المناضل المجهول: كالجندي المجهول يعمل بصمت ويحدث التغيير
خلال مائة عام من مسيرته النضالية سجّل شعبنا الأحوازي العديد من الملاحم البطوليّة والثورات والانتفاضات، شكلت جانبا مشرقا من تاريخه المعاصر ومن أهمّ هذه الإنجازات التي لا تقل أهميّة عن انتفاضة نيسان عام 2005، هي الصمت والتريّث وعدم المشاركة في احتجاجات عام 2022 التي عمّت جغرافية إيران. لذا يمكن لفت النظر في هذا المقال لاتباع الشعب الأحوازي معادلة جديدة في ساحة النضال، ألا وهي معادلة الناشط، “الجندي المجهول”.
أطلقت وفاة جينا أميني، الشابة الكرديّة، شرارة احتجاجات تعدّ الأكبر من نوعها منذ انتصار ثورة الشعوب في جغرافية إيران عام 1979. حيث تكمن خطورتها وأهميّتها فيما نالته من حجم الدعم الإعلامي العالمي، خاصة الغربي منه، على عكس سابقاتها. و ايضا انشغل بها الإعلام المحلّي في أوروبا طوال أيام وأشهر الانتفاضة، وربما يعود السبب إلى وجود غرفة تخطيط وتنسيق مشتركة فيما بين الإعلام الغربي وبعض أطياف المعارضة الفارسية وربما جهات كرديّة. وما زال الكثير من الناشطين والمعارضين في الخارج يرون في هذا الحراك منعطفاً تاريخياً طغى على الصورة النمطيّة لوجه المجتمع الإيراني، وأتى بتبعات كبيرة عليه، خاصة على مستوى المنظومة القيمية للأجيال الصاعدة.
انطلقت هذه الاحتجاجات من مراسم تشييع مهسا/جينا أميني بمدينة سقِّز الكردية غرب إيران، لتعمّ بسرعة خاطفة جميع المناطق ضمن هذه الجغرافية. وسرعان ما تحوّلت حريّة المرأة، الشعار الأبرز لهذه الاحتجاجات، فأصبح السفور رمز الكفاح ضد النظام وتحدّياً لأجهزة القمع. ولذلك خلعن الشابات المنتفضات، وهن يمثلن الأغلبية، الحجاب، متخذات من شعار “المرأة، الحياة، الحرية” مساراً حدّد المطالبات والغايات.
وانتشر هذا الشعار كالنار في الهشيم وساعد في اتساع رقعة الانتفاضة وتحوّلها إلى أكبر الاحتجاجات وأطولها من حيث عدد المناطق المنتفضة والاستمرار الزمني، منذ تأسيس ما تسمّى بالجمهورية الإسلاميّة. ومن البديهي ألا يكون رد النظام الإيراني عليها إلّا بالقمع والعنف على نطاق واسع، فـقـتلت قوات الأمن خلالها ما لا يقل عن 527 متظاهراً، بينهم 17 قاصراً، وفق احصائيات منظمات حقوقية عالميّة مستقلة.
وبينما كانت هذه الاحتجاجات على أشدّها على امتداد ما يسمّى بجغرافية إيران، دأبت بعض التنظيمات الأحوازيّة وبعض النشطاء في الخارج على الدعوة للمشاركة فيها، وأصدرت بيانات مكتوبة ومقروءة لتحفيز ذلك، حتى وصل الأمر إلى تدخل قناة العربية-الحدث على الخط لتحريض الشعب الأحوازي على المشاركة في المظاهرات. ولم تدخر هذه القناة جهداً في ذلك الا و خاطبت فيه “الشعب الأحوازي” وأصدرت تقارير عن “التحاق الشعب الأحوازي بالاحتجاجات” مباشرة بعد خروج عدّة مستوطنين فرس في أحد الأحياء بمدينة الناصرية (الأحواز العاصمة).
