السبت, مايو 18, 2024
دراساتمتلازمة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال في الأحواز

متلازمة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

ألقى الاحتلال الإيراني للأحواز بتداعياته على جميع البنى المجتمعية في الأحواز، لدرجةٍ أصبحت معها الظواهر الاجتماعية السلبية تطفو على بشكل مريع على سطح المجتمع الأحوازي، مشكلةً بذلك عائقاً مجتمعياً حال دون تبلور رؤية فكرية – سياسية في الداخل، بل وألقت بتداعياتها على قدرة العمل السياسي في الخارج في إحداث تأثيرات بنيوية سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي.

تشكل ظاهرتي التسرب المدرسي وعمالة الأطفال في الأحواز متلازمتين ومنعكسين لانتشار الظاهرتين في عموم إيران، إلا أن المحافظات الحدودية ذات الشعوب غير الفارسية – وفي مقدمتها الأحواز-  تربعتْ على رأس القائمة الأعلى نسبةً بالأمية في البلاد. بسبب إرغام الأطفال على الدراسة باللغة الفارسية، وتجاهل السلطات الإيرانية لوضع حلول لهذه المشكلة، التي تشكل انتهاكاً صريحاً للمواثيق الدولية التي أكدت على الحقوق الثقافية في المجتمعات متعددة الهويات، استناداً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والبروتوكول الإضافي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

لقد شكلت ممارسات النظام الإيراني في هذا الخصوص، تمييزاً  عنصرياً وإيديولوجياً واضحاً، وذلك بسبب تقسيم السلطات الإيرانية الشعوب غير الفارسية إلى كيانات بيولوجية، ما أفرز آفات اجتماعية خطيرة في مقدمتها التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، كظاهرتين وضعتا إيران في مقدمة الدول التي تتفشى فيها هاتين الظاهرتين.

أولاً- ظاهرة التسرب المدرسي في الأحواز:

بسبب طبيعة النظام الإيراني القائم على رجعية ثيوقراطية خارج بنية النظام الدولي المتسارع في التطور في مجال الحقوق الإنسانية، بدتْ مسألة تفشي الظواهر الاجتماعية السلبية في إيران أمراً تقليدياً يتزايد يوماً بعد يوم، إذ تتصدر ظاهرة التسرب من التعليم في إيران، كظاهرة أفرزت بشكل أوتوماتيكي ظواهر أخرى كارتفاع نسبة الأمية، وعمالة الأطفال، والتشرد، والتسول، وانتشار المخدرات، كظواهر مجتمعية انتشرت في عموم البلاد.

وبالرغم من أن الدستور والتشريعات الإيرانية كفلت- من الناحية النظرية- إلزامية ومجانية التعليم في إيحاء من النظام الإيراني بضمان وإتاحة الفرص المتساوية لجميع الأفراد، بصرف النظر إثنيتهم أو دينهم أو ثقافتهم، أو ظروفهم الاقتصادية أو الاجتماعية، وإعطائهم الفرصة للحصول على الحق في التعليم، إلا أن الإحصائيات المتعلقة بظاهرة التسرب المدرسي والأمية، مازالت تشير إلى نتائج صادمة، بلغت معه هذه الأرقام والإحصائيات إلى تفشي ظواهر مجتمعية أخرى، انعكست على نظام الملالي بعدم السيطرة عليها، من خلال السخط الذي ظهر على شكل توترات واحتجاجات متكررة في الآونة الأخيرة.

١: التعليم في إيران بين النظرية والواقع :

تنص المادة ٣٠ من الدستور الإيراني على قيام الحكومة بتوفير وسائل التعليم بالمجان لكافة أبناء الشعب حتى نهاية المرحلة الثانوية، مع ضرورة العمل على توسيع وسائل التعليم العالي بصورة مجانية (١). كما ينص ”  قانون إصلاح التعليم” لسنة ٢٠١٢ على أن ” التعليم الأساسي إلزامي ويستمر لتسع سنوات، حيث ينقسم إلى ست سنوات للتعليم الابتدائي، وثلاث سنوات للتعليم الثانوي الأدنى- أي التعليم الإعدادي- أما التعليم الثانوي فليس إلزاميًا ولكنه مجاني بحكم الدستور” (٢).

