مقدمة
يؤكد اليوم العالمي للغة الأم التابع للأمم المتحدة، الذي يُحتفل به في 21 فبراير/ شباط من كل عام، على الطبيعة المركزية للغات الأم في التنمية المستدامة. [1[ وكما تقول الأمم المتحدة ذاتها: “من أجل تعزيز التنمية المستدامة يجب أن يتاح للمتعلمين الوصول إلى التعليم بلغتهم الأم وبلغات أخرى. فمن خلال إتقان اللغة الأولى أو اللغة الأم يتم اكتساب المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب. اللغات المحلية، وخاصة للأقليات والسكان الأصليين، تنقل الثقافات والقيم والمعارف التقليدية، لذا تقوم بدور مهم في تعزيز المستقبل المستدام.” [2[ كما يدعم اليوم العالمي للغة الأم المستهدف 6 من الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وهو: “ضمان أن يتحقق لجميع الشباب ونسبة كبيرة من البالغين، رجالاً ونساء، معرفة القراءة والكتابة والحساب”. [3[
أهمية التنوع اللغوي من أجل السلام
تؤمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” بأن التنوع اللغوي يعزز ثقافة سلام وتفاهم ثقافي لأن كل لغة هي جزء أساسي من ثقافة مميزة، تقدم رؤى ودروسًا مفيدة للمجتمع الإنساني. على حد تعبير الأمين العام لليونسكو، إيرينا بوكوفا: “يمكن أن يؤدي الوصول إلى التنوع اللغوي إلى إثارة الفضول والتفاهم المتبادل بين الشعوب. ذلك هو السبب في أن تعلم اللغات هو التزام بالسلام والابتكار والإبداع”. [4]
في إيران، وهو بلد يضم شعوبًا عرقية متعددة وثقافات ولغات متعددة، تم إخماد إمكانات هذا التنوع اللغوي لأجيال بسبب جهود الحكام والأنظمة المتعاقبة من أجل فرض الاستيعاب في ظل السكان الفرس، وتشمل هذه الجهود حظر التعليم باللغات الأصلية لهذه الأقليات ومعاقبة أولئك الذين يثبت تدريسهم تلك اللغات أو نشر مواد بلغات أخرى غير الفارسية. [5]
هذا جزء من جهد ممتد ومنهجي وممنهج للقادة الإيرانيين لإخضاع واستيعاب الأقليات غير الفارسية قسرًا داخل إيران، التي شجعت ثقافة التفوق الفارسي والإجحاف والعنصرية العلنيين ضد الأحواز والأقليات العرقية الأخرى التي ترفض التخلي عن تراثها الثقافي واللغوي.
لم تبدأ هذه الجهود بشأن التجانس الثقافي القسري في ظل النظام الثيوقراطي الحالي، ولكنها تعود إلى ما لا يقل عن قرن من الزمان، حيث عكست الأيديولوجيات الأوروبية الاستعلائية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل حتى وسط القرن العشرين والتي نشرتها الفتوحات الإمبراطورية في ذلك العصر وتبناها بحماس الحكام الفارسيون في ذلك الوقت.
كان لتبني هذه الأفكار بشأن الأجناس المتفوقة والدنيا، خصوصًا إجلال الجنس “السيد” الآري المتفوق المفترض، تأثير سام في بناء أسطورة التفوق الفارسي، والتي لا تزال قوية اليوم.
