الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024
دراساتقِراءةٌ في انتفاضة الكرامة الأحوازية الثانية: 28 مارس 2018

قِراءةٌ في انتفاضة الكرامة الأحوازية الثانية: 28 مارس 2018

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

الانتفاضة هي نوع من أنواع الرفض للوضع الموجود أو المفروض، وهي تحتاج إلى توَّفر الظروف الذاتية والموضوعية، وهما الظرفان اللذان يحددان قوة تأثير الانتفاضة، وتلتحق أسباب أخرى إلى هذين الظرفين لتندلع نحو الهدف الذي انطلقت لأجله. الانتفاضة بشكل عام تندلع نتيجة عدة عوامل مساهمة ومؤاتية، وليس بالضرورة أن تكون عواملَ إيجابية بل أحيانا العوامل السلبية هي التي تدفع الجمهور للانتفاضة لنيل أهداف معينة أو إيقاف إجراءات يرى الجمهور ينبغي إيقافها.

الانتفاضة قد تكون عفوية أو مخطط لها بشكل من الأشكال مِن قِبَل قوى اجتماعية فاعلة، ولكن حتى تلك الانتفاضة العفوية سُرعان ما تتخذ طابعًا منظمًا عندما تتبناها القوى الاجتماعية الفاعلة، وهنالك شروط تتميز بها الانتفاضة عن غيرها من أنواع الكفاح مثل؛ الهبَّة، والعصيان، والاحتجاج، والمظاهرة، والاعتصام، والإضراب، والثورة وغيرها من أنواع الكفاح.

الأحواز المحتل شهد منذ عام 1925م عدة انتفاضات ونضالات وثورات، ومن خلالها أعلن الشعب الأحوازي رفضه للاحتلال والاستعمار الجاثم على كرامته وحريته ومصيره، وهنا يحاول الباحث أن يتطرق إلى انتفاضة الكرامة الثانية (مارس 2018) التي اندلعت في أرجاء الأحواز لأسباب وجودية ووطنية.

تحديد مفهوم الانتفاضة

كثير ما يحدث أن تتداخل مفاهيم النضالات، فأحيانًا كثيرة يضفون مفاهيم وعناصر الثورة إلى مفاهيم الانتفاضة، وكذلك مفاهيم النضالات الأخرى، لذا من الضروري فهم مفاهيم وحدود كل أنواع النضالات الشعبية المنظمة.

الانتفاضة لها ظرفها ومحدداتها وكذلك زمنيتها المحددة: الانتفاضة بمعناها الحقيقي مرهونة بفترة زمنية معينة يتم فيها قطف ثمرة النضالات التي خيضت تحت رايتها، فاستمرار الانتفاضة زمنا طويلا أمر شبه مستحيل لأن ذلك يرهق الحياة ويعطل سيرها المعتاد (١). كما يلاحظ أن الانتفاضة تخضع لزمنية معينة وأهداف معينة، ثم تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي.

تاريخ الانتفاضات في الأحواز

التاريخ الأحوازي يزخر بالانتفاضات الشعبية التي انطلقت شراراتها في أرجاء المدن الأحوازية وحتى شملت الأرياف والقرى البعيدة عن العاصمة، وهذا كان لدلائل خاصة نظرًا للبئية الثقافية والطبيعية للشعب الأحوازي، حيثُ أنه انفرد بكثرة الانتفاضات والاحتجاجات، وقد اعترف من كبار المسؤولين في طهران عن احصائية تفيد أن عام 2017م نُظِّمت أكثر من 700 احتجاج، ووقفة، وانتفاضة في الأحواز، وهذا لا شك بسبب الوضع المزري الذي فُرِضَ على الشعب الأحوازي، ومن جانب آخر يظهر نسبة الوعي الذي يتمتع به الشعب الأحوازي رغم أن أكثر الانتفاضات ردعها النظام الإيراني بالقوة والعنف الشديدين، حيث أنه ينتزع كل مظاهر الحرية من الشعب الأحوازي للبوح عن هواجسه، بل الأحكام الجائرة كانت ترافق كل الانتفاضات، غير أن الشعوب الحية والفعالة لا تتوقف بل نظرا لاقتضاء الضرورة تنتج قوى جديدة تكافح الاضطهاد والتعسف حتى تنول حريتها وتستشرف على مصيرها الذي هي رسمته لنفسها بنفسها.

