المقدمة:
تبحث هذه الورقة في التحولات التي طرأت على الحراك الداخلي في الساحة الثقافية والاجتماعية والسياسية داخل الأحواز. وتسعى لبيان مظاهرها وكيفية نشوؤها في العقدين الأخيرين والجهات التي تقف خلف هذا الحراك والأعمال التي يقومون بها في الظرفين الزمني والمكاني. وتتناول الورقة هذا الحراك في حيزه العام، حيث الظروف العالمية التي أحاطت به والحالة السياسية المرافقة له في ظل النظام الحاكم الحالي. تنتقل بعدها إلى حيزه الخاص، حيث الحراك الوطني الأحوازي الذي تسميه بالحراك الأصيل، والذي خاض صراعاً مريراً ضد الحراك المزيف، الذي تقوده مجموعات يطلق عليها اسم أصحاب مشروع الأهواز بوابة التشيع ومشاريع الاحتواء وذلك عبر السعي إلى الهيمنة على الساحة الثقافية والسياسية والاجتماعية داخل الأحواز مدعومة من قبل الأجهزة الأمنية للقضاء على أي حراك له طابع عروبي قومي وطني.
منطقة الشرق الأوسط وتراجع الهيمنة الأمريكية (إدارة أوباما)
مع حلول عام ٢٠٠٩ صعد الى دفة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما، وكانت منطقة شرق الأوسط في حينه تغلي بقضاياها المعقدة. ومن ضمن هذه الملفات التي واجهها أوباما التواجد الأمريكي في العراق بعد غزوه عام ٢٠٠٣ على يد إدارة بوش الأبن، حيث سعى الرئيس الجديد تقليص أعداد الجيش الأمريكي وسحبه من العراق. فواجهت الإدارة الجديدة عام ٢٠١٠ شرارة الربيع العربي حيث عمت المنطقة العربية بدءاً من تونس ووصولاً الى ليبيا، ومصر، وسوريا، مما صعب على الإدارة الأمريكية مواجهة كل هذه الملفات الساخنة في عهد أوباما.
وبحسب مارك لينش في مجلة فرين أفريز، بدأت سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط على النحو التالي:
1- خفض الوجود العسكري في العراق
2- تقليل الهيمنة السياسية في المنطقة
3- ترك الحلفاء في المنطقة ليأخذوا دورهم في الجانب الأمني.
التوسع الإيراني والفراغ الحاصل في المنطقة
نتيجة لهذه السياسة حصل فراغ أمني وعسكري وسياسي في العراق بعد عام ٢٠١١، وكان النظام الإيراني مهيئ لملء الساحة بسرعة لا بل إن إيران سيطرت وبسرعة خيالية على أربعة عواصم عربية تباعاً (بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء).
ويأتي هذا التمدد الإيراني ضمن استراتيجية النظام الإسلامي ذات البعد القومي الفارسي والمد المذهبي الشيعي حسب نظرية جيوبوليتيك التشيع. والتي استعارها النظام الإيراني من نظرية هالفورد جون ماكيندر (The Heartland Theory) ليكون قلب العالم الشيعي والإسلامي، عبر التمدد الى دول الجوار بدءاً من أم القرى (طهران). هذه النظرية هندسها محمد جواد أردشير لاريجاني في كتابه “مقولات في الإستراتيجية الوطنية”، حيث قسمها الى بُعدٍ داخلي وخارجي .كلا البعدين لهما وظيفة الحفاظ على السلامة الأرضية والوحدة الترابية الإيرانية على حساب الأمن العربي عبر التوسع الإقليمي في المنطقة العربية وبواسطة الأذرع الشيعية بالأغلب والسنية في المرتبة الثانية (حزب الله في لبنان، الميليشيات في العراق وسوريا واليمن وحماس والجهاد الإسلامي). وهنا يثور التساؤل، أين الأحواز من هذه التحولات؟
ففي هذا الإطار العالمي المتمثل بسياسة الإدارة الأمريكية زمن أوباما والتوسع الإيراني في المنطقة العربية، لم تكن الأحواز منفصلةً عن هذه الأحداث العالمية والإقليمية، والنظام الإيراني حسب استراتيجيات عمله لم يترك الساحة الأحوازية في مهب الريح، بل كانت الأحواز في قلب هذه العاصفة التي اجتاحت المنطقة وتركت آثارها على الأحواز.