على أثر هذا وعلى جميع الأصعدة من حياة الشعوب المهمشة سياسيًا واجتماعيًا في ايران، النظام الايراني يعزز اللغة الفارسية في الإعلام والتعليم، ومن ثم يعزز رسالة التفوق الفارسي، في حين يتم تصوير ثقافة الأقليات واللغات الأخرى على أنها بالفطرة في أدنى مرتبة. اختص الفن والأدب والإعلام بالاحتفاء بالثقافة الفارسية فقط، بينما أهمل الأحواز والأكراد والبلوش والأقليات الأخرى ويعاقب من يحاول التشبث بثقافته وهويته. [6]
أُجبروا على التخلي عن التراث الثقافي
كل هذه العوامل تعني أن أي شخص في إيران يرغب في السعي لمهنة ناجحة وتجنب الإذلال والتهميش والفقر يجب أن يعكس الثقافة الفارسية المهيمنة، ويتواصل بالفارسية فحسب، ويفضل بلكنة فارسية “نقية”. الأحواز والأكراد والبلوش والأتراك، الذين لدى كل منهم لغة وثقافة مميزة خاصة بهم، يجب أن يتخلوا كليا عن تراثهم الثقافي وحتى لهجاتهم للوصول الى أمل في النجاح الأكاديمي أو المهني، وأي تعبير عن الفخر بتراثهم يجعلهم عرضة للسخرية والإذلال والخزي الاجتماعي. [7]
من المفهوم أن يؤدي هذا إلى الاستياء والتوترات بين الأغلبية الفارسية والأقليات العرقية في البلاد. عندما يكون السلام والوئام في المجتمعات المتعددة الأعراق، كما تشير اليونسكو، مشروطًا بقبول التنوع اللغوي، فإن التجانس اللغوي القسري لا يمكن إلا أن يؤدي إلى الخصومة والعداوة.
تبدأ هذه السياسة العنصرية بعمق في مرحلة الطفولة، حيث يجبر تلاميذ المدارس على التعلم باللغة الفارسية فقط، ويهانون ويعاقبون بشكل دوري لتحدثهم بلغتهم الأم، حتى لو كانت هي اللغة الوحيدة التي نشأوا على التحدث بها. [8]
ومن المفارقات أن العديد من القادة الإيرانيين قلقون، فيما يبدو، من أن التعددية اللغوية قد تتحدى سيادتهم وتضعف وحدة أراضي الدولة، مما يؤدي إلى تفكك إيران في نهاية المطاف، إلا أن العديد من المفكرين والناشطين من الأحوازيين والأكراد والبلوش والأتراك يجادلون بأن التصلب ورفض قبول تنوع الثقافات داخل إيران هو بالتحديد ما يرجح أن يؤدي إلى دعم أقوى للنزعة الانفصالية بين الأقليات وتفكك البلد إلى دول أصغر.
يشير الناشطون من الأقليات العرقية في البلاد إلى أن اللغة الأم هي ظاهرة ثقافية تأسيسية تشكل أولاً تصورات الأطفال للعالم من حولهم وتساعد في تشكيل كل جانب من جوانب شخصياتهم، من سلوكهم وأنماط التعلم إلى نموهم الفكري. [9]
بيئة تعليمية معادية للأطفال
بالإضافة إلى ذلك، يواجه العديد من الأطفال من خلفيات الأقليات في إيران صعوبات في الانتقال من التعلم والسماع والتحدث بلغة واحدة في منزلهم ومجتمعهم – سواء كانوا من العرب أو الأكراد أو الأتراك أو البلوش – إلى التعلم فقط بلغة غريبة مختلفة في المدرسة، حيث يحظر على الأطفال التحدث أو التعلم بأي لغة سوى الفارسية.