يمكن الإشارة إلى باكورة الانتفاضات الأحوازية الملهمة وهي الانتفاضة النيسانية عام 2005م والتي بدلت جميع المفاهيم النضالية للشعب الأحوازي، وأدخلت الإنسان الأحوازي في مرحلة جديدة قد كان يحتاج لأعوام لاجتيازها، فالانتفاضة كانت شاملة حيث أنها اقتربت من مقاييس الثورة لو لا عدم توفر بعض الشروط الموضوعية والذاتية وأيضا غياب المركزية السياسية-القيادية والقوى الفاعِلة الـمُنَظَّمة والـمُنَظِّمة.

أنواع الانتفاضة

هنالك أنواع الانتفاضات نظرًا لأنواع الأهداف والغايات والمحددات والمستويات، فيها ما هو شامل على صعيد الوطن بأكمله، وفيها ما هو على صعيد مدينة أو أحياء محددة، وهذا التقسيم يرتبط بمكانية الانتفاضة، وكلما كانت الانتفاضة تحمل مفاهيم ورؤى واسعة إزداد تقبل المواطنين لها، وكلما ضاقت المفاهيم والرؤى ضاقت أيضا حلقات المشاركة الشعبية.

وهنالك انتفاضات انطلاقتها تكون نقابية مثل: انتفاضة ينظمها العُمّال أو المعلمين أو جمعيات فلاحية وغيرها من القوى الفاعلة في المجتمع، رغم أن النظام الإيراني يمنع منعًا باتًا هكذا نقابات وجمعيات خوفًا من أي تقدم للقوى التقدمية والبنّاءة ولكن يطلق السراح للحلقات الرجعية المتمذهبة والجهات التي تقدس النظام الذي تأسس لقتل الإنسان وكرامته.

فلأجل أن تحرز الانتفاضة النجاح ينبغي أن تستطيع أن تجتر الشعب الأحوازي من خلال اقناعه بفكرتها التقدمية والناجعة، ومدى ضرورة هذه الانتفاضة لتعم أرجاء الوطن وجميع الطبقات المجتمع.

أسباب اندلاع الانتفاضة

الحديث عن أسباب الانتفاضة يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر وكذلك من انتفاضة إلى أخرى، فالأسباب بكل أنواعها هي أسباب رافضة للوضع القائم سواء كان سياسيًا أم اقتصاديًا أو أي سبب آخر، وعندما تتوفر الظروف المجتمعية ستندلع الانتفاضة بالقوة والتأثير اللذين ترافقهما، وكلما كان سبب الانتفاضة عامًا وشاملًا يزداد عدد مشاركة الناس في الانتفاضة، وغالبًا ما الأسباب سياسية وبخاصة في المجتمع الأحوازي حيث يعيش غليان الانتفاضات منذ عام 1979م.

قبل هذا التاريخ كان يظهر الرفض على شكل نضال قهري غير منظم، والأسباب المرحلية التي دفعت القوى أن تتحرك يمكن الإتيان بها حسب ماهيتها: وطنية-ترابية، سياسية، اقتصادية.

الترابية: حدثت عدة انتفاضات بسبب سلب أراض من الأحوازيين لصالح شركات قصب السكر أو مشاريع تديرها الحكومات الإيرانية لصالح المستوطنين والتي لا ينتفع منها الإنسان الأحوازي بل يعاني بسببها أنواع الظلم والاضطهاد. فيمكن الإشارة إلى انتفاضة الأرض في قرى السويسة التابعة لمدينة الأحواز والتي اندلعت بسبب سلب أراضي المواطنين لصالح شركة قصب السكر الاستعمارية وقد سقط أكثر من خمسة من الأحوازيين الذين سلبت الشركة أراضيهم. وكذلك انتفاضة عام 2005م.

السياسية: اندلعت انتفاضة الكرامة الأولى بعد أن أهان الرئيس الأسبق للنظام الإيراني هاشمي رفسنجاني الشعب الأحوازي، وقد خرج الشعب الأحوازي يدافع عن كرامته المهدورة في ظل احتلال لا يتوانى لحظة في تشويه هويته.

