الأحد, مايو 12, 2024
مقالاتأزمة المياه في الأحواز والعراق ( ايران تجفف مياه الأحواز والعراق)

أزمة المياه في الأحواز والعراق ( ايران تجفف مياه الأحواز والعراق)

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

اتبعت الحكومة الإيراينة سياسة تحريف مسار المياه، ومنعت دخولها إلى الأراضي العراقية، كما قطعت المياه بشكل غير إنساني عن الأراضي الأحوازية.

في كلا البلدين لا يعلو صوت فوق صوت العطش والفقر والحرمان وانهيار البنية التحتية، فكلاهما يعتبر أراضي محتلة بالنسبة للإيرانيين.

يسعى النظام في طهران إلى أن يجعل كلا البلدين مقبرة لآمال الملايين من البشر طمعاً في هجرة الإنسان من هذه الأراضي إلى بلدانٍ أخرى، كما حصل في سوريا.

تتميز الأحواز وجارتها العراق بخصوبة الأرض وكانتا تقعان ضمن الهلال الخصيب لكثرة ووفرة مياههما العذبة، غير أن تحريف مسار المياه من قِبَل النظام الإيراني وتشييد أكثر من 40 سداً على مصب الأنهار الأحوازية جعل من هذين البلدين أرضاً جافة شبه صحراوية يعاني فيها الإنسان والحيوان الجفاف.

ففي البصرة، سبَّبَ انهيار البنية التحتية للمياه دماراً كبيراً في حياة المواطن وأصبحت الظروف مهيأة لانتشار الطاعون بين السكان المحليين، حيث يدخل ما بين 450 و650 فرداً يومياً إلى غرف الطوارئ بسبب تسمم المياه مصحوباً بأمراض جلدية.

نهر دجلة، الذي يجتاز المدينة وكان المصدر الرئيسي لمياه الشرب والزراعة، بات شبه جاف ويمكن للمرء عبوره سيراً على الأقدام.

وأما في الأحواز العاصمة، فالوضع ليس أفضل حالًا من العراق، فنهر كارون الذي يُعتبر من أكبرِ الأنهار في العالم ويشكل الجنة المنشودة على الأرض بمعية أنهار دجلة والفرات وجيحون حسب كتاب التوراة أصبح أيضاً يعاني الجفاف.

لا شك أن هناك عدة دلائل رئيسية وراء هذا الجفاف، والتي ساهمت في هذه الكارثة الإنسانية، منها: الجفاف المستمر منذ أكثر من سبع سنوات، لكن الأهم من ذلك أن كلاً من تركيا وإيران يحولان المياه بعيداً عن أنهار العراق والأحواز.

وقام البلدان –تركيا وإيران- ببناء سدود على نهري دجلة والفرات في تركيا وعلى نهري الكرخة وكارون والجراحي في الأحواز، مما أدى إلى انخفاض تدفق المياه إلى العراق بنسبة 45 بالمئة تقريبًا، أما الوضع في الأحواز فأصبح أكثر سوءاً، حيث جفت الأراضي ومات النخيل وانعدمت الزراعة بشكل غير مسبوق. بسبب تحويل الإيرانيين ما لا يقل عن 41 نهراً وينبوعاً من الأراضي الأحوازية إلى العمق الفارسي.

وبنى الأتراك خمسة سدود كبيرة على نهر دجلة والعديد من السدود الصغيرة (وهو جزء من تصميم ضخم لبناء 14 سداً على نهر الفرات و8 على نهر دجلة). وما يقرب من 33 في المئة من مياه نهر دجلة مصدرها إيران، حيث تم الانتهاء من سد داريان وافتتاحه في 2018، تاركاً وسط وجنوب العراق بدون مياه كافية، كما تسبب سدان إيرانيان إضافيان في تقليص تدفق المياه في نهري كارون والكرخة، وهما رافدان رئيسيان لنهر دجلة شمال البصرة.

وكان العراق يستخدم قبل اجتياحه في 2003، 12 محطة كهرومائية لتوليد الطاقة، لكن بعد تبني تركيا وإيران سياسة بناء السدود وحرمان بلاد العراق من حصتها المائية انخفض تدفق المياه، وفي النهاية تُركت المدن العراقية الكبرى تواجه إمدادات متقطعة من الكهرباء. وجعلت إيران أخيراً من العراق رهينة بيدها تبيعها الكهرباء إذا رضيت عنها، ومنعتها إذا اختلفت معها.

