الأربعاء, أبريل 2, 2025
مقالاتمن اليمن إلى طهران: هل تقود الضربات الأمريكية ضد الحوثيين إلى مواجهة...

من اليمن إلى طهران: هل تقود الضربات الأمريكية ضد الحوثيين إلى مواجهة مع إيران؟

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

أعلنت جماعة أنصار الله “الحوثيين”، استئنافها حظر عبور السفن الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب في يوم الثلاثاء، 11 مارس 2025، وذلك عقب انتهاء المهلة التي منحتها لإسرائيل لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. جاء ذلك في بيان مصور، للمتحدث العسكري باسم الجماعة “يحيى سريع”، نشره على حسابه بمنصة إكس، قائلا إن قواتهم “تؤكد استئناف حظر عبور كافة السفن الإسرائيلية في منطقة العمليات المحددة بالبحرين الأحمر والعربي وباب المندب وخليج عدن، بعد انتهاء المدة المحددة التي منحها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي للوسطاء لدفع العدو الإسرائيلي والضغط عليه لإعادة فتح المعابر وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة”.

ورداً على ذلك، تعهد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، يوم الأحد 16 مارس 2025، بأن تشن الولايات المتحدة ضربات “لا هوادة فيها” ضد المتمردين الحوثيين في اليمن حتى توقف الجماعة أعمالها العسكرية التي تستهدف الأصول الأمريكية وطرق الشحن العالمية.

وفي السياق، أعلنت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثيين يوم الأحد 16/3/2025، أن نحو 40 غارة أميركية على العاصمة صنعاء وصعدة والبيضاء أسفرت في إحصائية غير نهائية عن مقتل 32 شخصاً، وإصابة أكثر من مائة، تأتي هذه العمليات في ظل تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، ووسط مؤشرات على أن الضربات الأمريكية تدور حول الردع التكتيكي للحوثيين، لتصبح جزءاً من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى احتواء النفوذ الإيراني. ويتزامن هذا التصعيد مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مما يعزز من فرضية أن المنطقة قد تتجه نحو مرحلة جديدة من المواجهات العسكرية المتشابكة.

تبحث هذه الورقة في الأهداف والرسائل الكامنة وراء هذه الحملة العسكرية، مع التركيز على فرص استمرار التصعيد بين الولايات المتحدة والحوثيين، وإمكانية امتداده إلى مواجهة مباشرة مع إيران. كما تسعى للإجابة عن سؤال محوري: هل ستنجح واشنطن في ردع الحوثيين عبر هذه العمليات؟، أم أن هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى تصعيد أكبر قد يشمل مواجهة أوسع مع إيران؟، خاصة في ظل المؤشرات التي تشير إلى تنامي الضغط الإسرائيلي لدفع الولايات المتحدة نحو صدام مباشر مع طهران.

في ظل تعقيد المشهد الإقليمي، تأخذ الورقة في الاعتبار الأبعاد الاستراتيجية لهذه العمليات، بما في ذلك الرسائل الأمريكية تجاه إيران، ومساعي إسرائيل لتوسيع نطاق المواجهة، ودور الحلفاء الدوليين في صياغة مسارات التصعيد. كما تتناول السيناريوهات المحتملة للتطورات المقبلة، بدءًا من استمرار الضربات المحدودة، وصولًا إلى إمكانية اندلاع مواجهة إقليمية واسعة النطاق.

ومن هذا المنطلق، سيتم تسليط الضوء على أبرز الرسائل الأمريكية والأهداف الكامنة وراء هذه الحملة العسكرية، وينبغي أخذهما في الاعتبار عند مناقشة الأهداف الرئيسية لهذه الحملة العسكرية في هذا التوقيت الدقيق، ويمكن تفسيرهم كما يلي:-

رسائل أمريكية

 خلال ولايته الأولى، تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، والتي تجلّت في فرض مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية التي أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018.

وفي استكمال لهذا النهج، أعاد ترامب التأكيد على موقفه المتشدد تجاه البرنامج النووي الإيراني، وذلك حتى قبل توليه منصبه مجددًا في يناير 2025. فمنذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية في يوليو 2024، شدد على ضرورة التوصل إلى “صفقة نووية” جديدة مع إيران. وفي 16 نوفمبر 2025، صرّح قائلاً: “يتعين علينا التوصل إلى اتفاق، لأن العواقب مستحيلة. يتعين علينا التوصل إلى اتفاق”.

