الإثنين, نوفمبر 18, 2024
مقالاتنقد الحراك المقاوم في الأحواز

نقد الحراك المقاوم في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة 

 

 يعني الحراك في هذه الدراسة، عموم النشاط الأحوازي المقاوم للسياسات الاستعمارية للدولة الإيرانية في الداخل الأحوازي، سواء أكان حراكا ثقافيا أو فکریا أو اجتماعيا أو ميدانيا، لتنظیم الشارع وتعبئة الاحتجاجات الجماهيرية. وويستمد معنى الآخر من الحراك المقاوم، عبر  تأسيس مؤسسات وطنية تقوم على أساس نشاط ثقافي وهوياتي لبث الوعي الوطني في أوساط المجتمع الأحوازي والقيام بدور في تعبئة جماهير الأحوازية في مدة معينة، أو لإبراز ظواهر مجتمعية تفيد بنبذ الانتماء القبلي وتبني القضايا الوطنية/القومية إلخ. فالحراك هنا يلتمس معناه من المفهوم لغويا، فهو يعني بالدرجة الأولى التحرك والنشاط والفاعلية، سواء بين نخب معينة، أو في طيات بنى مجتمعية سياسية. وبالتالي أُريد له أن يكون عاما، ليغطي مساحة أكبر من التحليل، وجامعة الأول والأخير هي عقيدة مبنية على أفكار راسخة ذات أهداف واضحة -على المدى القريب- والبعيد في مواجهة ومقاومة السیاسات الثقافية والفکریة والقومية للاحتلال وضرورة نبذها والقضاء عليها.

 

ويتبين من هذا التعريف بأن الحراك الأحوازي يمتاز بصفتين: إنه حراك يجري في الداخل الأحوازي حصرا، ولا يتناول الحراك الحاصل في المنفى على يد المجموعات الاحوازية في المهجر؛ وثانيا بأنه حراك أحوازي صفته الجوهرية رفض جميع سياسات الاحتلال، والإيمان بقضية تحرير الأحواز.

 

وأبرز ما يميز الحراك الداخلي المقاوم، عن الحراك الخارجي، هو أنه حراك باطني، لا يظهر بوضوح، ولا يجاهر بمعتقده، وإنما يتستر بأقنعة تبعد عنه تهمة “الانفصالية”، التي تسلطها  السلطات الأمنية والقضائية الإيرانية على رقاب الناشطين الأحوازيين عموماً، سواء أطالبوا بالعدالة والمساواة ضمن الدولة الإيرانية، أو تعالت مطالبهم إلى الحكم الذاتي وحق تقرير المصير.

 

وعموما، تمتاز الدراسة بالنقدية والاختصار، في ظل محاولتها إلقاء الضوء على بعض جوانب الحراك الداخلي، وصفاته، وما يؤخذ عليه.

 

موضع الحراك الداخلي في النضال الأحوازي

 

إن غالبيّة اﻟﻧﺎﺷطﯾن في الداخل والخارج يوافقون على أن شأن الحراك الداخلي، أخطر من الحراك الخارجي، يعود بتأثيرات شاملة وعديدة على القضية الأحوازية، مجتمعيا وسياسيا بالدرجة الأولى. وذلك لأن الحراك داخليا لا يستهدف وجود النظام واحتلاله، يجعل أهم المواضع الحكومية محل استهداف مباشر فحسب، بل لأن مثل ذلك الحراك له تبعات ثقافية ومجتمعية وسياسية كبيرة وبعيدة المدى، على أفراد الشعب برمته.

 

وأبرز تلك التبعات هي التبعات الثقافية والمجتمعية والسياسية على وجه الخصوص. فمن حيث الثقافة كانت جميع الانتفاضات الأحوازية، ومختلف الحراك الجاري فيها، ميلاد ثقافة جديدة، أو معززة الثقافة الخافتة؛ الثقافة التي تتقوم على وجود احتلال قومي فارسي، يجري على الشعب الأحوازي(1). إن أبرز ما تتحدد فيه هذه الثقافة هي الآخر، وهي متقومة على وجود آخر فارسي يتميز عن الأنا العربية الأحوازية. وهذه هي التبعة الكبرى التي يخشاها النظام الإيراني، أن تتولد عن الحراك الداخلي. إنها ثقافة مقاومة ثنائية البنية، تنشطر بين “أنا” عربي، و”آخر” فارسي، تبثها في نفوس الأجيال الأحوازية، عبر استمرار المعتقد العربي لديهم، وقراءتهم التاريخ بوصفهم شعب أحوازي، يتمايز عن  ذلك المستوطن الفارسي الإيراني، وأن العلاقة بينهما هي علاقة مستعمَر (Colonized) بمستعمِر (Colonizer).