منسوب مياه نهر دجلة المنخفض بشكل خطير

يركز الاهتمام العالمي على العلاقات الإثيوبية المصرية المتوترة بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة على النيل الأزرق فحسب، والذي من المنتظر أن يوجه ضربة للحياة المصرية على طول نهر النيل. لكن لا يبدو هناك اهتمام عالمي بالوضع الإنساني والاقتصادي في العراق والأحواز بشأن مياه نهري دجلة والفرات، في العراق وأنهار كارون وجراحي والكرخة والدز في الأحواز، وكل هذه الأنهار يعتمد دائماً عليها وجود العراق والأحواز في العصور القديمة والحديثة.

احتج المواطن الأحوازي طوال السنوات الخمس الماضية وشكَّل سلسلةَ حلقات بشرية على ضفاف نهر كارون وجراحي، كما اشتعلت عدة مظاهرات في المدن الأحوازية في الفلاحية والكورة وتستر وأخيراً في المحمرة، ودخلت المظاهرات بالمحمرة في مواجهة مسلحة من جانب قوات النظام الإيراني وقُتل فيها مواطنان، وجُرح أكثر من سبعة أشخاص، وتم اعتقال المئات، ولايزال العشرات منهم يقبعون في زنازين إيران.

أما في العراق، فقد اندلعت مظاهرات ومواجهات دامية في عدة مدن، وسيما في مدينة البصرة إثر احتجاجات قام بها المواطنون منذ أوائل يوليو/ تموز 2018. وتفاقمت الاضطرابات بعد أن أمر محافظ البصرة الجنود باستخدام الرصاص الحي ضد المحتجين على غرار ما قامت به القوات الإيرانية ضد الأحوازيين.

وَفقاً للأنباء الواردة من العراق في مدينة البصرة، يدخل المئات من العراقيين غرف الطوارئ يومياً بسبب تسمم المياه، مصحوبين بأمراضٍ جلدية. تم تسجيل نحو 17000 حالة إصابة معوية بسبب تلوث المياه، حسبما أفادت السلطات الصحية في البصرة (1).

المستشفيات غير قادرة على التعامل مع تدفق المرضى، ولا تعرف السلطات كيفية التعامل مع الأمراض المنتشرة والتهديد بالكوليرا.

وأما في الأحواز، فهناك تحديات حقيقية بعدما تم تحريف جميع الأنهار والينابيع الأحوازية إلى العمق الفارسي بسبب الجفاف في المحافظات الفارسية، وارتفاع نسبة استخدام المياه في الزراعة التقليدية في العمق الإيراني، وكذلك ارتفاع نسبة احتياج المياه في الصناعة من 60 مليون طن سنوياً إلى 100 مليون طن سنوياً، وارتفاع نسبة مصرف المياه إلى 250 في المئة في إنتاج الصلب. وكانت هذه السياسة العامل الرئيسي وراء جفاف أكثر من 500 ألف هكتار من أراضي الأهوار في الأحواز حسب ما جاء في تقرير علي محمد شيري، نائب رئيس منظمة البيئة الإيرانية.

الصور التي التقطت في مدينة الأحواز العاصمة والبصرة مؤخراً تسرد القصة كلها: نهر دجلة في العراق ونهر كارون في مدينة الأحواز العاصمة، كانا يمران بالعديد من المدن ومصدراً رئيسياً لمياه الشرب والزراعة، أصبح الجفاف يضربهما، وذلك بسبب سياسة إيران التخريبية في كلا البلدين.

قاع نهر دجله في العراق

قاع نهر كارون في الأحواز بعد بناء السدود

ما وراء الإخفاق – التحويل المتعمد

ومع ذلك، فإن من أهم العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذه الكارثة الإنسانية هي الجفاف المستمر منذ ست سنوات، والذي يتسم بعدم انتظام هطول الأمطار، والأهم من ذلك حقيقة أن كلاً من تركيا وإيران تحولان المياه بعيداً عن أنهار العراق، كما تساهم إيران في القضاء على حصة الأراضي الأحوازية من المياه بشكل مطلق.

قامت تركيا ببناء سدود على نهري الفرات ودجلة لإعادة توجيه الروافد إلى البحيرات والأنهار الداخلية، ما منع دخول المياه إلى العراق وحدَّ من تدفق المياه إلى العراق بأكثر من 45 بالمئة من التدفق السنوي إلى حوض نهر الفرات – دجلة، على خطى سياسة إيران في تحريف مياه الأحواز.

