“احتفلت عدة مناطق محسوبة على المعارضة السورية بتصفية الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، نظراً لجهوده العسكرية إلى جانب إيران بدعم حكومة بشار الأسد في مواجهة قوات المعارضة السورية. ومع خسائره الفادحة، قدم مساعدة حيوية للفصائل والقوات الموالية لإيران في إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد، حسب الخبيرة الأمريكية في القضايا الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان.
لذا فإن تصفية نصر الله قد تغير الديناميكيات السياسية في سوريا، قالت تسوكرمان لمعهد الحوار. ولن يكون بعدها حزب الله القوة الرائدة الموالية لإيران في سوريا، كما قد يؤدي التأثير المحبط لهذه الخسارة لانتكاسات لجميع الميليشيات الموالية لإيران، مما يضعف يدها في سوريا. وهذا يغير ميزان القوى لصالح روسيا في المناطق الموالية للأسد، ويمنح المزيد من النفوذ لتركيا في إدلب وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة.
وكان المعهد الدولي للدراسات الإيرانية(رصانة) قد أشار إلى أن اغتيال نصر الله، كأكبر شخصية قيادية مؤثرة لدى إيران، من شأنه التأثير في قرارات وحسابات بقية الميليشيات المسلحة المنخرطة في الصراع ضد إسرائيل، في العراق وسوريا على وجه التحديد، لكونهما الحلقتين الأضعف في النفوذ الإيراني الإقليمي.
مكاسب صورة النمر الجريح
من جانبه، أشار الصحفي والمحلل السياسي السوري، فراس ديبة، لوجود تغيرات كبيرة تطرأ على البنية الجيوسياسية للمنطقة حالياً. خلالها، اتخذت إسرائيل وضعية النمر الجريح، تضرب بشدة وخارج دائرة قواعد الاشتباك. وهو ما يؤكده استهداف نصر الله.
وعن تداعيات هذا الحدث على المشهد السوري، قال ديبة لمعهد الحوار للدراسات، بدأت هذه التداعيات بالظهور سريعاً، من خلال تكثيف الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية على مقرات الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية، وعلى قوافل نقل الأسلحة القادمة من جهة العراق إلى لبنان عبر سوريا. مشيرا لتصريحات إسرائيل بأنها ستعمل على إنهاء وجود الميليشيات الموالية لإيران في سورية. على الأقل في المحيط المؤثر لهذه الميليشيات على أمنها.
لذا، يمكن القول بإن الهجمات الإسرائيلية ستكون هي الشعار القادم لسياسة تل أبيب العسكرية في سوريا. لكن لن تكون بالشكل المعتاد سابقاً، ضربات متفرقة وقليلة، بل ستكون ثقيلة ومرّكزة، لتدمير هذه الميليشيات التي يمكن أن تؤثر يوماً ما على أمنها.
ويتوافق مع ديبة الرأي، المحلل السياسي وأمين عام الحركة الوطنية السورية، زكريا ملاحفجي. قائلاً لمعهد الحوار، استهداف المليشيات الإيرانية في سوريا تزداد حدة بالعدد والنوع والأهمية وقلة الفارق الزمني. ومن خلال ردها الباهت على تصفية نصر الله، يبدو أن إيران وفي سبيل حفاظها على المركز والملف النووي بدأت تتخلى عن وكلائها. ما يعني أننا سنشهد حالة تصاعدية. وبهذه التصفية خسر الأسد دعم الحزب، وتاليا سيخسر دعم المليشيات الموالية لإيران.
يضيف ملاحفجي، سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، أعلم الأسد خلال زيارته إلى دمشق قبل مقتل نصر الله بأيام بوجود معركة ضد الحزب، وعلى الأسد تجنبها وإلا سيتعرض لخطر كبير سياسياً وعسكرياً. وعلى ذلك، يلتزم الأسد الصمت بشكل كبير جدا حيال هذه الأحداث. إلى جانب زيادة سماعه لنصائح الروس.
ووفقا لتقرير رصانة، قد تسعى تل أبيب لتنفيذ خطة اليمين الإسرائيلي في فرض أمرٍ واقعٍ جديد على الشرق الأوسط ككل من منطلق التفوق الساحق لإسرائيل، بما فيه ترتيبات جديدة في جنوب لبنان، عبر عمليةً برية. مع استعدادٍ في إطار أوسع مع الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل التعامل مع الحوثيين والفصائل في العراق وسوريا.