تفاجأ متابعو الشأن الإيراني والأحوازي بعدم مشاركة الشعب العربي الأحوازي في هذه الاحتجاجات، رغم اعتراف الجميع، بما فيهم سلطات الاحتلال والمعارضة الفارسيّة، بتسجيل الأحواز أكبر عدد من الانتفاضات والاحتجاجات في ما يسمّى بإيران، في الحد الفاصل ما بين عام 2005 إلى عام 2022. وقدّمت الأحواز في كلّ موجة من احتجاجاتها وانتفاضاتها السلمية عشرات الشهداء والمفقودين وآلاف الأسرى والمعتقلين.
ونظراً لشدّة الاضطهاد والظلم والظروف التعسفيّة والقاسية التي يعيشها شعبنا الأحوازي جراء سياسات سلطات الاحتلال الفارسي في شتى المجالات، فكان من المتوقع أن ينتفض شعبنا وأن يكون سباقاً كغيرها من الاحتجاجات، في حين لم يحدث ذلك، وهو الأمر الملفت للانتباه إلى حد الاستغراب.
وبعد متابعة الأمر والتحرّي والاتصال المباشر وغير المباشر ببعض النشطاء في الداخل، وصلت إلى إجابة تفيد بأنّ النشطاء في الداخل، هُم مَنْ قرّر عدم المشاركة في هذه الاحتجاجات. تصوّرت في البداية بأنه قراراً فرديّاً أو أنه صادر عن مجموعة صغيرة منفردة، ولكنه ونظراً لعدم مشاركة الشعب الأحوازي في موجة الاحتجاجات تلك، والتزام الصمت في عموم مدن الأحواز وبلداتها وقراها، تبيّن انه قراراً اتخذ بعقل جماعيّ، وطبعا لا يعني قيادة جماعية موحدة في عموم الأحواز.
حدث كهذا، يستحق المتابعة والبحث والتحليل، ولا أنوي في هذا المقال تسليط الضوء على أسباب عدم مشاركة شعبنا الأحوازي، وقراءة سلبيّاته وإيجابياته، أو أسباب تجاهله لدعوة التنظيمات والنشطاء في الخارج للمشاركة. ولكن السؤال البارز هو: “من الذي اتخذ القرار في عدم المشاركة”؟! وكيف سيطر صانع هذا القرار على الساحة الأحوازيّة في الداخل دون وجود أدوات مكشوفة، إضافة إلى قطع الاتصالات من قبل سلطات الاحتلال، وكذلك قطع المواصلات في بعض الأحيان!؟ قبل الإجابة عن السؤال، أود الاستشهاد بنموذج عربي، يبدو بعيداً عن الأحواز جغرافياً، ويتمثل في الجزائر.
عندما وافقت جبهة التحرير الوطني الجزائريّة على وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، بعد ثورة ارتقى فيها قرابة مليون شهيد خلال سبع سنوات منذ اندلاعها عام 1954، وكانت هذه الخطوة ناتجة عن مفاوضات دارت مع المحتل الفرنسي، فانتهت بإثبات مقدرة الجبهة على اتخاذ قرارات استراتيجية بإسم الشعب الجزائري؛ حتى وإنْ تعلقت بالسلم والحرب.
عزّزت هذه القدرة شرعيّة الجبهة بوصفها ممثلاً للشعب، وبوصفها الجهة التي تعي بتطلعات الشارع ومطالبه، ومن ثمّ الكفاح في سبيلها، ومن أجل ذلك كان قرار وفق إطلاق النار نابعاً من تطلعات الجزائريين لإنهاء الحرب، وخلافاً لتصوّر المحتل الفرنسي وبعض الوسطاء حول مدى تلاحم الجبهة والشعب الجزائري، وبعيداً عن قناعتهم بأنها جبهة منفصلة عن الواقع الجزائري ولا تمثل سوى بعض الفئات، وأنها لا يمكن أن تسيطر على الجغرافية الجزائريّة المترامية الأطراف حيث تعادل ثلث أوروبا، وفي ظروف تفتقد لوسائل التواصل والمواصلات، وبالرغم من كل ذلك، دعَمَ الشعب الجزائري وقف إطلاق النار، واستقبل الجزائريّون ذلك بفرح وتأييد، ورأوا فيه خطوة نحو تحقيق الهدف المنشود في التحرير والاستقلال.