وبرزت الشواهد أخيراً، بعد تدهور الوضع في الأحواز بسبب سياسة النظام الإيراني في تحريف مياهها، فتضرر العراق بشكل خاص من مشاريع المياه الإيرانية التي حولت مسار نهر سيروان، وهو أحد روافد نهر دجلة.

واما في العراق، 33 بالمئة من مياه دجلة تقريباً تنبع من الأراضي الأحوازية وأراضي كردستان إيران، وبعد أن اكتمل سد داريان وافتتح في 2018. فإن إمدادات المياه عبر سيروان ستنخفض بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، مما يترك وسط وجنوبي العراق بدون إمدادات مياه كافية. أما اليوم، فالوضع في البصرة أصبح كارثيًا، حيث إنها تقع في نهاية مسار نهري الفرات ودجلة ويكون التدفق شبه معدوم بسبب السدود الإيرانية الإضافية على نهري كارون والكرخة (أكبر الأنهر في الأحواز).

هذه الأنهار كانت في السابق من أهم الروافد الرئيسية لنهر دجلة شمال البصرة، اللذين يغذيان البصرة عبر تدفق كمية كافية من المياه العذبة للسكان المحليين والزراعة، وكانت تساعد في تخفيف الملوثات التي تصب في النهر بسبب النفايات الكيميائية والصناعية التي تنتجها الصناعة النفطية. وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في تدفق المياه إلى نهر دجلة، وفي المقابل تسرب المياه المالحة من الخليج العربي بعمق 140 كيلومتراً في شط العرب.

خسر الأحواز والعراق أكثر من 75 في المئة من المياه نتيجةً لمشاريع المياه التركية والإيرانية، وهذه الخسارة تمثل أزمة كبيرة، مما يعني أن ما يقرب من 4 ملايين ميل مربع من الأراضي الزراعية في العراق سوف تتحول إلى صحراء، مما أجبر الحكومة على إرغام المزارعين على وقف زراعة المحاصيل المتعطشة للماء مثل القمح، الأرز والذرة وتركت الناس في ورطة اقتصادية كبيرة.

ويبدو الوضع العراقي الحالي في ظل سيطرة الميليشيات الإيرانية ليس أفضل حالاً من الأحواز المحتلة، حيث تواجه الحكومة العراقية الضعيفة اليوم تحدياتٍ متعددةَ: فهي تتعافى من حرب استمرت أربع سنوات مع داعش. يقوضها نزاع شيعي داخلي بين معسكرين متعارضين (أحدهما يؤيد إيران والثاني يؤيد العراق)؛ بعدما سمحت الولايات المتحدة لإيران بأن تلعب الدور الرئيسي في العراق وتحاول بكل الوسائل أن تسحب العراق إلى دائرة نفوذها.

ويجد العراق نفسه في مأزق كبير بسبب وجود الجيش التركي على أراضيه، مما يجعل العراق لا يستطيع التفاوض مع جارتيه كما هو الحال في الأحواز.

ويبدو أن النظام الإيراني له مصلحة في خلق أزمة في العراق للضغط على السياسيين هناك كي ينحازوا إلى أجندة طهران السياسية.

وأخيراً، يبدو أن لا أمل يلوح في الأفق القريب لحلحلة أزمة المياه، إلا أن ذلك قد يحدث -فقط- في حال وقع العراق في شَرَك الفلك الإيراني، وقد تقبل إيران التنازل بشأن توزيع المياه بين البلدين.

وبالنسبة للجانب التركي فلن تحصل مساومة حول أزمة المياه، إلا إذا ضمنت الحكومة العراقية مواجهة التيارات الكردية لصالح تركيا، ويبدو أيضًا أنه ليس بمقدور الإدارة الجديدة في العراق أن تلبي طلب كل من إيران وتركيا.

 

ملاحظات

 

1 3.5 Million Basra Residents Are Threatened with Lethal Diseases, https://en.shafaqna.com/3-5-million-basra-residents-are-threatened-with-lethal-diseases/

2 Iraqi FM: Iran cuts flow of 42 rivers to Iraq without warning, https://defence.pk/pdf/threads/iraqi-fm-iran-cuts-flow-of-42-river-tributaries-to-iraq-without-warning.566854/

3 https://twitter.com/MahaalGhareeb/status/1034825337492914183



error: Content is protected !!