الأحواز وتأثره بالوضع الأقليمي
كانت انتفاضة الشعب العربي الأحوازي عام ٢٠٠٥ ردة فعل طبيعية لسياسات النظام الإيراني الرامية الى تقليل عدده في أرضهم، من خلال سياسة التغيير الديمغرافي الذي مارسته الأنظمة الفاشية ا على الشعوب المضطهدة. واستمرت ارتدادات هذه الانتفاضة لعدة سنوات مما أثرت على الساحتين الداخلية والخارجية.
- البعد الداخلي وتأثيراتها
أ- زيادة عدد السجناء السياسيين
ب- دخول عدد أكبر من المدن والأحياء في الحراك الأحوازي بعد ما كانت مختصرة على حي الدايرة، كوت عبد الله، الحميدية.
ج- بروز حركات ومجموعات ثقافية ذات بعد مقاوم كحركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
د- استمرار العمل النضالي داخل الأحواز، متمثلاً بسحب عدد كبير من المواطنين الأحوازيين للعمل في الساحة التي تتمظهر في قوالب متعددة تتراوح بين الحضور في المناسبات الوطنية كعيد الفطر، زيارة عوائل الشهداء، زيارة عوائل المعتقلين والسجناء السياسيين، إقامة الصلوات في الأعياد ذات الماهية النضالية، زيادة ارتداء الكوفية الحمراء التي كانت شبه محرمة، المواجهات في الشارع مع الأجهزة الأمنية.
البعد الخارجي
انتعشت الساحة الأحوازية في الخارج بعد ما كانت في حالة شبه سريرية، وتحرك الإعلام العربي والغربي ببث ما يحدث في داخل الأحواز ومعاناة شعبه.
وعلى الصعيد الحقوقي، كتب المقرر الخاص في الأمم المتحدة أحمد شهيد تقريراً عاماً عن الوضع المزري وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران عامة والأحواز خاصة. كذلك بدأ نشطاء الأحواز في الخارج يحضرون في كل المحافل الأممية والحقوقية وعبر القنوات الفضائية حضوراً لافتاً للنظر. مع ذلك، بدأت الحملات الأمنية في أواخر فترة رئاسة خاتمي ٢٠٠٤ تتشدد وتصيق حلقة العمل في الساحة الداخلية وتواجه ضربات متتالية.
الهجوم الأمني المذكور أعلاه رافق الإعلان عن عدم قانونية حزب الوفاق على إثر الحملات العسكرية التي شنتها حركة النضال ٢٠٠٥-٢٠٠٦، مما سبب بأغلاق الصحف والمجلات مثل صوت الشعب، همسايه، ومحاربة المجموعات الثقافية وأي مظاهر تدل على حراك عربي في الساحة.
أما البعد الإيراني المتصل بساحتنا مباشرة وبعدما أعلن التيار الإصلاحي موت مشروعه وذلك على لسان مهندسه حجاريان الذي صرح ب ” ماتت الإصلاحات، تحيا الإصلاحات”، واجهت الساحة السياسة في عموم إيران وحشا تصّدر المشهد السياسي الايراني متمثلاً بالتيار الأصولي حيث أهم معاقله مؤسسة بيت المرشد والحرس الثوري، والأنظمة الأمنية المختلفة.
مع مجيء أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية في إيران عام ٢٠٠٥، بدأت الحملات الأمنية وتصفية الساحة الداخلية تأخذ شدة أكثر وأكبر مما دفع بالحراك الوطني الأحوازي للتخندق في حالة دفاعية ضد حالة الطوارئ التي أعلنتها إدارة نجاد.
وفي هذه الأجواء ولدت مظاهر الخطاب الجديد (الأهواز بوابة التشيع وتفريخاتها)، لكنه في بداياته كان مستتراً وخجولاً ويُطرح بخوف من قبل جهات أحوازية عربية موالية للنظام الحاكم في إيران. وهنا يجب ألا يغيب عن بالنا أن الحراك الوطني الأحوازي في حينه، وبحلته القومية أختلط مع تغيير المذهبي من الشيعة الى السنة ووصل حدا لا يمكن تفكيكه. حيث كان التيار السني القومي يفرض هيمنته على الساحة وكانت مظاهره جلية بائنة، مع جهوزيته لدفع ثمن هذا النشاط (السجناء، الشهداء، المعتقلين، كان جلهم سنة وقوميين وطنيين بنفس الوقت).