هذا من شأنه أن يكون مرعبًا بما فيه الكفاية للبالغين، لكن بالنسبة للأطفال، لا سيما أولئك المنحدرين من خلفيات أقليات عرقية محرومة، حيث نادرًا أو لا يحدث أبدًا التحدث بالفارسية في البيئة المنزلية، يمكن أن يكون ساحقًا، خصوصًا في بيئة تعليمية معادية يقوم فيها اختصاصيون تربويون بالتعصب والتمييز العنصري ضد ثقافات ولغات الأطفال بشكل طبيعي ومنهجي. [10]
بالنسبة لأولئك المهمشين بالفعل، الأطفال، فإن رفض السلطات التعليمية الإيرانية السماح لهم بالوصول إلى التعليم بلغتهم الخاصة والنضال لإتقان لغة غريبة أخرى في بيئة تعليمية معادية، أمر قد لا يطيقه الجميع، باستثناء الأكثر تصميمًا وتحملاً، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب التعليمي وانتشار الأمية بين الأقليات، التي تصبح أكثر تهميشًا وغير قادرة على التنافس مع الأقران المؤهلين أكاديميًا من الأغلبية الفارسية في سوق عمل تنافسي للغاية، خاصة بالنسبة للوظائف التي تتطلب مهارة. هذا يحصر الأقليات العرقية في دائرة من الحرمان والفقر والاستياء. [11]
تؤيد الإحصائيات ذلك، حيث يتخلى ثلث التلاميذ الأحوازيين عن التعليم بدوام كامل في المرحلة الابتدائية، بينما يتخلى ثلث الباقين عن التعليم في الوقت الذي يصلون فيه إلى المدرسة الثانوية. في نهاية المطاف يحصل تلميذ واحد من كل أربعة تلاميذ أحوازيين على شهادة الدراسة الثانوية، في حين أن هناك عددًا من الأسباب الأخرى لانخفاض مستويات التحصيل الدراسي بين الأقليات، بما في ذلك فقر الأسرة ونقص المدارس والمواد التعليمية وضعف التدريس، فإن الإصرار على نظام تعليم أحادي اللغة بالفارسية هو سبب رئيسي لمعدلات التسرب. ووصف عبدالحسين مقتدايي، وهو محافظ سابق لمنطقة الأحواز، نظام التعليم أحادي اللغة المفروض بالفارسية على أنه سبب رئيسي لمعدلات التسرب العالية من التعليم في محافظات الأقليات “ثنائية اللغة”، داعيًا إلى مراجعة جذرية للنظام للسماح لهؤلاء الأطفال بفرصة للخروج من هذه الدائرة؛ وبينما تم استبدال مقتدايي منذ ذك الحين، يبقى النظام التعليمي بدون تغيير. [12]
وضع الأطفال في وضع مؤذٍ
يشاهَد هذا النمط أيضًا بين الأقليات العرقية واللغوية الأخرى في إيران؛ حيث يتعرض الطلاب من جميع الأقليات في البلد، الذين لديهم ست لغات متميزة فيما بينهم، لضرر فوري منذ البداية من قبل نظام تعليمي يرفض رفضًا قاطعًا الاعتراف أو استيعاب لغات أخرى غير الفارسية في مناهج التدريس؛ فبينما يمكن للأطفال تعلم اللغة الإنجليزية أو الروسية كلغة أجنبية لا يمكن تعليمهم بلغاتهم الأم.
هذا النظام أحادي اللغة هو أحد الأمثلة الصارخة على السياسة غير الرسمية الممتدة والمعترف بها على نطاق واسع للقيادة الإيرانية، والتي تتمثل في محاولة استيعاب الأقليات بالقوة والقضاء على ثقافاتهم ولغاتهم المميزة، حتى أثناء إخضاعهم للعنصرية الممنهجة. في الواقع، هذا جهد تبذله الدولة للقضاء على كل الهويات والثقافات الأخرى غير الإيرانية الفارسية، مع محاولة قتل اللغة هذه ببساطة كجزء من جهد ممنهج أوسع نطاقًا للإبادة الثقافية، في حين رفضت أجيال من الأحوازيين والأذريين والأكراد والبلوش والأقليات الأخرى هذا، متشبثين بتراثهم الثقافي الممتد كجزء أساسي من هويتهم، إلا أن حرمان الأقليات من فرصة التعلم بشكل صحيح لقراءة وكتابة لغاتهم الأم في بيئة أكاديمية أدى إلى أزمة هوية بين الكثيرين؛ وفي نفس الوقت فإنهم يكافحون ضد لغة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها عدائية يفرضها محتلون ومستعمرون مستعلون يعاملونهم بازدراء، فالأقليات لديها أسوأ ما في العالمين، وهو المزيد من تهميشهم أكاديميًا واجتماعيًا.