اقتصادية: كما في مستهل التطرق تمت الإشارة إلى أنَّ لكل بلد أسبابه للانتفاضة، والشعب الأحوازي لم يشذ عن القاعدة. بما أن الظرف التاريخي الذي يعيشه الشعب هو ظرف خاص، فالاحتلال دأبه محو طمس هوية الشعب الأحوازي، ولهذا أولويات الشعب في الكفاح أصبحت الهوية وما يرتبط بها، لذا لم ينتفض الناس لأجل قضايا اقتصادية بل الاقتصاد دائما كان موضوع ثانوي رغم الفقر المدقع الذي يعيشه الشعب الأحوازي نتيجة البطالة والتفقير الممنهج. 

توقيت الانتفاضة

للانتفاضة توقيت معين تندلع فيه بعد أن تتراكم الأسباب والعوامل التي تجعل الانتفاضة ضرورة لا بُدَّ منها، فالتوقيت المناسب ركيزة مهمة لا ينبغي القفز عليها، فليس دائمًا يمكن أن يعوَّل على خروج الناس. وعلى النشطاء والمناضلين دراسة إمكانية اندلاع الانتفاضة، أي؛ دراسة الشروط الذاتية وكذلك دراسة الظروف الموضوعية، فليس القصد هو مجرد اندلاعها، بل ينبغي تكون بالوقت المناسب لكي لا تُحبَط من خلال العنف الذي تمارسه السلطات، وكلما كان التوقيت مدروسًا ومناسبًا تزداد نسبة نجاح الانتفاضة في اجترار الناس إلى الشارع وتبَّنيها للانتفاضة، وإلا ستخفق الجهود الرامية للتغيير المنشود الذي يؤمل أن يحدث بعد اندلاع الانتفاضة.

التآمر لإفشال الانتفاضة

الانتفاضات كانت ومازالت ترهب السلطات المستبدة والاستعمارية، وتخشى من اتساع رقعة الوعي من الانتفاضة إلى الثورة، لذا يتم التخطيط للقضاء على أي بوادر تنمي وعي الشعب الثائر من خلال القضاء على المنظمين لهذه الأعمال، لذا من باب الحرص على الثوَّار ينبغي أن تكون التنسيقات سرية للغاية وأن لا تُهمل أي نقطة تزيد من سلامة الثوار.

جهاز المخابرات والأجهزة المرتبطة به لا شك أنها تعمل على دس العناصر لتشتيت الانتفاضة والمنتفضين؛ بكل السبل التي تتاح لها، سواء كان بواسطة الاستخدام المفرط للعنف أو بواسطة دس العناصر التي تختلط بالثوَّار والمنتفضين لإفشال الانتفاضة بالطرق التي تدربوا عليها مثل:

  1. طرح أهداف وشعارات لا تتناسب وأهداف الانتفاضة المرحلية.
  2. إعطاء الذريعة لجهاز المخابرات لضرب الانتفاضة.
  3. القيام بأعمال فوضوية تبعد الناس عن الانتفاضة.

ولهذا ينبغي يتم التنسيق المسبق لكل حي بواسطة عناصره الثورية ذات الكفاية التنظيمية العالية لإدارة الانتفاضة في المنطقة المعينة. وينبغي أن يُضاف هنا أنه ليس كل الأعمال المذكورة أعلاه تبادر بها العناصر الدخيلة بل أحيانًا تبدر من أشخاص ينتمون للشارع ولكن تطغى عليهم الفوضوية.

انتفاضة الكرامة الأحوازية الثانية

اندلعت انتفاضة الكرامة الثانية مارس 2018م بعد تراكمٍ دام سنين لينفجر في وجه السياسات الاستعمارية التي تتخذها الأنظمة الإيرانية منذ عام 1925م، فالانتفاضة تفجرت بعد أن توفرت الشروط الذاتية اللازمة، ويمكن الإشارة إلى الاحتجاجات التي خرجت للتنديد بسلب الأرضي الزراعية من أهالي قرى الجليزي شمال الأحواز، فهذه الاحتجاجات خرجت في جمعتين متتاليتين في حي الثورة في العاصمة.

هذه الاحتجاجات كانت الشرارة الأولى لانتفاضة الكرامة الثانية بعد سُباتٍ طال قرابة عقد من الزمن.

انتفاضة الكرامة الثانية انطلقت بعد تراكمات الاضطهاد التي عاشها الشعب الأحوازي، وقد تبلورت أسباب اندلاع الانتفاضة في العمل اللاإنساني الممنهج الذي قامت به إحدى القنوات الرسمية الإيرانية في حذف الوجود العربي من خارطة الأحواز. انتفاضة الكرامة شملت أكثر المدن الأحوازية، بعد أن اندلعت في الأحواز العاصمة، وبالذات في سوق الناصرية المركزي وأمام مبنى الإذاعة والتلفزيون.