 وفي إطار موقفه المتصاعد تجاه طهران وفي أثناء تسلم ترامب الحكم، وقع في 5 فبراير 2025، مذكرة رئاسية تقضي بإعادة سياسة الضغط القصوى على حكومة إيران، وذلك بهدف قطع الطريق على طهران نحو الحصول على سلاح نووي ومواجهة نفوذها المزعزع للاستقرار في الخارج، وفقاً لما أعلنه البيت الأبي أنذاك.

وفي خطوة تصعيدية جديدة ضد ما يُعرف بـ “أذرع إيران” في المنطقة، شنت الولايات المتحدة غارات واسعة النطاق على جماعة الحوثي في اليمن، حيث أعلن البنتاغون عن استهداف 30 موقعًا حوثيًا منذ السبت 15 مارس 2025، في أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

لا يمكن النظر إلى هذه الحملة العسكرية الحالية بمعزل عن النهج الأمريكي الشامل تجاه إيران، والذي يتجلى في فرض العقوبات الاقتصادية المشددة، والتصريحات الرسمية الحازمة التي تؤكد عزم واشنطن على ممارسة أقصى الضغوط على طهران. وتأتي هذه الضربات العسكرية في إطار استراتيجية أمريكية أوسع، تهدف إلى توجيه رسائل واضحة ومباشرة لإيران، مفادها أن الولايات المتحدة ليست فقط قادرة على التصدي لأي تهديد إيراني، بل عازمة أيضًا على الدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة.

وتأكيداً على هذا الدور، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم 17 مارس 2025، أن إيران ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية تنفذها جماعة الحوثي، في إشارة واضحة إلى أن إدارة ترامب قد تنظر في خيار توجيه ضربات مباشرة لإيران إذا استمر الحوثيون في استهداف المصالح الأمريكية، خاصة في حال ثبوت تلقيهم دعمًا عسكريًا أو استخباراتيًا من طهران.

يكشف هذا الإعلان احتمالية تنفيذ ضربات عسكرية أمريكية ضد أهداف إيرانية أو مواقع تابعة لأذرع إيران في المنطقة، كجزء من استراتيجية تصعيدية تهدف إلى ردع طهران،  ليس فقط إذا ثبت تورطها في إمداد الحوثيين بالسلاح في المستقبل. وانما أيضاً بخصوص سلاحها النووي، ويأتي ذلك في سياق التهديدات التي أطلقها ترامب قبل بدء الحملة العسكرية ضد الحوثيين، حيث سلّمت واشنطن، في 13 مارس 2025، رسالة رسمية إلى إيران، تخيّرها بين الدخول في مفاوضات حول اتفاق جديد أو مواجهة عمل عسكري مباشر. غير أن طهران رفضت التفاوض تحت التهديد، ما يزيد من احتمالات التصعيد في الفترة المقبلة.

مساعي إسرائيل لفتح جبهة إيران

 تأتي الهجمات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن ضمن تصعيد عسكري متزايد في منطقة الشرق الأوسط، يتزامن مع محاولات إسرائيلية لجر الولايات المتحدة إلى مواجهة أوسع مع إيران. فمنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وتسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى دفع واشنطن نحو موقف أكثر حدة تجاه إيران، وهو ما أكدت عليه صحيفة واشنطن بوست في 14 أكتوبر 2025، بالإشارة إلى استعداد إسرائيل لتوجيه ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية، مما يستوجب مساندة ودعم أمريكي.

تسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق المواجهة الإقليمية من خلال دفع واشنطن إلى الرد عسكريًا على تهديدات الحوثيين، وذلك في إطار تداعيات حرب غزة. ويبدو أن تل أبيب تحاول استدراج الولايات المتحدة إلى التصعيد ضد إيران، لا سيما في ظل الدعم اللوجستي والعسكري الذي تقدمه طهران للحوثيين. وبالتالي، فإن استهداف الجماعة قد يشكل خطوة تمهيدية نحو توسيع نطاق العمليات العسكرية، لتشمل أهدافًا إيرانية مباشرة، ما يعزز احتمالات التصعيد ضد إيران.

