الخميس, فبراير 20, 2025
مقالاتالنضال الأحوازي في الخارج والداخل: انفصال أم تكامل؟

النضال الأحوازي في الخارج والداخل: انفصال أم تكامل؟

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

 المقدمة 

يداول المناضلون عادة بين أنفسهم السؤال عن النضال المؤثر: هل هو النضال الذي يجري في الخارج، أم النشاط النضالي الجاري في الداخل؟ ويحظى هذا السؤال بأهمية كبيرة في المناقشات والقناعات الدائرة بين الحاملين للقضية الأحوازية. فبينما يذهب البعض إلى التأكيد على النضال الداخلي، وأن أي تغيير لا يمكن أن ينبثق إلا عن الداخل والمجتمع، يرى البعض الآخر أن الإمكانيات المتاحة في المنفى هي التي تتيح النشاط التحرري وتساعد على التغيير. وهذان الموقفان هما تعبير آخر عن قضية التغيير: هل هو تغيير مصدره الداخل والمجتمع، أم تغيير تأتي القوى الخارجية به (وخير مثال على التغيير الآتي من الخارج هو الحالة العراقية، والاحتلال الأمريكي؛ ومثال التغيير الآتي من الداخل هو الحالة السورية الراهنة). 

وبينما يمكن لهذا التجاذب أن يشكل قطيعة بين الرأيين، لكن هذا المقال يؤكد على تكاتف الساحتين، بوصفهما مكملين للبعض، وممهدين لخلق أكبر مقدار من التأثير على الساحة الواقعية؛ إذ لا يمكن إقامة حد فاصل بينهما يفقد كل منهما الدعم الممكن الذي قد يأتي للداخل من الخارج، وتعاطي الداخل مع النشاط الخارجي، في إطار خدمة القضية وخلق أكبر تأثير. وقبل الاستدلال في وجوب تكاتف هاتين الساحتين، يتم التطرق للأدلة التي يقدمها من يعتقد بانفصال الساحتين، ليتم من خلالها الاستدلال على تكاتف جميع الأطراف ومن يمثلها. 

النضال المنفصل

يقدم من يعتقد بانفصال الساحات الأدلة التالية لتعزيز موقفهم:

الانقطاع عن الداخل

على المستوى العملي والنظري معا: وابتعاد جل الناشطين والمناضلين في الخارج عن الساحة الأحوازية، على كافة الأصعدة، نتيجة ظروف قهرية على رأسها ملاحقتهم من قبل السلطات الأمنية، وإصدار أحكام قضائية لملاحقتهم من محاكم الاحتلال غيابيا. ونظرا لطول مكوث هؤلاء في الخارج، فإنهم ابتعدوا كثيرا عن التغييرات التي حصلت بعد اغترابهم، الأمر الذي جعل معلوماتهم عن الداخل قديمة لم تواكب الأحداث التي يمر بها الشعب في وضعه الراهن.

وقد أثر بعد المسافات على النشاطين في الداخل أيضا، ناهيك عن عامة الناس، حيث هناك جهل من قبل المناضلين العاملين في الداخل بالنشاط الخارجي؛ إما لأسباب البعد وعدم الارتباط المشار إليه، وإما بسبب خشية مناضلي الداخل من الاتصال الخارجي. فجريمة التخابر مع الجهات الأجنبية سيف مصلت من جانب السلطات الإيرانية على كل فرد في الداخل ثبُت اتصاله في الخارج، سواء من أجل تبادل الحديث والتفقد في إطار الصداقات، أو اتصال من أجل تنفيذ فكرة أو مشروع. وكثيرا ما كانت هذه «الجريمة» هي المسوق الوحيد لزج العشرات في السجون، والإبقاء عليهم في المعتقلات من دون محاكمة أو مسوق قانوني صريح. 

