي/العربي -الإسرائيلي، باعتبارها تستهدف إيران وتخصم من نفوذها الإقليمي، وفق المنظور الإيراني. وإلى ذلك أشار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالقول: “كنت على وشك الجلوس مع السعوديين … أراد السعوديون الاعتراف بإسرائيل” مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومؤخراً، دعا ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى إقامة دولة فلسطينية على طول حدود المنطقة قبل عام 1967. ووفقاً لموقع The Economist، ستستمر المحادثات مع إسرائيل، لكن بهدوء أكثر من قبل، وبثمن أعلى إسرائيلي، ذلك أن صيغة السلام مقابل السلام التي أقرتها اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، التي قال عنها نتنياهو: “مكنتنا من الخروج من معادلة الأرض مقابل السلام مقابل السلام”، لم تعد سارية المفعول.

 

ما قبل السابع من أكتوبر

 

وأدت عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، زيارة مقررة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن إلى الرياض وتل أبيب، بهدف الدفع نحو اتفاق بناء العلاقات السعودية الإسرائيلية. ومع نفيه إمكانية التنبؤ بنتائج عملية التفاوض الشاملة، إلا أنها ممكنة، حسب بلينكن. وفي حال التوصل لاتفاق “سيشكل ذلك تغييراً كبيراً”. قبلها، ناقش منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، وآموس هوكستين، كبير مستشاري بايدن للطاقة والبنية التحية، مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وكبار المسؤولين السعوديين البنود المتعلقة بالاتفاق. حيث تفاوض الجانبان على اتفاقية أمنية محتملة بين الرياض وواشنطن، مع دعم محتمل من الأخيرة لبرنامج نووي مدني سعودي، مع موافقتها على مبيعات أسلحة متطورة للرياض، كجزء من الصفقة. إلى جانب مباحثات موسعة تشمل السعوديين والإسرائيليين والفلسطينيين، تتعلق بتنازلات إسرائيلية للفلسطينيين.

حينها، أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إلى محورية حل القضية الفلسطينية لدى الرياض، وأن ثمن التقارب السعودي-الإسرائيلي هو الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة و مستقلة. وعليه، صاغ السعوديون والفلسطينيون موقفين: “أمثل” و”واقعي”، “الأمثل” موافقة تل أبيب على مبادرة السلام العربية لعام 2002، و”الواقعي”، ضمان نتائج كبيرة قابلة للتنفيذ من قبل إسرائيل، تؤدي إلى قيام دولتين، إسرائيلية وفلسطينية خلال فترة زمنية محددة بدقة.

ومن جانبه، اتفق الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على تضمين صفقة التقارب السعودي-الإسرائيلي مبدأ الحفاظ على احتمالية اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني مستقبلاً. إذ يجب أن يحتوي الاتفاق “عنصراً خطيراً يتعامل مع القضايا الأساسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، حسب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل. فيما جادل نتنياهو كثيراً بأن الصفقة مع الرياض يمكن أن “تنهي بشكل فعال الصراع العربي الإسرائيلي”.

وهو ما بات يعرف ب “عقيدة “نتنياهو”، القائمة على الوصول لاتفاقيات مع دول المنطقة دون حل القضية الفلسطينية، وقد ضمّنها كتابه “رجل تحت الشمس”، حسب الباحثة المختصة بالشؤون الإسرائيلية ومؤلفة كتاب “المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل”، سارة شريف. تطرح الرياض القضايا الفلسطينية بأمل الحصول على تنازلات كبيرة من الإسرائيليين في هذا الجانب. “لكن الواقع ليس كذلك. فالمطالب المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية، وهدم بعض المستوطنات، وتسليم بعض الأراضي في المنطقة (س) للسلطة الفلسطينية، وحديث حل الدولتين، أو العودة للمبادرة العربية بعيدة عن التنفيذ من قبل إسرائيل والولايات المتحدة آنذاك”.