الشِعارات في الانتفاضة الكرامة الثانية

الشِعارات المستخدمة في حراكٍ ما تفسر المستوى الثقافي والحضاري لهذا الحراك، وكذلك تفسر أهداف الحراك، ومن المفترض أن تمثل هواجس المجتمع، ولكن أحيانًا كثيرة تشذ بعض الشعارات بطروحاتها الثقافية والسياسية السلبية، سواء كانت بشكل اعتباطي وعفوي من قِبل جهات تنتمي للشارع ولكنها تفتقد الوعي اللازم أم بشكل ممنهج من قِبل جهات معينة مرتبطة بجهاز الاستخبارات لتقويض الانتفاضة.

توجد علاقة مباشرة بين الشعارات التي يطلقها المنتفضين ومستوى الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي، حيث أنها مرآة لهذا المستوى، و كلما كانت الشعارات تواكب العصر وتناسب المجتمع تزداد نسبة نجاعة هذه الشعارات.

الشِعارات التي أطلقها المتظاهرون في الانتفاضات الأحوازية غالبًا ما كانت مشابهة في كل الانتفاضات، وهذا مما لم ينتبه له الفاعلين في الانتفاضات، فالانتفاضة والثورة إبداع وتقدم وتغير مستمر نحو الأفضل. لكن هذه الشعارات في هذه الانتفاضة تتميز بالتهذيب الثقافي والسياسي والاجتماعي ولم يتخللها البذائة والركاكة، وكذلك اعتمدت اللغة العربية وهذه ميزة إيجابية دائما ترافق الانتفاضات الأحوازية. فالشعارات تأتي على حسب كثرة الاستخدام:

  1. بالروح بالدم نفديك يا أحواز.
  2. أحواز حرة حرة والمحتل يطلع بره (٢).
  3. أم الشهيد تنادي الأحواز عز بلادي.
  4. حقنا نريده ولا نعطيه.
  5. أرادونا أن نَذُل ولكن لم نذل. (رادونا نذل، ما ذلينا).
  6. الأحواز العربي لا للوجود الأجنبي.
  7. كوفية العز فوق الهامة.
  8. لن أدع العام ينساني، أحوازي ويعرب عنواني. (ما أخلي العالم ينساني، أحوازي ويعرب عنواني).

كما يلاحظ من الشعارات أن أكثرها شعارات هووية ووطنية، وأن أهدافها واضحة الدلالة، غير أنها تعاد منذ انتفاضة عام 2005م، وهذا مما ينبغي أن ينتبه إليه الفاعلين في الحراك الثوري، ومما يستحسن قوله إن الشعارات ينبغي أن تواكب التقدم في العالم من حيث المضمون والفكر، وأن تحمل طابع الإبداع الثوري الإنساني وأن تتناسب وأهداف المرحلة دون تقليدية وسبات فكري.

إرشادات للمنتفضين

من المستحسن أن يتبع المتظاهرون إلى الإرشادات التي تطور من المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي للانتفاضة:

  1. الشِعارات ينبغي أن تظهر أهداف الانتفاضة.
  2. لا ينبغي أن لا تحمل إهانات أو إساءة للشعوب الأخرى.
  3. الإبداع في الشعارات وعدم إعادة إنتاج الشعارات القديمة والتقليدية.
  4. الابتعاد عن مدح شخصيات سياسية أو أحزاب معينة.
  5. الابتعاد عن الشعارات غير الشاملة وغير المتفق عليها.
  6. حفظ الاستقرار والتماسك بين المنتفضين وعدم التشتت لأنه هكذا يسهل اعتقال الأشخاص الذين ينفردون عن المسيرة.
  7. توثيق مسيرات الانتفاضة لأنها جزء من التاريخ السياسي_الثقافي.
  8. التأكيد على سِلمية الانتفاضة وحدود أهدافها.
  9. تنظيم صفوف المسيرة وإعطاء النظم لها توخيًا من الفوضى.