وما دام أي نوع من الاتصال هو جريمة يعاقب النظام عليها، ينعدم ذلك الاتصال أو سيكون في الحد الأدنى. وبناء عليه فلا إمكان لتنفيذ عمل مشترك متواصل من الأساس. وهذا بالتحديد هو ما جعل القطيعة بين الساحتين مؤكدة، نظرا لما يجري في الواقع المعاش؛ واقع يحاول فيه الناشطون تجنب كل نقاط التصادم مع الاحتلال من أجل تنفيذ فكرة أو مشروع خاص بالشعب، خاصة المشاريع الفكرية والثقافية التي «يتحايل» فيها المناضل الداخلي مع السلطات في سبيل تجنب منعهم العمل وإفشال المشروع بمجرد لمح معالم قومية عربية فيه. ومن أجل هذا الواقع بالتحديد لا يساعد الاتصال الخارجي النضال الداخلي ألبتة، بل هو يعيقه، ويصبح هذا النوع من الارتباط مخلا تماما بالعمل، ومانحا المبرر للسلطات من أجل القضاء عليه والبطش بمن يقوم به. 

أما على المستوى النظري فإن المجتمعات، شأنها شأن الدول والأنظمة، تتغير بين جيل وجيل، خاصة في عصر سمته العولمة والحياة الرقمية، ومن أجل ذلك فإن ابتعاد هؤلاء المناضلون في الخارج، لا يعني ابتعادهم عن إدراك الواقع الأحوازي بشكل حثيث يعكس لهم الصورة المعيشة الراهنة فحسب، بل هو ابتعاد يعني عدم المعرفة بتلك البواعث الاجتماعية والقيمية والسياسية التي يمكنها أن تبعث الناس على الخروج وتحثهم على الانتفاض. وهذا بالتحديد هو العامل التحتي الذي جعل معظم المناشدات الخارجية غير مجدية في الوضع الداخلي، لهذا السبب النظري بالتحديد، وهو يفيد جهل الأحوازيين في المنفى بتلك العوامل التي تستطيع حث الشعب على الاستجابة والتعاطي.

وهذا جانب نظري موغل في الواقعية بشكل مفارق، حيث يلامس على الرغم من النظري فيه يلامس الواقع بعمق، ويتحصل على دلالات كثيرة وعديدة تزكيه واقعيا: فإذا لم يستجب الشعب للدعوات الخارجية الكثيرة إلى الخروج في مظاهرات، فعدم الاستجابة تلك منبثقة عن عجز تلك الدعوات في تحفيزه للخروج والتظاهر؛ وإذا لم يتصل الشعب الأحوازي بالمناضلين في الخارج، فإن ذلك لعدم مقدرة الخارج على توطيد الثقة به في نفوس الداخل؛ وإذا لم يخض المناضل في الداخل مواجهة مباشرة مع من أكد الخارج على عملاته فإن ذلك لعدم وجود ما يؤكد ذلك من قبل من تكشف عنه ذلك؛ وهكذا تطول تلك الوقائع التي تثبت نظريا هذا الانقطاع وتشير بوضوح إلى انعكاساته على الحياة اليومية.      

الوضع الوحدوي العام

ولا يثبت هذا الانفصال بين الخارج والداخل، عبر الجانب العملي والنظري فحسب، بل تدل الأوضاع العامة للمناضلين في الخارج على أن: فاقد الشيء لا يعطيه. وذلك أن جميع مؤشرات الحياة الأحوازية في الخارج تثبت بوضوح انعدام الوحدة العربية والقومية والنضالية بين النشطاء، وتظهر الضعف العلمي بينهم، وابتعادهم عن الوعي التنظيمي والعمل المنظم

فالمستوى الوحدوي يظهر بما لا مجال للشك فيه، بأن التشرذم شمل الجوانب الفردية والأخلاقية على حد سواء، ناهيك عن العمل في إطار جامعة مشتركة تعتلي فيها كلمة الأحواز وتصبح هي الغاية المشتركة الموحدة. هذا يدل على نوع من السقوط، أو الانحدار نحو مستوى يتحول التشرذم فيه من ظاهرة تعبر عن كثرة الآراء والأيديولوجيات، إلى مستوى يكون التشتت نابعا عن أغراض فردية وسوء سلوك أخلاقي يبتعد تماما عن العمل الجماعي الذي يرتقي إلى درجة العمل من أجل أمة وفي سبيل غاية مثلى. وذلك بائن، كما يقول هؤلاء، في تعامل النشطاء بين أنفسهم وما يجري فيهم من تخوين، والهتك بالأعراض، والسباب، والوشاية بمناضل في الداخل قد اتصل بجهات في الخارج.   