 

ولن يكون خطاء إذا قيل بأن ميلاد الثقافة المقاومة هو أكبر الميز فيما بين الحراك الخارجي والداخلي؛ فالحراك في الخارج، يتبق حراكا نخبويا، دبلماسيا، كثيرا ما يجري في ابتعاد عن الداخل الأحوازي، وربما في غفلة عنهم، على عكس الحراك داخليا الذي يلاصق الأحداث داخليا. حراك سرعان ما يتميز باجتذاب الجيل الشاب، بين سن الـ15 إلى 30، ما يعني أن تنفيذ الحراك من قبل جيل الشباب، يعني احتمالية اندلاعه من جديد في كل يوم، ما دام هذا الجيل حيا، بالإضافة إلى احتمال نقل ثقافة هذا الجيل إلى الأبناء الذين يولدون من الجيل المشارك بأي حراك أحوازي مناهض للاحتلال الإيراني.     

 

 

وبناء على ذلك، وبعد أولى الصفات التي ذُكرت عن الحراك الداخلي وهي تكوينه لثقافة سياسية هي ثقافة المقاومة، تظهر أهميته البعيدة المدى، في الجوانب التالية: الحفاظ على الهوية العربية وانعاشها، وترسيخ اللغة العربية، وربط الهوية العربية بالأرض الوطن، وخلق مفاهيم جديدة نظير الاستيطان والمستوطنين والاحتلال والتحرير إلخ، وصناعة الوعي

 

فمن حيث الحفاظ على الهوية يمكن وصف الحراك الجماهيري، بشتى صنوفه السلمية وغير السلمية، بمثابة الموقظ للهوية العربية الأحوازية من جهة، والمؤكد لها من جهة أخرى تمايزها وتفردها وآخريتها، بالمقارنة مع جميع الهويات غير العربية. فلا يمكن للهوية أن تنبعث إلا إذا وُضعت أمام الغير، بصفته الآخر الذي يمنح الأنا تمايزها كما قيل سابقا. وهذا الأمر إنما يتم من خلال الانتفاضات والحراك الذي يتفجر في الساحة الأحوازية. 

 

أما دور اندلاع الحراك واستمراره في الحفاظ على اللغة، فيظهر جليا من خلال بناء المؤسسات الثقافية التي تحرص على تبنيها والمشاركة في الاحتفاليات الخاصة بالعروبة، والتنويه بها وبمكانتها، فضلا عن أن ذلك الانتفاض ينفض عن العروبة الغبار الذي أحاط بها، فعند ذلك يدرك الجميع ضرورة صيانة العربية، ودورها الوجودي في الحفاظ على الكيان الأحوازي، وجميع تجلياته. 

 

وأولى تلك التجليات هي ربط الأحوازي، الفرد، والهوية العربية ربطها بالوطن. إن تجذير علاقة الأحوازي، فردا وجماعة، بالأرض يعني صناعة مفهوم الوطن، وجعله مفهوما يجد مصاديقه في الواقع المعيش. وهذا الشعور الحاضر في الواقع المعيش تجاه الوطن، هو الانتماء بحد ذاته، الذي يجعل الأفراد المنتمين إلى قضية واحدة، كلا موحدا ينافح عن هذا الكل، ويعرف نفسه عن طريق هذا الكل الذي يعني الوطن بعينه. 

 

وإذا أصبح الوطن الأحوازي متمايزا متعين الحدود، يتم الشعور به من قبل جماعة المواطنين في واقع حالهم المعيش، فإن ذلك سيصبح منطلقا لفهم ذلك الواقع، ومنصة لتصنيف الواقع على أساس مفاهيم ومسميات تطلق على الاسماء والظواهر. ومن هنا تصبح مفاهيم نظير المستوطنين الوافدين على الأحواز على هيأة احتلال واستغلال، والمستوطنات القائمة على أساس التهميش والنهب مشهودا للعيان. وبالمثل يصبح الوطن، محتلا يجب تحريره، وهكذا تصبح القضية يومية، تجري مجري الحياة الفردية عند بدأ الصباح لغاية المنام(2)

 

إن الحراك الأحوازي الداخلي، هو الكفيل بصناعة كل تلك الصور الدالة على الوطن والاحتلال والتحرير والانتماء إلخ، لأن أولى مكاسبه، هو صناعة الوعي، الوعي بوطن أحوازي، وبجميع الظروف التي مر به تاريخيا، وجميع اللحظات التاريخية التي جعلته وطن يؤل إلى ما آل إليه اليوم. لا يمكن للوعي الأحوازي المطلوب إلا أن يتوج من خلال عملية انتفاضة تكون نقطة لقاء واتصال بين جميع النشاط الأحوازي من جهة، وبين جميع الفئات الأحوازية المناضلة والمثقفة والمستفرسة والمتمذهبة إلخ، من جهة أخرى. 

 

العوامل المؤثرة في الحراك الأحوازي الداخلي

 

ويمكن لعوامل مختلفة أن تؤثر على الحراك الأحوازي في الداخل، منها العوامل المادية والمعنوية، ومنها العوامل المباشرة وغير المباشرة، ومنها العوامل الخارجية والداخلية إلخ. فعلى سبيل المثال العوامل المادية هي العوامل الاقتصادية، مثلا، التي تتجلى في تفقير الشعب الأحوازي وجعله منشغلا بقوت يومه، والعوامل المعنوية هي ضعف الثقافة السياسية المقاومة للاحتلال. أما العوامل المباشرة فمنها تدخل السلطات في تهجير الأحوازيين، والعوامل غير المباشرة هي دور النظام التعليمي الذي يحقن الازدراء في العرب لهويتهم وعروبتهم. والعوامل الخارجية هي الوضع الدولي، مثلا، والعوامل الداخلية هي انعدام النخب القومية. 

