المقدمة
تفاقم الأزمات والأوضاع المتردیة شغلت، وتشغل، بال البعض القلیل من أفراد مجتمعنا. وقد حاولت ثلة من تلك الفئه القلیلة أن تعمل شيئا ما، أو تبحث عن بعض الحلول لحلحلة المشاکل المتراکمة والمزمنة منذ عقود وعهود. لقد تعودنا مرارا و تکرارا علی الاجتماعات ومناقشة مختلف قضایا شعبنا الأحوازي، نظریا، والتحليق نحو افاق علیا، بالحلول المثالیة والسطحیة الساذجة، ورسم خرائط ذهنیة خیالیة للمستقبل. ولکن عندما ننزل إلی واقع الشارع سرعان ما تتبخر هذه الطموح، وتذهب أدراج الریاح، ونقف حائرین مصابین بالذهول والدهشة بسبب مرارة الواقع المأزقي، ونشتم الزمان، ونتحسر علی ماجری وما یجري علینا. فنعود نلوم الشعب ونذمه، فضلا عن إصابة البعض منا بالإحباط والإخفاق، والتنحي جانبا والانشغال بشؤون الحياة الفردیة، وربما يكون ناقما علی الآخرین ویراهم جزءا من أسباب التعاسة والفشل . بعد هذا الکم من التجارب والاخفاقات من الضروري أن ندرس أسباب الفشل أو تعثر مشاریعنا ومعرفة سبل تجاوز العقبات.
أما العمل الوطني فإنه يميز بكونه عمل طوعي، لا ينهض به إلا من توفرت فيه صفات مميزة، تجعله يقدم الأمر الجمعي على الفردي، يقدم الأخلاقي على المصلحي، والمعنوي على الغريزي. وعادة ما يتطلب توفر هذه الصفات والشروط، يتطلب ترويضا للنفس، وتأديبا للذات الفردية. فعندما يكون للفرد تشخصا فرديا، فإنه يمتلك وعيا ذاتيا، يستطيع من خلاله أن يتسامى عن أناه الضيقة، الأنا الغريزية، أو الأُسرية أوالفئوية أوالقبلية، ويحمل بدلا عن ذلك هموم شعب، أو الإنسانية برمتها. وهذا هو حال المبدعين والفلاسفة والمنضالين، الذين مكنتهم فرديتهم الواعية ذاتيا، من تمثيل شعب برمته، أو الجنس البشري قاطبة. ولأن هذه الشروط لا تتوفر إلا لدى عدة قليلة، فإن التذكير بأهم شروط حيازة هذه الذات، ذات المنضال الذي يعمل عملا وطنيا، تصبح هي الشروط اللازمة للعمل الوطني برمته.
إن العمل الوطني بهذا المعني، هو عمل أخلاقي، يندرج في صلب الأخلاق، بالمعني الفلسفي لها. وإذا كان العمل هذا يتمظهر في الميدان السياسي بالدرجة الأولى، وفي الميدان المجتمعي، فإن ذلك التمظهر يجب أن لا يحجب ذات العمل النضالي الوطني، وهو الانتماء للأخلاق، وحامل الأخلاق الجماعية السامية، أي المنضال. وسنحاول فيما يلي من القول التطرق إلى أهم شروط العمل الوطني، فنشير إليها كل هذه الشروط في ترابطها وتلاحمها، بين ما هو علمي، وما هو عملي، وما هو أخلاقي وما هو مجتمعي إلخ. وذلك لأن العمل الوطني عمل ساحته عامة، ساحة المجتمع الشاملة، ما يحتم عليه ترابط مختلف الساحات والمستويات.
ونجمل أهم هذه الشروط في الأمور التالية: 1. المعرفة (الوعي ) 2.الإیمان 3. الشعور العالي بالمسؤولیة الوطنیة 4. التحلي بروح المبادرة والإقدام علی العمل 5. العقیدة بالعمل الجماعي 6. التخطیط 7. الإلتزام بالواجب (الاستقامة والاستمراریة) 8. الأخلاق 9. الصبر 10. الخبرة الأمنية
المعرفة
بادئ ذي بدء أعتقد بأن أهم أسباب عدم فلاح مشاریعنا ينبع عن موضوع المعرفة. وذلك أننا نعاني من فقر في مختلف مجالات المعارف البشریة . بدءا من معرفة أنفسنا ومعرفة طبیعة قضیتنا الوطنیة بمختلف أبعادها. کذلك معرفة نقاط الضعف والقوة التي یملکها شعبنا وصولا إلی معرفة عدونا وأسالیبه والاعیبه المختلفة. کذلك لدینا نقص شدید في معرفة البنیة الاجتماعیة والنفسیة والثقافیة المکونة لشعبنا ومعرفة کیفیة إدارة أنفسنا وسبل التأثیر وإحداث التغییر الفکري والثقافي في المجتمع.
