الثلاثاء, أكتوبر 22, 2024
مقالاتتدابير محتملة للموقف المصري تجاه لبنان بعد التصعيد مع إسرائيل

تدابير محتملة للموقف المصري تجاه لبنان بعد التصعيد مع إسرائيل

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

 

 

أدانت مصر بشدة التصعيد الإسرائيلي “غير المبرر” في أعقاب الهجوم على أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي،  وكذلك الغارات الجوية المكثفة من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي على جنوب لبنان، وأعربت القاهرة عن قلقها البالغ إزاء احتمال اندلاع صراع على مستوى المنطقة يتخطى لبنان، يمكن أن تكون له عواقب مدمرة على المنطقة بأكملها.

 

 

وفي الوقت ذاته،  اجتمع وزير الخارجية المصري “سامح عبدالعاطي” بنظيره اللبناني “عبدالله بوحبيب” على هامش أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة 2024، وأكد “عبدالعاطي” أن المساس بأمن لبنان هو ليس فقط مساس بأمن مصر بل المنطقة بأكملها. وأدان وزيرا خارجية مصر ولبنان في بيان مشترك عقب لقائهما في نيويورك العدوان على الأراضي اللبنانية، ودعيا لاحترام سيادة وسلامة لبنان.

 

 

وفي هذا التحليل سيتم التركيز على التأثيرات الجيوسياسية المحتملة للحرب في لبنان على مصر، ومدى تأثير ذلك على الأمن القومي والاقتصادي المصري، ووضع سيناريوهات مستقبلية للتدابير التي يمكن لمصر اتخاذها من الجانب الدبلوماسي أو الإنساني أو الاستخباري، إزاء الأحداث التي تجري حاليًا لمساعدة لبنان في وقف التصعيد. 

 

 

لبنان والأمن القومي المصري

 

 

تهتم الجهات الوطنية المعنية دائمًا بصياغة أهداف الأمن القومي المصري بالسعي لتوفير القدرة بمفهومها الشامل ( أمنية– اقتصادية-دبلوماسية ) لصالح تأمين كيان الدولة، وحماية مصالحها الحيوية في مواجهة أي تهديدات أو مخاطر سواء داخلية أو خارجية، وبالشكل الذي يتسق مع تحقيق الأهداف القومية للدولة والحفاظ على الأمن  القومي المصري.

 

 

وبالنظر للحرب في لبنان، فإنها تدخل ضمن حسابات الأمن القومي المصري، فالتوترات السياسية في لبنان واستمرار حدة القصف والقصف المتبادل بين جماعة حزب الله وإسرائيل ، تنعكس بشكل مباشر على الأمن القومي والاقتصاد المصري. وكذلك الاستقرار وعدم اتساع رقعة الحرب هو مصلحة  عربية ومصرية في المقام الأول. 

 

 

فمنذ انطلاق شرارة الحرب بين حماس وإسرائيل في 7 أكتوبر 2023، انعكست هذه الحرب على الاقتصاد المصري،  حيث تراجع عدد السفن المارة عبر قناة السويس بنسبة 85% في الأشهر الستة الماضية جراء تداعيات الحرب  والتوترات السياسية المستمرة، في حين زاد عدد السفن المارة عبر مسار رأس الرجاء الصالح (جنوب قارة أفريقيا) بأكثر من الضعف. ولعل أهم هذه الأضرار توقف الملاحة في هيئة قناة السويس، والتي كانت تدير أرباحًا لمصر في العام المالي 2022:2023 بمبلغ يقدر 9,4  مليار دولار.

 

 

وترتبط مشكلة الأمن القومي المصري بمدى استقرار وعدم استقرار المنطقة، وفي المقدمة لبنان، نظرًا لارتباط جماعة حزب الله بالجماعات الأخرى التي ترتبط بإيران في المنطقة سواء في سوريا أو العراق،  وعلى رأسهم جماعة الحوثي في اليمن والتي وجهت صواريخها نحو أهداف ومدن إسرائيلية منذ انطلاق الحرب بين حماس وإسرائيل، وذلك لمساندة حماس في حربها ضد إسرائيل، وتأثرت مصر أمنيًا جراء هذا التصعيد. وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لم يشن “حزب الله” ذلك الغزو البري، ولكنه انضم إلى معركة “حماس” أيضًا بإطلاقه آلاف الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة على إسرائيل. وسقطت معظمها في منطقة الحدود المهجورة إلى حد كبير ولكن بعضها سقط في عمق إسرائيل.