بالعودة إلى الجو العالمي الذي كان يواجه تنظيم داعش في العراق والشام، وصعود إيران كقوة اقليمية ملأت الفراغ في بلاد الرافدين بعد خروج القوات الأمريكية عام ٢٠١١، شنت حملة شعواء على الساحة الداخلية بدعوى إرهابية هذه الساحة وأن هؤلاء إرهابيين وهابيين تابعين للمملكة العربية السعودية ينفذون أجندتها. وعلى ذلك، توجه العمل في الساحة الداخلية نحو السرية في العمل النضالي، وبالتزامن ظهر على السطح عمل عربي آخر يبث ما يعتقده ولكنه لا يستطيع فعلاً أن يحل محل الحراك الوطني الذي عمره عمر المواجهة ضد الدولة “الأمة الإيرانية” التي تشكلت عام ١٩٢٥. وهذا التيار الوليد (بوابة التشيع)، تابع للحرس الثوري والأنظمة الأمنية، أنطلق من مقولة (نحن شيعة ولسنا وهابيين)، حيث كانت الموسوعة القرآنية التابعة لعائلة د. مهدي سواري وأخوته رأس الحربة لهذا الخطاب الجديد.
الهيمنة على الساحة الأحوازية في الداخل
انطلاقاً من مفهوم الهيمنة الثقافية لغرامشي ” بأن الموافقة على حكم المجموعة المهيمنة تتحقق من خلال انتشار الأيديولوجيات والمعتقدات والافتراضات والقيم – من خلال المؤسسات الاجتماعية مثل المدارس والكنائس والمحاكم ووسائل الإعلام من بين عوامل أخرى. إن هذه المؤسسات تقوم بعمل التنشئة الاجتماعية ضمن معايير وقيم ومعتقدات الفئة الاجتماعية المسيطرة. وبالتالي فإن المجموعة التي تهيمن على هذه المؤسسات تهيمن كذلك على بقية المجتمع”. فأي ساحة نتكلم عنها وأي مجموعات أو حراكات يتم بينها هذا الصراع بغرض الهيمنة التي نتحدث عنها؟
كان الاحتدام والصراع على أشده للهيمنة على الساحة والمجتمع بين الحراك الوطني الأحوازي المتمرد على السلطة الإيرانية دائماً ولا يرضخ لها، وبين مثقفي بوابة التشيع الذين تدعمهم الأنظمة الأمنية وشخوصها (آية الله الكعبي، الحيدري، الجزائري، وشمخاني). فوصلت ذروة هذه الصراع بالحملات الأمنية ضد النشطاء الذين قاموا بتشكيل آخر معقل للحراك الأحوازي المستقل (مؤسسة الهلال) خلال إدارة روحاني ٢٠١٣، وحذف هذه المؤسسة وتصفيتها بشتى الطرق الأمنية ومطاردة أفرادها الذين قاموا ولأول مرة بتنظيم حراك كارون المستقل الذي رفض انتقال مياه كارون الى الداخل الإيراني. وقد شكل تاريخ ٢٨/١١/٢٠١٣ موعداً لبى خلاله عشرات آلاف المواطنين الاحوازيين نداءات ودعوات المنظمات الناشطة في مجال البيئة وحقوق الانسان, وقدموا من مختلف مدن وقرى الاقليم لتشكيل حزام بشري على ضفاف نهر كارون في مدينة الاحواز العاصمة, بذلك قد تم تحدى القوى الأمنية التي حضرت بالمئات لتفريق المحتجين و لمنعهم من رفع اللافتات في بداية الأمر و لكن سرعان ما انسحبوا بعد رؤيتهم الأعداد الكبيرة والموجات البشرية الهائلة القادمة بالألوف من أجل كارون فبقوا واقفين يراقبوا الوضع عن كثب. كذلك امتد حراك مؤسسة الهلال في الجانب الثقافي حيث أسسوا مجلات مختلفة ونشروا تاريخ الإقليم بالصوت والصورة، وأحيوا مناسبة قرقيعان.