تراهن إسرائيل على التصعيد، حيث تتزايد الشكوك حول نوايا حكومة نتنياهو في توسيع الحرب مع إيران عبر استغلال المواجهات الجارية، سواء في غزة أو اليمن. فإسرائيل ترى أن استمرار الضغوط العسكرية على طهران ووكلائها سيضعف موقفها الإقليمي، وربما يدفع الولايات المتحدة إلى خطوات أكثر تصعيداً في مواجهة إيران، في وقت قد تراجع نفوذ الأطراف المتحالفة مع  إيران في سوريا المتمثلة في نظام بشار الأسد الذي سقط في 8 ديسمبر 2024، ولبنان عن طريق شن إسرائيل ضربات واسعة على الحزب مما أدى لمقتل معظم قيادات الحزب في لبنان وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله. لذا فإن استهداف الحوثيين يحمل رسالة مباشرة لطهران بأن واشنطن مستعدة لتوسيع نطاق عملياتها ضد أي تهديدات إقليمية، مما قد يدفع طهران إلى ردود فعل تصعيدية، وهو السيناريو الذي قد تسعى إليه إسرائيل لتعزيز موقفها في مواجهة إيران. 

منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة في يناير 2025، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التراجع عن هذا الاتفاق تحت ضغط الانتقادات الشديدة من اليمين المتطرف في إسرائيل.

 وفي هذا السياق، فقد توسعت إسرائيل في نطاق الهجمات على غزة مجدداً، حيث أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الثلاثاء 18 مارس 2025، بمهاجمة أهداف تابعة لحركة “حماس” في جميع أنحاء قطاع غزة، ويأتي ذلك في إطار سياسة تصعيدية تهدف إلى إبقاء الحرب مفتوحة وعدم السماح بترسيخ أي تهدئة طويلة الأمد، إذ تعتبر إسرائيل استمرار العمليات العسكرية ضروريًا لفرض شروطها السياسية والأمنية.

علاوة على ذلك، تسعى إسرائيل إلى نقل المواجهة إلى ساحات أوسع، حيث تعزز نفوذ الجيش الإسرائيلي في سوريا، مع استمرار الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية والميليشيات الموالية لها، كما تُبقي على وجودها العسكري في جنوب لبنان، رغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله في نوفمبر 2024. وهذا يشير إلى أن تل أبيب لا تكتفي بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة، بل تدفع نحو تصعيد أكبر مع إيران، التي تُعد الداعم الرئيسي لحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة، ما يعكس رغبتها في إبقاء التوتر الإقليمي مشتعلاً وإعادة تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة.

 وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تشارك إسرائيل الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات نوعية ضد جماعة الحوثي في اليمن في المستقبل القريب، وكذلك في أي عمليات لاغتيال قيادات الحوثي، فضلاً عن استهداف المواقع العسكرية والنووية داخل إيران، مما يستعدي رداً إيرانياً، ينتج على أثرها توترات مع إيران، وذلك بهدف استرضاء اليمين المتطرف والائتلاف الحاكم، الذي هدد مراراً بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية لإسقاطها، اعتراضاً على سياسات نتنياهو بخصوص غزة وإيران.

فرص التصعيد مع إيران 

قد تدفع الضربات الأمريكية الحوثيين إلى تكثيف هجماتهم وخصوصاً بالتزامن مع تصعيد إسرائيل لغاراتها على غزة في الوقت الراهن، وربط زعيم أنصار الله في خطابه  الأخير، بوقف الهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، بإدخال المساعدات إلى غزة، وهذا غير متوقع في الوقت الحالي “على الرغم من دعوة الوسطاء للعودة للمفاوضات”،  نظراً لاستئناف إسرائيل الحرب على غزة بالتزامن مع الحملة العسكرية الأمريكية على الحوثيين في اليمن، ما قد يستدعي تصعيداً أمريكياً إضافياً، ولا سيما بعدما حمل ترامب إيران مسؤولية أي هجوم حوثي مستقبلي.