قد نحتاج لمعرفة معمقة بالتاریخ لنأخذ العبر من تجارب الماضي، وكذلك نحتاج معرفة بالسیاسة والأمن والإعلام (المیدیا وشبکات التواصل) ومعرفة سبل النضال في العصر الحدیث وکیفیة توعیة الجماهير واستقطابهم وإدارتهم .
إن السؤال الذي یجب طرحه بقوة علی أنفسنا هو أن کیف یمکننا الحدیث عن قضیة بأبعاد متعددة ومعقدة بهذا الحجم؟ وکیف ممکنا أن نطمح ونفلح في إیجاد حلول ومعالجة قضایا شائکة وعمیقة وجذریة دون معرفتها معرفة جوهریة وشاملة، ودون معرفة جمیع الأسباب والعوامل والمتغیرات الداخلیة والمؤثرة في تکوینها؟ لا یمکن لشخص یجهل الجوانب الکثیرة من هذه المعارف، الخوض في العمل الوطني، وتوقع النجاح. لا بد قبل دخول وانخراط أي شخص في العمل الوطني، لابد من تربیته وتنشئته علی أسس ومنهجیة متفق علی أهم معالمها و خطوطها العريضة، حتی یکون الفرد مؤهلا ومستعدا ومتربیا بشکل جید.
وأول ما يجب العلم به هو أن العوائق والتحدیات الراهنة لیست ولیدة اللحظة ولا هي بحدث الساعة، بل هي متراکمة، ونتاج شبکة معقدة من المشاکل تفاعلت فیما بینها طيلة عقود من الإضطهاد والإستلاب. ولكن جل تحالیلنا وقراءاتنا للقضیة، لا تراعي هذا الأصل، ولذلك ظلت قشریة وسطحیة وبدائیة، لم تأخذ جمیع المؤشرات بعین الاعتبار. ولاشك بأن معرفتها جمیعا وکشف علاقتها ببعضها أمر عمیق یحتاج الی تضافر جهود بین أخصائی مختلف العلوم، حیث یستعصي علینا أحيانا فهم وتحلیل بعض المشاکل وتبيینها ووصفها علمیا بالمعنی الدقیق .وهل یعقل أن نتمکن من معالجة قضیة شائکة بینما نجهل الکثیر من زوایاها المبطنة والمقنعة. هذه الاشکالیة الاساسیة تشبه اللغز المعقد الذي یصعب حله!
إن القصد من طرح هذه الاشکالیة هو لیس وضع شروط تعجیزیه للقیام بالعمل الوطني. إلا أن لکل نهضة وتغییر هناك قواعد وشروط وأسس علمیة دقیقة ثابتة، فمن یسلکها ویلتزم بتطبیقها ویتقن منهجیتها سوف یفلح بکل تأکید. فلا بد أن يكون الحجر الأساس لأي عمل وطني المعرفة والإشراف العلمي التام علی القضیة من کل الجوانب وإزالة الغموض والضبابیات المرتبطة به. نؤکد بأن أحد أسباب فشلنا هو أن معرفتنا بأنفسنا وبقضیتنا لا تزال قشریة لا تتجاوز السطح.
یحق لي أن أتفاجئ عندما أرى ناشطا ثقافیا یعمل لفترة عقدین أو أکثر، لکن لا تزال لدیه مشکلة جوهریة بالمعرفة الذاتیة أو بوعیه بنفسه عندما یطرح بعض الاسئلة مثل من نحن وماذا نرید؟ هکذا أسئلة إن دلت على شيء إنما تدل علی فوضی عارمة و تدني فضیع بالمنظومة الفكرية والمعرفية، لأن مستوى الوعي لو كان متحصلا ومتقدما عندهم لما سمعنا مثل هذه الأسئلة من قبل نشطاء یتوهمون بأنهم نخب وتراهم ینعتون أنفسهم بالقاب کالمفکر والأستاذ و…
اذا کان الناشط والفاعل المؤثر لا یعرف ماذا یرید کیف یستطیع العمل، وکیف یمکنه أن یعرف هل وصل إلی مبتغاه أم لا؟ أمثال هذا التخبط موجود بكثرة في أوساط الشعب فحدث عن ذلك ولا حرج عليك! هذا المستوی الفکري المتدني والنشاز یعتبر هبوط بمستوی الوعي للأفراد ومؤشر مؤسف جدا لاسیما إذا کان الفرد مؤثرا، وتقتدي به ولو فئة ضئیلة من المجتمع.