وينحدر انعدام الوعي التنظيمي إلى مستويات غريبة حين يؤدي أي اختلاف بين أعضاء حركة أو حزب إلى انشقاق فيهم، ثم تكوين حزب مواز أو حركة منشقة إلخ، تكون العلاقة بين الأصل والمنشق، من حيث الزمن، علاقة تصادم وتنافس هدام؛ لا يشتت الجهود ويبعثرها ويفقدها تأثيرها فحسب، بل يتحول بالغاية التي كانت في البداية مناهضة الاحتلال، إلى مناهضة الرفيق الحزبي الذي كان في الأمس ضمن حزب واحد أو حركة واحدة (والأمثلة كثيرة في الحركات الأحوازية عن ذلك يتم تجنب ذكرها تلافيا لإثارة الحساسيات).   

هذا ويجد المتابع للشأن الداخلي بوفرة عددا من الأحزاب والتجمعات والمنظمات الناشطة في الخارج، لا يتجاوز عدد الأعضاء فيها عدد الأصابع. بينما كل هذه الأحزاب والتجمعات المتعددة عجزت عن دعم أسرة شهيد، أو تأمين أسرة معتقل، أو العثور على منحة لطالب متفوق، أو تدشين دار نشر في الداخل، أو مساعدة مؤسسة ثقافية وهكذا.

العجز في تكوين علاقات دولية 

وقد تكون أكبر المؤاخذات على النضال الخارجي، في هذا السياق، هي ذلك الفشل الذريع الذي مني به في الحصول على الدعم الواجب من جانب الدول العربية والإقليمية والدولية. فبينما يرجع عمر بعض الأحزاب والمنظمات إلى نصف قرن، لكن لم يشفع هذا الزمن الطويل من التواجد بالحصول على دعم جهات مانحة، ليس على المستوى السياسي أو العسكري، بل على المستوى الإعلامي والمالي: الذي يسمح بتمتع النشاط بدخل مادي يقوّم نشاطه ويضمن له الاستمرار والتراكم.

لم ترتق القضية الأحوازية في الخارج: لا على مستوى الدعم؛ ولا على مستوى العلم والتأليفات واهتمام المحافل الأكاديمية العربية والغربية؛ ولا على مستوى التعريف بها حتى وجعلها قضية معروفة لدى أكثرية الدول العربية ناهيك عن الغربية (والمعرفة القليلة بها فتعود إلى وسائل التواصل التي باتت تقرب العالم وتجعله قرية تتداول أخبار ساكنيها بسرعة). 

ويبلغ هذا الاستدلال مرحلة القساوة، والواقعية، معا، حين يؤكد فقدان الدعم الدولي والفشل في حصول علاقات دولية: عبر التذكير باعتقال عدد من المناضلين في الخارج، في الدول الأوروبية. وقد ترك هذا الأمر تأثيرا كبيرا في نفوس عدد من النشطاء، وأصيبت شريحة واسعة باليأس والتراجع عند ما رأت بأن المناضل في الخارج، هو الآخر، لم يستطع السلامة من الاعتقال. وهذا خلق صورة يائسة ساوت بين النضال والسجن في كل مكان، ونالت من أحقية القضية. فإذا كانت القضية محقة، وهي تعبر عن آمال شعب وتطلعاته وحقوقه، إذن كيف بالغرب أن يلقي القبض على مناصري هذه القضية ومن أراد دعمها. وسواء كان ذلك من نتائج قصور المناضلين في الخارج أنفسهم، قصورهم في إثبات أحقية القضية، أو هو نتيجة فقدان هذه القضية لأية حقيقة، فإن النتيجة واحدة: القضية الأحوازية ليست قضية احتلال! 

وهذه القناعة تبلغ أخطر المستويات حين المعرفة بأن الكثير من شرائح الشعب وفئاته لم تبلغ ذلك المستوى الذي تصنف فيه السلطة الإيرانية على أنها احتلال، وتتعامل هذه الفئات بوصفها دولة مشروعة تتعلق الأحواز بها ولها الحق في بسط هيمنتها عليها. 

