المقدمة
إن مشاهدة تفاعل الشعب الأحوازي بمختلف أطيافه وأفراده وجماعاته مع الثورة السورية، في مختلف المدن الأحوازية، يثبت مرة أخرى تلاحم هذا الشعب مع الوطن العربي، ومدى انتماءه إلى الأمة العربية بصورة واعية منه أو غير واعية. إنه مصير أمة واحدة قُدّر لها أن تمر بمرحلة التشرذم في الوقت الراهن، وإنْ كانت جميع المظاهر التي تميزها تميل بقوة إلى الوحدة والتلاحم. ومن هنا نريد أن نبين ما يجب على الشعب الأحوازي فعله في تعامله مع الثورة السورية والحكم الثوري المنتصر خدمة للقضية الأحوازية ونصرة لها، كما هو مساندة لهذه الثورة وانتصارا لها.
وذلك مبني على قناعة منبعثة عن أمر الواقع تفيد بدعم الحكم السوري الجديد للقضية العربية الأحوازية، إلى جانب العداوة القائمة بينه وبين النظام الإيراني الذي قتل مئات الآلاف من السوريين، وما زال يتربص في الوقت الراهن بالثورة السورية والحكم الثوري القائم، ويتحين الفرص من أجل إجهاض الثورة، وتبديل سوريا إلى عراق آخر تسوده الفوضى والنزاع الطائفي والمليشيات الطائفية التي تعمل كأذرع له تخدم غاياته وأهدافه.
ومن هذا المنطلق نعتقد أن الحكم السوري الثوري الراهن، يمكنه نصرة القضية الأحوازية، على المدى البعيد، من جهة، والتخلص من شر النظام الإيراني عبر توريطه في مواجهة النضال الأحوازي من جهة أخرى، وذلك عبر دعم النضال الأحوازي في المستويات الأربعة الآتية، هي مستوى إعادة تنظيم الحراك الأحوازي المنظم، ومستوى الدعم الإعلامي، والإستخباري، واستجلاب الدعم العربي والدولي. ولعل أول درس يجب على الشعب الأحوازي والنخبة الأحوازية أخذه من الثورة السورية هو التفكير بمنطق الزمن البعيد، أو بعيد الأمد، وأخذ الدروس من تخطيط الثوار السوريين على مدى أكثر من عقد من أجل إنزال الضربة القاضية بالنظام المجرم، والوصول بالثورة إلى غاياتها من خلال خطة ثورية شاملة ومحكمة بددت جميع العقبات ونالت المراد.
فرصة تاريخية
تناولت الدراسة السابقة الحرب الإيرانية ضد العراق وبرهنت على أنها كانت لحظة تاريخية أضاعها الشعب الأحوازي، بنخبة وكل فئاته، ولم يجعل منها فرصة يخدم بها قضيته. وهنا أيضا يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، بشكل مغاير وبتفاوت في الدرجات من حيث الشدة والخفة، ويضع أمام الشعب الأحوازي فرصة جيدة، وتاريخية بكل تأكيد، من أجل إنعاش قضيته وبعث الروح فيها، بعد أن كادت تنسى من قبل الجميع، وبعد أن تناسوها أهلها وأصبحوا ضحية التفريس والتعجيم والفقر إلخ.
والتزاما بمنطق العمل السياسي القائم على أساس تبادل المصالح والأخذ والرد، فإنه يجب معرفة خشية الحكم السوري الجديد من إيران، وما يمكنها فعله وهو كثير، للتشويش على الثورة السورية وجر سوريا إلى دمار شامل واقتتال طائفي، وهو ما تتقنه إيران اتقانا شديدا بعد تجربتها الموفقة في لبنان والعراق واليمن وسوريا زمان بشار أسد. وهو تخوف تشير له جميع التصرفات الإيرانية الراهنة التي يمكن تسميتها فترة الإعداد من أجل التنفيذ، كما هو تخوف يدل على حرص الحكم الجديد في سوريا على إبعاد شبح الاقتتال وتحولها إلى دولة فاشلة، والسعي في إعادة بناء الدولة وإدخالها إلى التنمية المطلوبة.