وخلال حديثها للكاتب، قالت شريف: “تكررت تصريحات كثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، كانت تعقبها تصريحات تبّعد الوقت بمبرر مشاكل معترضة. إلا أن الأخبار العلنية عن زيارة وزراء إسرائيليين للرياض، وهو ما لم يحدث سابقاً، أعطى مؤشراً بارزاً على قرب التوصل لاتفاق”. حيث “كان يرجّح الوصول إليه خلال مدة بين 3-9 أشهر، ما لم تذهب التوترات الإسرائيلية الداخلية تجاه حدث مؤثر”.

 

“طوفان الأقصى” زائر غير متوقع؟

 

خلال مقابلته مع شبكة فوكس نيوز، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان: “نقترب كل يوم أكثر فأكثر من بناء العلاقات مع إسرائيل”. وإلى جانب إشارته لدعم إدارة الرئيس بايدن “للوصول إلى تلك النقطة” أعرب ولي العهد عن أمله بوصول المفاوضات “إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط”.

بدوره، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، إن اتفاقاً إطارياً توسطت فيه الولايات المتحدة لإقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية قد يتم إبرامه بحلول بداية العام المقبل(عام2024). وهو ما لم يترجّح لدى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان، بظل حكومة إسرائيلية ترفض تقديم تنازلات سياسية للجانب الفلسطيني، حاصرةً تنازلاتها في الجانب الاقتصادي، مع إمكانية الموافقة على نقل المناطق الفلسطينية المصنفة (ج)، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية إلى المناطق (أ)، الخاضعة للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، رفض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش دفع هذا الثمن، بقوله: إن إسرائيل غير مستعدة لإيقاف الاستيطان، أو حتى التخلي عن المزيد من المناطق (ج) للسلطة الفلسطينية، “فما بالك بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية”. ومن هنا يمكن فهم تساؤل بن درور يميني، حول اختبار نتنياهو للمصالح الاستراتيجية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أم الذهاب إلى الرؤية “الكابوسية” لدولة واحدة بقيادة سموتريتش وبن غفير؟

فوفقاً ليميني، واشنطن محتاجة لصفقة مع الرياض ستشمل اتفاقية دفاع أمريكية سعودية وتطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية. وهذا يحتاج مرونة إسرائيلية في السياق الفلسطيني، نظراً لما تنطوي عليه الصفقة من “تغيير استراتيجي” يُضعف إيران وروسيا والصين، ويجعل واشنطن القوة الأكثر نفوذاً في المنطقة. وبعد التنويه لمنافع اقتصادية تقدر بتريليونات الدولارات، قد تدرها الصفقة، عبر الممر الاقتصادي “الهندي-الأوربي-الشرق أوسطي”. يُشير يميني، إلى أن واشنطن لا تحتاج إلى دولة فلسطينية، بل إلى موافقة إسرائيلية عليها، بغرض تمكين الرياض من توقيع الصفقة “الضخمة”. ففي ظل الصراع المميت وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وبالنظر لتاريخها الطويل في دعم الفلسطينيين، تتعرض الرياض، لضغوط شديدة تدفعها لعدم إتمام أي تسوية مع إسرائيل حالياً. لذا، يشدد السعوديون على حاجة تأمين الحقوق الفلسطينية قبل توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. إذ إن حساسية القضية الفلسطينية والمكانة الرائدة عربياً وإسلامياً للمملكة، حسب عبد الله بن فهد الربحي في معهد الشرق الأوسط، تحّتم على الرياض حسابات استراتيجية لتحركاتها في أي مسألة يمكن أن تؤثر عليها أو تتأثر بها. مما يرجح تأجيل التقارب  مع إسرائيل إلى أن يتم ضمان مكاسب معقولة للفلسطينيين.