كل هذه المحاولات كانت تؤذي الجهات الأمنية وعلى رأسها مثقفي بوابة التشيع فتحركوا للنيل من الحراك عبر القمع الشديد والسجن والاعتقالات، الترهيب، ومضايقة الساحة بغية الهيمنة عليها بالوسائل الأمنية. وكانت عملية المنصة في الأحواز التي تبناها تنظيم داعش خراسان عام ٢٠١٨ الحلقة الأخيرة لضرب الحراك الوطني الأحوازي في الداخل والخارج وإعلان الهيمنة الثقافية والاجتماعية والسياسية لجماعة بوابة التشيع.
الهيمنة على الساحة الداخلية
بعد أن مرت الساحة الداخلية من حالة الصراع بين ساحتين وحراكين منفصلين، وتم الغلبة للحراك المدعوم من قبل السلطة دخل النشاط الحالي مرحلة ما بعد الصراع لكي يطبق مقولات وسياسات النظام الحاكم. في هذا الصدد وعلى ضوء النظرية الوظيفية في علم الاجتماع السياسي التي تركز على جوانب الاستقرار وتقليل الفوضى وتبين البنى التي عليها فعل ذلك فنشير الى المواضيع التالية:
-النظام الإيراني عبر ممثليه في الأحواز أمثال الكعبي، الحيدري، وأشباههم، ركزوا على البنية المستقرة في مجتمعنا كالقبيلة والجانب المذهبي.
-هذه البنى بما أنها تملك قيماً تستطيع من خلالها ضبط المجتمع حتى لا يدخل في مشروعات تخلخل الاستقرار، فأن الجهات المسؤولة عن مشروع الاحتواء دعمت القبيلة وقيمها والمذهب الشيعي ونظامه االمفاهیمي لردع أي حراك يسعى العمل خارج ما أنتج من قبل مشروع الأحتواء بعد ما أنكفأ الحراك الوطني الأحوازي الأصيل على نفسه وظهر المشروع السلطوي.
-الهوية الغالبة في الساحة الداخلية هي هوية القبيلة والمذهب الشيعي، وكل حراك نراه في الساحة ينصب في خانة المذهب في أغلب مظاهره (قرقيعان مذهبي، شيخ خزعل راعي المذهب والقبيلة، شيخ سلمان الكعبي مدافع عن مملكته ضد الاستعمار وليس ضد إيران، الأناشيد معظمها تتضمن حالة المذهبية، حراك شيوخ القبائل لها رمزية مدافعة عن إيران وهلم جرا).
وفي نهاية المطاف تمت الهيمنة الكاملة على الساحة الداخلية من قبل مجموعات منتمية الى الحرس الثوري والأنظمة الأمنية فظهر جلياً خطاب جديد بسط سيطرته تماماً.
كيف يمكن معرفة هذا الخطاب وتطبيقاته على الساحة الداخلية؟
الإشكالية الأساسية التي طرحتها هذه الدراسة هي تشكيل المعنى للقضية الأحوازية، بعد أن التبس فهم ما يجري بالساحة الأحوازية الداخلية على الكثيرين، لذا حاولت الدراسة شرح هذه الالتباس. أن المعنى عند سارتر يبدأ من الأنا وقلقها الوجودي والأنطولوجي ” أن حالة القلق الأنطولوجي الذي يصاحب الوجود البشري ويرتهن إليه، يتشكل من (الأنا) الذي بواسطته تأتي المعاني إلى الأشياء، فيقول: “أجد نفسي في عالم ذي معنى يعكس عليّ معانٍ لم أضعها”.
وعليه، فالحراك الوطني الأصيل، عبر عقود من عمر قضية الشعب العربي الأحوازي، انتشر عبر قواها الناشطة بكل تصنيفاتها، وأفصح عبر ملاذاته العقدية عن قلق عميق، تشكل بعد انهيار الحكم في عربستان على يد الدولة الإيرانية الحديثة عام ١٩٢٥. وفي كل مرحلة من مراحل هذا النضال الدموي، شكّلت “الأنا الأحوازية” معنى لوجود قضية ترمز معانيها إلى “قضية الشعب العربي الأحوازي”.