ولذلك ينبغي أن تتحدث النخبة الأحوازية مع الأشقاء في سوريا، تتحدث معهم بواقعية وجدارة وثقة، حول قضية مشتركة يمكن لها أن تكون سندا لأي تعاون مشترك: هي قضية الخطر الذي تشكله إيران على وضع سوريا الراهن ومستقبلها. ولذلك قلنا بواقعية وجدارة وثقة لأن الأحوازي هو الوحيد والأجدر الذي يمكن أن يكفي الشعب السوري وحكمه الجديد، شر النظام الإيراني، وأن يجعله منشغلا بقضاياه الداخلية، ويحمي سوريا من شره وتشويشه. وأولى القضايا التي يمكن إشغال إيران بها وإضعاف قدرتها وقوة تأثيرها على سوريا، وعلى المنطقة برمتها، هي القضية الأحوازية. خاصة وأنها لا تعد قضية هامشية بالنسبة للنظام الإيراني، بل هي خاصرته الرخوة، وأهم رافد من روافد قوته، حيث إصابة هذا النظام في الأحواز التي يحتلها، سيعني تسديد ضربة قاضية ضده لا يستطيع القيام بعدها.
ومن هنا الفرصة التي يمكن عبرها إعادة إدخال القضية الأحوازية إلى الحسابات الدولية والحسابات في المنطقة، عبر البوابة السورية، وجعلها ورقة بيد الأشقاء العرب في تعاملهم مع النظام الإيراني، خاصة تعامل الحكم الثوري السوري الجديد مع هذا النظام؛ بالوقت الذي تخدم النخب الأحوازية بهذا الأمر قضاياها ووطنها السليب، في جدلية سليمة قوامها التعاطي القائم على المصلحة المشتركة العربية.
ومن هذا المنطلق يجب على الأحوازي أن يظهر للشقيق السوري بمظهر الرجل العليم بالثقافة السياسية الإيرانية، وبعقلية النظام الآخوندي الفارسي، حتى يبرهن له، ويؤكد للشعب السوري من أنه: إذا ما ظن بأن النظام الفارسي العنصري سيترك سوريا وشأنها تبني مستقبلها، فذلك فهم خطأ لا يعرف النظام الإيراني ولا يتصل بواقعه وواقع تصرفاته. إن الهزيمة الكبرى الإيرانية التي مني بها في سوريا، لا يمكن أن تمر دون رد منها، رد عادة ما سيوجه نحو الثوار السوريون، وسيستهدف جميع مساعيهم في بناء سوريا دولة وشعبا وتنمية شاملة. ومن أجل ذلك يتم عرض الجانب الأحوازي على أنه الواقي من أي رد إيراني موجع ضد سوريا الثورة، وأن العمل على تعزيز هذه الوقاية لا يعد خدمة للقضايا العربية القومية فحسب، بل هو مصلحة سورية بالدرجة الأولى تستوجبها حماية الأمن السوري ومستقبلها.
ومن هنا يجب الحصول على الدعم في المستويات الأربعة الآتية، من أجل تأهيل النخب الأحوازية في التعاطي مع النظام الإيراني والتصدي له خدمة للصالح العربي المشترك بين الجميع:
الدعم التنظيمي
استطاعت النخب الأحوازية، خاصة العاملة منها في المنفى، على بناء علاقات فردية مع المعارضين السوريين، على مدى عقدي الثورة السورية. فبينما كانت النخب السورية الثورية قد تشتت بها الحال بعد قيام الثورة إلى المنفى في مختلف البلدان الأوربية خاصة، تمكن المناضلون الأحوازيون من التعاطي معهم، وبنوا عبر ذلك علاقات متعددة، تشهد عليها مختلف المؤتمرات ومختلف الصداقات التي هي محل معرفة الجميع. وبما أن هذا النوع من العلاقات فردي يجري بين مختلف العرب في بلدان المنفى، بيد أنه يعد نقطة مهمة في الموضوع الراهن. وذلك لأننا نريد أن نبرهن على أن معظم العلاقات التي بنيت بين السوريين والأحوازيين، ظلت على المستوى الفردي، يجمعها الانتماء القومي وإرادة الحرية للوطن العربي. ومن أجل ذلك بالتحديد حان الوقت الآن لتتحول تلك العلاقات الفردية، بعد انتصار الثورة السورية، إلى علاقات ممأسسة، بتمأسس الحكم السوري الجديد، وذلك عبر وعي النخبة الأحوازية بتحول حال الأشقاء القدماء من مجرد معارضين لا حول لهم ولا قوة مطاردين من نظام فتاك، إلى أصحاب حكم جديد ودولة عربية من أهم الدول العربية القيادية تاريخيا.