هذه المشاكل أيضا تُفقر اللغات نفسها؛ فأي لغة لا يتم الحفاظ عليها وتحديثها باستمرار من خلال التعليم والتوجيه الثقافي تصبح أكثر فقرًا وأقل قدرة على التكيف مع عالم سريع التغير؛ ويشك الكثيرون في أن هذا هو الهدف النهائي لسياسة التعليم أحادي اللغة التي يتبعها الحكام الإيرانيون، بحيث يرون في نهاية المطاف لغات الأقليات هذه تتلاشى في خضم الغموض، تاركة الأقليات بلا خيار لغوي سوى الفارسية.
على الرغم من جهود الحكام الإيرانيين المتعاقبين، تظل أقليات إيران فخورة بحق بتراثها وثقافاتها ولغاتها الفريدة، تمامًا كما يفخر الإيرانيون من العرقية الفارسية بما لديهم.
يؤكد العديد من الناشطين الآن أنه في القرن الحادي والعشرين لم يعد بوسع القيادة في طهران تعزيز هذه السياسة العتيقة والعنصرية بشدة تجاه الأقليات، والتي لا تسعى فحسب لتجريد الأقلية – التي تعاني منذ فترة طويلة – من الكرامة واحترام الذات بالذريعة الوضيعة بشأن الحفاظ على سلامة الأراضي، ولكنها تنتهك أيضًا شروط العهد الدولي للأمم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والذي وقعت عليه إيران. [13]
اللغة الأم من منظور قانوني
وفقًا للمادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، “لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم”.
اعتمد النظام الإيراني السابق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1976، مع استمرار النظام الحالي – الذي تولى السلطة في أعقاب “الثورة الإسلامية” في عام 1979 – في التمسك به وفقا للقانون الدولي. [14]
المشكلة الأساسية التي يواجهها الناشطون الذين يحاولون ضمان احترام هذا التشريع هو أن الفقهاء الإسلاميين الذين يحكمون الآن في كل جانب من جوانب القانون في إيران يعارضون بشدة أي جهد لضمان حصول الأقليات في البلاد على التعليم بلغاتهم الأم، حيث يضعون الدستور الثيوقراطي الخاص بالنظام فوق متطلبات القانون الدولي. رد النظام على الاحتجاجات السلمية للناشطين في اليوم العالمي للغة الأم، والتي تحث القيادة على السماح للأطفال بهذا الحق الأساسي، بإلقاء القبض على الناشطين وسجنهم على أنهم “تهديد أمني”. منع النظام إنشاء أكاديمية لغات لتدريس اللغات غير الفارسية، ويدعي بشكل دوري أن أي جهد لتأمين الحقوق التعليمية للأقليات، التي تشكل مجتمعة حوالي نصف السكان الإيرانيين، هي “مؤامرة إنجليزية” لزرع الفرقة العرقية بين شعوب إيران. [15]
يرد فقهاء النظام عادة على الشكاوى حول هذا الظلم من خلال الاستشهاد بالمادة 15 من دستور الجمهورية الإسلامية الذي صيغ عام 1979. في حين أن هذه المادة تنص على أنه يجب تدريس اللغة الفارسية في مدارس البلاد، إلا أنها تنص أيضًا على أنه يمكن تعليم لغات الأقليات الأخرى إلى جانبها. في رفضهم لأي مطالب بالحقوق التعليمية اللغوية المتساوية للأقليات، يستند الفقهاء في حجتهم على النقطة الدلالية اللغوية بأن، وفقًا للمادة 15، اللغة الفارسية إلزامية لكن اللغات الأخرى اختيارية. [16]
كما توفر المادة 15 للفقهاء المزيد من المساعدة بالنص على أنه في حين أنه من الممكن للطلاب تعلم لغات الأقليات، فإن هذا لا يعني أن المدارس يمكن أن توفر دروسًا مقدمة بتلك اللغات أو بأي لغة سوى الفارسية، كما تنص على أن الأطفال من الأقليات اللغوية لا يمكنهم تلقي جميع دروسهم بلغاتهم الأصلية، ولكن يمكن أن يكون هناك فصل واحد مخصص لدراستها ما دامت لغة الأقلية المعنية تعرف بأنها “لغة أجنبية”.