في المقابل، سلب الحراك الحالي هذه الرمزية وهذه المعاني لصالح مشروع التوسع الإيراني في المنطقة (الشيعي الفارسي)، وألصق بالحراك الأحوازي معاني ورموز جديدة لم نعهدها، ورجوعاً الى ما قاله سارتر في هذا السياق: بأني “أجد نفسي في عالم ذي معنى يعكس عليّ معانٍ لم أضعه” فهذه المعاني فُرضت على الساحة بالقوة وتعكس علينا اتجاهاتها فصار لزاماً أن نفضح هذه المعاني.
وهذه المعاني التي أنتجتها الآلة المفاهيمية التابعة لمشاريع النظام انعكست في بيان مصور منسوب لشيخ عباس الكعبي أحد الشخصيات الثلاثة الرئيسية في (مجلس صيانة الدستور)، الذي يقع على عاتقه تسمية المرشد الجديد بعد موت خامنئي المرتقب، مما يشير إلى عمق علاقة الكعبي بهذا النظام وقربه من بيت المرشد. حيث يوضح الكعبي، باعتباره ناظم إيقاع مشروع الاحتواء وما تلاه من مشاريع، إلى كيفية العمل ضمن مشروع الاحتواء في الأحواز عموماً، معبّرا عنه باسم (مشروع بناء تيارات موالية) عبر عشرة مراحل يشرحها بالتفصيل.
الحراك الداخلي ومظاهره
كل ما كان يتبناه الحراك الوطني الأحوازي من رموز ومعان قد تم استعمالها في الحراك المزيف الجديد: (اللباس العربي، الكوفية، الفلكلور، الأواني، البيوت الريفية، الرموز النضالية، الشخصيات التاريخية).
وبأمثلة على ذلك:
- الملبس العربي الأحوازي خاصة الكوفية كانت رمزاً للثورة، قد تبدلت من ذاك الرمز الى مئات من الأشكال الغير مألوفة في بيئتنا لتضييع رمزية الكوفية.
- استعارة الشخصيات التاريخية وتغيير طابعها النضالي ضد الدولة الإيرانية الى شخصيات ذو طابع مذهبي معارض للهيمنة الامبريالية المتمثلة بالشاه، وبذلك تبدلت صورة محيي الدين آل ناصر من ذاك القومي العربي الذي أستشهد من أجل القضية الأحوازية الى شخص محارب للنظام البهلوي ومحب لأهل البيت وتباعاً نضاله جزءاً من نضال الشعب الإيراني، لذلك تم ملاطفة عائلة الشهيد محيي الدين آل ناصر وإرسالهم الى الحج والعتبات المقدسة من باب الاحتواء وسرقة رموز قضيتنا.
- الشخصيات التاريخية وحروبها، الشيخ سلمان الكعبي، الذي شكّل أحد الرموز التاريخية في نشأة التاريخ السياسي المعاصر للأحواز أو عربستان، والذي حارب كل من وطأت قدماه أرض مملكته، تم تحوير شخصيته إلى رمز من رموز المحافظة على الوحدة الترابية الإيرانية.
- احتواء رمزية وأيقونة الحراك الوطني الأحوازي، ومركزية القضية التي بدأت مع خطف الشيخ خزعل عام ١٩٢٥، من صراع بين عربستان والمركز، الى شخصية معادية لحكم وسلطة رضا بهلوي فقط، ونزع الرواية التي بني عليها هيكل الحراك الأصيل السياسي والثقافي والاجتماعي والثوري، مع إضفاء رواية جديدة تتسم بالمذهبية والقبلية والمناطقية.
الأمثلة:
- قناة الأهواز الفضائية، تنشر الجانب الثقافي من مجتمعنا بعدما أرغمت من الجو الحاصل في المنطقة، وكان انطلاقها من مبدأ طائفي يغطي الفلكلور الأحوازي وثقافته، لكن البوصلة دائما تتجه نحو المذهب الرسمي للدولة الإيرانية وكل عملها يصب في هذا المشروع.
- معرض الأهواز عبر التاريخ ٢٠١٥ كان بمثابة مانيفست لمشروع الاحتواء.
- مؤسسة نصر للفنون، تنشر ما يطيب من الأناشيد التي لها طابع قبلي ومذهبي.