 

كل تلك العوامل المختلفة تؤثر على الحراك الأحوازي، بيد أن ما يتم التطرق له هنا، هي فقط العوامل الخارجية والداخلية. والعوامل الخارجية هي تلك التي تأتي من الدولة الإيرانية المحتلة، والعوامل الداخلية هي التي تنبع من واقع الشعب الأحوازي داخليا. 

 

  • العوامل الخارجية: وهي تنقسم على الوضع الدولي، والدين، وسياسة النظام الإيراني  المتجلية في القمع، والاستيطان، والتفقير، والتحميق.

 

وبخصوص الوضع الدولي لا يمكن إنكار دوره في اشتداد الحراك الأحوازي، أو عدمه وخبوه. ويتجلى تأثير الوضع الدولي فكريا وعمليا. فمن حيث الفكري يظهر الوضع الدولي المزاج العالمي الذي ابتعد، منذ عقود، عن تبني الحراك القومي والحركات القومية؛ ومن حيث الجانب العملي يمكن التطرق إلى الوضع الإقليمي وانعدام رغبة الدول العربية في دعم القضية الأحوازية، مثلا، أو عدم رغبة الدول الغربية في إرباك الوضع القومي الإيراني، ومساعدة الشعوب غير الفارسية. كما يمكن بيان تأثير الوضع الدولي على الحراك الأحوازي والقضية الأحوازية عموما، عبر التطرق إلى الحرب الإيرانية ضد العراق وتبعاتها الكبيرة على الشعب الأحوازي لغاية الآن.

 

ولعل التطرق إلى هذه الحرب خير مدخل للإشارة إلى دور الدين في الحراك الأحوازي، والتاريخ الأحوازي بكليته، وهو دور كبير لا يمكن التقليل منه بأية حال من الأحوال. فالعامل الديني لعب دورا مؤثرا في التاريخ الأحوازي، وسيما الحراك القومي منه، سواء في انتماء فئات من الشعب للمذهب الشيعي والحكومة الشيعية الإيرانية، أو عبر حركة التسنن التي جرت منذ عقد في الأحواز وتبعاتها الجارية لغاية اليوم.  

 

أما نظام الاحتلال فتتجلى تأثيراته العديدة والمتشعبة الكثيرة في القمع الذي تمارسه السلطات الإيرانية لإماتة فاعلية النخب الأحوازية العاملة في الساحة الداخلية، والقضاء عليهم بين سجين وقتيل ومغيب قسريا. ونظرا لأهمية هؤلاء النخب في تسيير الحراك القومي الأحوازي، في مختلف جوانبه الثقافية والمجتمعية والسياسية، فإن إبعادهم من ساحة النشاط في أرض الواقع دائما ما كان يعني خبو الحراك الجماهيري، وجعله تائها بين اختيار المسارات وتعيين الأولويات، حتى ينتهي ذلك بالانكفاء وبالتراجع. إن القمع الذي تمارسه السلطات الإيرانية في أشد صوره، أدى دورا أساسيا في التخفيف من حدة الحراك، والقضاء على خيرة النخب الأحوازية الطليعة، التي تتميز بإخلاصها ووعيها ومكانتها العلمية الكفيلة بالتعامل مع الواقع أفضل التعامل. 

 

أما الاستيطان فهو يساوي القمع في تأثيره، ويتفوق عليه من حيث التأثير في الأمد البعيد. فبعد استمرار الاستيطان لعقود طويلة، تولدت تبعات جسيمة، منها تفريس فئات من الشعب الأحوازي، ومنها إعداد كادر إداري فارسي من المستوطنين في الأحواز تولى تنفيذ جميع أجندات الاحتلال، من تفريس وتفقير وتجهيل ومصادرة الأراضي، والقضاء على النخب والمناضلين وقمعهم، وإتاحة عناصر لتولي الاستخبارات والأمن وعناصر الشرطة إلخ. إن المسؤلية الأخلاقية الكبرى، والمسؤلية العملية التنفيذية العظيمة، في سريان الاحتلال على الأحواز وجميع مصائبه، إنما تقع على عاتق هؤلاء المستوطنين؛ لأنهم هم الذين مكنوا الاحتلال الإيراني من الاستمرار، ولأن الاحتلال أتى بهم من جميع المناطق الإيرانية للقضاء على عروبة الأحواز، وكبح طموح الشعب في الإنتفاض، وإدارته تفقيرا وتجهيلا وازدراء وضياعا.        

 

أما التفقير فهي سمة الأحواز، وعلامة شعبه العربي. فعلى الرغم من تمتع الأحواز بثروات لا تعد ولا تحصى، من نفط وأرض خصبة ومياه وفيرة وطقس معتدل، معظم الشعب يئن تحت طائل الفقر، يعاني من البطالة، ويعيش في مدن خربة الدمار يحوطها، ثم من بيئة تجاوز عليها النظام الإيراني فجعلها بيئة مدمرة تماما تسببت بتبعات جعلت الأحواز أخطر المناطق على صحة الإنسان. ومن البديهي أن لا يفكر المفقر الذي يعاني من البطالة والأمراض بسبب دمار بيئته إلخ، أن لا يفكر في التحرير ومناهضة الاحتلال الإيراني. 