انكفاء على الساحة المحلية
تدخل حزب الله في سوريا دعما للأسد في مواجهة معارضيه بوقت مبكر من عام 2011، عمل تحت قيادة مباشرة لقائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني. وبعدها برز كذراع إقليمي “للحرس الثوري”، عبر تقديمه الدعم اللوجستي والتدريب والقيادة للميليشيات في العراق وسوريا واليمن، حسب معهد واشنطن. وبعد مقتل سليماني، توسع دوره إقليمياً بشكل كبير. لكن مع تعرضه لأضرار جسيمة حالياً، قد يرى “فيلق القدس” ضرورة استبدال الدور الإقليمي الذي لعبه “الحزب”.
البروفيسور في جامعة القدس، حسين الديك، وهو خبير بالشؤون الإسرائيلية والأمريكية والدولية أيضاً، أشار لفتور في علاقة الحزب مع حكومة دمشق بعد عملية “طوفان الأقصى” مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
يضيف الديك خلال حديثه لمعد التقرير، إن ما شهده الحزب مؤخراً، إلى جانب موافقة المجلس الوزاري الإسرائيلي على عملية برية بعمق ثلاثين كيلومتر داخل الأراضي اللبنانية إلى حدود نهر الليطاني، سيدفع الحزب لزيادة التمركز داخلياً. والتركيز على الساحة اللبنانية، وعلى جنوب لبنان. وهو ما قد يؤدي إلى تراجع دوره كثيراً في الساحة السورية، لاسيما في ظل التواجد الإيراني في سوريا. مركزاً في الفترة القادمة على إعادة تنظيم صفوفه الداخلية وبناء قاعدته الداخلية اللبنانية، والتركيز على مواجهة الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان. لاسيما وأن هناك قرار لدى حكومة الأسد يقضي بعدم السماح باستخدام الأراضي السورية كقاعدة لانطلاق هجمات تجاه إسرائيل، سواء أكانت هذه العمليات من جانب حزب الله أو من سواه من المجاميع المسلحة الإيرانية.
إيجابية التأثير هذه وافقها الباحث المشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب)، مصطفى النعيمي. لكنها إيجابية لا تخلو من الدماء.
قال النعيمي لمعهد الحوار للدراسات ما تشهده المنطقة من تصعيد، بما فيه تصفية نصر الله، يضع المحور الإيراني برمته بين فكي الكماشة الأمريكية والإسرائيلية. وهو ما يمكن لحظة، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية، من ضربات أمريكية استهدفت بالأمس الميليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال، وترافقت مع استهداف تل أبيب سلاح لمليشيات تابعة لحزب الله وإيران في المنطقة الجنوبية والوسطى من سوريا. وهو ما يشير إلى أننا مقدمون على مزيد من التصعيد على الساحة السورية.
وبحسب حديث المحامي والمحلل السياسي السوري، طارق الحاج بكري، لمعد التقرير، إن تصفية نصر الله دون موقف إيراني واضح، يوحي بأن طهران بدأت بالتخلي عن حلفائها في المنطقة. وهو ما يمنح الأمل بقرب إزاحة/إسقاط الأسد، الذي يستمد قوته من قبل إيران وحزب الله والمليشيات الموالية لهما.
فيما قالت تسوكرمان، إن شعور إيران بضعف نفوذها في المنطقة، بعد مقتل نصر الله، قد يدفعها لزيادة دعمهم للجماعات الوكيلة في سوريا وخارجها، ولإرسال المزيد من “الحرس الثوري” إلى سوريا، في محاولة منها لتلافي حالة الضعف الجديدة، ولضمان قدرتها على الاحتفاظ بمواقعها. وفي حالة خشيتها من عمل سري داخل إيران نفسها، قد تعمل على نقل مجاميع أجنبية، كالميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية والحوثيين إلى سوريا، مما يعّقد الساحة السورية ويجعلها أقل تماسكا، لناحية الاستقرار الهش الذي تشهده حاليا.