- جنود الجهات الأمنية المقنعين، وهم الدائرة الصلبة الذين ينشرون الحزن، الرعب، الرذيلة، الجهل، التخلف، النزاعات القبلية، وهم صنو مداحي خامنئي، لكن بمشروع مختلف يدق مسامير التخلف في الساحة الأحوازية، مستخدمين كل الرموز التاريخية والثقافية والاجتماعية، لكن في قالب نتن. حيث يقومون ببثها في الأحياء التي شكلت حاضنة الحراك الثوري، واستطاعوا الى حين تغيير طابع هذا الحراك الى سرديات متخلفة.
الخلاصة والاستنتاج:
وختاما حاولت الورقة شرح آلية مواجهة النظام الإيراني للحراك الوطني الأحوازي الذي سعى ويسعى لبناء مشروع وطني يرتكز على أهمية ومشروعية القضية الأحوازية العادلة، انطلاقاً من الإنسان كفرد والمجموع البشري الذي يعيش فوق أرضه التاريخية حيث يبحثون عن حلول مختلفة ترجع لهم سيادتهم، أو في أقل الدرجات حق تقرير المصير المنصوص عليه في الشرع العالمية الحقوقية).
نتج عن الصراع الحاصل في الساحة الداخلية بين الحراك الأصيل والحراك المزيف الحالي القضايا التالية:
1- تغيير معنى القضية الأحوازية من محتواها العروبي والقومي والوطني، الى مستوى مناطقي، قبلي، عشائري.
2- سيطرة المثقف المذهبي الذي يمثل طبقة مستفيدة من الامتيازات التي توفرها السلطة المذهبية.
3- سيطرة الشعراء والمهاويل على النشاط الاجتماعي وبث روح القبلية والتشتت وإثارة الفتن ودفع القبائل لاستعراض قواها. مما أثار قضايا كبيرة راح ضحيتها العشرات من أبناء شعبنا جراء هذا الزيف الثقافي.
4- تفريغ الساحة الأحوازية من محتواها السياسي والنضالي وتزييف حراكها، وعلى سبيل المثال، في كل المناسبات الوطنية كان يتم شكل من الرفض الاجتماعي للسلطة الحاكمة عبر انتفاضة، ومسيرات ثقافية، زيارة عوائل الشهداء، والمعتقلين والسجناء السياسيين. لكن حالياً يتم احتواء كل هذه المظاهر وتبدلها إلى بديل خبيث جداً، وهو تجميع الشباب في ساحات كمركز مدينة الكورة لساعات طويلة وتخلية العواطف والأحاسيس والطاقة الشبابية الثورية في هذه المساحات عبر الهوسات. مما يذهب عنهم تلك المواقف الأصيلة التي كانوا يبرزونها تجاه قضيتهم، وهذا الحراك المزيف يستعمل كل الرموز التاريخية بكل صلافة بغية تفريغ الساحة من كل معنى سياسي.
5- ومن انتصارات هذا الحراك المزيف الذي عزف على المذهب والقبيلة والقبلية، واستنهاض تلك الرموز البالية والمواقف المتخلفة، عدم مشاركة شعبنا في انتفاضة إيران الكبيرة التي سميت بثورة جينا، وكان ذلك إنذاراً خطيراً لسيطرة هذا الحراك على الساحة والفوز الكبير والهيمنة على كل مفاصل المجتمع.
6- السيطرة على مفاصل الحراك في الداخل، وكل نشاط في الساحة يتجه نحو هذا المشروع ويأخذ منه سناه وبريقه، حراك شيوخ العشائر، الحراك الفني، الرقصات والأغاني والأناشيد التي فيها طابع قبلي ومذهبي واضح جدا.
7- مع بعض الأعمال الجيدة في هذا الحراك، يمكن القول، هذا الحراك سلبي بامتياز، لكن لا يخلو من إيجابيات محدودة.
وأخيراً، وليس آخراً، تشهد الساحة الداخلية غلبة الهيمنة الثقافية للحراك المزيف، وتصفية الحراك الأصيل، ونزع وتفريغ الساحة من محتواها السياسي الذي ينشد الحرية من سلطة الملالي، في إطار مشروع إسقاطه وبناء نظام جديد يراعي ويعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بشقيه الداخلي والخارجي، إذا توافرت الأجواء العالمية والإقليمية.
عادل صياحي، باحث أحوازي في معهد الحوار
قلم عادل صياحي ما يكتب إلى الحقايق و شكرا جزيلا