 

ومن البديهي أيضا أن ينعدم الوعي ويسود الجهل بين الشعب، بفعل سياسة التحميق لنظام الاحتلال، المنبثقة عن التفقير. وذلك لأن الشعب المفقر لا يدرس ولا يتثقف، بل يصبح جل همه توفير لقمة الحياة، وهكذا يصبح الشعب شرذمة من الأفراد يسهل التحكم بهم، وبجميع مقدراتهم، وحاضرهم ومستقبلهم(3)

 

  • العوامل الداخلية: وهي عوامل تنبثق بالدرجة الأولى عن واقع الشعب الأحوازي، وطبيعة المجتمع الأحوازي ذاته: وهي إنعدام النخب، والوضع القبلي ما قبل الحداثة، وعدم وجود مفهوم الأمة والشعب في الأحواز.

 

إن الشعب الأحوازي نظرا لتكوينه التاريخي غير المكتمل، لم يتمتع بوجود نخب تحدد مساره، أو تحدد معالمه وصفاته وتشخصه وهويته. فعلى الرغم من وجود نخب نشطة على الساحة العملية، ووجود مناضلين كثر ضحوا بحياتهم إلخ، لكن الأحواز لم تلد بعد نخبة فكرية رصينة تكتب للأحواز تاريخها، وتكتب لها مجتمعها، وتكتب عن سيرها، وعن هويتها طول التاريخ! ولذلك ظل الحديث عن الأحواز، شعبا وتاريخا وحضارة ومجتمعا إلخ، حديث شوارع ومجالس مسامرة وحديث عراك وتصادم. لم تبلغ القضية الأحوازية بعد إلى صناعة سردية تاريخية متماسكة، وخطاب راهني مناضل يحدد المسار، وكل ذلك لم يكن إلا لغياب النخبة التاريخية الرصينة. ولعل أبرز مثال لهذا الذي أقول هو أن لا يمتلك الأحواز والأحوازيين كتابا تاريخيا واحدا، يعرف بالأحواز، نظير كتاب سيد جواد طباطبايي (تأملي درباره إيران)، أو كتاب محمد توكلي طرقي (تجدد بومي وبازانديشي تاريخ)، أو كتاب إدوارد بروان (ايران وقضيه إيران). 

 

وانعدام النخب هذا لم يكن ناتجا عن فراغ، بل هو تمخض عن الوضع القبلي الأحوازي ماضيا وحاضرا. فالأحواز تقع في أدنى السلم الحضاري مجتمعيا، وهي من المجتمعات المتخلفة ما تزال وحدتها المجتمعية هي القبيلة. وعلى الرغم من ضعف هذه الوحدة، على الظاهر، إثر التمدين والحياة الحديثة والتعليم النسبي إلخ، لكنها متجذرة إلى أبعد الحدود، وما تزال هي الوحدة المجتمعية الطاغية على جميع التكتلات والوحدات المجتمعية المنافسة والناشئة نظير الطبقة، والنقابات، والجمعيات المدنية، وفوق هذا وذاك الطاغية على مفهوم الشعب(4).

 

إن الإقرار بشعب عربي أحوازي، أو شعب أحوازي عربي لا فرق،  والشعور به والانتماء له، كل ذلك يجري مجتمعيا في فراغ، وفي نفوس المناضلين فقط، حيث أن فئات كبيرة من الشعب يدور في فلك القبيلة، والانتماء لها، والتحديد الهووي بها. ولذلك يعد مفهوم الشعب الأحوازي، بالإضافة إلى فراقه الفكري الحاصل عن تخلف المفكرين عن إشباعه، مفهوما لم يجد الرواج بين المجتمع، وظل حقيقة لم تظهر للواقع بعد. ولكن أيا يكن من تخلف النخب الأحوازية، وتخلف المجتمع القبلي البالي، تظل حقيقة الشعب الأحوازي العربي، ووجوده، حقيقة تاريخية صارمة، وواقع معيش صلبا، لا يمكن تجاهله ولا القضاء عليه.        

 

في أنواع الحراك الداخلي ومواصفاته

 

وبعد تحديد العوامل الخارجية والداخلية المؤثرة على الحراك الداخلي، يجب الحديث عن الحراك ذاته، وعن أنواع الحراك الجاري في الساحة الأحوازية الداخلية. وعند رصد الحراك الأحوازي على طول تاريخه تظهر عليه صفات مستمرة متلازمة معه منذ ميلاده، ومع جميع لحظات اندلاعه، صفات تجعل الحراك على نوعين. الحراك الممتدد على طول الزمان، والحراك الظاهر على شكل انفجاري ثوري. وذلك يعني بأن الحراك الأحوازي، كان إما على شكل حركات امتدت لفترة زمنية طويلة، قد تكون لعقد، وأما أن يكون حراكا ظهر على شكل انتفاضة أو مظاهرة آنية شاملة، أو حركة عسكرية سريعة. وعادة ما يعود الحراك الممتد في الزمن للحراك الثقافي والمجتمعي، ولكن هناك حراكا انتفاضيا ثوريا امتد لفترة طويلة، مقابل حراك ثوري انفجاري ثقافي ظهر وانتهي. ولذلك مضمون الحراك لا يشكل فارغا جوهريا، بل المهم هو نوع الحراك وطبيعته(5)، وهو يظهر إما على شكل امتداد يطول فيه الزمان، وإما على شكل بركان يطفح ويثور ثم ينقضي ويغيب.  