توعد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، في 16 مارس 2025، بالرد على أي هجوم، بعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطهران على خلفية ضربات واشنطن للحوثيين في اليمن، وقال سلامي في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي أن “إيران لن تشن حرباً، لكن إذا هددها أحد سترد بشكل مناسب وحاسم وقاطع”.  حيث يعكس هذا التصريح سياسة الردع الإيرانية، لكنه أيضاً يترك الباب مفتوحاً أمام تصعيد محتمل إذا ما قررت واشنطن مهاجمة إيران عبر استهداف مواقع إيرانية بشكل مباشر.

يحمل تصريح حسين سلامي رسالة مزدوجة، حيث تؤكد طهران أنها لا تسعى إلى الحرب، لكنها في الوقت ذاته تلوّح برد قوي في حال تعرضها لأي تهديد مباشر. هذه الرسالة تستهدف الولايات المتحدة بشكل أساسي، وتُستخدم كوسيلة لردع أي خطوات تصعيدية أخرى من قبل إسرائيل بخصوص الملف النووي الإيراني. 

كما يسعى تصريح سلامي إلى الاعتماد على الخطاب التصعيدي لتعزيز صورته في الداخل، خاصة مع استمرار الضغوط الاقتصادية والعسكرية على إيران. كما تهدف هذه التصريحات إلى طمأنة الرأي العام الإيراني بأن النظام لا يزال قوياً وقادراً على الدفاع عن مصالحه ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. 

ورغم التصريحات الإيرانية التي تؤكد عدم السعي إلى الحرب، فإنها تتبنى في الوقت ذاته نهج “الردع المرن”، الذي يترك الباب مفتوحاً أمام خيارات تصعيدية إذا تعرضت طهران لضربات مباشرة. وهذا يُبقي المنطقة أمام سيناريوهات مفتوحة، تتراوح بين استمرار المواجهة غير المباشرة عبر الوكلاء، وبين احتمال انزلاق الأمور نحو مواجهة أوسع، إذا قررت واشنطن وتل أبيب تجاوز حدود الضربات المحدودة إلى استهداف مباشر لإيران. 

حدود الفاعلية الأمريكية في ردع الحوثيين

منذ تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، تبنت الولايات المتحدة سياسة مزدوجة عسكرية وسياسية في محاولة لاستعادة الردع المفقود. ومع ذلك، لا تزال التساؤلات قائمة حول مدى فعالية هذه السياسة في تحقيق الأهداف المرجوة، خاصة في ظل قدرة الحوثيين على التكيف مع الضغوط الأمريكية والاستمرار في عملياتهم البحرية التصعيدية.

وفي إطار هذه المساعي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي السابق “لويد أوستن” عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات في ديسمبر 2023، لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ضمن عملية “حارس الازدهار”، ورغم أن هذه القوة عززت عمليات الحماية، إلا أن هجمات الحوثيين استمرت، ما يدل على أن الردع العسكري لم يكن كافيًا لوقف الهجمات تمامًا.

لقد قسم الحوثيون حتى الآن حملتهم البحرية إلى خمس مراحل يمكن رصدهم كما يلي:-

  • المرحلة الأولى: ركزت الهجمات على الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر 2023 مع حرب غزة، وعلى السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بدءاً من نوفمبر 2023.
  • المرحلة الثانية: توسعت الهجمات في ديسمبر 2023 لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. كما أصبحت السفن ذات الروابط المباشرة أو غير المباشرة بإسرائيل أهدافاً، وكذلك السفن التي زارت الموانئ الإسرائيلية في الماضي.
  • المرحلة الثالثة: توسعت الهجمات في يناير 2024 لتشمل السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
  • المرحلة الرابعة: توسعت الهجمات مايو 2024 لتشمل السفن التي يمتلك مالكوها/مشغلوها سفناً تزور الموانئ الإسرائيلية.
  • المرحلة الخامسة: أُعلنت هذه المرحلة بعد إطلاق الحوثيين طائرة “يافا” المسيرة على تل أبيب في 19 يوليو 2024، وهي استمرار للمراحل السابقة.