أعتقد بأن أول ما نحتاجه لتأسیس ولبناء أي مشروع نهضوي هو التسلح بالمعرفة ولابد للفرد المعني بالعمل الوطني أن یقرأ ویزود نفسه بالمعارف الضروریة باستمرار وأن یتواصل ویحاور ویشاور ویتبادل الآراء والخبرات والتجارب مع باقي رفاقه من أجل التأسیس لمشروع نهضوي حقیقي ومحکم یتسم بالرصانة ومدعوم بالعلم والمعرفة وبعيدا عن العشوائیة والفوضی.
من لم یقرأ قراءة هادفة وباستمرار لا یمکن أن یکون فکره وقراءاته وتحالیله بالمستوى المطلوب. من بعد حصول المعرفة الضروریة، لابد أن تتکون مجموعات متعددة، قریبة من بعضها بالفکر والانتماء الوطني، من أجل سن قوانین وشروط ووضع أسس وأطر للعمل الوطني، حتی تصبح هذه القوانین بمثابة المرجعیة الفکریة والمیثاق الوطني المتفق علیه من قبل النخب والقوى الوطنية، التي تمثل حقا طموح التیار الوطني، وذلك من أجل القضاء علی التخبط والشتات والخلاف والتباینات الفکریة والإجتهادات المختلفة. لابد من وضع مصدر معرفي ومعايیر للإحتکام والمراجعة، فقد نجم عن فقدان المصدر أو المرجع الفکري إشغال الناس بالاختلاف والجدل والنقد وقذف التهم إلی بعضهم. نحتاج إلی إعادة النظر في تعریف المفاهیم وتبیینها وإزالة غموضها، مثل مفهوم الوعي، والانتماء الوطني، والنضال، والعمل الثقافي و…
لابد أن نعمل بجدیة تامة علی ترسیخ أسس ومبادئ وثوابت النضال الوطني الهادف والصائب، فإن تخلفنا فی هذا الاتجاه وعدم تعزيز هذه القیم، سيعني استمرارالتخبط في الشارع. ولو کانت لدینا رؤى ثاقبة وموضوعیة، بالمعنی الدقیق، لفهمنا أن ما یحدث عندنا من تخبط وضیاع للبوصلة والإتجاه، هو إفرازات ونتائج متوقعة، وذلك بسبب عدم وجود عمل وطني حقیقي وأساسي ومتكامل، بإمکانه تلبیة وتغطية جمیع الجوانب وفهم الأمور بمعناها الصحیح.
مهم جدا التميیز بین النتیجه والسبب، لذلك ینبغي علینا فهم الأسباب، والبحث عن علاجها، بدل انشغالنا بالظواهر والسلوکیات. لاشك بأن هناك قوانین وأسس ثابته وواضحة للتقدم، لکن قبل الخوض فیها نحتاج إلی مفكرين وکوادر وقادة مؤهلین للقیام والتنفیذ والإقدام. إذن الحجر الأساس وقوام النهوض بالمجتمع، هم النخب الحقیقیة والأصیله والکوادر المؤهلة المتربیة لممارسة الأدوار اللازمة.
بكل تأكيد إن توفر هذا الشرط الأساسي، أي وجود نخب وکوادر بمواصفات راقیة ومتقدمة، یمهد الطریق ويسهل الکثیر من الخطط والبرامج المرجوه، فهم یکونون کفلاء بالتخطیط ووضع برامج، والتنسیق والتنفیذ، وحراك الشارع. ویأخذون على عاتقهم مسؤولیة إدارة الشارع، وبتعاونهم ومراجعاتهم یجدون حلول ملائمة لمتطلبات ومستجدات المراحل المختلفة.
نؤکد بإستمرار على أن المشکلة الفکریة أو المعرفیة لاتزال تشکل عائقا کبیرا فی فهم الشعب للقضیة فهما صحيحا ومتقدما. فلم یزل مفهوم الوطن لم یترسخ، أو ربما لم یتکون حتی الان فی المنظومة الفکریة ودائرة تصورات معظم المواطنین. ولم یحصل هذا المفهوم علی حیز فی دائرة وعي وإهتمام أغلب المواطنین.