 

نقد الحراك الممتد

 

يتميز الحراك الممتد بفترة زمنية مستمرة، قد تكون عقودا. وهذا النوع من الحراك، هو الذي تميزت به الحركات الأحوازية العسكرية، إلى جانب بعض الحراك الثقافي والمجتمعي. وذلك بأن نرى حراك ثقافيا معينا يطول، نظير الحراك الثقافي الظاهر على نشر كتب وطبع مجلات وتأسيس مراكز ثقافية إلخ؛ حراكا لم تخلو منه الساحة الأحوازية منذ عقود أربعة، حيث يمكن رصد مختلف مظاهر الحراك الثقافي الأحوازي فيها. كما أن العقود الأربعة المنصرمة سجلت مختلف الحراك المباشر العسكري الذي يخبو تارة ويعلو تارة أخرى.

 

وصحيح أن أبرز ما يميز هذا الحراك هو انقطاعه، وعدم استمراريته، ثم استئنافه من جديد، لكن الجدير بالذكر هو أنه يظل مستمرا في الزمن، ويظل مستمرا في النفوس والعقول، تتم ترجمته على أرض الواقع بمجرد حصول فرصة سانحة، ولذلك هو حراك ممتد على شكل زمني وإشكالي. 

 

وعلى الرغم من قلة هذا الحراك الممتد، بالمقارنة مع الحراك الثوري الآني العاجل، لكنه يتميز بصفات عديدة، يتم نقدها هنا، لإلقاء الضوء على طبيعة هذا النوع من الحراك، والقوى القائمة به. وأبرز صفاته تتلخص في ثلاث، بوصفها أبرز الصفات، وإن كان في الإمكان تعديد صفات أخرى له: تقطعه وعدم تراكميته، وطابعه المتباعد، وثقافته السياسية الضحلة. 

 

  • تقطعه وعدم تراكميته: إن أبرز ما يميز هذا الحراك الممتد على طول الزمن، هو أن امتداده زمنيا لم يشفع له بالاستمرار دوما، بل امتداده كان يعني نشاطه لمدى سنتين أو ثلاث، ثم خبوه لسنتين أو ثلاث، ثم استئنافه من جديد، وهكذا. لقد ظل الحراك الممتد حراكا دوريا يظهر ثم يغيب، وظلت القوى القائمة به هي الأخرى تظهر، ثم تغيب بفعل القمع أو السجن أو الهروب إلى المنفى إلخ، حتى تأتي قوى مناضلة أخرى تقوم بذات الحراك، تلقى المصير ذاته، وتكرر الطريقة ذاتها. 

 

وهنا تبرز الصفة الغريبة في هذا الحراك، التي يمكن التعبير عنها بأنها الابتعاد عن التراكمية، وغيابها غيابا تاما. لقد ظلت القوى المستأنفة الحراك تجري على الخطى ذاتها التي جرت عليها القوى السابقة، معيدة السياسة نفسها، بل والأخطاء ذاتها، وذلك لأنها لم تؤمن سوى بالفكرة الكلية، فضلا عن أن التعارف الفردي بين القوى القديمة والجديدة لم يحصل، وعادة ما تقوم جماعة معينة بحراك ثقافي ما، ثم عند تغيب العمل هذا، تأتي جماعة أخرى بعد سنوات تستأنف العمل دون أن تكون قد التقت بالجماعة الأولى، أو قرأت ما قامت به؛ أولا لغياب سجل مكتوب وتاريخ مدون عن الحراك، وثانيا لغياب وضوح بالفكرة أصلا: فعلى سبيل المثال هناك إيمان بضرورة الحراك الثقافي، دون أن يكون الحراك الثقافي هذا محدد المعالم، ولا مجتازا لمراحل، بل هو هكذا يجري في عمومه، كل جماعة تأخذ تفسيرا منه، ثم تدرجه تحت عنوان العمل الثقافي، فتنهض به. والأمر ذاته يتكرر مع العمل المجتمعي، والعمل المباشر وجميع الأعمال التي تكون هي صفة حراك معين في فترة ما.   

 

  • الطابع المتباعد: وهذا الطابع هو خير ترجمة عملية للصفة الأولى من الحراك الأحوازي داخليا، حيث أكبر ما يميز هذا الحراك أنه يشبه الجزر المتباعدة، غير المتصلة. فمثلا إذا جرى حراكا مباشرا في شمال الأحواز، فذلك لا يمتد إلى الجنوب من الأحواز، وإذا نشأت حركة مباشرة في المحمرة، فهي لا تجد امتدادا تنظيميا لها في الخفاجية، وهكذا يسير منطق التباعد، وهكذا يجعل الحراك جزرا متباعدة.