وهو ما أثبت الدعم الشعبي الواسع لجبهة التحرير الجزائري، وأنها تعبّر عن تطلعات الشعب، أن قراراتها محل قبول جماهيري واسع.
الناشط الأحوازي: “الجندي المجهول”
أبدع شعبنا خلال مئة عام من الاحتلال والقمع المفرط، نهجاً خاصاً به من النضال قلّ نظيره في تاريخ الكفاح لمختلف الأمم والشعوب. إنه نضال “الناشط “الجندي المجهول”.
يشهد الشعب الأحوازي في هذه المرحلة من تاريخه، ميلاد أجيال جديدة حَمَلت القضيّة في جوف نفسها وفي ثنايا بواطنها، تؤمن بالعروبة وضرورة التحرير، ولكن بكيفية لم تؤدي إلى بلورة ذلك عبر أشكال النضال التقليديّة التي شهدتها باقي الأمم، أو تلك التي سجّلها التاريخ. إذ تجد من بين هؤلاء النشطاء-الجنود المجهولين الطالب الجامعي، والمعلم، والمهندس، والطبيب، وبائع الخضروات، وعامل البناء، والمزارع، وسائق مركبات الأجرة، والمواطن الأحوازي المنضوي في القوات الأمنيّة والعسكرية الإيرانيّة.
وحتى وأن كان يبدو كل واحد من هؤلاء مواطناً عادياً منهمكاً بالحياة ومشاغلها الكثيرة والصعبة، ولكنه يخبئ في داخله مناضل أحوازي يطمح إلى تحرير الأحواز واستقلالها، ولا أحد يعرف عدد هؤلاء الجنود المجهولون إلا الله سبحانه وتعالى، وربما يبلغ عددهم عشرات أو مئات الآلاف على كافة المستويات.
إن هذا النوع من النضال يلقى على كاهل هؤلاء النشطاء، ويبدأ منهم وينتهي بهم. إنه ناشط متحرّر من كل القيود، فهو لم ينحدر من وزارة التعليم أو الإعلام الأحوازيّة، رغم عدم وجودها؛ كما أنه لم يتدرّب على يد التنظيمات الأحوازيّة التي مازال نشاطها محدوداً، بل إنه هكذا في تدبيره الفردي حيث يستقي وعيه عن تاريخ وجغرافية الأحواز والبيئة التي يعيش فيها، يخرق جدار الاحتلال السميك أمام الناظر الأحوازي عبر سنين وعقود، كوّن فيها ذاته وخاض صراعاً مستمراً حتى مع نفسه فظفر وأطّر هويّته القوميّة والدينيّة.
وحتى تعريفهم للأحواز لم يكن موحداً رغم التشابه في اطروحاتهم، وهكذا تجد هذا الناشط المجهول كلما امتلك مستوى ثقافياً متقدماً شعر بعمق الصراع الفارسي العربي وانعكاسه على الأحواز، وزاد وعياً بتلك الهوة الشاسعة التي تفصل هويّته العربيّة عن الفارسية ونظامها المحتل، وذلك على كافة الأصعدة التاريخية والثقافية والمجتمعية والسياسية والقومية العربية.
ولعل ميزة النضال من هذا النوع، كونه ينطبق على الأفراد، فلا هو بالنضال الحزبي والمنظّم كما هو الحال في الجزائر، كما أنه ليس نضالاً جماهيرياً كما هو الحال بالنسبة إلى الثورات والانتفاضات الجماهيرية المعتادة. ويأتي هذا الإبداع كنتيجة طبيعيّة للصراع المرير والطويل مع أجهزة استخبارات الاحتلال الفارسي منذ عهد البهلوي إلى عهد الملالي، وينطلق من أولى الكيانات التي عرفتها البشرية وكذلك جميع المجتمعات، إذ يبدأ الناشط بتوعية أسرته، ثم يتدرّج في نشر الوعي الوطني ليبلغ مستوى الأقارب، فأبناء الحي، فالمدنية، حتى يبلغ عموم الأحواز، لينير درب النضال ويوقد شعلة التحرير والاستقلال.
منهم من يجد لنفسه فضاءً خاصاً يعمل فيه علناً ضمن الإطار المحدّد من قبل سلطات الاحتلال، وذلك في شتى المجالات الثقافيّة والاجتماعيّة وحتى السياسيّة ضمن النشاط مع الإصلاحيين أو الأصوليين، ومنهم من يبقى متخفياً يعمل ضمن نطاق محدود حيث لا مكانة للأطر التي يحدّدها الاحتلال، ولا مصلحة للمرتزقة أو الانتهازيين في ميدان عمل الناشط الأحوازي المجهول.
وبهؤلاء الجنود المجهولون تتفجر الثورات، وعلى أياديهم تتربّى الأجيال، ويتميّز كلٌ منهم، بروح النضال والذكاء البراغماتي الذي أعجز أجهزة الاستخبارات المتعددة مثل “وزارت اطلاعات جمهوري إسلامي”(واجا) و”سازمان اطلاعات سپاه” (ساس) و”پلیس اطلاعات وامنیت نیروی انتظامی” (پاوا).
والسبب في نجاح هؤلاء، وعجز الخصم، يعود إلى كونهم يعملون بأسلوب مختلف؛ ولا يرتبطون بتنظيم واضح، ويواصلون عملهم النضالي بإنسيابية ملحوظة، ولكن بأسلوب يبدو متقطّعاً وغير منتظم، ولكن يبدو وكأنّ عدم انتظامهم، فهو شكل من أشكال النظام، فلو افترضنا بأنّ المحتلّ تمكن من اعتقال أحدهم، أو أعتقل جميع النشطاء الأحوازيين في الخارج دفعة واحدة، لن يضرّ هؤلاء شيئاً، كونه ليس لديهم شكل واضح، تجد منهم من لا يعرّف نفسه كناشط أحوازي، ويمكن الجزم بأنّ على أيادي هؤلاء سوف تتحرّر الأحواز بالتزامن مع توفر الظروف الإقليمية والدولية.
استخلاص الدروس والعبر
خلال تعذيبي في معتقل الاستخبارات في عامي 2009 و2012، ومن خلال أسئلة الجلادين اكتشفت أنهم يستعملون استراتيجية الغربال، يسألون عن أي أحوازي، حتى عن ذلك المخلص للمحتل والمفتون به، كأولئك الذين وصلوا إلى مناصب رفيعة في طهران، لأنهم يرتجفون من جميع أبناء الشعب الأحوازي دون استثناء، فكل أحوازي مشتبه به بالنسبة للاحتلال ومشكوك بأمره.
وعلى أساس تجربتي الشخصيّة، وبناء على حواراتي مع مئات الأسرى والمعتقلين الذين تم إعدام العشرات منهم ولا يزال الأخرين قابعين في سجون الاحتلال منذ عقود استخلصت بعض النصائح لأشارك بها الأخرين. أما هذه السطور فإنها ليست مجرّد تلخيص لكتب استخباراتية أو قصص تجسّس، بل نتيجة لتجارب مريرة وحسرات كبيرة عاشها المئات من النشطاء الذين عانوا ولا يزالوا يعانون في معتقلات الاستخبارات وسجون الاحتلال الفارسي نتيجة الأحكام الجائرة بسبب اخطاء امنية. ولولا الالتزام بالأمن واحترام مشاعر أولئك الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل شعبنا ومشاعر ذويهم، لذكرت في كل فقرة أسماء الأشخاص والمجموعات بأدق تفاصيلها، ولكن ارتأيت الاكتفاء بالاختصار واستخلاص الدروس والعبر على النحو التالي:
- أنت المسؤول الأول والأخير عن أمن نفسك، ولا تلوم أحداً إذا تساهلت في الالتزام بالقواعد الأمنيّة، فالخسارة خسارة لنفسك ولأهلك ولشعبك، ولتعلم أنك قد تتسبب في كشف الآخرين.
- لا تخبر أحداً عن نشاطك، لا زوجتك ولا أقاربك ولا أصدقائك، فقد تتغيّر الأحوال في أيّة لحظة ويقدم أحدهم على استهدافك من خلال ما يعرف عن نشاطك.
- طرق عمل المناضلين مختلفة، خاصة في الداخل، فلا تقس نفسك مع غيرك، في الداخل أو الخارج. فمنهم من يصيح بأعلى صوته ويجاهر ويشارك في المهرجانات والمؤتمرات ويرتدي الزي العربي؛ ومنهم من يتكتم عن كل ما في قلبه، ويعمل بشكل مختلف حسب الدور الذي يلعبه والظروف والإمكانيات والطاقات.
- نجاح التنظيمات والمجتمعات البشرية ينبع من كيفية التعامل مع الغرائز الأساسيّة في البشر: مثل حب الشهرة، وحب المال، وحب السلطة، والشهوة…الخ، فكم من أسرى أحوازيين رأيتهم اعتقلوا لأنهم لم يسيطروا على غرائزهم تلك. ولدي أمثلة كثيرة لا أستطيع شرحها.
- كن معتدلاً: فللحياة أبعاد مختلفة، ولا تهمل احتياجاتك واحتياجات أسرتك من أجل النضال. واعتدل في كل الأمور، نجاحك على الصعيد الشخصي، في ظل الاحتلال الفارسي والظروف المعيشية الصعبة التي أوجدها، هو في تكوين أسرة، وتربية جيل جديد يبقى أكبر عمل وطني أحوازي تقوم به.
- القضية الأحوازية هي قضيّة شعب ووطن، وهي بحاجة إلى النشاط في كل المجالات، ولكن لا تحاول العمل في كل المجالات، فهذا يتطلّب كثرة الحراك والتواصل، حيث يسهل رصدك وتتبعك وكشفك من قبل أجهزة استخبارات الاحتلال الفارسي. وركّز فقط على مجال واحد، يمكن أن تبدع فيه، وأنتج في صلب اختصاصك، وذلك عوضاً عن بعثرة طاقتك وإرهاق نفسك، فالقضية أنجبت أجيالاً.
- انتبه إلى من هُم حولك، فلربما أنت تراعي كل القواعد الأمنيّة ولكن تجد من حولك من لا يراعي ذلك لأسباب مختلفة مثل عدم الوعي، أو التحدّي، أو حتى العمالة، اجعل بينك وبينه مسافة الأمان؛ فقد رأيت من الأسرى الكثير ممن حكم بالأحكام القاسية بسبب هذه النماذج من الأصحاب.
- لا تمتلك الاستخبارات علم الغيب، لذلك عليك الحفاظ على الأسرار، وخاصّة الوثائق والمستندات، وصيانة أي شيء يدينك أو يثقل سجنك وعقوبتك، فلا تتهاون ولا تؤجّل إخفاء جميع الوثائق الخطيرة، أو تلك التي تبدو ليست ذات خطورة في نظرك، ولا تعطي العدو أيّ دليل مادي على نشاطك، وما لم يكن دليلاً مادياً على ما تتهم به، فلا يمكن إثباته عليك أبداً حتى وإن ضغط عليك الأمن بذلك تحت التعذيب.
- الإنترنت: يأتيك من مؤسّسات الاحتلال وحكومته، فهو مراقب، أما الـ: VPN الذي تشتريه، فهو الآخر يأتي من الأجهزة الأمنية للاحتلال أيضاً، ولا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلا أجزاء من الثانية ليكتشف كل اتصالاتك والمواقع التي تتصفحها، وباعتراف شركة Google يمكن التنصّت حتى إذا كان جهاز الهاتف خارج عن نطاق الخدمة.
- عند الاعتقال سوف يفحصون نقالك و يركزون على جهات الاتصال الأجنبية – خارج البلاد- إضافة لأسماء الأشخاص الذين لهم سوابق او مرصودين حاليا . انصحك بإزالة جهات الاتصال الحساسة.
- إذا وجدت نفسك مضطرا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والواتساب حاول ألا تتواصل عبر الرسائل والبصمة الصوتية، بل اتصل مباشرة فهكذا يصعب رصدها.