وهذا يتطلب من النخبة الأحوازية المناضلة في الخارج، أن تعمل على مستويين بالآن ذاته: مستوى المسارعة في بناء علاقات مع الحكم السوري الجديد؛ ومستوى مطالبة النخبة الأحوازية بمساعدة الحكومة السورية في إعادة تنظيم المناضلين الأحوازيين. فعلى المستوى الأول يتطلب الأمر انتقال بعض القيادات صاحبة العلاقات الأوسع إلى الاستقرار في دمشق، والعمل على التمهيد للتواجد في سوريا والنشاط فيها، عبر فتح مكاتب، أو عبر الحصول على تراخيص عمل، أو عبر الحصول على دعوات رسمية من أجل التمثيل. وعلى المستوى الآخر يستوجب الأمر استمداد الحكم السوري، أو استمداد الحركات والأحزاب السورية واستغلال تجربتها الحزبية الموفقة لغاية الآن، استمدادها من أجل المساعدة في إعادة تنظيم المنظمات الأحوازية، والمساندة في إعادة هيكلة الأحزاب والحركات الأحوازية وفق منطق سياسي قومي يخدم المرحلة القادمة، قادرا في التأثير على الواقع.
وتتعلق هاتان الخطوتان بفرصة تاريخية يجب على النخبة الأحوازية أن لا تمر منها مرور الكرام. فبينما اعتادت هذه النخبة التفرج على الأحداث ذات الصلة بالقضية الأحوازية، فهنا يجب الاستيقاظ من ذلك الاعتياد، والنظر إلى الثورة السورية على أنها فرصة كبيرة طالما انتظرها الشعب الأحوازي، وحراكه النضالي الذي أصيب بموت سريري بعد فقدان أية حاضنة عربية (خاصة بعد سقوط النظام العراقي السابق). فالخطوة الأولى هي بمثابة إنعاش للنضال، عبر إتاحة حاضنة عربية له، في النظام الثوري السوري؛ والخطوة الثانية هي إعادة هيكلة كاملة وشاملة للحركات والأحزاب السياسية الأحوازية التي ظل إنجازها الأكبر على مدى عقود هو تفجير أنبوب نفطي في قرية نائية في قصبات الأحواز.
ويعني إعادة الهيكلة والتنظيم بوضوح الخروج من التنظيمات الراهنة، التي هي عبارة عن مجرد وجود افتراضي على الشبكات الاجتماعية، والدخول إلى حركة عربية أحوازية مناضلة شاملة وجامعة تضم جميع التوجهات الأحوازية ومختلف النخب العاملة صحيحة المعتقد والنفس والسابقة. فهي أشبه بعملية غربلة لتمييز المناضلين الشرفاء، وهم قلة وهم من يجب عليه القيام بهذه الخطوات، تمييزهم عن المناضلين المتاجرين بالقضية وهم الأكثرية الذي أحبطت بفسادها ومستواها العلمي المتدني كل تطلعات الشعب الأحوازي، وجعلته هو من يسهر على استمرار الاحتلال ويواظب على سلامة سيره وبقاءه.