وبالرغم من ذلك لم تتعكس هذه الضمانات الدستورية والتشريعية على واقع التعليم في إيران، إذ تشير الإحصائيات إلى أن هناك ما بين ٢٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ طفل يتركون المدارس الإبتدائية سنوياً، كما يُقدر عدد الأطفال المتسربين من التعليم بنحو ٣.٥ مليون طفل تقريبًا غالبيتهم في الأحواز. و ترتفع نسبة التسرب بين الإناث، ففي حين تبلغ نحو ٢.٩٪ بين الذكور، فإنها تصل إلى ٣.٥ ٪ بين الإناث غالبيتهم من الفتيات الأحوازيات. وكان رضا الرحيمي، عضو البرلمان الإيراني، قد صرح ”  أن هناك تسعة ملايين ونصف من الأميين في إيران، استناداً للتقرير الصادر عن مركز أبحاث البرلمان (٣). الذي أكده البنك الدولي في تقريره الذي أحصى عدد الأميين في إيران بنحو ١١.٦مليون شخص (٤)، في الوقت الذي مازالت فيه السلطات الإيرانية تصر على عدم صحة تلك الأرقام. بينما تشير إحصاءات اليونسكو أيضًا إلى ” أن ٢ ٪ من الشباب دون سن ٢٤ عامًا في إيران، ما زالوا أميين، في حين أن نسبة الأمية في الدول الشمالية المجاورة لإيران تصل إلى الصفر، بما في ذلك روسيا وأذربيجان وأرمينيا و تركمانستان، كما لا تقارن مع محيطها الخليجي، حيث لا تتجاوز نسبة الأمية ١ ٪ في المائة المملكة العربية السعودية والكويت وعمان” (٥).

وفي هذا الخصوص، صرح رئيس منظمة محو الأمية الإيرانية، علي باقرزاده، ” أن هناك نحو ٨ مليون أمي، منهم ١١ مليون غير متعلم أو شبه أمي (٦)”، وهو ما أكده مسؤول دائرة التربية والتعليم الذي خصّ تفشي ظاهرة  الأمية في الأحواز بما يقارب من المليون أمي، حيث تتفاقم في الإقليم العربي جميع أنواع مشاكل قطاع التعليم، بسبب المدارس القديمة والقليلة، ما أدى إلى ارتفاع مستويات العزوف عن تلقي التعليم في أوساط الطلبة الأحوازيين.

٢: الواقع التعليمي في الأحواز: احصائيات مرعبة وتكتم إيراني:

تعاني القطاعات التعليمة في الأحواز – وبالأخص في جنوبه- من العديد من المشكلات التي تعوق العملية التعليمية، حيث يتزايد أعداد المدارس المتهالكة التي تفتقر إلى أدنى مقومات العملية التعليمية، كإهمال مخطط له مسبقاً بل وينفذ بطريقة ممنهجة، وذلك بسعي السلطات الإيرانية إلى تجهيل المواطنين بدءاً من العملية التعليمية في مراحل الابتدائي، وبما يسهم في نشر الأمية بين أبناء الشعب الأحوازي وإعاقة تطورهم الفكري، خصوصاً بعد ملاحظة السلطات الإيرانية  ازدياد الوعي الوطني في صفوف المتعلمين خلال السنوات الأخيرة بشكل واضح (٧). فعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن ما يقرب من ١٣٠٠ صف دارسي في مدينة بوشهر وحدها مهدد بالانهيار، مايدفع الطلاب لتلقي دروسهم في العراء، في غياب واضح لـ ” دائرة  تحديث وتجهيز المدارس” التابعة لدائرة التعليم والتربية في منطقة بوشهر، بينما لا تُلاحظ الظاهرة في المستوطنات الفارسية جنوب الأحواز (٨).

وتتكتم السلطات الإيرانية عن الإحصائيات  في المدن والقرى العربية، حيث تفتقر لأية دراسة علمية عن أسباب تفشي الأمية في الأحواز. ويعود ذلك لأسباب لا ترغب السلطات الإيرانية في إثارتها لأسباب سياسية، كتلك المتعلقة  بعدم  السماح بالتعليم باللغة العربية الأم، وبسبب تفشي ظواهر اجتماعية واقتصادية، كالفقر والبطالة والسياسة الممنهجة التي تتبعها السلطات الإيرانية للإبقاء على الأحوازيين في حالة من الجهل، الأمر الذي يساعد أكثر فأكثر على تفريسهم والقضاء على لغتهم الأم. وبالتالي القضاء على ثقافتهم المرتبطة ارتباطاً بنيوياً بقضيتهم الأحوازية.