الانتهازيه 

ولم يعطي الشيء فاقده في تلك الشؤون التي يتحول فيها المناضل في الخارج إلى مستويات يبتعد فيها جدا عن المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها في كل العالم: حين يتاجر بالقضية من أجل الحصول على حق اللجوء، أو من أجل الحصول على أموال، أو من أجل كسب تمييز مجتمعي. فالكثير من الروايات المعروفة عن عدد كبير من «الأحوازيين» في الخارج تشير إلى سقوط أخلاقي وانحلال عرى المروءة. سواء تعلق الأمر بجعل القضية مطية لخدمة المصالح الفردية؛ أو التخلي الكلي عن العمل المنظم والنكث بالعهود، أو إدارة الظهر لجميع القيم التي طالما صُرح بتبنيها، أو غير هذا وذاك من الابتعاد عن الأخلاق المرصود في عدد ملحوظ من النشاطين خارجيا. 

ثم إن عدد من يمكن اعتبارهم مناضلون شرفاء في الخارج هو قليل جدا، قد يكون عشرة بالمئة أو عشرين بالمئة، من جموع الأحوازيين الذين خرجوا، واستوطنوا في البلدان الغربية، ثم هؤلاء العشرة أو العشرين بالمئة لم يتمتع كلهم بالإمكانيات والحياة التي تسمح له بالنضال. ومن أجل ذلك يصبح عدد هؤلاء الشرفاء قليلا جدا، يجعلهم استثناء ضئيلا في الحالة التي يسودها أنواع الفساد والتشظي الخلقي.     

 

النضال المتكامل

وبينما تم عرض الأدلة المتداولة، التي تم نقلها عن أفواه بعض المناضلين في الداخل، بعيدا عن إضافة شيء لإظهارها أكثر تفلسفا أو عمقا بالنظرة السياسية والمجتمعية إلخ، وهي أدلة تعكس برهان القانطين عن دعم العاملين في المنفى، على الرغم من كل ذلك، فإن المقال هذا سيبرهن على خطأ هذه النظرة، وقصر رؤيتها، ناهيك عن خسارتها لهذه القوى النضالية العاملة وما تحمله من مكاسب عظيمة للقضية الأحوازية؛ وهي وفق الصياغة التالية:   

التمتع بالتجربة الأممية

فعلى عكس الانعزال الذي يعيشه معظم الأحوازيين في الداخل، وانقطاعهم عن العالم، حيث لم يصل بعض المناضلين وحملة القضية إلى حدود أصفهان وطهران وشيراز، مما يجعله منطويا على ذاته فقط، فإن هؤلاء المناضلون في الخارج لم يتصلوا بالعالم اتصال المشاهد والمجرب المحض، بل إن تواجدهم في الغرب والدول المتقدمة قد منحهم الرؤية الغربية المتقومة بالسلوك الحديث، على أقل التقدير. فإذا لم يتمتع هؤلاء بأخلاق الحداثة والحياة الحداثية بكل ما فيها من تقدم وتعددية وأخلاق فردية وحرية والالتزام بالقانون إلخ، فإنهم قد رأوا تقانة أنيطت حياتهم بها، وأصبحوا متمتعين بتلك المهارات الحديثة التي تخولهم أن يتحولوا إلى قوة تكنوقراط، يتقنون العمل الحديث، فضلا عن اكتسابهم العمل ضمن الأطر الجمعية التي اعتادوها في الغرب. 

إن الإنسان هو ابن بيئته، ومن أجل ذلك فإن تواجد مواطنين أحوازيين في المدن العالمية، في لندن وولايات أمريكا وباريس إلخ، لا شك بأنهم قد منح هؤلاء صفات، وأفادهم بتجارب تخطوا منها النطاق الضيق الذي قد جربوه في الأحواز وعبادان والمحمرة ومعشور والخفاجية إلخ؛ فأين هذه المدن غير الحديثة، وأين الحياة في تلك المدن. وبالحري أين النضال الذي يخرج من المدن الأحوازية، وكيف هو النضال الخارج من المدن  العالمية. وليس الحديث هنا عن أحكام قيمة، من دون شك، وليس الحديث يدور عن تفضيل تلك على هذه، فهذا سقوط لا يريد هذا المقال الوقوع به؛ بل كل الاستدلال هو أن شتان بين أن يكون المرء في مدن عالمية، وهو من دعاة الحداثة، وبين أن يكون المرء مسجونا أو متحيزا في شبه مدن هي مدننا الأحوازية بكل ما فيها من حرمان وأزمة هوية وعادات وتقاليد رجعية، وسلطة فارسية شوفينية تقتل كل من تريد من الأحوازيين. 