وأكثر من ذلك يعني إعادة التنظيم تأسيس مرجعية قيادية شاملة، قد تكون بمثابة سلطة في المنفى، إليها يعود البت النهائي بمختلف قضايا الشعب الأحوازي، إقليميا ودوليا، يسري فيها تراتب تنظيمي ديمقراطي، تجري فيه انتخاب قيادات دورية. كما يجب على هذه المرجعية، وعبر ذلك الدعم المطلوب، أن تكتسب شرعيتها من مستوى تأثيرها على الواقع الأحوازي والشارع العام في الداخل، قادرة على التأثير عليه، وتحريكه في الوقت المقتضي، كيما تثبت للأطراف العربية والأجنبية معا مستوى تمثيلها له، عبر التأثير عليه والتحكم بانتفاضاته وخروجه. وهذه من أهم القضايا التي يجب العناية بها، إذ لو فقدت الحركات التحررية التحامها مع نبض الشارع، وفقدت مقدرتها على تحريكه ودعوته للخروج، فإنها لا تفقد تأثيرها على أرض الواقع فحسب، بل إنها تفقد شرعيتها قبل كل شيء، وتظهر زائدة من زوائد الواقع المعاش يمكن الاستغناء عنها بسهولة.
وبالإضافة إلى كل ذلك فإن ظفر الحركات المقاومة الأحوازية، بمختلف أطيافها، في تأسيس مرجعية شاملة، سيعني الدخول في مرحلة جديدة وفجر جديد من النضال في تاريخ الشعب الأحوازي، قوامه وحدة العمل وتضافر الجهود من أجل تسديد أكبر الضربات تأثيرا على المحتل الإيراني. وهذا ما ينقص الشعب الأحوازي في الوقت الراهن، لأنه يفتقد مرجعية قيادية جامعة تنطق باسمه وتحمل قضاياه وهمومه، وتمثله في الداخل والخارج. ومن أجل ذلك حانت الفرصة المؤاتية التي يمكن تأسيس هذه الجامعة، بمساعدة طرف دولي مهم نظير سوريا، وجعل الجهات الإقليمية والدولية أمام جسد تنظيمي جديد، تسري فيه العروبة الأحوازية وتطلعاتها.
الدعم الإعلامي
يمكن من خلال الحصول على الدعم الإعلامي كشف موقف الحكم السوري الجديد من القضية الأحوازية، والتحقق منه إذا ما كان ينوي دعمها أو أنه يريد تأجيل ذلك بناء على أولوياته. ويعني الدعم الإعلامي الحصول على مساحة إعلامية بمساعدة سورية، حيث تعتبر النخبة السورية هي الأولى في الإعلام العربي، متمتعة بشبكة من التواجد في جميع القنوات العربية الكبيرة والصغيرة، مما حولها إلى جهة إعلامية مسيطرة لها النفوذ الواسع في الإعلام العربي.
ومن خلال هذا الدعم المطلوب الذي يجب، أولا وأخيرا، على الأحوازيين كسبه من الجهات السورية، يتم تدشين شبكة من الإعلام المتعدد المهام، على شكل قناة تبث على مدار الساعة، ومواقع وشبكات تواصل اجتماعية مهنية وقوية، تعمل على إخراج القضية الأحوازية. وهنا لا يتم البحث في أهمية الإعلام ودوره في صناعة الوعي وصقله، بل المهم هو التأكيد على خوض النشاط الإعلامي بحد ذاته، واستحصال المساعدة من الأشقاء في سوريا من أجل توجيه القضية الأحوازية إعلاميا، بمساعدة الإعلام السوري الرصين بالخبرات والطاقات الكبيرة. وعلى الصعيد التحلي بالتجرية الإعلامية، فإن ترك مساحة للناشطين في الإعلام الأحوازي في الوقت الراهن، ترك مساحة لهم في الإعلام السوري، سيعني منحهم التجربة اللازمة لتطوير عملهم والإفادة بتجارب نخبة عربية سورية ترتقي إلى الإعلام العالمي. وتتبين أهمية هذه النقطة القصوى إذا ما علمنا بأن جل، إن لم يكن كل، النشاط الأحوازي الإعلامي هو حصيلة المبادرات الفردية، ونتيجة التعليم والرغبة الذاتية، من غير دراسة جامعية ولا تجربة إعلامية؛ وذلك النشاط الذاتي إذا ما تم توجيهه بأيد أمينة وعالمة، فإنه سيكتسب الخبرة والمهنية اللازمة لتدعيم العمل وتوظيفه لخدمة القضية.