 

وأكبر الأسباب المساعدة في استمرار هذا التباعد، هو غياب عمليات التوثيق والأرشفه لمراحل الحراك، وللمجريات التي حدثت له، وللعقبات التي صادفته، مما جعل غياب النخب القائمة بالحراك، يعني غياب التجربة بكاملها، وانعدام ما يؤرخ لها، ويحفظها للأجيال القادمة التي ستقوم بالعمل ذاته. وهذا يعود إلى الثقافة الشفهية التي تعزز انعدام التراكمية، المفضية إلى التباعد، وجعل العمل كجزيرة نائية، تم إكتشافها قبل عقود، ولكن جزئياتها وتضاريسها ظلت مجهولة. ولا نريد هنا تعديد أسباب هذا التباعد، وهي أسباب كثيرة إعلامية وثقافية ومجتمعية ولجستية واستخباراتية إلخ، لكن كل ما نريده هو التشهير بهذا الطابع للحراك الأحوازي والمصادقة عليه. وربما خير دليل على ذلك هو المثال التالي: فعلى الرغم من استمرار العمل المباشر العسكري لمدى عقود، ربما لعقود عشر، ولكن لا يوجد اتصال بين مختلف الحركات التي مثلت هذا الحراك، ولا توجد تجربة تراكمية موثقة تروي قصص المناضلين والشهداء وما جرى عليهم، والتحديات التي واجهتهم والتجارب التي أغنتهم أو أفشلتهم. وهكذا الأمر بالنسبة للعمل الثقافي والمجتمعي والحقوقي وإلخ. 

 

 ولعل هذا التباعد يعكس الثقافة السياسية البالية للحراك الأحوازي الداخلي، حيث أن النظرة لهذا الحراك لا تعبر عن نظرة إلى شعب يقوم بمهمة نضالية للتحرير نفسه، بل هي نظرة جماعة معينة تقوم بالحراك، فتجعل من نفسها صاحبة السيادة على الشعب، منفصلة عن جميع الحركات الأخرى.

 

وإلى جانب هذه النظرة التي يمكن وصفها نظرة فئوية، تسري تلك النظرة المناطقية على الحراك الأحوازي، التي هي من تغذي الطابع الجزري المتباعد في الحراك، فنحن هنا كأننا أمام عملية تبديل ومقايضة: مقايضة تعصب واسع النطاق للمنطقة والمدينة والحي ضد مناطق ومدن أخرى، بالتعصب القبلي والنعرة القبلية ضد القبائل الأخرى؛ وهكذا يكون المناضل العباداني منحازا للعباداني ضد المحمراوي، ضد الخفاجي ضد السوسي وهكذا.   

 

ليس هذا فحسب بل إن الثقافة السياسية للحراك الأحوازي ومن يمثله تعاني من صفة أخرى هي صفة ذميمة جدا، هي ثقافة التخوين. فإلقاء نظرة على تاريخ الأحواز النضالي يثبت بأن لا أحد من المناضلين الأحياء سلم من التخوين، حيث نال جميع المناضلين بالداخل والخارج حظه من التخوين والاتهامات المختلفة. وهذا ما يوضح تخلف الشعب الأحوازي عن ميلاد قيادة موحدة كما سنرى في موضعه.

 

وثقافة التخوين هذه هي ملتقى الاحتلال والمناضلين معا، على شكل مفارغة واضحة، إذ إن أساليب الاحتلال ترمي إلى تقبيح صورة المناضلين، والصاق مختلف التهم بهم، وبث ثقافة عدم الثقة بينهم، والريبة من بعضهم، بغية ممانعة التلاحم بين مختلف المناضلين، وجعل العمل النضالي متوجسا غير قابل للانتشار والبث؛ ولذلك فإن ثقافة التخوين تصب، عن غير قصد، في صالح الاحتلال وإرباك العمل التحرري بكليته.    

 

نقد الحراك الثوري

 

إنه إذا كان الحراك الممتد يحتاج إلى برهنة على وجوده، واستدعاء أمثلة تثبت حدوثه في التاريخ الأحوازي والمجتمع الأحوازي، فإن الحراك الثوري الآني لا يحتاج إلى برهنة كتلك، ولا يحتاج إلى مزيد إيضاح، حيث أن أصل الحراك الأحوازي هو أن يكون حراكا ثوريا يتفجر كالبركان، ثم يعود إلى السكون، كأن شيئا لم يحدث. فهنا نحن أمام هبة جماهيرية، وحراك شامل مهيب، يعم أكثر المدن الأحوازية الكبيرة، يخرج بأعداد غفيرة بسرعة، ثم يختفي بالسرعة نفسها، ويتلاشى الزخم الجماهيري الذي كان في بدايته. 