 

 

  ويمكن توصيف أبرز الانعكاسات الاقتصادية المستقبلية على مصر في حالة توسيع الحرب بين حزب الله وإسرائيل في الفترة القادمة، وذلك فيما يلي:

 

 

  • اضرار الملاحة في قناة السويس: من المتوقع في المدى القريب والمتوسط في حالة اتساع رقعة هذه الحرب وعدم السيطرة عليها، غلق الملاحة وتوقيف حركة عبور السفن في قناة السويس بشكل نهائي نظرًا للدعم المتوقع من أنصار الله “الحوثيين” في اليمن لحزب الله في حربه ضد إسرائيل وذلك بتعليمات من إيران، وسيتأثر الاقتصاد المصري بذلك نظرًا لتوقف قناة السويس، في ظل معاناة مصر من نقص العملة الأجنبية.

 

  • تهديد القوات المصرية وقوات حفظ السلام في سيناء: من المتوقع توجيه الحوثيين لمزيد من الصواريخ تجاه إسرائيل، نظرًا لارتباط جماعة الحوثي بحزب الله.  وبالتالي ستقوم هذه الصواريخ حتمًا بالمرور عبر الأجواء المصرية، وذلك كما حدث في 27 أكتوبر 2023، عندما أطلقت جماعة الحوثي صواريخها لدعم حماس في غزة وألحقت هذه الصواريخ أضرارًا بالقوات الأمنية المصرية. وبالتالي فإن هذا يعد تهديدًا لأمن مصر القومي، ومن ثم سيستدعي ردًا من مصر في حالة استمرار هذا الخرق مستقبليًا. 

 

وفى هذا التوقيت فيمكن لمصر اللجوء لخيارين لوقف هذا التوتر، أولًا:  تفعيل اتفاق ” الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن”،   وذلك لحماية حركة التجارة والملاحة الدولية في قناة السويس ويضم سبع دول (السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، اليمن، الصومال، والأردن)، حيث تم إعلان تأسيس هذا الكيان من خلال وزراء خارجية الدول السبع في ديسمبر 2018 بمدينة الرياض. حيث أن  مضيق باب المندب لم يُغلق إلا مرتين. المرة الأولى كانت أثناء أزمة السويس عام 1956، والثانية كانت خلال حرب الأيام الستة بين مصر وإسرائيل عام 1967.

 

 

ثانيًا: اللجوء لمجلس الأمن، وهي تكثيف مصر طلبها من الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن لعقد جلسة مباحثات عاجلة لمناقشة هذه التطورات والتي تؤثر بشكل مباشر على الملاحة الدولية.

 

 

  • الانعكاسات السلبية على السياحة في مصر: من المتوقع على المدى القريب في حالة استمرار التوترات السياسية في المنطقة، رؤية المزيد من الانعكاسات السلبية على السياحة في مصر، فقد تأثرت السياحة بالفعل في شبه جزيرة سيناء منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في 7 أكتوبر 2024،  وأغلقت 90% من المنشآت السياحية (فنادق وكامبات) في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر.

 

تدابير مستقبلية لأشكال الدعم المصري للبنان في حالة اتساع الحرب

 

 

نظرًا لموقع مصر الجيوسياسي الهام في المنطقة، تبذل القاهرة جهود سياسية دائمة في لمحاولة لإيجاد تسوية للحروب والنزاعات الإقليمية وفي مقدمة هذه الجهود، القضية الفلسطينية، ونظرًا لارتباط القضية الفلسطينية بحماس وارتباط حماس بجماعات إيران في المنطقة كحزب الله، وكذلك تأثير هذه الحروب والتوترات على الأمن القومي المصري، فمن المتوقع أن تبذل مصر جهودًا مختلفة في محاولة لتهدئة الأوضاع في لبنان.

 

 

 ومن ثم يمكن التنبؤ بالعديد من السيناريوهات التي يمكن أن تتخذها مصر تجاه التطورات في لبنان، انطلاقًا من محددات الدور المصري في المنطقة العربية وكذلك نفوذ مصر الإقليمي:

 

 

الدعم السياسي وتفعيل التهدئة

 

 

تستند العلاقات الثنائية بين مصر ولبنان على مبدأ الاحترام المتبادل والتشاور المستمر وتنسيق الرؤى والمواقف حيال القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك بصفة خاصة وقضايا منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.

 

 

أعادت مصر التأكيد على قوة هذه العلاقات وعلى  حتمية الوقف الشامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب الجارية  بين إسرائيل وحزب الله، لتجنيب الإقليم عدم الاستقرار والصراعات والتهديد للسلم والأمن الدوليين.