ولا يؤدي الإعلام هنا دورا إعلاميا فحسب، بل إنه يكتسب صورة رمزية أيضا، حيث إن مجرد رؤية الشعب الأحوازي الدعم السوري وتبنيه قضيتهم، سيشعل الهمم لخوض مرحلة جديدة من الخروج والانتفاض ضد نظام الاحتلال الإيراني. وذلك إذا ما حصل وتلاقى النشاط الإعلامي بأية انتفاضة أحوازية جديدة، فإنه سيجعل تأثيرها أشد، وسيساهم في استمرارها.
الدعم الاستخباري
وعند الحديث عن الدعم الاستخباري فإنه يحتل محل القلب، وهو أهم من جميع المستويات التي تحدثنا عنها، وإن كان ترتيبه وفق التدرج الزمني، هنا في المستوى الثالث، رعاية للظروف التي تمر بها الدولة السورية. إن رجحان أهمية الجانب الاستخباري وخطورته، تنبع من أنه يتصل بالواقع الأحوازي ويجري على الأرض الأحوازية داخل الوطن. فهنا المقصود من الدعم الاستخباري هو تمكين الحركات الأحوازية العاملة، في الداخل على الخصوص (والخارج أيضا) من ممارسة النشاط النضالي دون التعرض إلى قبضة الاستخبارات الإيرانية، والقضاء على جميع الخطط المعدة بضربة قاضية كما هو الشأن في التاريخ الأحوازي النضالي كله.
فإذا جاز هنا تسمية التاريخ النضالي الأحوازي بتسمية تكون خلاصة له، تدل على طابعه العام، فإنه تاريخ نضال دون استخبارات. والمقصود بالاستخبارات هنا ليس بطش الاستخبارات الإيرانية بالنضال الأحوازي، بل بجهل المناضلين الأحوازيين الذين قدموا أرواحهم من أجلها بأبجدياتها وبأساليب الحفاظ على النفس والخطط والعدة إلخ. فما من عملية أحوازية، ولا حركة، ولا تنظيم تم تأسيسه من قبل الشعب ونخبه، إلا كان ضعيف البنية المعلوماتية الأمنية، لم يستمر في العمل بضعة أشهر إلا وقع بين كماشة الأمن الإيراني وأطيح بجميع قياداته وصف مناضليه وخططه ومصدر تمويله وجميع ما يتعلق به، لا لشيء سوى لهذا الجهل بهذا الموضوع الخطير.
ومن أجل كل ذلك فإن العمل على كسب الدعم الاستخباراتي من الأشقاء في سوريا يعد فريضة حرجة ومستعجلة ينبغي المسارعة إليها. وبما أن هذا الدعم يتحصل ثم يتفعل بصورة خفية غير مكشوفة فينبغي أن يتم سريعا، من أجل إيصال المناضل الأحوازي إلى مستوى يحكم فيه العلم الاستخباري والأمني، ما يمكنه من وضع الخطط الهادفة إلى التنفيذ في الداخل، والبدء بمواجهة مع الكيان المحتل عالمة ومسلحة بالاستخبارات وعلمها، من أجل إضعاف قبضته الأمنية على الوطن الأحوازي. وهنا لا بد من منح هذا العامل كل الاهتمام، والوعي بدوره المفصلي لأنه هو ما يسمح للمقاومة الأحوازية بالانتقال من وضعها الراهن، الذي هو مقاومة هشة غير جدية (وإذا جاز لنا القول: مقاومة بمجرد أقوال وعمليات عبثية تثير الشفقة والسخرية بالآن ذاته) إلى مقاومة تسير وفق منطق بناء الدول، وتربي كوادر يرتقون إلى التفكير الشامل والتفكير بمستوى رجال دولة.
وينبغي أن لا يُختصر دور الاستخبارات والعلم الأمني -هو علم لأنه يتطلب المعرفة بالكثير من تقنيات العصر الحديث والعالم الرقمي بكل تأكيد- يختصر على الجانب العسكري فقط، بل يعني التمكن الاستخباري الأحوازي كشف الخطط الذي ينوي الاحتلال تنفيذها، كما يعني اختراق الجهاز السياسي الإيراني العامل في الأحواز ومعرفة كيفية إدارته لها، وطريقة محافظته على الاحتلال، وكشف الخطوط العامة التي مكنته من الإبقاء عليه لفترة ستصل إلى قرن كامل.