 

ولا يخفى أن هذه الهبة الجماهيرية، وانفجار البركان، وخروج الشعب الأحوازي، يعني سيكولوجيا ومجتمعيا، وجود عوامل كامنة تغذي الخروج الثوري هذا، وتجعل الشعب العربي في الأحواز مستعدا للانفجار، ومهيأ لإخراج المكبوت الذي يقص به منذ عقود. وغني عن القول أن العوامل التي تجعل الشعب الأحوازي مستعدا نفسيا ومجتميعا للخروج هو تاريخ طويل ومستمر من الاحتلال والظلم والازدراء والتهميش وضياع الهوية إلخ. وبإزاء هذا التاريخ الطويل من الاحتلال يجد الشعب الأحوازي نفسه أمام لحظة يخرج بها خروج رجل واحد، يجتاز خطوط حمر النظام برمتها، وتروح الأنفس والأبدان تتطاير في كل خروج ثوري هكذا، ويغدو الشعب الأحوازي بين قتيل وبين سجين وبين مغيب إلخ.    

 

ومهما يكن من أمر الأسباب فإن هذا الحراك الآني الثوري يتميز بصفات كثيرة، نذكر منها ثلاث، طلبا للاختصار: الصفة الانفجارية، وعدم إنجابه لقيادات، والميول المرتبكة العسكرية والمدنية والدينية والسلمية والفدرالية والانفصالية. 

 

  • الصفة الانفجارية: هذه هي الصفة الجوهرية في هذا الحراك، فإذا جاز لنا أن ندعو هذا الحراك بصفة واحدة تعبر عنه أكثر عن باقي الصفات، فإنها هي هذه الصفة، التي تجعل الحراك الأحوازي يتميز بانفجاريته. يخرج على صورة تقترب من السخط العارم، المعبر عن ظلم يوجع الخارجين، من الواضح تخميره لعقود وسنوات في صدور الثائرين. وعلى الرغم من أن هذه الصفة هي تعبيرا عن صدق الخارجين، وإفصاحا بشريا نقيا عن الظلم الذي تعرضوا له، لكن هذا المقدار من الغضب يجعل الحراك البركاني هذا لا يدري ماذا يريد، ولا يتقصد أهدافا بحد ذاتها، يقاوم من أجل تحقيقها. وهذه هي النقطة التي تجعله ينقضي بسرعة، لأنها أقرب إلى حالة نفسية جماعية يتم فيها الانفجار لإفراغ الغضب، ولما يصب هذا الغضب تبدأ النفسية الجماعية تهدأ وترجع إلى سابق حياتها الرتيبة.

 

وهكذا تتشكل ظاهرة غريبة، هي سمة الحراك الأحوازي، ظاهرة الانفجار ثم السكون هذه، تجعل السؤال الموضوعي هو لماذا تخرج الجماهير الأحوازية في جل حراكها الرافض بسرعة مشهودة وتتجمهر بأعداد كبيرة، ثم بعد إتمام التجمهر وقليل من إفراغ الغضب، تعود إلى النقطة الأولى كأن شيئا لم يحدث؟

 

وهنا لا يهم البحث في الإجابة عن هذا السؤال، بقدر طرح السؤال نفسه، واستيعابه، بطابعه النفسي والمجتمعي، وتبعاته الأمنية والسياسية المتعددة؛ ولعل أقل تبعاته الأمنية هي تنفيذ سلطات الاحتلال بعد كل فترة انتفاضة حملة واسعة وضاربة من الاعتقالات ثم المحاكمات الصورية، ثم الإعدامات والمؤبدات والتغييب القسري والموت تحت التعذيب، وأقلها هروب المناضلين للخارج، وخلو الساحة من النخب، حتى ميلاد نخب أخرى بعد جيل أوجيلين.  

 

  • عدم إنجاب قيادات: ومن هذا التقضي السريع، والخبو بصورة لحظية، لا يمكن توقع ميلاد قيادات ورجال سياسة. فإذا كان الحراك، حسب علم السياسة يفضي إلى ميلاد قيادات وزعامة(6)، لكن الحراك هذا، بجميع صفاته، تخلف عن ذلك، ولم يستطع لغاية الآن الظفر بتقديم قيادة أحوازية جامعة، تتحول إلى رمز يمنح الوحدة. وإذا كانت هذه الصفة قابلة التعميم على الحراك الممتد أيضا، بيد أنها من ميزات الحراك الثوري أكثر، إذ من الممكن العثور على بعض القيادات في الحراك الممتد، على عكس الحراك البركاني.

 

ومن أهم وظائف القيادات التي تخلف الحراك هذا عن ميلادها، هو عملها على تحويل الحراك السريع الخبو هذا إلى حراك مستمر فيه تراكمية معرفية وعملية من جهة؛ يحدد أهداف جلية، يؤطرها تنظيميا، سواء على صعيد الهيكل أو تسلسل المطالبات، من جهة أخرى.    

 

  • الميول المرتبكة: ولأنه لا مجال في هذا النوع من الحراك لميلاد قيادات تنظيمية وفكرية، ولأنه حراك عام، يشمل جميع فئات الشعب، وجل المدن الكبيرة، فإنه حراكا بميول مختلفة، ونزعات متباينة. فترى في هذا الحراك ذلك القومي الصريح الذي لا يقبل إلا بتشكيل دولة أحوازية من الخليج إلى حدود شيراز، إلى جانب الفدرالي الذي لا يفهم الفدرالية ولا يضيره وجود المستوطنين في فدراليته، وذلك المتدين الشيعي الذي يقدس ولاية الفقيه بنسختها العربية على الأقل، فضلا عن ذلك الذي له مطالبات مذهبية متسنن يريد تشكيل خلافة إسلامية.