 

 

فمن المتوقع استمرار القاهرة بإصدار التصريحات السياسية عبر المؤسسات المعنية سواء وزارة الخارجية أو رئاسة الجمهورية خلال الساعات والأيام المقبلة،  بالتأكيد على ضرورة حفظ سيادة لبنان وضرورة تجنيب الأبرياء المدنيين الصراعات العسكرية، ورفضها لأية تهديدات تستهدف لزعزعة واستقرار لبنان أو سلامة شعبه، مع التشديد على التأثيرات المحتملة  للتصعيد على أمن واستقرار لبنان وكذلك الأمن الإقليمي. وضرورة التوصل لتهدئة بين حزب الله وإسرائيل

 

 

التحركات الدبلوماسية والأمنية

 

 

ستسعى الدبلوماسية المصرية لوقف التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ، واحتواء المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذه الحرب. فمن المتوقع أن تتحرك مصر دبلوماسيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة لدعوة القوى الدولية ومجلس الأمن للتدخل الفوري لوقف التصعيد الإسرائيلي على لبنان. بالإضافة للدعوة لتسوية الأزمة بشكل سلمي، والتأكيد مرة أخرى من البدء في تطبيق قرار مجلس الأمن 1701  “المتخذ بالإجماع في 11 آب / أغسطس 2006. وكان الهدف من القرار هو حل النزاع اللبناني الإسرائيلي بشكل سلمي“. ومثل هذا الشرط يتطلب تنازلات كبيرة من جانب كل طرف، وهو أمر من غير المرجح أن يقبله أي منهما في هذه اللحظة المليئة بالتعقيدات السياسية في الفترة الحالية.

 

 

من الجهود المتوقع أن تبذلها مصر في الساعات القادمة، هو محاولة بذل حراك أمني عبر وفودها الأمنية “المخابرات المصرية”،  مع الدول الإقليمية والدولية، والتي لها علاقات مميزة مع إيران، مثل “قطر وسلطنة عمان وروسيا والصين” وذلك لمحاولة إقناع إيران بتهدئة التوترات من خلال إصدار تعليمات واضحة للجماعات التابعة لها في المنطقة في “لبنان وسوريا والعراق واليمن”،  وخاصة حزب الله بضرورة خفض التصعيد وعدم توسيع رقعة الحرب مع إسرائيل، وذلك لضمان استقرار الأمن الإقليمي.

 

 

 بجانب ذلك، ستكثف مصر تواصلها مع الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة الضغط على إسرائيل لوقف هذه الحرب. فيجب على واشنطن أن تدفع نحو التفاوض حول التوصل إلى تفاهمات حدودية محدودة حالياً – فمن غير المنطقي فتح صراع أكبر وأكثر تدميراً بشكل كارثي مع جماعات إيران في المنطقة، وذلك بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 

 

 

من جانب آخر، فمن المتوقع أن تبذل مصر تحركات دبلوماسية دقيقة على المستوى العربي  من خلال جامعة الدول العربية، وبالأخص مع قطر الشريك الأول مع مصر في وفد المفاوضات بخصوص غزة، وبالتالي ستضعط مصر في هذا الاتجاه للوصول لتسوية عاجلة وضرورية بخصوص وقف الحرب في غزة وذلك سينعكس بدوره على التهدئة ووقف التصعيد في لبنان بين حزب الله وإسرائيل.  

 

 

تقديم المساعدات الإنسانية

 

 

من المتوقع تسخير كل الإمكانيات المصرية لتقديم الدعم للحكومة اللبنانية والشعب اللبناني في خلال الساعات المقبلة، وسيقدم الدعم عن طريق وزارة الدفاع المصرية، وذلك للنازحين من المناطق التي نفذ عليها الغارات الإسرائيلية، وستشمل الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة وإقامة مستشفيات ميدانية بالإضافة للمساعدات الغذائية المطلوبة لمساعدة النازحين من مناطق القتال.

 

 

السيناريو المرجح لوقف التصعيد

 

 

إن السؤال الآن يدور حول طبيعة الخطوات القادمة لوقف الحرب بداية من غزة مرورًا بلبنان. وتكمن الإجابة عن هذا السؤال في التالي، وهو أن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل وأن تضغط كلا من القاهرة والدوحة على حماس لتقديم كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مزيدًا من التنازلات لصالح الوقف الفوري لإطلاق النار، ويعتبر النموذج الوحيد الذي تدعمه مصر وعبرت عنه مرارًا لإحياء هذه المحادثات هي التخلي عن نموذج “المراحل” والذهاب إلى صفقة واحدة: إطلاق سراح جميع الرهائن في مقابل جميع السجناء الفلسطينيين، ويُطلق على هذا أحياناً نهج “الكل مقابل الكل”.

 

 

خاتمة

 

 

يمكن القول؛ أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل وتوسيعها لها تداعيات سلبية خطيرة ليس فقط على الأمن الإقليمي، ولكن أيضًا على الأمن القومي والاقتصاد المصري، وبدون شك فإن مصر ستبذل الجهود السياسية لوقف التصعيد، والدبلوماسية عبر التحرك في مجلس الأمن للحصول على قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة،  وكذلك المساعي الاستخبارية للضغط على إيران بإصدار تعليمات للجماعات المرتبطة بها في الإقليم لوقف هذا التصعيد، وكذلك بالضغط على إسرائيل من جانب آخر عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية لوقف توسيع رقعة الحرب مع حزب الله. 

 

 

 

 

محمد نبيل البنداري، باحث في العلوم السياسية

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here



error: Content is protected !!