ونظرا لتولي الحكم من قبل جماعات كانت منشغلة بالعمل الاستخباري بشكل حثيث، لأنها كانت مهددة من جانب استخبارات النظام وجهاز العدو الإسرائيلي والإيراني معا، فإنه يمكن للأحوازيين في المرحلة الأولى طلب التعليم الاستخباري من قبل بقايا الجماعات المعارضة هذه، والعمل معها من أجل إتقان ذلك. وهذا يبدو أكثر واقعية وأقرب للحصول في الوقت الراهن، ونظرا لانشغالات الدولة السورية في ملفات داخلية كبيرة. كما أن التنفيذ غير المعلن لهذا التعليم، كما قيل سابقا، يمكن أن يتحاشى الكثير من التعقيدات الإدارية والحكومية، ما يجعله مناطا بإرادة الطرفين إذا تحصلت. ولذلك يبدو أن الجانب السوري قد لا يمانع من منح الجهات الأحوازية الراغبة بذلك، منحها ما يستوجب البدء بهذه العملية، وإيفاد شباب قادرين على ذلك إلى ممارسة العمل والمضي في ذلك مع الجهات المعنية.
الدعم الرسمي العربي والدولي
ثم بناء على كل ذلك، وبناء على علاقة قوامها خدمة المصلحة المشتركة السورية والأحوازية عبر التصدي للخطر الإيراني، فإن نجاح النخبة الأحوازية من جهة على كسب الدعم السوري لتأهيل المقاومة الأحوازية للتصدي للشر الإيراني وخدمة قضيتها؛ ونجاح ذلك الجهد المشترك في كبح المخاطر الإيرانية على الشعب السوري من جهة أخرى، سيستوجب ذلك النجاح تلقائيا الارتقاء بالدعم السوري للشعب الأحوازي إلى المستوى العربي والدولي معا.
إن على النخبة الأحوازية، كما سبق القول في البداية، أن لا تنظر إلى هذا التعامل بعين الأمد القصير، بل يجب النظر إليه بعيد الأمد، وجعله فرصة تاريخية بحق من أجل جميع القضايا المتصلة بالشعب الأحوازي. فإذا تمكنت المقاومة الأحوازية في بناء مرجعية سياسية شاملة عبر الدعم السوري الرامي إلى هيكلة الأحزاب السياسية؛ فإن ذلك سرعان ما يستجلب تأثيرا على أرض الواقع؛ وذلك بدوره سيجعل الأنظمة العربية وخاصة الخليجية منها، المتضررة من النفوذ الإيراني، راغبة في التعامل مع هذا المؤثر الجديد؛ وهذا سيعني حينها تعرف القضية الأحوازية على الإقليم والعالم، وحينها فقط يمكن بحق الحديث عن قضية اسمها القضية الأحوازية.
وبوابة كل ذلك يجب أن تكون سوريا. لأن جميع المؤشرات الراهنة تشير إلى رغبة سوريا، بل وحاجتها، للعثور على طرف يقيها الشر الإيراني من جهة، ويكون وسيلة لرد الاعتداءات الإيرانية التي مارستها ضد الشعب السوري من جهة أخرى. وهنا يأتي الدور الأحوازي بالتحديد، إذ يجب عليه أن يرشح نفسه من أجل هذه المهمة، وأن يظهر بمظهر الجهة القادرة على التعامل الأمثل مع إيران، ذلك التعامل الذي يسمح للجهات العربية أن تسدد ضربات موجعة لإيران، دون أن تكون في الواجهة، ودون أن تكون مضطرة لتحمل تبعات تدخلها أو ضرباتها التي وجهتها.