هذه هي العالمية التي تحتاجها القضية الأحوازية، وهي التي تمنح هذه القضية كل الصفات الواجبة لنصرتها، والاستمرار بها، والتضحية المعقولة بها. ولتقريب الصورة يكفي سرد هذا المثال الذي يتخذ التضحية كأعلى قيمة في سبيل القضية: فهنا التضحية تعني في قاموس وبيئة الأحوازي الساكن فيها: تقديم النفس والحرمان من ملذات الحياة والافتداء بالحرية والسجن إلخ، من أجل نصرة الشعب؛ بينما التضحية الحديثة العاقلة غير العاطفية في سبيل القضية هي أن يدرس المرء ويتمتع بحياته ويمارس جميع ملذاته ثم يأتي إليها ويحتضنها بالتزامن مع كل ذلك؛ حتى لا يأتي المرء للعمل النضالي وهو محمل بكل عقده نتيجه حرمانه من الحياة واكتفاءه بالقضية، حتى تعود تلك العقد حقدا على الشركاء وتشهيرا بهم واتهاما لهم وسباب ووشاية وكل تلك السلوكيات التي قد تنبع عن كبت الغرائز التي عادت على شكل مكبوت يظهر في شتى العقد

إمكانية التواصل مع الجهات الدولية

وأكبر مظاهر العالمية التي يمتلكها مواطن الدولة الأحوازية المحتلة، هي امتلاكه اللغة. واللغة تعني هنا، على الفور، اللغة كمصطلحات ونحو واستخدام، كما تعني طريقة مخاطبة وتواصل وسلوك.

فإذا فُهمت اللغة كنحو واستخدام وقراءة، فليتم تسليط الضوء على عدد الذين يتقنون اللغات العالمية من حملة شهادة الدكتوراه (وهم قلة على كل حال) ومن يحملون شهادة الماجستير في كل مدن الأحواز في شتى الاختصاصات؟ إنهم قد لا يتجاوزون المئة! ويكفي في ذلك انقطاعا عن العام وابتعادا عن فهمه ناهيك عن كسب الدعم منه أو مخاطبته. كما أنه يعني جهل هؤلاء أصحاب الدراسات العليا بالعلم الحديث، وأحدث ما يقدمه اختصاصهم باللغات الأجنبية العالمية، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية لغة الكون. (ولعل المأساوي في قضية اللغات العالمية هو أن الشعب الأحوازي قل ما يتوفر على من يتقن فيه اللغة العربية الفصحى والعامية المحكية لدى باقي الأقطار العربية أيضا، مما تركه فريسة جاهزة للفارسية والتفريس).  

أما على مستوى التخاطب والتواصل والتعاطي مع العالم، العالم الذي يراد منه أن يدعم الأحواز من أجل التحرير، فكيف يمكن للمناضل الداخلي أن يفعل ذلك؟ وأنى له أن يدخل في تعاط مع القوى الغربية الداعمة لحقوق الشعوب، في الوقت الراهن، وهو غير مستعد لا لغة ولا عقلية لذلك؟ فالمقصود هنا ليس إتقان اللغة فحسب، بل المقصود أكبر من ذلك، وهو تلك الطريقة في التخاطب والتعامل والفهم المتبادل الذي يسمح للمتقدم الأحوازي أن يتعاطى بها مع العالم، على أساس ما يفهمه العالم من جهة، وما يقبله ويجلب انتباهه ودعمه من جهة أخرى. وفهم لغة العالم هذه ببساطة هي المطلوبة والواجبة لأن الطرف الأحوازي هو صاحب الحاجة للعالم، الغربي عموما، من أجل لفت انتباهه، وليس العكس.