الإیمان
رغم أن عنصر المعرفة یعتبر السلم الأول للعمل الوطني، وضرورة ملحة لا یمکن تجاهلها، إلا أن المعرفة وحدها لا تکفي بالغرض، بل تحتاج إلی عناصر مکملة أخرى، علی رأسها الإیمان بأحقیة القضیة ونبل الكفاح من أجلها. والإیمان هو ذلك الدافع الذاتي الذي یحرکنا للقیام بالواجب وممارسة المهام، دون أن یحرضنا أو یحفزنا أو یرغمنا أو یغرینا أحد غيره. والفرد المؤمن إیمانا عالیا بحقانیة قضیته الوطنیة، لن یتراجع ولن یستسلم، في حالة تعرضه للأذى أو مکروه أو تهدید أومضايقات أخرى. ربما یغیر فی بعض التکتیکات، لکنه لن یتراجع، ولن یجعل التماشي أو التسایر والإنبطاح دیدنا له. وإن وصل إلی مرحلة لا یستطیع فيها العطاء، فمن الأفضل له الثبات على مبادئه، والاحتفاظ بماضیه، بدل تقديم تنازلات للعدو ويبادر بضياع نفسه.
ومن كان مؤمن وقلبه مطمئن ومملوء ومفعم بالقیم والمبادئ الوطنیة یستحیل علیه التقاعس والتهاون أوالتعاون والتآمر علی نفسه والوقوف ضد مصلحة وطنه. المؤمن القوي لن یخدع، ولن یکون ساذجا أوقشریا یهزه کل ریح، ولایمکن أن یکون إنتهازیا، وهش الفکر، أو ضعیف الشخصیة، ولن تزعزعه الضغوط، بل ینبغي أن یتحلی بالثبات والصلابة والوقار والتفاءل الدائم. کما یجب علیه أن لا یمن علی الناس ولا یستعلي علیهم بسبب تضحیاته وعطاءه. وأن یتمتع بشعور عال بالمسؤولیة الوطنیة، ولن یشعر بالکلل والملل، ولن یحتاج إلی مشجع أو محرض للقیام بالواجب. كما ینطلق ذاتیا وتلقائیا، ویکون دائم الغلیان والحراك والمثابرة. وعندما یرید القیام بالمهمة یعتقد أنها واجبه المباشر، فلا ینتظر الجموع والحشود حتی تجتمع، ولن یکون إتکالي، بل ینبغي أن یکون هو السباق، ولن یقارن نفسه بالأغلبیة المتفرجة والمتقاعسة، ولا یهتم بتخاذل أو تبريرات الأغلبیة ولا یعول علیهم. المؤمن الحقیقي یکرس طاقاته وإمکانیاته وقدراته، بقدر إستطاعته، نحو غایة نبيلة حتی تصبح عنده التضحیة قیمة علیا.
ومن العوامل الذاتیة والموضوعیة التی سببت ضعف الإیمان عند الاحوازیین ما یلي:
أ .الارتباك في إلتزام العمل
ب. قلة المعرفة بالقضیة الوطنیة بأبعادها وتعقیداتها
ج. عدم القناعة التامة بحقانیة القضیة وشرعیتها
د.هبوط الشعور بالمسؤولیة الوطنیة
ه. لم یصبح النضال الوطني قیمة دینیة ومجتمعیة
و. الخوف من عقاب العدو ودفع الثمن
ز. الیأس والإحباط
ح. الإنشغال بأمور أخری(العمل والولع الاقتصادي عند البعض، والملاهي والقضايا الهامشية و…) حالت دون أن تصبح القضیة الوطنیة في صمیم وجداننا، بل جعلتها في أسفل هرم مراتب أولویاتنا، ولعلها أمست عند الأغلبیة في الهامش لا یتذکرونها إلا وقت فراغهم، وحدیثهم حولها مجرد تسلیة وتمضیة وقت.
ط. إستفحال الإنتمائات الفرعية الأخرى کالقبلیة والمناطقية والفئوية الضيقة
الشعور العالي بالمسؤلیة الوطنیة
یتکون الشعور بالمسؤولیة بعد حصول المعرفة والإیمان الکافي بالقضیة الوطنیة. وبعد ما تکوين الانتماء الوطني لابد أن یشعر الفرد بذلك الشعور في داخله، ثم علیه أن یترجم هذه القیمة ترجمة عملیة علی أرض الواقع، من خلال إستعداده النفسي وأن يبذل قصارى جهده في خدمة وطنه.
نعاني بشده وبنسبة مرتفعة جدا من اللامبالاة واللامسؤولیة ومن عدم إکتراث الناس بأمورهم الوطنیة، وهذا الداء العضال الذي ابتلینا به یحتاج إلی نهضة حقیقیة وجادة. قد نرى الأغلبیة الساحقة إما جهلاء بقضیتهم، وإما یتجاهلون ما جری وما یجري علیهم، کأنهم لا یرون ما یمارس وینفذ ضدهم من سیاسات تعسفیة لمحو وجودهم ونهب مقدراتهم.
هناك اشكالية موضوعية عندنا وهي أن نصنف من تكون لديه بعض المشاعر والإنفعالات الوطنية المذبذبة العابرة، بأنه إنسان وطني، فالمشاعر وإن كانت تعتبر خطوة أولانية لتكوين الإنتماء إلا أنها وحدها لا تفي بالغرض، ولابد أن ترتقي إلى مستوى الإنتماء والولاء والأداء والنشاط والفاعلية والمساهمة الجادة والمشاركة بوعي في الحراك الوطني ودعم القضية. لذلك يجب علينا تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.
وصلت اللامسؤولیة عند البعض إلی درجة صاروا عاجزین فيها مستسلمین غارقین فی وحل المنطق التبریري وخلق الأعذار الوهمیة. فهولاء دائما یبررون تقاعسهم وعدم شعورهم بالمسؤلیة. الفرد الذي لا یملك الشعور بالمسؤولیة الوطنیة ینسی بأنه هو جزء من المشکلة. المواطن الذي لا یؤدي دوره تجاه وطنه، ولیس لدیه شعور بالمسؤلیة، فهو جزء من المشکلة لا شك. تراه ناقما وغاضبا ولاعنا الجمیع، ویحمل الجمیع المسؤولیة ما عدا نفسه؛ یتهم الکل ولا یخطر علی باله أن یتهم نفسه أو ینقد نفسه علی تقاعسه وتخاذله لقضیته.
قد نحتاج إلی نخب ملتزمین لدیهم شعور عال بالمسؤولیة، ومؤهلین علمیا ونفسیا، لدیهم الکفاءات والخبرات وقدرة التحلیل والتقییم الصحیح، ومعرفة متطلبات الوضع الراهن، لیتسلموا بدورهم مسؤلیاتهم فی المجتمع، ویقودوا دفة التغییر والنهضة. وفي الأوقات الحرجة وفي الشدائد کثیر من الناس یتنصلون من مسؤولیاتهم، ویبقی الإنسان الملتزم متمیز، یمکن الإعتماد علیه في أوقات الأزمات، وقد یکون عملة نادرة.
فالمثقف الوطني الأحوازي يجب أن يعي ان الكلام والتنظير الفكري الشفوي الخالي من الأفعال لا يكفي، بل يجب تلك أفكار تترجم إلي افعال و تكون مقرونة بالكلمات والتنظيرات الفكرية الحقيقيه لخدمة الأحواز و شعب الأحوازي .وأن الافكار وحدها لا تحقق شيئاً إن لم تكن هناك أفعال تؤيدها وتدافع عنها، ويكون أصحابها قدوة وطنيه لغيره من أجل غيرهم بصحة أفكارهم وكلماتهم.
التحلي بروح المبادرة والإقدام علی العمل
من ضمن السمات الضروریة للناشط الوطني الذکاء والفطنة، لإبداع استراتیجیات واستثمار کافة الوسائل والإمکانیات المتاحة. والمبادرة بإنشاء وابداع أسالیب جدیدة وغیر تقلیدیة وغیر روتینیة، تتناسب مع الظرف الراهن ومتطلبات المرحلة، وتراعي الجوانب النفسیة واستعدادات الشارع. کذلك من الواجب الإبتعاد الکامل عن المشاریع والأفکار التقلیدیة البدائیة التی یسهل کشفها للعدو بسرعة، وقد بات فشلها أمرا محتوما. أیضا ینبغي تجنب الأطروحة الغیر عقلانیة والطوبائیة الخیالیة التی لم تتوفر حاضنتها بالشارع. یجب علینا العمل علی مشاریع تقدمیة وتراكمية بشکل سلس ومرن وتدریجي.
من واجبنا أن نعرف المراحل وترتیبها وعلاقتها ببعض ومتطلبات کل مرحلة. یجب علی الناشط الوطني أن یبدع بالنشاط، ویبادر ویقدم علی مبادرته بکل جدیة، لا أن تبقی مهمته مجرد التنظیر وتقدیم المقترحات والنصائح واللوم. کما ینبغي علیه أن لا یکون مطیعا إنفعالیا ینتظر الأوامر. من الضروري أن یفهم الناشط بأن لکل مجتمع ظروفه الخاصة، ولا یمکن إستیراد أو تقلید حلول المجتمعات الأخری، ومقارنة مجتمعنا بها، أوتطبیق تلك الحلول حرفیا وبکل حذافیرها علی مجتمعنا، لأن لکل مجتمع ظروفه النفسیة والاجتماعیة والتاریخیة والجغرافیة والثقافیة وغیرها من الظروف. یمکننا اقتباس بعض التجارب الناجحة لکن بشروطها اللازمة.
العمل الجماعي
مما لاشك فیه لدینا فقر شدید في جمیع ساحات العمل الوطني، کما وكيفا و هذا لأنه معضم العمل الاعلامي و الحقوقي و الثقافي ينتج من محاولات فرديه و ليس عمل جماعي . للعمل الجماعي الوطني أهمية عظيمة، ليس فقط لإنجاز العمل بشكل أسرع وأتقن وأفيد وأنفع، وإنما لصحة الفرد النفسية، والشعور بالانتماء لهدف وطني نبيل وخاصة في ظل الظروف الصعبة وما يكتنفها من ضيق وقلق وهم وغم ومرض و صعوبة في المنفي و داخل الأحواز، وما كل ذلك إلا لأن الجماعي يجعل الفرد ينتمي إلي قضيته الاحوازيه، ويحبها، ويعمل على مساعدتها في نقلها و التعريف بها عالميا ، و هذا يخلق شعور بالسعادة والراحة النفسية في الوقت نفسه لکن وبکل أسف أمسى تحقیق هذا الأمر من الأمنیات الصعبة المنال في مجتمعنا. فکم من فرص وتجارب وأعمال ومنطلقات ومبادرات أفشلتها الأنانیات والسلوکیات الصبیانیة والنرجسیات والشغف المفرط للزعامة والعطش لاشباع نزعة الشهرة وفرض الرأي والعناد الذي جوهره الجهل والتخلف الفکري وضیق النظر. وکم عرقلت الفرقة الحمقاء مسیرة نضالنا وأهدرت طاقاتنا وشتت شملنا. لکنا لا نیأس ونأمل بعد حصول الشروط السابقة (المعرفة، والایمان، والشعور بالمسؤولیة، والتحلي بروح المبادرة) تقل وطأة النزعات الفردیة، وتتهيئ الأرضیة اللازمة لترسیخ قیمة العمل الجماعي. لأن قضیتنا تحتاج إلی تضافر في الجهود، وسعي حثیث من قبل أفراد ومجموعات وفئات لابد أن تکون التضحیة والایثار والتواضع نصب أعینها.
الخلاف یعرقل إنجاز الأعمال ویؤخرها، بینما الإتفاق یوثق رابطة الناس مع بعضهم، فتشیع بینهم رابطة المحبة والألفة. فلا بد أن نعمل بکل طاقاتنا علی تعزیز التکاتف والتماسك والوحدة، لأنها تمثل قوتنا. رغم أننا لم ننشأ ولم نتربی علی أسس العمل الجماعي والمشترك. للأسف الشديد إستفحال الإنتمائات الفرعية کالقبلیة والمناطقية والفئوية الضيقة، فضلا عن النزعات النفسية سببت الشتات والفرقة وحالت دون تكوين التعاون والعمل المشترك.
للعمل الجماعي ثمار وفوائد کالتالي:
أ. العمل الجماعي قوة للفرد والمجتمع، لأن طاقات کل فرد منا، مهما کانت، محدودة لکن بتعاوننا واصطفافنا مع بعض نشکل قوة. فالمجتمع الذي یکون أفراده مجتمعین متوحدین هو أکثر المجتمعات القادرة علی العطاء والبذل وزیادة القدرة الإنتاجیة. کما أنه أکثر المجتمعات قدرة علی تجاوز نقاط الضعف وسدها. وکما قال الشاعر:
تأبی العصي إذا اجتمعن تکسرا واذا افترقن تکسرت آحادا
ب. العمل الجماعي یمنحنا هیبة في نفوس الأعداء والمتربصین. فعندما ینظر العدو إلی أفراد الوطن یعملون معا، فأنه یهابهم، بينما يعتبرون الفرد الواحد ضعیفا یسهل الإستفراد به.
ج. العمل الجماعي یحقق الأهداف ویقتصر المسافات ویوفر الوقت. عندما تری الأفراد مجتمعین تراهم أقدر علی تحقیق الأهداف، کما أنهم یوفرون لأنفسم وقتا وجهدا کانوا سیتکبدونه لو عملوا أَفْرَادًا متفرقین.
د. العمل الجماعي وسیلة لتبادل الخبرات والمعارف. حین یجتمع عدد من الأفراد لیعملوا عملا جماعیا ترى کل واحد منهم یستفید من زميله، فیتعلم منه ویستفید من خبراته، ویتبادل معه المهارات والمعرفة فی إطار مشاعر المحبة والأخوة المتبادلة. بهذه الطریقة تحدث عملیة تکاملیة ما بینهم.
هـ. العمل الجماعي یعزز الثقة والولاء ویقرب الأفکار والآراء.
و. العمل الجماعي یجنب الفرد عن التصلب في آراءه الفردیة، ویخلق له مرونة فکریة، حیث یتقبل ویحترم الرأي الاخر.
التخطیط
من دون أدنی شك بأن التخطیط والبرمجة أحد أهم عناصر النجاح في الحیاة الفردیة والاجتماعیة. وللأسف حتی اللحظة لم تتکون لدینا استراتیجیة ومنهجیة واضحة المعالم، ننطلق علی أساسها ونستطیع أن نقیم أداءنا وفق شروطها. لا یزال الهدف والطریق غیر واضح وتشوبه الضبابیات والاستفهامات الکثیرة. إذن کیف یمکن مواجهة هذا الکم الهائل من التحدیات المعقدة والمشاکل العدیدة من دون وجود خطط وبرامج تتضح فیها الأولویات والغایات والآلیات والبدائل، وتذکر فیها الفترات الزمنیة للخطط القصیرة والمتوسطة والبعیدة المدى. وتتقسم الواجبات وتتحد الطاقات البشریة اللازمة وترصد فیها الإمکانیات والکوادر، ویتعین طبیعة العمل، وکذلك یتشخص المقیاس والمعیار لتقییم الأداء حتی نتمکن من معرفة نقاط القوة والضعف.
ما تزال معظم نشاطاتنا وأعمالنا یسودها التخبط والتباین في المواقف والأدوار وأحیانا ننقض أنفسنا ونخلط في کثیر من الأمور. وأغلب أعمالنا ارتجالیة وانفعالیة لا تعرف التخطیط، لا تخضع لشروطه اللازمة. ونادرا ما نشاهد عملا تنظیمیا ناجحا، بل العشوائیة هی السائدة في سلوکیاتنا. وفي أکثر الأحیان ننطلق بحماس ونحلق فی أمنیاتنا نحو الأعلی، لکنا سرعان ما نخفق وتتلاشی أمانینا، بنفس السرعة، ثم نختلف ونتشعب ونتباین. خططنا وانطلاقتنا لم نبثق من البدایه علی أسس وخطط واضحة، بل عادة ما تجمعنا العواطف والأحاسیس والحماسة المشترکة، ویبقی دائما العنصر الأساسي المغیب هو التخطیط والتنظیم.
ومن الواجب أن نصرف وقتا طویلا وجهدا حثیثا علی التخطیط، لأنه وسیلة مهمة لتحقیق هدفنا وسیرنا نحو الغایة، ولأنه یضمن لنا عدم إبتعادنا عن المسار والإتجاه الصحیح، وذلك بأقل جهد وبأقل تکلفة وأقل وقت مقابل مردود أعلی. إن لم نلتزم بالتخطیط، ولم نضع استراتیجیة لأعمالنا، ولم نحدد منهجیة واضحة المعالم، سنصبح غیر قادرین علی الإستمرار والمواکبة، أو الإستفادة من الفرص المتاحة ولربما نضیع فرص کثیرة کما ضیعناها سابقا.
الإلتزام (الإستقامة والإستمرار)
لاشك أن مسیر العمل الوطني شائك ومملوء بالمطبات، والطریق غیر معبد، والفرد یواجه صعوبات وضغوط متعددة. لذلك یستوجب علی المناضل أن یکون ملتزما بمبادئه لا تهزه العواصف، ویبقی صلبا ثابتا ویتمتع بثقة عالیة بالنفس.
ینبغي علی الفرد أن یکون مستعدا وملتزما بالقدر المطلوب لمارسة الواجبات ولمواجهة التحدیات. لکن أحيانا نری البعض من الأفراد یحصل لهم تهاون أو تراجع في مواقفهم، وینصدمون في أول مواجهة للعدو معهم. والسبب الرئیسي هو أنهم لم یکونوا مستعدین نفسیا، ولم تخطر علی بالهم هکذا تحدیات وظروف صعبة. وربما یحصل عند البعض تقلب فکري، أو ندم علی ما قاموا به وقدموه سابقا من تضحيات. إذن یبقی الالتزام بالواجب الوطني و الاستمراریة في الظروف الصعبة قیمة نبیلة. فالإلتزام شرط ضروري و أساسي و أنه یدل علی الحاح المناضل و إیمانه الراسخ، و ثباته واستقامته العالیة و قناعته التامة بإختیار دربه.
الأخلاق
هناك شروط أخلاقیة مهمة لابد أن یتمتع بها من یرید القیام بالعمل الوطني، ولا یمکن تجاهلها أو عدم المبالاة بها، مثل الصدق، وحفظ الأمانة، والتواضع، والکرم، والنزاهة. وفي المجتمعات المقهورة والمعرضة للقمع، عادة ما تكون الناس متعطشة لاحياء هذه القیم العلیاء. فعلی کل من یرید کسب ثقة الآخرین علیه أن یکون صادقا معهم ویثبت ذلك بفعله لا بکلامه. للأسف الشدید دخلت الساحة الوطنیة بعض العناصر غیر ملتزمة أخلاقیا، من ضعاف الشخصیات، ما أضر کثیرا بالعمل الوطني، وأصبح عقبة کبیرة أمام تکوین الثقة والعمل الجماعي.