 ويُشير سفير الرياض في لندن، الأمير خالد بن بندر، إلى ذلك بالقول: “بالنسبة لنا، نقطة النهاية النهائية لا يجب أن تقل عن “دولة فلسطين المستقلة””. مضيفاً “كنا قريبين من التطبيع، وبالتالي قريبين من دولة فلسطينية. فلا يمكن أن يأتي واحداً دون الآخر. التسلسل، وكيفية إدارته، هذا ما تم مناقشته”. وبعد التنويه، لإيقاف الرياض للمحادثات بعد عملية “طوفان الأقصى”، يضيف السفير، أن التقارب لا يزال أملاً، “ولكنه لن يأتي على حساب الشعب الفلسطيني”، فأي اتفاق يجب أن يؤدي ل “إقامة دولة فلسطينية”. من جانبه قال بلينكن للصحفيين، بعد لقائه ولي العهد السعودي خلال جولته الأخيرة في المنطقة: “هناك مصلحة واضحة في متابعة ذلك، لكنه يتطلب نهاية الصراع في غزة، ويتطلب أيضاً وضوح مسار عملي لدولة فلسطينية”. وهو شرط لايزال ساريا حتى اليوم، لأي تفكير صادق بالتقارب السعودي الإسرائيلي، حسب  ر. كلارك كوبر، في المجلس الأطلنطي. وفي ختام جولته، قدم بلينكن عرضه لنتنياهو: سيدعم الزعماء العرب التكامل الإقليمي، بما فيها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل إنهاء حرب غزة، في مقابل موافقة إسرائيل على مسار واضح يفضي لدولة فلسطينية موحدة تضم الضفة الغربية وغزة. ودون أن ينسى تذكير مضيفه، بأن تبنّي اقتراح واشنطن سيتطلب بعض الخيارات الصعبة من جانب الإسرائيليين. أصر بلينكن على أن الوعد بالسلام الإقليمي الدائم يستحق ذلك.

في المقابل، يصر نتنياهو على سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن (إسرائيل والضفة الغربية وغزة)، “وهذا لا يمكن التوفيق بينه وبين دولة فلسطينية”. وأمام هذا الإصرار، تزايد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الموقعين على تعديل يمكن أن يضع شروطاً على المساعدات العسكرية لإسرائيل، بعد رفض نتنياهو القاطع لإقامة دولة فلسطينية. وبحسب خبيرة شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كيم غطاس، الدول العربية “لن تساهم في إعادة إعمار غزة ما لم يكن ذلك جزءاً من تسوية سياسية أكبر، ويبدو أن “نتنياهو لم يفهم ذلك بعد””. لأجل ذلك، نبّه بلينكن نتنياهو علناً إلى أنه لا المليارات ولا آمال التقارب مع السعودية ستكون ممكنة ما لم يوافق على حل الدولتين. لذا، “نحن بحاجة إلى رؤية إقامة دولة فلسطينية مستقلة“. وفي ظل حاجة نتنياهو إلى واشنطن وحلفائها الخليجيين، لتأمين عشرات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة بناء غزة التي دمرتها الحرب كلياً، ينصح ديفيد أوتاوي في مركز ويلسون باشتراط واشنطن علناً عدم مشاركتها في أي خطة لحكم غزة بعد الحرب ما لم يتم “إنهاء أو وقف” توسيع المستوطنات في الضفة الغربية حالياً، وهي الخطوة الضرورية لنجاح أي خطة لإقامة دولة فلسطينية. منوهاً لثبوت جدواها، حين اشترطت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لتقديمها ضمانات القروض المطلوبة من قبل إسرائيل، توقف الأخيرة عن نشاطها الاستيطاني. وهنا لابد من الإشارة لمصالح نتنياهو الخاصة برفض إقامة دولة فلسطينية، نظراً لاعتماد حكومته على دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعو إلى طرد سكان غزة من القطاع بشكل جماعي. لذا، فإن تأييده لإقامة دولة فلسطينية، سيفكك الائتلاف الحكومي وتنهار حكومته.، ومن ثم مواجهة مصير مجهول، نتيجة دعاوي قضائية مرفوعة بحقه.

وخلال زيارته الأخيرة للمنطقة، قال بلينكن: “أعتقد أننا يمكننا التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يمثل فرصة تاريخية للدولتين، بل أيضا للمنطقة ككل”. ومع إشارته لعدم إمكانية تحديد إطار زمني، أضاف الوزير، “إطالة أمد هذه الدوامة لا يفيد سوى إيران والوكلاء الذين يعملون لصالحها. لذلك أعتقد أنه بما أن هذا الاختيار واضح، فإن الناس سيبدؤون في التفكير فيه حقاً واتخاذ القرارات”. لكن للوصول إلى هذا الاتفاق، يجب على إسرائيل الموافقة على مسار لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو الاحتمال الذي رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً، بحسب وكالة رويترز للأنباء. مشيرةً لرؤية واشنطن ضرورة تضمين أي اتفاق تطبيع يدخل في خطط ما بعد الحرب، ضمانات أمنية عربية لإسرائيل مقابل إقامة دولة في ظل سلطة فلسطينية خضعت لإصلاحات. قبلها، أشار بلينكن، خلال جولته الخامسة، لتأكيد ولي العهد السعودي على أمرين: “إنهاء الصراع في غزة، ووقف إطلاق النار. ومسار واضح وموثوق به ومحدد زمنياً لإقامة دولة فلسطينية”. وحينها، أوضح بيان وزارة الخارجية السعودية أن على إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود ما قبل عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لتطبيع العلاقات مع المملكة. مبدداً آمال واشنطن في التوصل لاتفاق ثلاثي بين واشنطن والرياض والقدس هذا العام، حسب جيروزاليم بوست. إذ كانت واشنطن تأمل بأن يكون استعداد إسرائيل للانخراط في عملية سلام بين الدولتين كافيا للسماح للاتفاق بالمضي قدماً.

في المقابل، يشير المحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، إلى أن الاعتراف الأمريكي كلام هلامي، يعاد ذكره في كل منعطف تاريخي بالمنطقة. لكن حالياً هناك عقبتان تواجهان هذا الاعتراف. أولهما، عدم معرفة طبيعة الدولة الفلسطينية التي تتحدث عنها واشنطن، هل هي على حدود الرابع من حزيران 1967، هل تشمل القدس أم لا؟ وثانيهما، اصطدام واشنطن بتل أبيب، الرافضة بقوة لأي حل يفضي لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، أو طرح مدينة القدس على طاولة المفاوضات تماش مع موجة التطرف لديها، التي تطالب بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل. يضيف أستاذ العلاقات الدولية، نبيل ميخائيل، إلى ذلك، ضرورة توافق دولي، وقبول إسرائيلي. فالوعد بحل الدولتين يتطلب تعاوناً بين أمريكا ودول العالم المختلفة، خاصة الدول الخمسة الأعضاء بمجلس الأمن، ولاسيما روسيا لمنح شرعية دولية، وهذا قد لا يتم بسهولة خاصة وأن هناك خلافات دولية. إضافة لحاجته لمصالحة فلسطينية – فلسطينية، فلا يمكن لدول العالم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ومؤسساتها منقسمة.

 

خاتمة

 