وبناء على كل ذلك فإن هذه القوى العاملة في الخارج لديها القدرة على التعاطي مع الجهات الدولية، وهي من سعت بذلك، وتقدمت خطوات في ذلك، على الرغم من بساطتها وقلتها، لكنها تصلح أن تكون المنطلق في تعزيز تلك الاتصالات والبلوغ بها المستوى المطلوب. ومن دون العناية بهذه القضية، فإن المناضل في عبادان أو السوس يحتاج إلى «عشر سنوات» من أجل بعث رسالة إلى منظمة حقوق الإنسان العالمية، أو إلى اليونسكو، أو إلى الأمم المتحدة وغيرها.       

الانضمام للشعوب غير الفارسية

ثم كان المكسب الكبير للمناضل في المهجر، الانضمام إلى مجموعة الشعوب غير الفارسية، والتعاطي معها، وتشكيل نواة تحالف أولي، اشتداده وتفعيله سيكون القاصم للكيان الإيراني الراهن. وعلى عكس التصور الأولي الذي قد يظهر عليه هذا الضعيف الركيك بين الشعوب غير الفارسية في الخارج، فإنه النواة الصلبة المستعدة جدا من أجل التحول السريع إلى حركة خاطفة تقضي قضاء مبرما على وحدة إيران. فالشعوب تعلم جيدا بأن العامل الحاسم الذي سيسمح لها بالقيام بهذا الدور، دور الاستقلال وتفكيك الكيان الإيراني، هو الدعم الخارجي من القوى العالمية المؤثرة، وإجماعها على تبديل الكيان الإيراني المترامي الأطراف الفارسي الهيمنة في الوقت الراهن، إلى دويلة فارسية، ومجموعة دول عربية وكردية وتركية وبلوشية. وذلك معقول تماما لأن الأحواز تجاور الأقطار العربية، كما يجاور الأتراك تركيا، والبلوش باكستان، والأكراد امتدادهم في تركيا والعراق. 

على أن هذا التحالف بحد ذاته فاعل وحيوي، بغض النظر عن الدعم الخارجي. فإذا بلغ مرحلة التفعيل والنشاط، وتوافق زعماؤه على برنامج معين، فإنه سيكون القاصم لدولة الاحتلال الإيراني. وهذا ما يمكن أن يقدمه المناضلون في الخارج، إذا ما عملوا على نقل التعاون الجاري بينهم في المنفى إلى الداخل، وكونوا نخبا في الداخل تمثلهم في النشاط، وتمهد اللحظة التي يتحول فيها الانتفاض إلى حالة شاملة تشمل كل الشعوب غير الفارسية من أجل كسر الهيمنة الفارسية. 

ولعل هذا الانضمام هو أبرز المجالات والإمكانيات المتاحة، في ظل الظروف الراهنة من عمر التاريخ، التي تتلاقى فيها جهود النضال الخارجي بالداخلي، ويمكن عبره تجسير الهوة التي تفصل النشاطين. وذلك لأن مثل هذا التعامل، لا يستند على قوة شعب غير فارسي واحد، تستفرد به سلطات الاحتلال، كما تفعل دوما، للقضاء عليه قضاء مبرما، بل هو جهود مجموعة من الشعوب يفوق عددها مجتمعة عدد الشعب الفارسي، وبالتالي يملك من المقدرات والثروات والعدد والعدة ما يفوق المحتل ذاته، مما يجعل أي مصادمة من هذا النوع، مصادمة مجموعة الشعوب غير الفارسية بالشعب الفارسي المحتل بدولته وحكمه، تنتهي بالانتصار وكسر قيد العبودية.     

إمكانية الدعم المادي الفردي

ثم إلى جانب كل ذلك، وما تم ذكره أعلاه، لا يمكن للشعب الأحوازي ولا النخبة النضالية العاملة أن تجحد المساعدات المالية التي يقدمها المناضل في المهجر إلى نشاطات عدة، خاصة في العقد الأخير الذي تحولت قوة العملة الأجنبية، وتهاوي العملة الإيرانية، إلى السماح للخارج بدعم مادي يحدث أثرا في الداخل. كما ساهمت السياسة الإيرانية الرامية إلى إفقار الشعب في أن تتحول هذه المساعدات الآتية من الخارج، على الرغم من قلتها وضعفها نظرا للإمكانيات المحدودة خارجيا أيضا، تحولها إلى شيء يحدث تغييرا، لفرض الفقر على الشعب الأحوازي وحرمانه من توفير المأكول في بعض الحالات. 

وقد تجلى هذا الدعم المادي الآتي من الخارج، على شكل دعم أسر الأسرى والشهداء، وتقديم معونة تؤمن ضروريات التغذية لدى عائلات الشهداء التي تفتقر إلى القوت اليومي. وهذا جانبا خطيرا، خاصة في الحالات النادرة التي لا تقوم بها أقارب الشهيد والأسير بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة للذوين. 

أما على مستوى دعم الكتاب، فقد عمل عدد من المناضلين على دعم الكاتب الأحوازي بالمساعدة على نشر التأليفات، أو طباعة عدد منها، أو المساهمة في تسهيل ذلك. وقد بات هذا الدعم يذكر في الأوضاع الراهنة، لأن المناضل في الداخل هو حبيس أمرين، إما لا يتوفر على فائض يمنحه للنضال بل كل ما عنده يكفيه هو  وأسرته فقط في أحسن الأحوال؛ وإما أنه محارب ومنبوذ من قبل السلطات لا يملك من حياته المادية شيئا، ويكابر بقيمه للاستمرار في الحياة.    

الختام

حاولت هذه الدراسة المختصرة، المستندة كليا على الواقع الأحوازي، أن تتناول تلك الثنائية أو الحدية السقيمة التي تقيم حدا فاصلا وقطيعة بين النشاط النضالي في الداخل وذلك الجاري في الخارج. إذ كثيرا ما تتعالى الأصوات في الداخل على تقبيح من في المهجر ونكران قدرتهم على التأثير، بل وحتى النيل من الأخلاق والتشكيك بالإخلاص. 

فهنا يدور الاستدلال على عكس الرائج في الداخل، وتتم البرهنة على مقدرة الاحوازيو المهجر في مساعدة الداخل، وتأثير ذلك الكبير في الأوضاع الراهنة. فجوهر القول هو الإيمان بتكاتف الجهود، والتكامل فيما بينها، والإقرار بالفضل الذي يقدمه الخارج للنضال الداخلي، خاصة في العقد الأخير الذي بات من الجلي رصد هذه العلاقة التكاملية بين النضال الداخلي والخارجي. العهد الذي ضعفت فيه الدولة الإيرانية أمنيا، وبات جهدها الأمني مركزا على كبت المطالبات الداخلية من الشعب الفارسي ذاته، أو التصدي للأعداء في الخارج. مما أضعف قليلا من سطوة الاحتلال على الشعوب غير الفارسية، وأتاح ذلك إمكانية التواصل مع الجهات المناضلة في المنفى، خاصة عبر وسائل التواصل البعيدة عن الرصد الاستخباري. كما يظهر التكامل في هذا العهد عبر الأزمة الاقتصادية التي عززت قوة الدعم المادي الخارجي في ظل سقوط العملة الإيرانية.

وعلى العموم بينما أكدت أدلة الداعين إلى التركيز على النضال الداخلي في ثلاث، هي: الانقطاع عن الداخل، وانعدام الوحدة، وضعف العلاقات الدولية؛ لكن تظهر الأسباب التالية قوة استدلال من ينظرون للنضال الأحوازي، في خارجه وداخله، على أنه متكامل في: إتاحة القوى في المنفى للتواصل مع العالم، والقوى الكبرى والجهات المؤثرة كونيا، والاتصال بالشعوب غير الفارسية، وإمكانية الدعم المادي. وتلك أدلة معززة بالواقع المعيش بشكل جلي، كما أن المنطق العقلاني لا يمكن أن يبعد قوى نضالية متمكنة ومتصلة بالعالم والمدن العالمية، تتقدم بشكل سريع، بينما الوضع الأحوازي الداخلي ليس في تقدم فحسب، وإنما فرض النظام المحتل المستبد شتى صنوف التراجع والتقهقر على مختلف الشعوب التي يحتلها، والشعب الفارسي أيضا، والشعب الأحوازي بشكل خاص وأوجع.  

 

 

 

رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات

 

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here



error: Content is protected !!