وفي كل مرحلة، تمكنت الجماعة من إجبار المزيد  من السفن على تجنب جنوب البحر الأحمر. وفي المرحلة الرابعة، ومنذ أواخر أبريل 2024، على الأقل، كانت شركات الشحن الإضافية التي تتاجر مع الموانئ الإسرائيلية تتجنب الإبحار عبر باب المندب. وفي الوقت نفسه، في مناسبات معينة، لفتت الهجمات الانتباه إلى أنشطة أخرى في المنطقة، مثل تجارة النفط الروسية.

إن الجهود الأمريكية لاستعادة الردع ضد الحوثيين تواجه تحديات معقدة، إذ لم تؤدِ الضربات العسكرية المحدودة والعقوبات السياسية إلى كبح تصعيد الجماعة بشكل حاسم. فبينما تسعى واشنطن إلى تحقيق توازن بين فرض الضغوط العسكرية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، يثبت الحوثيون قدرتهم على التكيف مع تلك الضغوط وتوسيع نطاق عملياتهم البحرية، مستفيدين من الدعم الإيراني والتوترات الجيوسياسية المتزايدة.

في هذا السياق، كانت الغارات الجوية التي شنتها إدارة ترامب على اليمن هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الولايات المتحدة قادة الحوثيين صراحةً، إلى جانب مراكزهم العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة. كما أن نجاح الردع الأمريكي لجماعة الحوثي يجب أن يعتمد بشكل كبير على استراتيجيات أكثر هجوماً، مثل استهداف القادة الحوثيين البارزين عبر عمليات اغتيال دقيقة، على غرار النهج الذي اتبعته إسرائيل ضد قادة “حزب الله”، حيث يمكن أن يؤدي هذا التكتيك إلى إضعاف القيادة المركزية للجماعة وإحداث فوضى في هيكلها التنظيمي، مما قد يحد من قدرتها على تنسيق الهجمات البحرية. ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة، فقد يدفع الحوثيين إلى المزيد من التصعيد في ردودهم بشكل أكثر عدوانية، وربما يزيد من احتمالات انخراط إيران بشكل مباشر في المواجهة.

السيناريوهات المحتملة

تجنب إيران دعم الحوثيين لتفادي الصدام مع واشنطن:  تعكس عدم استجابة إيران المباشرة للتصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان، في أثناء الحملة العسكرية الواسعة لإسرائيل ضد الحزب،  على الرغم من تبنيها مبدأ “وحدة الساحات”، نمطاً متوقعاً يمكن إسقاطه على تعاملها مع التصعيد الأمريكي تجاه ميليشيا الحوثي في اليمن. فعلى الرغم من أن إيران تستخدم الوكلاء لتعزيز نفوذها الإقليمي، إلا أن انخراطها العسكري المباشر يظل مقيداً بحسابات استراتيجية معقدة، تتعلق بميزان القوى، وتكلفة التصعيد، وإمكانية ردع الخصوم دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة.

في حالة حزب الله، ورغم التصعيد الإسرائيلي الأخير، فضّلت إيران ضبط إيقاع المواجهة دون الدفع نحو حرب شاملة، وهو ما يشير إلى استراتيجية “الإدارة عن بعد”، حيث تدعم حلفاءها دون الانخراط المباشر. هذه الاستراتيجية قد تنطبق على الحوثيين أيضًا، خاصة أن التصعيد الأمريكي يأتي في سياق أوسع من المواجهة بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي، ويهدف إلى ردع التهديدات التي يشكلها الحوثيون للملاحة الدولية.

ويعزز من هذا الاتجاه تصريح حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، في 16 مارس 2025، حيث أكد أن “إيران لن تشن حربًا، لكنها سترد بشكل مناسب وحاسم وقاطع إذا تعرضت للتهديد”. هذا التصريح يحمل دلالات واضحة على أن تفضل طهران الحفاظ على موقف دفاعي لا هجومي ولا يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تبدو في موقع المتراجع أمام خصومها، مما يعني أنها قد تتراجع في المدى القريب والمتوسط في دعم الحوثيين.