استعداد الرياض للتقارب وبناء العلاقات مع تل أبيب مقابل الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة وذات سيادة ليس جديداً. ففي عام 1982 أطلق ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير فهد بن عبد العزيز، “خطة فاس” للسلام، التي طرحتها المملكة في قمة الجامعة العربية في مدينة فاس المغربية، والتي دعت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وإلى “تفكيك المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية منذ عام 1967”. وقد تم إعادة طرحها مع بعض التعديلات عليها، خلال قمة بيروت في آذار/مارس 2002، بوصفها مبادرة سلام عربية. وكذلك حضر المسؤولون السعوديون مداولات مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، كممثلين لمجلس التعاون الخليجي، ضمن أسلوب القيادة من الخلف المفضل للنخبة السعودية الحاكمة. وحالياً، رغم ضبابية الرؤية مضاعفة بدخان المدافع، يلمع بالأفق توافق غربي-عربي على أن السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية هو التحرك الحقيقي على مسار موثوق نحو حل الدولتين. ولعل “خطة النقاط الخمس”،  البريطانية تؤكد ذلك، باقتراحها إنشاء أفق سياسي لإقامة دولة وحكومة فلسطينية تحكم الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الحرب. لذا يجب على واشنطن استغلال هذا الزخم السياسي تجاه مسار عملي منظور لحل الدولتين، لتبديد تردد الرياض حيال العلاقات السعودية الإسرائيلية، والذي قد يشكل بوابة كبيرة تعبرها دول عربية وإسلامية عدة بعد الرياض. وإلا فإن أدوات التخريب الإيرانية ستبقى مؤثراً برسم شكل المنطقة لسنوات. لكن بالنظر إلى الجوانب العملية الأوسع لتنفيذ حل الدولتين، وترسيم كل شيء من حقوق المياه إلى المجال الجوي والجغرافيا “من النهر إلى البحر” دون تقسيم إسرائيل في هذه العملية. مع مشاكل سياسية أكثر صعوبة، تتمثل بنقل 700,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية. إضافة لتحد أعقد يتضمنه التعامل مع مسألة القدس. إلى جانب ذلك، يبدو المزاج العام الإسرائيلي بعد عملية “طوفان الأقصى” غير موات للحديث عن حل الدولتين. وهو ما ينسحب على المزاج الفلسطيني أيضاً، الناظر للحرب على غزة بكونها حرباً على الفلسطينيين، وليست حربا على حماس فقط، يسعى نتنياهو من ورائها تهجير الفلسطينيين من أرضهم بغية وأد قضيتهم.

وعلى ما سبق، تتعقد السيناريوهات، نتيجة تداخل مسار التقارب السعودي-الإسرائيلي مع مسار حل الدولتين، الذي قارب عمره ثمانية عقود دون إبصاره للنور. إضافة لقيام هذا المسار على قواعد ثلاثية، أمريكية-سعودية-إسرائيلية، تلتزم كلاً منها بالتزامات معينة للوصول إلى الصفقة. مع ذلك يمكن رسم هذه السيناريوهات على النحو التالي:

  • بقاء المسار مفتوحاً طيلة المدة الباقية لولاية الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، دون تقدم ملحوظ أو توصل لاتفاق. ويعزز هذا الاحتمال، الإصرار الإسرائيلي على متابعة الحرب، ما يشكل عامل ضغط على القيادة السعودية، الراغبة في الوصول لاتفاق يساعد الرياض في الإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة وفي نفس الوقت تحقيق الأهداف الطموحة لخطة 2030، دون خسارة مكانتها الرائدة في العالمين العربي والإسلامي، لاسيما في ظل التنافس السعودي-الإيراني المحموم على هذه الريادة. إضافة لرغبة الرياض بمنح هذا المكسب السياسي لإدارة أمريكية غير ديمقراطية. وهو السيناريو الأرجح.
  • التوصل لاتفاق لبناء العلاقات السعودية الإسرائيلية خلال الأشهر المتبقية من ولاية الرئيس بايدن. وهو احتمال يضعفه ما سبق، ويزيده إبعاداً، توسعة الحرب إلى رفح، دون تمكن واشنطن من لجم جموح الحكومة الإسرائيلية الحالية. ويتقوى في حال تمكن الولايات المتحدة من كبح جماح نتنياهو وحكومته تجاه الحرب على غزة، أو بإمكانية إحداث أو حدوث تغييرات حكومية إسرائيلية، تفضي إلى حكومة أكثر استعداداً لمناقشة قضايا الحل النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بموجب اتفاق أوسلو لعام 1993. وتصب الخلافات المعلنة وغير المعلنة بين واشنطن وتل أبيب في هذا السياق. وآخرها، عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، لتعطيل قرار وقف إطلاق النار في غزة.
  • بقاء المسار مفتوح مع إحالة بلوغ نتيجته المرجوة إلى الإدارة الأمريكية القادمة. وهو سيناريو مرجح أيضاً، لاسيما أن كل من السعودية وإسرائيل تأملان وصول إدارة جمهورية، تعتبرها كلتا الدولتين، أقرب إليها، وأكثر تجاوباً مع مطالبها.

 

عمار جلو، باحث وصحفي سوري

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!