 

وهذه الصفة الفكرية التي تتجاذب بين مختلف المدارس الفكرية والمذهبية، تنعكس على اختيار الطريقة العملية المثلى للتعامل مع نظام الاحتلال الإيراني، فترى بين المنتفضين من يؤمن بالحراك السلمي المدني، ومن يؤمن بالتصدي المسلح: وهذه ظاهرة جد خطيرة ومتكررة، إذ الكثير من المظاهرات التي يتواجد فيها من يؤمن بالكفاح المسلح، تشهد إقدامه على حمل سلاح في جموع المتظاهرين، فيطلق النار في اللحظة المناسبة على قوات الأمن، ليتم بعدها إرباك الحراك السلمي بكليته، ولتنهال السلطات الإيرانية على المتظاهرين بوابل من الرصاص. (ولا يخفى أن بعض هذه الحالات تكون مدعومة من قبل السلطات أنفسها، لمنحها المبرر لمهاجمة المتظاهرين السلميين بالرصاص الحربي ولإيهام الشعوب غير الفارسية وبعض فئات المجتمع الفارسي المتعاطفة، فضلا عن النظام الدولي، بأن النظام الإيراني يواجه حراكا مسلحا إرهابيا يناهض الدولة، ويريد إرباك المجتمع. حتى يبعد بذلك النظر عن روح الحراك القومي الذي هو حراكا تحرريا موضوعيا).

 

إلى جانب كل ذلك، فإن هذه الصفة الدالة على ارتباك المرجعية الفكرية والطريقة العملية، هي صفة التنظيمات الأحوازية المنبثقة عن الحراك هذا أيضا، إذ إنها تظل هكذا ضعيفة البنية الفكرية تنتمي حسب الظروف إلى مرجعية واحدة، قومية أو علمانية أو دينية أصولية، من جهة، وتنزع من جهة أخرى نحو العمل المباشر أو الثقافي أو المجتمعي السلمي. الأمر الذي أفقد هذا الحراك، على الرغم من تضحياته الجسام، أفقده المقدرة على التأثير، والاستمرار في الزمن وتعاقب الأجيال عليه.  

 

الاستنتاج

 

تناولت هذه الدراسة المختصرة أبرز النقاط النقدية الخاصة بالحراك الأحوازي في الداخل، دون العناية بالحراك الخارجي، وذلك لأهمية الحراك الداخلي، وتأثيره على الساحة الداخلية ومواجهته المباشرة مع الاحتلال.

 

لقد تناول القسم الأول من هذا البحث أهمية هذا الحراك، وخطورته الظاهرة على اشتماله على الجوانب الهووية والثقافية، وتعزيز اللغة العربية، وجميع النشاط الذي يغتذي من الأهمية التي لهذا الحراك؛ ثم تم ذكر العوامل المؤثرة فيه، وهي عوامل خارجية، إلى جانب العوامل الداخلية. والعوامل الخارجية تتجلى في الوضع الدولي، والدين، وسلطات الاحتلال التي لها التأثير الأكبر والآكد لفرض هيمنتها. والعوامل الداخلية التي تنبثق عن المجتمع الأحوازي بحد ذاته، وهي النخب الأحوازية والقبلية وانعدام الوعي والتخلف في صناعته. 

 

أما القسم التالي فقد بين أنقسام الحراك الأحوازي الداخلي على صنفين رئيسين، هو الحراك الممتد، والحراك الثوري السريع. فالحراك الممتد هو ذلك الحراك المتقطع الذي يستمر لعقود، وإنْ على شكل علو وخبو، والحرك السريع هو ذلك الحراك الذي يشبه ردود الفعل، ولا يكون مستمرا سريع التقضي. 

 

والقسم النهائي عدد أبرز النقاط النقدية بخصوص الحراكين، حيث كان الحراك الممتد يعاني من انقطاع وعدم استمرار وتراكم، بالإضافة إلى كونه يشبه جزرا متباعدة، وكذلك ثقافته السياسية البالية؛ بينما الحراك الثوري السريع كان يعاني كذلك من سرعة تلاشيه، وعدم نجاحه في إنجاب قيادات وزعامة، فضلا عن ضعف بنيته الفكرية وعمله المرتبك. 

 

 

 

رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات

 

 

المراجع:

1: سرجي كوسينكو، سياسة الثقافة أو ثقافة السياسة، دائرة الثقافة والسياحة.

2:سيد فارس، ثقافة الحركات الاجتماعية الجديدة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
3: فيلب جيفرسون، الفقر، ترجمة محمد صلاح علي، مركز أبوظبي للغة العربية.

4:عبدالله الغذامي، القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة، المركز الثقافي العربي.

5: غي روشه، مقدمة في علم الاجتماع: التغيير الاجتماعي، ترجمة محمد نعمة فقيه، مكتبة الفقيه.
6:جورج بوتومور، النخبة والمجتمع، جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!