وهنا لا يعني ذلك أبدا تحويل القضية الأحوازية إلى مطية بيد الدول أو الأنظمة السياسية أو الحركات المختلفة، كلا. بل ذلك يعني أولا وأخيرا إدراك منطق العمل السياسي في العالم الراهن، وفي الوضع الإقليمي الحالي، الذي لا يمكن لطرف أن يستمر في الوجود إلا إذا حمل في برنامجه ما يلتقي به مع القوى الإقليمية والدولية. فعلى سبيل المثال عانت وما تزال القضية الأحوازية من النسيان لمدى عقود، لأنها لم تكن تعرض في برنامجها ما تخدم به مصالح الدول المعنية والمجاورة، واليوم أتت تلك الفرصة لها، كيما تعود إلى الحياة، إذا ما برهنت للقيادة السورية مدى خدمتها للتنمية السورية عبر تحصينها من الشر الإيراني. وبالمثل ستكون هذه القضية أقوى إذا ما استطاعت تقديم نفسها إلى دول مهمة، كالسعودية والخليج، تقديم نفسها عبر المصالح المشتركة، وحصول الدعم على أساس هذا المنطق السياسي المعمول في كل مكان.
وهذا بالتحديد هو ما أدركه الأكراد وطبقوه على أرض الواقع، فباتوا يتعاملون مع الولايات المتحدة من أجل خدمة مصالحهم، ثم تطويع ذلك التعاون لخدمة القضية الكوردية ومصالحها. وهكذا بات الأكراد رقما صعبا في كل من العراق وسوريا، ولا يمكن تجاهلهم في أية تسوية مستقبلية في هذين البلدين، ولا شك في أن الأكراد سيعيدون نفس التصرف مع الدولة التركية وينتزعوا حكما ذاتيا لأنفسهم بنفس طريقتهم المعتادة التي ضمنوا فيها خدمة المصلحة الأمريكية، ومن ثم وعبر ذلك تعزيز القضية القومية. ومن هنا باتت الجهات الإقليمية، وسيما القيادة السورية الراهنة، تتحدث أولا عن الأكراد في إيران، ثم تذكر العرب في الأحواز، في إشارة لها دلالة على عدم تقديم المنظمات الأحوازية نفسها بالنفس المستوى الذي تمكنت المنظمات الكوردية فعله.
الإستنتاج
إن أول الدروس التي يجب أخذها من الثورة السورية اليوم، من شعب شقيق استطاع التخلص من أعتى احتلال داخلي، هو احتلال طغمة الأسد سوريا، هو ضرورة الإيمان بالتحرير، بل وإمكانية التحرير وقرب حصوله، إذا ما أعد الشعب ونخبه العدة الجديرة به، كما برهن الشعب السوري على إمكانية ذلك من خلال انتصار ثورته بعد عقدين من الحرب والموت والتضحيات.
كفى الشعب الأحوازي وكفى الحركات والمنظمات الاحوازيه الدوران في دائرة العبث: عبث التخوين ومحاولات الاستجلاب الدعم الأجنبي لأجل الإطاحة بالنظام الإيراني ثم تسليمه للمعارضة الإيرانية التي قد تتصدق على الأحواز بحرية الدراسة العربية في مستوى الابتدائية! لقد حان الوقت كيما تقدم النخبة الأحوازية نفسها على أنها كتلة واحدة تهدف إلى التحرير وإعادة الوطن. وها هي الفرصة المؤاتية أتت اليوم عبر الثورة السورية، وما فيها من تبن وإمكانية ارتقاء بالعلاقات بينها وبين الجهات الأحوازية المقاومة.
وهنا حاولت هذه الورقة منح بعض معالم المضي في طريق التعامل الأمثل مع الحكم السوري الجديد، وبيان المنطق الذي يجب أن يتحكم في مثل تلك المساعي: منطق قوامه المصلحة المشتركة، والسياسة المبنية على التعاطي بين جانبين لهما مصلحة واحدة. وفي الظرف الراهن تكون تلك المصلحة المشتركة بين الشعب السوري بحكمه الثوري الجديد، وبين الشعب الأحوازي بنخبة المناضلين، هو التصدي للعدو الإيراني المشترك، واتقاء شره وتقزيم تأثيره على الوضع السوري الهادف إلى بناء الدولة.
رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات