السبت, أبريل 12, 2025
مقالاتكوارث الصناعة النفطية: تبعات عملية نزع الأملاح من النفط في الأحواز

كوارث الصناعة النفطية: تبعات عملية نزع الأملاح من النفط في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة 

 عادةً ما يأتي النفط المستخرج من الآبار مصحوبًا بكميات من المياه التي تحتوي على أملاح متنوعة، ولا سيما كلوريد الصوديوم (NaCl). وهذا يتطلب إزالة هذه الأملاح وتنقية النفط من خلال مصانع متخصصة تم إنشاؤها لهذا الغرض.. تُعد عملية إزالة الأملاح من النفط الخام مرحلة أساسية في خطوات التكرير، إذ تركز على التخلص من محتوى الملح والملوثات الأخرى التي قد تكون موجودة في النفط الخام. هذه العملية تساهم في تحسين جودة النفط وتجهيزه لمراحل المعالجة اللاحقة، مما يؤثر بشكل مباشر على فعالية وكفاءة عمليات التكرير. يتم استخدام تقنيات مختلفة لتحقيق هذا الهدف، حيث يتم فصل الأملاح والشوائب لضمان الحصول على منتج نفطي نقي ومناسب للخطوات التالية في سلسلة التكرير. ويمكن أن يسبب وجود الماء والأملاح والمواد الصلبة في النفط الخام مشاكل كبيرة في المعدات التكرير النهائية مما يؤدي إلى التآكل والتلوث وتحديات تشغيلية أخرى. وتتضمن عملية نزع الأملاح عادة خلط النفط الخام مع الماء، مما يساعد على إذابة واستخلاص الأملاح القابلة للذوبان في الماء.    

مصانع الأحواز لنزع الملح 

ومن أجل إتمام هذه العملية أقدمت «شركة النفط الوطنية» على تدشين مصنع لهذا الغرض على مقربة من حقل مدينة الأحواز (ثالث حقل في العالم من حيث الذخائر وحجم الإنتاج) مهمته إتمام عملية نزع الأملاح. وقد اتسع هذا المصنع إلى وحدات أولى وثانية وثالثة، أقدمت على حفر أحواض مائية ترسل إليها المياه المالحة والملوثة المنزوعة من النفط لتتم بذلك عملية الدفع. وبينما تشير المعلومات الرسمية على موقع الشركة بأن الأحواض المعبئة لغرض دفع المياه مصنوعة من الخرسان بطاقة استيعابية تستوفي إجمالي حجم المياه،  بحيث يتم دفع المياه إلى هذه الأحواض الخرسانية، بيد أن الملاحظ هو عجزها عن استيعاب المياه الملوثة، وامتلائها عند الأمطار في موسم الشتاء، خاصة في ظل انعدام إمكانية تبخير هذه المياه، لأنها تضم جزيئات دهنية تمنع حدوث عملية التبخير.    

هذا وقد كلفت عمليات توسيع المرحلة الثانية من هذا المصنع 58 مليون يورو حسب الإعلام الرسمي، تم افتتاحها بحضور رئيس النظام الإيراني. وبينما بلغت طاقة المصنع، في مرحلته الأولى، 110 ألف برميل يوميا، فإن افتتاح المرحلة الثانية عززت الطاقة الإجمالية للتصفية بمقدار 220 ألف برميل يوميا؛ مما يعني أن الطاقة الإجمالية قد تكون مرشحة للزيادة في ظل توسيع المصانع وزيادة عملية الإنتاج.   

تبعات مصانع الأحواز لنزع الملح

إن تتبع جميع النشاط الصناعي الدائر في الأحواز يظهر، بما لا مجال للشك فيه، الاستهتار واللامبالاة بما يترتب عن مثل هذا النشاط المهول. فبينما تسعف الأحواز بثرواتها النفطية وغير النفطية اقتصاد دولة الاستعمار الإيراني بما يفوق الـ85 بالمئة، لكن حياة هذه الأرض العامة تتميز بالفقر والدمار البيئي والارتباك المجتمعي والتخلف الاقتصادي والتدهور الصحي الكارثي إلخ. 

وعند الرجوع إلى ما تتركه هذه المصانع على حياة مدينة الأحواز، والمدن والقرى القريبة منها، يمكن رصد التبعات الكارثية المختلفة في تلوث الهواء، والتدهور الصحي، والتلوث الزراعي، والبطالة والهجرة إلخ، كأكثر التبعات قابلة للرصد لغاية الآن. ومما لا شك فيه هو أن هناك من التبعات والكوارث الناجمة عن هذه الصناعة، وعدم اكتراث القائمين على النهب بما ينتج عنها، ما لم يتم كشفه وتسليط الضوء عليه لغاية الآن. 

تلوث الهواء

ويعد تلوث الهواء أولى التبعات التي تنتج عن هذه المصانع النشطة، حيث لا تبعد أنابيب النفط عن البيوت المحيطة بها، في بعض الحالات، سوى 20 مترا. فبينما تم بناء مخازن المياه المنزوعة الملح بالقرب من القرى والمدن المجاورة، جعل احتوائها على أنواع حامض البترول  جعلها مصدرا لتطاير الجزيئات الملوثة بالأملاح والحامض. كما أن تكدس الأملاح وامتصاص الأرض للمياه القابلة للجذب والتبخير ساهم في تطاير الأملاح في الهواء وتلوثه بهذه الجزيئات السامة. ونظرا للتأثير السلبي لهذه الصناعة على الغطاء النباتي فإن تطاير هذه الجزئيات ينتشر على أكبر نطاق ممكن، مما يجعله يلوث مساحة كبيرة. ويستشهد أهالي هذه المنطقة بغياب الطيور التي اعتادوا هجرتها إليهم في فصول العام الأربعة، كخير دليل على تلوث الهواء بمستويات خطيرة.

ليس هذا فحسب بل إن غاية الاستهتار بحياة البشر تظهر عبر معلومات منظمة البيئة التي تفيد بأن شركة النفط، في قسم الغاز، تقوم بإحراق 15 مليون متر مكعب من الغاز الحامض، مما يتسبب بانتشار 9 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، و3 مليون طن من غاز السولفيد الهيدروجين. ويسعف تكدس النفايات النفطية هذا التلوث ويزيده شدة، إذ تنتشر أطراف المصانع سموم ورياح قذرة، تجعل التنفس صعبا جدا، يبعد الأهالي عن الاقتراب إلى البيوت القريبة من تجمع النفايات أو الحقول الواقعة قرب أماكن التكدس. 

 

الصحة 

وليس من شك بأن هذا الحجم من تلوث الهواء سيعني تغييرا كبيرا في طبيعة البيئة والحياة القائمة عليها، وتأثر جميع الكائنات التي تتأثر بالهواء. كما يعني تلوث الهواء مباشرة تدهورا جديا وخطيرا في صحة الإنسان وجميع الكائنات. 

فأولى نتائج هذا الدمار هو انتشار أمراض مختلفة، خاصة بين الأهالي المجاورين لهذه المصانع، نظير الربو، وضيق التنفس، وإصابات بالرئة، وسرطان البشرة، وكثرة الجلطات القلبية إلخ. فلقد حذر قبل سنوات رئيس بلدية الغيزانية من تفشي الأمراض التنفسية بنسبة 8 ألف من إجمالي سكان الغيزانية البالغ عددها حينها 25 ألفا، أي ما يقارب 40 بالمئة. وأكثر حالات ضيق النفس في هذه المنطقة سجلت بين النساء الشابات تحت الأربعين، حتى اضطر الكثير منها على عدم الخروج من المنزل. أما الأطفال فقد لوحظ عند أكثرهم أمراض جلدية نظير حكة في الصدر، واحمرار العيون والأجفان، وتشوه لون البشرة واخضرارها، وظهور انتدابات عليها في بعض الحالات غير المسبوقة، خاصة في قرية الصفيرة من قرى الغيزانية. هذا ويذكر بعض الأهالي مشاهداتهم الغريبة عن تغير لون جلد الثعالب بعد مرورها من الأحواض المملوءة بمياه النفط.     

الرياح القذرة 

لقد شكل تكدس النفايات النفطية، ثم دفنها من قبل الجهات المعنية، غيوم غازية حولها وفي شعاع يبلغ كيلومترات في بعض الحالات، مسببا هكذا بانتشار رياح سامة وكريهة لا يمكن الاقتراب منها. ويعود سبب ذلك في أن النفايات الخاصة بالنفط ومصانع نزع الملح تُصرف دون أي تكرار ودون أية معالجة، بل يتم دفنها في الأعم الأغلب للتخلص منها سريعا، أو تركها في الهواء الطلق هكذا. كما تعمد شركة النفط على جلب النفايات النفطية عبر شاحنات، فتقوم بإفراغها على حدود قرى الغيزانية، لتسيل هكذا هذه النفايات إلى أن تشكل رقعة كبيرة يتحول لونها إلى السواد  تنبعث منها رائحة مستقذرة. وتشتد هذه الحالة عند ما يعمد عمال هذه الشركة بعد إفراغ السائل من النفايات إلى حرقه، وهكذا تشتعل نيران كثيفة ينتشر منها في الهواء الطلق روائح خانقة.  

وعن كل ذلك تنبعث ملوثات ورياح يسبب استنشاقها المكرر بحالات من الربو وضعف الرئات بناء على تصريحات الكثير من الأطباء الذين عالجوا مثل هذه الحالات.  

التلوث الزراعي

وقد كان نصيب الأرض من مصانع نزع الأملاح كما نصيب البشر. فقد طفحت مياه الأحواض المخصصة للمياه الملوثة بعد أولى الأمطار الشتوية إلى الأطراف، وتسببت بخراب ما يقارب 300 هكتار من الأراضي الزراعية المجاورة في منطقة المليغط في الغيزانية، تنصلت شركة النفط تماما من واجباتها في تنظيف الأراضي وإعادة تأهيلها والحفاظ عليها وتسديد الأضرار.  وبدلا عن ذلك برر رئيس المصنع تنصله من التزاماته بأن أصحاب الأراضي هم من منع دخول عمال الشركة من أجل تنظيفها وتصليحها.

هذا وقد تلوثت الأراضي الزراعية بالصلب الثقيل، مما جعل التربة غير صالحة وغير مؤهلة للزراعة لعقود مستقبلية. وفي حالات متكررة تسربت هذه الجزيئات الصلبة عبر ثقب وقع في أنابيب نقل المياه المالحة، إثر استهلاكها وتآكلها، حتى انتقلت بذلك النفايات النفطية من هذه المصانع مباشرة إلى الأراضي الزراعية المجاورة. وبينما تتوفر المصانع على وحدات إدارة الأزمات، فإن حدوث ثقوب في الأنابيب وتسرب المياه الملوثة عنها، عادة ما يستمر لأسابيع، ليكون أثر التسرب كبيرا جدا وواسعا يشمل أراض شاسعة زراعية وغير زراعية.

إضافة إلى ذلك لا يعني إصلاح الخلل عدم استمرار التأثيرات: فمثلا عند ما تم إصلاح الأنبوب المثقوب من مصانع نزع الملح، وبالتالي القضاء على التسريب، بقت المياه المسربة سابقا في حفر، مكونة هكذا أحواض ومستنقعات صغيرة. ولما هطلت الأمطار اختلطت بهذه المياه الملوثة فتسربت إلى حقول القمح وبساتين النخيل.

البطالة  والتهجير

وبينما احتفل الإعلام الفارسي بخبر وصول رئيس الجمهورية إلى الأحواز وافتتاحه المشاريع، كان افتتاح المرحلة الثانية من مصنع الأحواز لنزع الملح قد تم بكلفة 58 مليون يورو. والغريب في الأمر هو أن هذه التكلفة الكبيرة لم توفر فرص عمل إلا لـ180 فردا فقط بشهادة المواقع الرسمية نفسها. 

والجدير كان اختصاص رؤوس الأموال هذه، التي هي بعض ثروات النفط، إلى استثمارات توظف الأهالي التي خربت حقولها ودمرت بيوتها وبات موطنها غير قابل للعيش. وهذا بالتحديد هو ما حدث حين بلغت الشدة بأهالي قرية المليقط بمطالبة شركة النفط بتوفير وطن بديل يسكنون فيه بدلا عن موطن أجدادهم وأسلافهم، من شدة ما تحملوا من تلوث غير قابل للإصلاح بزعمهم.

وأيا تكن أسباب التهجير فهي مرحبة من قبل سلطات الایرانیه وهي الغاية المثلى عندهم. ولعل تحفيز التهجير السافر يظهر في إصدار مرسوم حكومي بمنع بناء بيوت جديدة في هذه المنطقة منعا باتا، حيث صدم الأهالي بأن توسيع الحقول النفطية يفرض عليهم البحث عن موطن جديد، لأنه من غير المسموح بناء أي بيت ضمن النطاق الذي تحدده شركة النفط. كما أن البيوت السابقة أخرجت إداريا عن عملية منح وثائق ملكية، وظلت بيوتا وممتلكات لا تتمتع بوثائق ملكية تثبت امتلاكها، مما يخرجها عن التعويضات الحكومية، في حال مصادرتها أو خرابها أو تضررها أو بيعها حتى. 

وأكثر من ذلك هو ما أقدمت عليه شركة النفط من تصرف للأراضي الزراعية ومصادرتها من أجل تطوير عملها. فهنا أقدمت السلطات الإيرانية على إحداث طرق وتعبيد مواصلات من أجل تسهيل التردد على الشركة ومصانعها. وكل ذلك كان يأتي على حساب الأراضي الزراعية الواقعة على مقربة من الحقول والآبار. وهكذا أقدمت السلطات والجهاد الزراعي (جهاد كشاورزي) على تثمين الأراضي الزراعية بثمن بخس، ثم قامت بشراء هذه الأراضي على شكل صوري، وقضمت الأراضي أوم صادرتها عن أهلها كليا.       

وبينما أعدمت الشركة هذه ومصانعها الزراعة وأية أعمال طبيعية أخرى اعتاد عليها الأهالي وتوارثوها، فإنها ضايقتهم أيضا بجلب عمال وموظفين من المناطق الفارسية، وهذا بالإضافة إلى القضاء على إمكانية العمل في الحقول، أعدم أمل التوظيف في هذه الشركات وجعله مستحيلا. وهكذا أصبح الاحوازیین هنا بين مطرقة التلوث الناجم عن هذه المصانع وإعدامه للحقول ومصادر الرزق، وسندان المستوطنين الفرس المقدمين للعمل في الشركات على هيئة موظفين برواتب عالية ومهندسين لا يقتربون من القرويين الجائعين النكرة.

وفي الختام لا يمكن التصريح بمدى إصرار السلطات الإيرانية على تحويل النعمة الكبيرة، نعمة النفط، وما ينتج عنها من ازدهار وغنى ورفاه، إلى نغمة على الشعب الأحوازي نتج عنها التلوث في الهواء، والإصابة بأنواع الأمراض وتدهور الصحة، وفقر وفاقة وهجرة وكره الحياة. إنها حياة الاحتلال والاستعمار وكل ما جلبه على الشعب بهدف قتله ومحوه من الوجود. 

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here



error: Content is protected !!