يمكن القول، أن التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين قد لا يستدعي تدخلاً إيرانياً مباشراً، إلا في حالة تعرضها لهجوم مباشر، وفي حال تعرضها لضربات أو هجمات واسعة على مواقع عسكرية في الداخل الإيراني، سوف يتعدد أشكال الدعم لأذرع إيران في المنطقة “على الرغم من تراجع نفوذهم” عبر توفير تقنيات عسكرية أكثر تطورًا، أو من خلال تحريك ميليشيات أخرى في المنطقة لتشتيت الضغوط على إيران. وهذا السيناريو يعكس نمطًا متكرراً في السياسة الإيرانية، حيث تعتمد طهران على استراتيجية “حافة الهاوية” دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تستدعي رداً عسكرياً أمريكياً مباشراً ضدها.

تصعيد إقليمي: يشير التصعيد الأخير، مع إعلان الحوثيين استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” ومدمرة أمريكية في البحر الأحمر في 18 مارس 2025، إلى مرحلة حرجة من المواجهات لاسيما في ظل إدارة ترامب المتشددة تجاه إيران، حيث قد تدفع واشنطن نحو تصعيد أوسع ضد قدرات الحوثيين في اليمن تتجاوز الرد المباشر على الميليشيات، ليس كما فعلت إدارة بايدن، خصوصًا إذا ثبت استمرار تورط طهران في تزويد الحوثيين بالأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة.

من المرجح أن ترى إدارة ترامب في استمرار الهجمات على قواتها وسفنها تجاوزًا للخطوط الحمراء، مما قد يدفعها إلى توسيع نطاق ردودها الانتقامية. قد يشمل ذلك تنفيذ المزيد من الضربات الجوية ضد مواقع عسكرية تابعة للحوثيين داخل اليمن، واستهداف البنية التحتية التي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة إلى الجماعة. كما قد تمتد الإجراءات الأمريكية إلى التلويح بضربات مباشرة ضد إيران نفسها. ومع ذلك، ونظرًا للتعقيدات الجيوسياسية، قد لا تقتصر الضربات على اليمن وإيران فقط، بل قد تشمل أيضًا وكلاء إيران في العراق ولبنان، لا سيما في حال استهداف الفصائل الموالية لطهران للمصالح الأمريكية في المنطقة، حيث تمتلك هذه الفصائل القدرة على تهديد المصالح الأمريكية بشكل مباشر.

ترجيح أحد السيناريوهات: في ظل المعطيات الراهنة، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو السيناريو الأول وهو تجنب إيران دعم الحوثيين أو الانخراط في حرب واسعة مع واشنطن، مع توسيع الضربات العسكرية الأمريكية ضد البنية التحتية للحوثيين. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى حرص إيران على تفادي مواجهة مباشرة مع كل من تل أبيب وواشنطن، وهو ما يتماشى مع نهجها في التعامل مع الأزمات الإقليمية الأخرى، وذلك كما ظهر في إدارتها للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله. مع ترجيح دخول إيران الحرب في حالة واحدة فقط وهي تعرضها لهجوم مباشر.

خاتمة

يعكس التصعيد الأخير في البحر الأحمر تعقيد المشهد الإقليمي، حيث تتداخل المصالح الدولية والإقليمية، مما يجعل الأزمة مفتوحة على مزيد من التفاعلات في المستقبل القريب. وبينما تسعى القوى الدولية إلى احتواء التوترات وتجنب تصعيد شامل، يظل تحقيق التوازن بين الردع والاحتواء عاملاً حاسمًا في صياغة الاستراتيجية الأمنية في المنطقة.

في هذا السياق، تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في ردع الحوثيين، إذ أظهرت الجماعة قدرة عالية على التكيف مع الضغوط العسكرية والسياسية. من جهة أخرى، يعكس تعامل إيران مع التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين نهجًا استراتيجيًا حذرًا، حيث تفضل طهران تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن، مع الاستمرار في دعم حلفائها بطرق غير مباشرة. وفي ظل استمرار هذه التوترات، يظل البحر الأحمر محورًا أساسيًا في الحسابات الأمنية والاقتصادية العالمية، مما يستدعي تبني مقاربات أكثر شمولية لمعالجة التحديات المتصاعدة.

محمد نبيل البنداري، باحث سياسي بمركز انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بأبوظبي، الإمارات العربية المتحدة

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here



error: Content is protected !!