الانتفاضة والرأي العام

الرأي العام المؤيد للانتفاضة هو من أسباب ضمان النجاح المعنوي للانتفاضة-على الأقل- فلا يمكن لأي مبادرة تبتغي التغيير والإصلاح أن تنجح دون تأييد الرأي العام أو تحشيده لصالح هذا التغيير الذي هو بذاته لصالح الشعب خصوصًا ولصالح البشرية عمومًا، فالرأي العام الداعم هو وقود استمرارية الانتفاضة وبلوغ أهدافها المرحلية.

مدى تأثير وفاعلية الرأي العام تختلف نسبته باختلاف مستوى وعي الشعوب وكذلك نوع الحكومات التي تواجه الرأي العام وبرأي لويد جنسن: “أن الرأي العام ليس من العوامل المهمة المؤثرة في السياسة الخارجية في الدول التسلطية” وهذا القول يصدق إلى حدٍ بعيد نظرًا للتجارب التي تمر بها الشعوب المقهورة، والتي غالبًا هي شعوب غير متقدمة، فيشرح الكاتب ذاته: “أما في الدول النامية، فإنَ الرأي العام ضئيل، وسبب ذلك هو افتقار الرأي العام إلى المعلومات، وإلى ارتفاع نسبة الأمية في تلك الدول” وما ذكره لويد جنسن جانب أسباب عدم فاعلية وتأثير الرأي العام في بلدان معينة، غير أن هذا الرأي لا يمكن تعميمه علي كل الحالات والتجارب (٣). بل إذا استمرت الانتفاضات بوعي في ضم الناس إليها ستكون ذا تأثير على سلوك الأنظمة مهما بلغت وحشيتها.

الرأي العام

يمكن تقسيم الرأي العام إلى أربعة أقسام حسب الانتشار الجغرافي: الجزئي، والوطني، والإقليمي، والعالمي.

  1. الرأي العام الجزئي والذي يخص مجموعة من الأحياء أو المدن أو محافظة حول أهداف واعية معينة والتي غالبًا تكون بدرجة أقل من الأهمية بالنسبة لأهداف الرأي العام الوطني.
  2. الرأي العام الوطني والذي يشمل الشعب والدولة بشكل عام وأهدافه غالبًا ما تخص مصالح الشعب بأكمله، وأيضًا الرأي العام الوطني هو المحدد الأقوى لمستقبل الأحداث في الوطن المعين، وكذلك يتأثر به الرأي العام الجزئي وكذلك الإقليمي والعالمي.
  3. الرأي العام الإقليمي والذي غالبًا ما يتشكل من مجموعة من الشعوب-الدول، التي بينها ركائز مشتركة سواء كان الدين أو اللغة أو الثقافة أو المصالح المشتركة، وهذا الرأي العام نسبة تأثيره في الرأي العام العالمي أبلغ من الوطني، حيث أنه يشكل جزءً أكبر من الساكنة وكذلك فاعليته أوسع على صعيد الجغرافيا.
  4. الرأي العام العالمي والذي يشمل أغلب سكان العالم وتأثيره بالغ جدا في تعديل سلوك الأنظمة المستبدة، وكذلك الجماعات أو التيارات العنصرية المتطرفة مثل: الحزب النازي العنصري الذي رفضه الرأي العام العالمي مما سبب هذا الرفض الإسراع في هزيمة وتقويض هذا الحزب حيث حتى الشخصيات الثقافية في ألمانيا سارت على خطى الرأي العام العالمي (٤).

وهنالك تقسيم للرأي العام حسب العنصر الزمني: اليومي، والمؤقت، والثابت.

الرأي العام اليومي: هو عبارة عن الاهتمام بأحداث ومسائل يومية طارئة وعابرة وهي أقل تأثيرًا من التقسيمين الأخريين، ولا يُبنى عليه لقضايا كبرى.

الرأي العام المؤقت: هو عبارة عن رأي يتحدد بأحداث معينة أكثر فاعلية وتأثيرًا من الرأي العام اليومي. يتصف هذا الرأي بأنه نشيط ويتحرك ويستمد قوته من خلال اعتماده على الحيوية والعقلانية أكثر من اعتماده على العادات والقيم السائدة (٥)

الرأي العام الثابت: هذا الرأي غالبًا ما يتسم بالاستمرارية والثبات مادام الهاجس الذي دفع لهذا الرأي مستمرًا بالوجود. يرتكز هذا الرأي على قاعدة تاريخية ودينية (٦). وهذا القول في الرأي العام الثابت أو الكلي الدائم-بتعبير آخر- قد يكون قولًا ضيقًا نظرًا للقيم الإنسانية التي يكابد البشر لأجلها؛ مثل النظرة تجاه الظلم والاعتداء على الآخرين واحتلال الأوطان أو قيم تخالف الفطرة الإنسانية.