وهناك طريقة أخرى تستخدم لجعل التعليم بلغات الأقليات غير الفارسية أمرًا صعبًا وهي نقص الكتب والمواد الدراسية المناسبة؛ وتلك التي تقدمها السلطات التعليمية في البلد تكون مكتوبة بشكل سيئ وتبدو غامضة بشكل متعمد، فضلاً عن كونها مليئة بالأخطاء. يميل المعلمون الفرس الذين يقومون بتدريس هذه اللغات إلى القيام بذلك بطريقة لا مبالية وفاترة، ويعبرون عن ازدرائهم لما يعتبرونه لغات أدنى من اللغة الفارسية، حتى أثناء زيادة الضغط على التلاميذ للأداء بشكل جيد في الامتحانات النهائية؛ هذا، بالطبع ، مستحيل عمليًا دون مساعدة خارجية، مما يجعل التلاميذ يناضلون ويتخلون ببساطة عن دراساتهم.
العنصرية في الفصول الدراسية
العنصرية تجاه الأقليات توجد في التعليم كما هو الحال في جوانب أخرى من الثقافة الإيرانية، حيث يشجع النظام هذا بنشاط، إن لم يكن ذلك بشكل رسمي، من خلال نشر القوالب النمطية العنصرية الفظة والمهينة بحق الأحوازيين والأذريين والأتراك والأكراد والبلوش والأقليات الأخرى في وسائل الإعلام؛ وحيث إن جميع وسائل الإعلام تخضع لسيطرة الدولة بشكل صارم، فهذا أمر متعمد بالكامل. يتعرض الأطفال من الأقليات العرقية في المدارس للسخرية من المعلمين وغيرهم من العاملين الفرس بالمدارس بسبب لكناتهم وفارسيتهم المنطوقة “غير المتقنة”، فضلاً عن تعرضهم للسخرية باستخدام الصور النمطية المهينة. هناك شكوى عامة يتفوه بها المعلمون الفرس، وهي أن اللهجات واللكنات المحلية لأبناء الأقليات تدمر “الحلاوة” المفترضة للهجة الفارسية.
هذا الإذلال الصارخ القاسي وتلك العنصرية اللذان تعبر عنهما علانية وسرًا كلمات المدرسين وسلوكهم من الواضح أن لهما مفعولًا تجاه التأثير على آراء الأطفال الضعفاء أصلاً، الذين يشعرون بأنهم مجبرون، خاصة مع تقدمهم في السن، على السعي لإخفاء هويتهم العرقية إذا كانوا يرغبون في الحصول على فرصة للنجاح اجتماعيًا أو مهنيًا.
كما يدعي مسؤولو النظام والسياسيون بشكل دوري أنه بالإضافة إلى التهديد المفترض لسلامة أراضي إيران، فإن توفير أي تعليم يتعلق بلغات الأقليات سيخفف إلى حد ما من “نقاء” اللغة الفارسية ويؤدي في النهاية إلى زوالها، بالإضافة إلى كونها حجة غير قابلة للتصديق، فإن هذه النقطة تظهر أيضًا تطبيق نفس المسؤولين والسياسيين معيارًا مزدوجًا على لغتهم ولغات الأقليات، فيشعرون على ما يبدو أنه يجب على الأقليات ببساطة قبول استئصال لغاتهم وثقافتهم لصالح الأغلبية ذات العرقية الفارسية.