- التنظيمات الأحوازية والنشطاء في الخارج الذين يعملون علنا مستهدفون ويتمّ رصدهم من قبل أجهزة استخبارات الاحتلال وعملائها. ورغم إخلاص وتفاني الكثير من قادة التنظيمات الأحوازية إلا أنهم مازالوا في بداية الطريق لبناء جهاز أمني يكشف الاختراق التقني والبشري، كما أنني كنت شاهداً في السجن كيف تمّ رصد وكشف الكثير من النشطاء الأحوازيين، بعد تواصلهم مع الخارج، لهذا أنصحك بعدم التواصل مع الخارج، إلّا للضرورة القصوى.
- طالما تنشط في الداخل دائما يوجد احتمال لاعتقالك، لذا نسق مع رفاقك قبل الاعتقال حول ماذا يجب عليكم قوله عند الاعتقال. كثير من المجموعات الأحوازية التي رأيتها في السجون اعترفوا على بعضهم تحت التعذيب في أمور لا يعرفها إلا الله، وقد كان يمكن كتمانها لو كان تنسيق مسبق بينهم.
- عند الاعتقال سيسألونك عن رفاقك وكذلك سوف يسألون أسرتك واقربائك، حتى الأطفال، عن رفاقك ومن يتردد على بيتكم. فرتب علاقاتك مع الأصدقاء والرفاق. من الأفضل إبعاد دائرة الرفاق عن بيتك لأنك لا تعرف من يرصدك الآن. هكذا تم كشف مجموعة احوازية عن طريق تعذيب شقيق المناضل الذي استشهد اثناء العملية وأعدم بعضهم ومازال الآخرون قابعون في السجون منذ عقود.
- إذا تم اعتقال أحد رفاقك وكان لكم عمل مشترك فلا تأمن وكن حذرا ولو طالت المدة أشهر ولم يتم اعتقالك. اصبر حتى يتم نقل رفيقك من معتقل الاستخبارات إلى السجن العام ويخبرك بالتفاصيل. هذا ما حدث لأحد المجموعات الأحوازية: بعد اعتقال رفيقهم اختفوا فترة أسابيع وعندما لم يحدث شيء ولم يتم السؤال عنهم رجعوا إلى بيوتهم وعملهم، وبعد ذلك تم اعتقالهم بسهولة و حكم عليهم بالإعدام.
- التعذيب النفسي والجسدي؛ يوجد نوعين من جلسات التعذيب الجسدي، الجلسات الأصليّة فإنها محدودة وهي التي يوقّع عليها القاضي، ويمكنك ملاحظتها في المحكمة وتسمّى التعزير، فتكون جلسات قاسية بحضور عدّة أشخاص وتبدأ بضرب أسفل القدمين ثمّ كلّ الجسم، وكذلك التعذيب اليومي الذي أقل قسوة مع الكثير من التهديد والتعذيب النفسي. تأكد لو أنهم يعرفون كل شيء عنك لما عذبوك، وعليك تحمّل التعذيب أولاً، وأجعلهم يتكلمون عن الذي يعرفونه عنك، ثمّ قل القليل ممّا تراه مناسباً بعد التفكير.
- الاعتراف: لا تكن من الذين يكتب في حكمهم “اعتراف صريح متهم” فلا تعترف على نفسك ولا على رفاقك وكلما تبقى في الملف وحدك، فذلك أفضل لك ولهم، واعترافك على رفاقك سوف يزيد من تعذيبك ويثقل ملفك. وإذا قالوا لك لقد اعترف عليك فلان أو قابلك في المعتقل واعترف أمامك وجهاً لوجه، فعليك ألا تنكسر واستمر في الإنكار، وإذا تسألني عن أصعب لحظات السجن والتعذيب، فأقول لك بكل صراحة وكنت شاهداً عليها، هي اللحظة التي تواجه رفاقك في السجن بعدما اعترفت عليهم في معتقل الاستخبارات، وقد نالوا أحكام جائرة مثل الإعدام و…الخ. قال لي أحدهم “تمنّيت لو مت ألف مرّة تحت التعذيب ولم اعترف على رفاقي”. فرغم اعترافه تمّ إعدامه، بعد أن تسبّب بإعدام الآخرين وبعضهم قابع في السجن منذ عقود، فلا تعترف أبداً.
غازي مزهر، سجين سياسي أحوازي سابق