وهناك نماذج کثیرة من الکذب والطعن والفتن والغیبة والنمیمة والإزدواجیة وحب الزعامة والشهرة وحب الظهور وعدم الایفاء بالعهد والعناد والتکبر والشك وسوء الظن وعدم أداء الأمانة، في صفوف المناضلین، حیث بات العثور علی القدوة الأخلاقیه التی یضرب بها المثل بالأخلاق الراقي أمرا صعبا.
الصبر
من الشروط اللازمة في العمل الوطني هو التحلي بالصبر والتریث، لأن مشوارنا طویل جدا. لکن أغلبنا غیر صابرین نحکم علی الاخرین بسرعة، وربما نصدر أحکاما قاسیة بحقهم، دون أن نعرفهم جیدا. کذلك لا نستطیع مواصلة الأعمال البطیئة وطویلة الأمد بل نرید قطف الأثمار بسرعة فائقة. فالصبر شرط ضروری ومهم جدا للمناضل، کما قال أحد المفکرین “لیست البطولة دائما فی المهاجمة بل قد تکون فی الصبر والثبات”.
الخبرة الأمنية
من يدخل ساحة النضال ويريد خوض المعركة مع العدو، يستوجب عليه الأخذ بالتجارب الأمنية للشعوب والشخصيات التي سبقته بالنضال، وأن يحمي نفسه ورفاقه من الوقوع في شباك العدو، ويكون على قدر المسؤولية، ويفهم أساليب المخابرات وخططها، وأن يقرأ مذكرات المناضلين في التحقيقات المخابراتية، وأن يبتعد عن التصرفات العشوائية.
ونرى أحيانا البعض لا یستطیعون تحمل الأسرار، ولا طاقة لهم بذلك، بل یتربصون الفرصة المناسبة للبوح بها، والتبجح بأنهم يعرفونها قبل الآخرين. والبعض منا یریدون معرفة جميع الأسرار، ولدیهم فضول خاص بمعرفة تفاصیلها، حتی وإن کانت خطرة تهدد سلامة وأمن الآخرین، فتري لدیهم شغف خاص بمعرفة أسرارالمجموعات ولا یبالون بکشفها للاخرین.
الاستنتاج
لا بد أن تتحقق هذه الشروط كيما نتمكن من خلق حرکة وطنية شاملة صحیحة، تتقوم على أساس هذه الشروط التي تم ذكرها أعلاه. ولعل المتمعن في هذه الشروط قد يجدها من أبجديات الأخلاق الفردية القومية، بيد أنها في الوقت الراهن باتت صفات معدومة، أو تكاد، في المجتمعات التي يتم احتلالها، وذلك أن الاحتلال فضلا عن أنه معطي تاريخي سياسي، فإنه معطى أخلاقي يجعل من الشعوب المحتلة ممسوخة الكرامة والأخلاق.
إن کل عمل وطني نضالي یستهين بهذه الشروط، أو ببعضها، فهو عمل زائف لا يستطيع إصابة أهدافه وغاياته، فضلا عن أنه علم مرتبك ذاتيا، لا يمكن وصفه بالوطني ولا بالنضالي. هذه شروط أقلية، بدائية إنسانية، لا يمكن قض الطرف عنها، لبداية أي عمل نخبوي منظم. كما يعني الإصرار على مثل هذه الصفات، التوكيد على أخلاقية العمل النضالي، ورفعته، وبأنه ليس عملا إرهابيا أو مصلحيا يريد زعزعة الأمور القائمة، بل هو عمل سام، لا يتقرب منه سوى فئة تجذرت لديها الروح الوطنية، وحملت على عاقتها رسالة النهوض بالشعب الأحوازي، ودحر الاحتلال الجاثم على صدره وقواه العمرانية الحضارية. تلك القوى الذي كبلها الاحتلال الإيراني، فجعل الشعب الأحوازي، والوطن الأحوازي متخلفا يعاني شتى صنوف التخلف العلمي والأخلاقي والهووي والقومي، وجعله لا يعد في الأمم. احتلال بدأ بسلب الأخلاق الأحوازية وإفسادها، ليمهد الطريق لنفسه إلى نهب الثروات المادية، وترسيخ حالة من الجهل بين عموم الشعب.
بقلم شهاب صالح