السبت, أبريل 19, 2025
مقالات‏قراءة في جذور انتفاضة 15 نيسان 2005 في الأحواز

‏قراءة في جذور انتفاضة 15 نيسان 2005 في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

 
‏تعد انتفاضة 15 نيسان 2005 في ⁧‫الأحواز‬⁩ واحدة من الأحداث البارزة في تاريخ المقاومة الأحوازية ضد  سياسات القمع القومي التي يمارسها النظام الإيراني. إنها حلقة من سلسلة انتفاضات متواصلة اندلعت في الأحواز العربي كجزء من الحركات الشعبية، وتعكس رفض الأحوازيين لسياسات التهميش والقمع الممنهج. 
 
 وسنحاول هنا استعراض سياق الانتفاضة، ودوافعها، وأهدافها، ونتائجها، ودروسها، مع التركيز على الجوانب السياسية والاجتماعية والإقليمية.
 ‏السياق التاريخي والسياسي
 
‏الأحواز، الإقليم العربي الواقع جنوب غرب إيران، له تاريخًا طويلًا من النضال ضد  الأنظمة الإيرانية المتعاقبة منذ عام 1925، حيث أُسقطت إمارة المحمرة بمساعدة بريطانية. منذ ذلك الحين، واجه العرب الأحوازيون سياسات التفريس، والتهجير القسري، والتمييز العرقي والثقافي. 
وكان من هذه المواجهات انتفاضة ميسان 2005 الكبرى، حيث اندلعت احتجاجًا على وثيقة منسوبة إلى الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، دعت إلى تغيير ديموغرافي للأحواز من خلال تهجير ثلثي سكانها العرب واستبدال قوميات أخرى بهم. ورغم إنكار السلطات الإيرانية لصحة الوثيقة إلا أنها أشعلت شرارة الغضب الشعبي، لما كان يعيشه المجتمع من تطبيق عملي لسياسة التغيير الديمغرافي الجارية على قدم وساق. وقد ‏تزامنت الانتفاضة مع ذكرى احتلال الأحواز (20 نيسان 1925). كما جاءت في سياق تصاعد التوترات الإقليمية، حيث كانت إيران تطور المناطق الفارسية، وتزامنا مع ذلك توسع نفوذها في المنطقة عبر دعم ميليشيات في العراق ولبنان واليمن، مما زاد من شعور الأحوازيين بالإهمال والاستغلال الاقتصادي لثرواتهم النفطية دون تحسين ظروفهم المعيشية.
‏دوافع الانتفاضة
ويمكن اختصار دوافع تلك الانتفاضة فيما يلي: 
 
‏القمع الثقافي والعرقي: المتمثل في منع التعليم باللغة العربية، وتغيير أسماء المدن والقرى إلى أسماء فارسية، ومحاربة التمظهرات الهووية العربية.
 
 التهميش الاقتصادي ومعاناة الشعب العربي الأحوازي، رغم إنتاج حوالي 85% من “النفط الإيراني”، من الفقر، والبطالة، وتردي الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء. 
 
 ‏الاستفزازات السياسية، والأمنية، ومصادرة الأراضي: وعرقلة النشاط السياسي الأحوازي الرامي لتحقيق جزء من حقوق العرب، والاعتقالات المستمرة بحق النشطاء السياسيين، وسلب الأراضي لصالح مشاريع كبرى مثل مشروع زراعة قصب السكر، وغيرها من المشاريع، حيث أثارت مشاعر الغضب، خاصة مع استمرار الإعدامات بحق الناشطين الأحوازيين.
 
 السياق الإقليمي: الذي تصاعد فيه الصراع العربي-الإيراني، خاصة في ظل تدخلات إيران في الشؤون العربية، مما شجع ودفع الأحوازيين على إبراز قضيتهم كجزء من النضال العربي الأوسع.
 
‏أهداف الانتفاضة
وتتمثل غايات الانتفاضة وأهدافها في: 
  •  ‏إبراز القضية الأحوازية: والسعي لجذب الانتباه الإقليمي والدولي إلى معاناة الشعب الأحوازي.
  •  المطالبة بالحقوق الأساسية: بما في ذلك الحق في التعليم باللغة العربية، والمساواة الاقتصادية، والحرية الثقافية، وممارسة السياسة.
  •  تحدي السياسات الإيرانية: ورفض سياسات التهميش والتفريس من خلال الاحتجاجات السلمية والمنظمة.
  •  تعبئة الشارع الأحوازي: وتنظيم الحراك الشعبي ليكون أكثر فاعلية في مواجهة القمع.
‏مجريات الانتفاضة:
 
‏اندلعت الاحتجاجات في عدة مدن أحوازية، مثل الأحواز العاصمة، والمحمرة، وعبادان، والخفاجية، والسوس، ومعشور، وتستر، والعديد من المدن حيث خرج الآلاف في مظاهرات سلمية تندد بالاحتلال الإيراني وسياسات القمع. استخدم المتظاهرون شعارات مثل “لا للتفريس”، مع التركيز على إحياء ذكرى سقوط الحكم العربي. كما تضمنت الاحتجاجات فعاليات ثقافية، مثل إلقاء الشعر العربي ورفع الأعلام الأحوازية. وقد تصدت السلطات الإيرانية لها بقوة قاشمة، حيث استخدمت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى واعتقال المئات. كما فرضت السلطات حظرًا على التجوال في بعض المناطق وشنت حملة اعتقالات استهدفت الناشطين والمثقفين، بما في ذلك شعراء وصحفيين.
 