تنظيم الانتفاضات في المدن والأحياء

تنظيم مسيرات الانتفاضة في المدن والأحياء من أهم خطوات إنجاح الانتفاضة، وهذا التنظيم يأتي نظرًا للكثافة السكانية والمساحة الجغرافية ومستوى الوعي وظروف ذاتية أخرى. غالبًا ما تندلع الانتفاضة في العاصمة ثم تنتقل إلى باقي المدن وعكس هذا أيضا يصدق، ومن الأفضل أن ينتقل ثقل المسيرات إلى مركز المدن، وهذا يعد تقدمًا كبيرًا في مستوى ارتقاء النضال المجتمعي، حيث هذه الخطوة نجاح لنضال الشعب في تنظيم نفسه.

انتفاضة الكرامة الثانية من أكثر الانتفاضات الأحوازية تنظيمًا واتساعًا، حيث كانت المسيرات تتميز بالتوقيت المحدد للخروج وكذلك في عدة أحياء في المدينة ذاتها، وهذا مما يسبب التشتت لعناصر الأمن والمخابرات في قمع المسيرات.

المدن التي شاركت في انتفاضة الكرامة الثانية إزداد عددها عن المدن في الانتفاضات السابقة، وهذا يظهر نمو الوعي لدى الشعب الأحوازي، وكذلك عدد الأحياء المنتفضة إزداد عن السابق وهذا مؤشر إيجابي رغم القمع الشديد الذي لا تتوانى فيه القوات الأمنية.

ويمكننا عد المدن المنتفضة بالترتيب حسب الكثافة السكانية:

  1. الأحواز العاصمة: حي الثورة. حي الناصرية. الملاشية. كوت عبد الله. حي صياحي. الخالدية.
  2. مدينة عبادان.
  3. مدينة المحمرة
  4. مدينة السوس.
  5. مدينة تستر: الشعبيبة، حي التفكير.
  6. مدينة معشور: الكورة.
  7. مدينة الخفاجية: كوت سيد نعيم.
  8. الحميدية.
  9. مدينة خور موسى.
  10. مدينة شيبان.
  11. مدينة ملاثاني.
  12. الخلفية.
  13. مدينة باوي.

سِلمية الانتفاضة

سلمية الانتفاضات من أهم أسباب وعوامل إنجاح الانتفاضة ولو على مستوى الإعلام والرأي العام، فالتغيير الذي يطرأ على المجتمع من خلال الانتفاضة قد لا يتأتى خلال أعوام من العمل النضالي الفردي. وهذا التغيير يلاحظ ما بعد الانتفاضة السلمية، حيث يحدث تغيرا في نظرة المجتمع تجاه نفسه والعالم.

العنف أو العمل القهري في الانتفاضة يجرها نحو منزلقٍ يشتتها ويبعدها من نيل أهدافها المرحلية التي خرجت لأجلها، وهذا ما تريده السلطة التي تبحث عن أهون ذريعة لضرب الانتفاضة أو تعنيفها، والأهم من هذا أن عنف الانتفاضة قد يبعد شرائح المجتمع من الالتحاق بها، ويجعلها تتقوقع وتنحصر بفئات معينة لا يمكنها أن تستميل المجتمع نحو التغيير المرحلي، فالانتفاضة مرحلة سُلَّميَّة نحو التغيير الشامل.