في حين أن القيادة الإيرانية تدرك تمامًا أن رؤية الشاه رضا بهلوي التي عفا عليها الزمن من الحقبة الاستعمارية لتكوين دولة متفوقة عرقية موحدة في ظل شعب ولغة (فارسيَين)، والتي لا يزال النظام الحالي يتبعها ولو بشكل غير رسمي، لن تنجح أبدًا، وأن الأقليات في البلدان ستواصل رفض التخلي عن تراثها الثقافي واللغوي، إلا أن النظام يرفض نبذ هذه العقلية أو قبول أي تسوية مع الأقليات في البلاد، وبدلا من ذلك يضاعف وحشيته ردا على أي طلب للحصول على أبسط الحقوق الأساسية.
يبدو أن النظام لا يستطيع أو لا يرغب في فهم أن اللغة الفارسية لن تتعرض للخطر من خلال السماح بتعليم الأطفال بلغتهم الأم. في الواقع، من المحتمل أن يتم تعزيزها، مثل اللغات الأساسية في الدول الأخرى متعددة اللغات. وبدلاً من ذلك، فإن رفض السماح بالتعليم بلغات الأقليات يعزز ببساطة الاستياء بين الأقليات والذي هو أكثر إثارة للانقسام والأكثر ترجيحًا لتعزيز دعم الانفصالية مما قد تفعله أي تسوية.
مواقف استعلائية عفا عليها الزمن
الوضع الحالي في إيران، في ظل نظام يعيد إلى الأذهان الاستعلاء الاستعماري الذي عفا عليه الزمن، يعني أن الأجيال الشابة على نحو متزايد بين الأحوازيين والأتراك والكرد والبلوش والتركمان وغيرها من الأقليات في البلد ترفض جميع جوانب الثقافة الفارسية التي يرونها معادية وقمعية، خاصة عندما ترفض الاعتراف بتراثهم الثقافي واللغوي المميز.
فبدلاً من المساعدة في توحيد الأقليات تحت القيادة الإيرانية، فإن عدم الحساسية الثقافية هذه والعنصرية الصريحة يتسببان في الاستياء الذي يسهم في التهميش والانقسام والمشاعر الانفصالية المتنامية.
في الختام، إذا رفضت القيادة الإيرانية منح الأقليات في إيران الحق الأساسي في التعليم بلغاتها، امتثالا لتشريعات الأمم المتحدة التي وقعت عليها، ينبغي على الأمم المتحدة أن تدرس تعليق عضوية إيران وتحظر مشاركة النظام في أنشطة الأمم المتحدة لحين يُحل هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الناس وكرامتهم، السماح باستمرار هذا الوضع دون اتخاذ أي إجراء لمعاقبة هذا الظلم الجسيم يشكل انتهاكا للقيم التي تمثلها الأمم المتحدة.
رحيم حميد صحفي أحوازي مستقل ومدافع عن حقوق الإنسان يكتب عن محنة مجتمعه – الأحوازيين – وجماعات عرقية أخرى في إيران. نشر مقالات في العديد من وسائل الإعلام المعروفة مثل هافنغتون بوست وديلي تليغراف وذي ديلي كولر وإنترناشونال بوليسي دايجست ومجلة فوكال يوروب.
المصادر:
[1]: http://www.un.org/en/events/motherlanguageday /
[2]: https://rayharris57.wordpress.com/category/education/bilingual-education /
[3]: http://www.devpolicy.org/international-mother-language-day-20180221/
[4]: https://news.un.org/en/story/2017/02/551942-multilingual-education-absolutely-essential-unesco-chief-says-mother-language & https://en.unesco.org/indigenous-peoples/culture
[5]: https://clarionproject.org/iran-stamp-non-persian-languages/
[6]:https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/00210862.2016.1118949?src=recsys&journalCode=cist20
[7]: http://www.ahwazmonitor.info/articles/iranian-regimes-cultural-genocide-ahwaz/
[8]: https://www.countercurrents.org/hamid200416.htm
[9]: https://www.radiozamaneh.com/326237
[10]: https://tbinternet.ohchr.org/Treaties/CRC/Shared%20Documents/IRN/INT_CRC_NGO_IRN_19735_E.pd
[11]: http://unpo.org/article/19590
[12]: https://www.radiozamaneh.com/314548
[13]: https://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/ccpr.aspx