‏تحليل الانتفاضة:
 
‏أدت الانتفاضة إلى التعبئة الشعبية، ونجحت في حشد أعداد كبيرة من الأحوازيين، مما أظهر وحدة الهدف بين مختلف شرائح المجتمع. كما اتسمت الانتفاضة بالطابع السلمي، وركزت الاحتجاجات على المقاومة المدنية، مما صعب تبرير قمعها على إيران، خاصة تبرير القمع في المحافل والمنظمات الدولية. وجذرت الأحداث العلقة الضميرية لدى الأحوازيين عبر ربط الانتفاضة بذكرى احتلال الأحواز والانتفاضات السابقة، الأمر الذي عزز الروح الوطنية وزاد من تأثيرها الرمزي. وقد زاد اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي هذه الانتفاضة زخما، مما ساعد في نشر القضية خارج الأحواز، خاصة بين الدول العربية. لكن من جهة أخرى، لم تحظَ الانتفاضة بدعم عربي أو دولي كافٍ، مما حد من تأثيرها السياسي. وكان رد فعل النظام الإيراني السريع والقاسي أضعف زخم الاحتجاجات وأدى إلى تشتيت الجهود. ورغم التعبئة الشعبية، افتقرت الانتفاضة إلى قيادة موحدة قادرة على استدامة الحراك. ‏وإذا وضعنا هذا الحدث في سياقه الإقليمي، وهو سياق تصاعد التوترات بين إيران والدول العربية، فقد كان يمكن لتلك الانتفاضة أن توفر فرصة أكبر لإبراز القضية الأحوازية كجزء من الصراع الأوسع بين إيران والدول العربية، ولكن الدول العربية، على العكس من ذلك، اكتفت بنشر بضع عشرات من النصوص الإخبارية حوّل الانتفاضة في الإعلام العربي والغربي، كأقصى درجات الدعم.  كما لم تركز المنظمات الدولية كثيرا على القمع الإيراني بحق الأحوازيين.
 
‏النتائج: 
 
 ‏نجحت الانتفاضة في إعادة إحياء النقاش حول القضية الأحوازية، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. ‏كما عززت الاحتجاجات، الشعور بالهوية العربية الأحوازية، خاصة بين الشباب. وفضحت الانتفاضة وحشية النظام الإيراني في التعامل مع الشعوب غير الفارسية، مما أثار انتقادات محدودة دوليًا. ‏وأدى القمع إلى سقوط ضحايا واعتقال المئات، مما زاد من التوترات بين الأحوازيين. ‏وأكدت الانتفاضة حاجة الحراك الشعبي إلى قيادة موحدة وتنسيق منضبط لضمان استدامته. إلى جانب حاجة الحراك إلى التواصل مع المنظمات الحقوقية والإعلام الدولي لممارسة أقصى درجات الضغط على إيران.
 ‏تبينت عبر هذا الحراك العارم أهمية استخدام التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي بوصفها أداة فعالة لنشر القضية، لكنها تحتاج إلى استراتيجيات أكثر احترافية. ‏ثم أثبت سير الأحداث مدى ضرورة تجاوز الانقسامات بين الفصائل الأحوازية، واصطفاف الكل خلف تحقيق التقدم النضالي. ‏وتبين أن تعزيز الدبلوماسية الأحوازية ضرورة لكل مرحلة، وهنا نؤكد على ضرورة العمل على إنشاء لوبيات سياسية في الدول العربية والغربية لدعم القضية. ‏ومن هنا بالتحديد تكتسي قضية استحداث هيئة موحدة تمثل الأحوازيين وتنسق جهودهم السياسية والميدانية، أمراً لا يمكن أن يتأخر أبدا.  ‏كما يتطلب الأمر تكوين مجموعات ومنظمات حقوقية لتوثيق الانتهاكات ونشرها إعلاميا، وربط القضية الأحوازية بالقضايا العربية الأخرى لكسب دعم شعبي وسياسي.
 
‏وختاما فقد كانت انتفاضة 15 نيسان 2005 تعبيرًا أصيلا عن إرادة الشعب الأحوازي في مواجهة سياسات إيران الاستعمارية. ورغم قمعها فقد تركت أثرًا كبيرًا في تعزيز الهوية العربية وإبراز القضية على الساحة الإقليمية. إلا أن نجاح الحراك الأحوازي في المستقبل يتطلب تنظيمًا أفضل، ودعمًا خارجيًا، واستغلال الفرص الإقليمية. ونؤكد أن القضية الأحوازية ليست مجرد صراع محلي، بل جزء من الصراع العالمي شريطة أن يتم تفعيلها بشكل صحيح، مما يجعلها جديرة بالاهتمام والدعم، من قبل كل العالم المتضرر من قبل نظام ولي الفقيه وما سبقه في إيران.

نوري آل حمزة، صحفي أحوازي مستقل ومقيم في ستوكهولم

 

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here