جرائم الاحتلال في خضم الانتفاضة

مَجزرة مقهى الـنَــوارِس

  علينا أن نعي كلما حدث لنا حادث وأن نحلله بعمق وأن لا نمر منه بسطحية، ومن البساطة العقلية أن لا نرْبط كل مأساة نمر بها بالسلطة الاستعمارية، إن الذي في العلن أخذ أرضنا ونهب ثرواتنا وسرق أنهرنا وجوعّنا وحرمنا من أبسط حقوقنا الإنسانية، بالتأكيد أنه يخطط في الخفاء أكثر مما في العلن، الشعب كان في ذروة انتفاضته السلمية المدنية وقد تمددت الانتفاضة في كل المدن الأحوازية، وأنها كانت غاية في النظم، والشِعارات كانت موحَّدة وقد وصل الخطاب الوطني إلى كثيرٍ من الأحياء والمدن التي ربما لم تلامس الخطاب من قبل، فهذه الميزات كلها مجتمعة تُرهِب السلطة وقد تجبره على أن يقوم بأعمال لكي يـَخمِد الانتفاضة أو أن يغير مسيرها عن جادة الصواب ويُرهب ويُخيف الناس من عواقب انتفاضتهم، لذلك خططوا لهذه المجزرة البشعة، بكينا كما بكينا لكل إنسان ناضل من أجل غايةٍ نبيلة وقدم حياته ثـمنا لهذه الغاية، في المعارك تسقط الجثث ولكن نوارسنا طارت شهداء، مارسوا علينا كل أنواع التعذيب والظلم والتنكيل والاضطهاد ولكننا مازلنا نهتف بالكرامة والحرية، لا المشانق، ولا إعدامات الدموي الوحشي (خلخالي) الذي أراق دِماء أبناء وطنِنا، ولا مجازر العنصري (الفاشيستي) جنرال أحمد مدني في الأربعاء السوداء، ولا مجزرة النوارس، لن تعرقل مسيرتَنا، نتألم ونتوجَّع ولكن لن نتراجع، مجزرة النوارس لم تكن سببا في تشتت الانتفاضة كما أراد “الآخَر” منها، بل لهيب المجزرة ارتد على الساحر، ولن يَهرُبَ من العدالة الآتية التي ستحاسبه على كل ظلم واضطهاد مارسه ضد الشعب الأحوازي.

مُكتَسبات انتفاضة الكرامة الثانية.

الوعي بالنضال والكفاح قد تبلور رَغم الثمن الثقيل الذي يعلم كل منتفض أنه قد يدفعه، الإنسان المضطهد إذا وصل إلى مرحلة أن لا بُّد من التحرر من قيود الاضطهاد والقهر، واسترجاع الكرامة المهدورة فلن يعترضه عارض ولن تثنيه الصعوبات، ولن يخيفه الترهيب والتعذيب، انتفاضة الكرامة الثانية دفعت كل مكونات الشعب إلى الشارع، رأينا المرأة والفتيات والرجال والشباب والأطفال، فكل هذه الأعمار كانت ضمن الانتفاضة، بل المرأة هي التي كانت في المقدمة، هذا التقدم المجتمعي في القضية ليس شيئًا هينًا يمكن العبور منه بسطحية، بل من الضروري أن تُدرس هذه الانتفاضة من جوانب عدة لكي تكون ركيزة للانتفاضات المقبلة التي لا محالة أنها آتية.

 كثير من النشطاء كانوا يرون أن الاستمرار في الانتفاضة ضرورة، إلا أنهم لم ينتبهوا أن الانتفاضة ليست كالثورة ولا يُراد منها الاستمرار لأن الاستمرارية تتطلب ثورة عارمة مهيأ لها من قَبل، وهذا الشرط المهم غير متوفر في الانتفاضة لأنها تحدث بشكل مفاجئ إثر وخزة يتعرض لها الشعب، ومع كل هذا أن استمرار انتفاضة الكرامة لأكثر من أسبوعين في ظِلِ سلطة احتلال دموية ووحشية هو أمر جدير بالإعجاب، وقد فرضنا أنفسنا إننا شعبٌ حي ويطمح إلى الحياة والحرية، والكرامة.

انتفاضة الكرامة الثانية كانت تحمل كل ما هو جديد بالنسبة للوعي العام في الأحواز، فهي انتفاضة مدنية واعية بكل المقاييس، وقد فاجأت كل المتابعين لها، فالشعب الأحوازي قد تبنَّى هذه الانتفاضة بكل شرائحه وبكل وعي ومن أهم مكتسبات هذه الانتفاضة:

  1. تفاعُل المرأة الأحوازية بشكل فعَّال وفاعِل، بحيث حضورها كان مؤثرًا ومُشجِعًا، وكان سببًا في إنجاح الانتفاضة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي.
  2. استمرار الانتفاضة لأكثر من أسبوعين دون انقطاع.
  3. تفعيل الأحياء التي لم تجرب الانتفاضات السابقة، مثل حي الخالدية والناصرية في العاصمة، وأحياء أخرى في مدنٍ أخرى.
  4. امتداد واتساع الانتفاضة إلى أكثر مدن الوطن، مما سبب التشتت لجهاز الأمن والمخابرات في إخمادها الانتفاضة بشكل سريع.
  5. خلق تخطيطات جديدة من قِبَل النُشطاء بتنظيم المظاهرات الليلية، وبالوقت ذاته في عدة أحياء للتقليل من خسائر الاعتقالات.
  6. تشكيل لجان تنسيق الانتفاضة في كل المدن والأحياء، بحيث النَظم كان ملحوظًا في الانتفاضة.
  7. رفع الشعارات الموحدة كان يُظهِر الوعي الوطني الأحوازي في كل المدن والأحياء.
  8. تصميم واختيار عبارة موحَّدة (أنا عربي) لكل الأحوازيين عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وقد تفاعَل جميع أطياف المجتمع مع هذه العبارة.
  9. تفاعُل الإعلام العربي والعالمي بسبب قوة وأهمية انتفاضة الكرامة الثانية حيث انطلقت في وقت حرج جدًا في ظِل السياسات التعسفية التي يعيشها المجتمع الأحوازي.
  • اهتمام منظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الإنسانية في العالم بالمعتقلين، لأن الاعتقالات وصلت إلى أكثر من 500 معتقل أحوازي رَغم سِلمية الانتفاضة.
  • رفع لافتات متنوعة تطالب بالإفراج عن الأسرى، وكذلك لافتات تثبت التمسك الهووي، وأغلبها كان بالعربية وبعضها بالإنجليزية لأجل الرأي العام العالمي. 

الاعتقالات التَعَسُفِـية

سينـتـصر ذلك الشعب الذي يعايش الأسير في آلامه ويقدره

  بعد أن أعلن الشعب عن إصراره في إعادة كرامته المهدورة مورِس ضد الانتفاضة أنواع الأساليب لإخمادها ولكن دون جدوى، لأن الشعب عرف مسيره ومصيره، وأنه لا يمكن تزييف وعيه، ففي الانتفاضة اعتقلت السلطات الإيرانية أكثر من خمسمائة أحوازي وهذا العدد من المعتقلين بينهم أطفال وبنات ونساء.

هناك من تنتظر زوجها الذي اعتقلوه، وهناك من تنتظر ابنها، وهناك من تنتظر أبـيها، مما لا شك فيه لم ينتظر الأسرى محاكمة عادلة ولا حتى محكمة وإن كانت جائرة ظالمة، بل الأحكام خرجت من سراديب الاستخبارات المظلمة، من سراديب لا تعرف معنى للإنسانية، الاعتقالات كانت وستكون، والتضحيات كانت وستكون، لن نـتراجع، ولن نترك الأسرى، نحن معهم، الشعب الأحوازي أسرة واحدة، لأن الأحواز بيت واحد، نحن نعتز كثيرا ببناتنا المناضلات، هُنَّ القدوة للأجيال الآتية، المرأة الأحوازية تستحق كل الاحترام والتبجيل، المرأة الواعية لديها الفاعِلية اللازمة لكي تشارك في مصير الوطن، اليوم إذا خرجت المرأة في الانتفاضة، فالأمل يدفعنا أن نؤمن أنها ستقود الشعب إلى الخلاص بفكرِها ووعيـهـا.

 

 

 المصادر:

١- حلمي حسن: الانتفاضة الشعبية بين أشكال الكفاح وطرق النضال. مقال رقمي (الكتروني)

٢- بره تعني الخروج. الشعار يطلب الخروج السريع للمحتل

٣-  د. لويد جنسن: الرأي العام وتأثيره في علمية صنع القرار. ترجمة: د. محمد بن أحمد المفتي، د. محمد السيد سليم. د. ت. ص 5.

٤- الرأي العام. أ. د. مختار التهامي. أ. د. عاطف عدلي العبد. كلية الإعلام-جامعة القاهرة: 2005. ص 19. 20.

التقسيم الأول لم يذكر في المصدر، وأيضا التقسيمات الثلاثة نقلها كان بتصرف وإضافة من الكاتب.

٥- الرأي العام الفلسطيني وأثره على تحديد التوجهات السياسية على صناع القرار وعملية صنع القرار السياسي الفلسطيني(1993-2006). فراس عبد الله أحمد صليح. جامعة النجاح الوطنية: 2009. ص 26.

٦- المصدر ذاته، ص٢٧

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!