من جهة أخرى، تلعب التركيبة المجتمعية القبيلة وتكريس الثقافة الذكورية في الأحواز دوراً مساعداً في تزايد حالات التسرب المدرسي بالنسبة للفتيات الأحوازيات، فالكثير من العائلات الأحوازية مازالت لا ترسل بناتها إلى المدرسة لاعتقادهم أنّ التعليم  ليس ضروريًا للفتيات، والاكتفاء بمحو أميتها فقط، كما تتدخل أسباب خدمية أخرى، منها بعد المسافات بين البيت والمدرسة في الكثير من المناطق والقرى الحدودية التي لا يتواجد فيها في أغلب الأحيان إلا مدرسة رسمية ابتدائية واحدة. حيث تعاني المدارس الرسمية ( التابعة للحكومة) من خدمات متدنية، و فلتان للتلاميذ، وتسرب مدرسي دون حساب أو مراقبة، اتساقاً مع عدم تطوير المناهج الدراسية، وإعطاء الأهمية للمدارس الابتدائية والثانوية الخاصة التي يرتادها ذوي الدخل المرتفع. وهو ما أكدته الأرقام التي كشفت عدم تفوق طلاب المدارس الحكومية، ففي غالبية السنوات لم يكن بين المتفوقين في امتحانات قبول الجامعات نسبة تُذكر قياساً بالمدارس الخاصة، التي يصل فيها نسبة المتفوقين إلى ما يقارب الـ ٩٠ ٪، وبالتالي حجز أماكنهم في الجامعات على حساب المدارس الحكومية التي يرتادها ذوي الدخل المحدود.

ثانياً- الأطفال في المجتمع الأحوازي : من التسرب المدرسي إلى عمالة الأطفال:

تتعدد العوامل التي عززت ظاهرة التسرب من التعليم بين الأطفال الأحوازيين، والتي تعود في أساسها لمشكلات اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويأتي الفقر في مقدمة هذه العوامل. وكنتيجة لذلك لم تتمكن الكثير من الأسر الأحوازية من توفير نفقات الدراسة، فبسبب الإهمال الحكومي مازالت المدارس في الأحواز تعاني من غياب الخدمات والدعم من قبل السلطات الإيرانية. ولهذا تلجأ هذه المدارس إلى طلب مبالغ مالية من الآباء لتخديم المدارس، وفي أحيان كثيرة تتقاضى المدرسة رسومًا مقابل تكلفة الكهرباء أو التدفئة أو إصلاح المدرسة، الأمر الذي يشكل عبئاً ثقيلاً على الأسر التي هي بالأساس تعاني من الفقر والحرمان، ما يدفع غالبية الأحوازيين لإخراج أبنائهم من المدارس.

١: عمالة الأطفال في الأحواز: إهمال حكومي وبنية مجتمعية هشة:

 تنتج منطقة الأحواز ما نسبته ٨٥ ٪ من النفط الخام الإيراني و٩٠ ٪ من الغاز الطبيعي و٦٧ ٪ من الزراعة، وتشكل معظم الثروات وأغلبية العائدات الإيرانية، وبالرغم من ذلك مازالت الأحواز تعاني من انتشار البطالة، بسبب السياسات التي تنتهجها السلطات الإيرانية في استقدام موظفين من الخارج للعمل في القطاعات الحكومية في الأحواز، ما أدى إلى إفقار الأهالي وارتفاع معدلات البطالة وتعزيز تفشي ظاهرة الفقر، التي أدت بشكل أوتوماتيكي إلى تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في الأحواز. فقد أصبح من الشائع أن يترك الطفل الأحوازي مدرسته ليبحث عن عمل لمساعدة عائلته في تأمين الملبس والمأكل. بعد أن أدت الظروف المعيشية الصعبة لجوء الكثير من العائلات، وبخاصة الذين يعيشون في المناطق الريفية إلى الدفع بأطفالهم إلى العمل من أجل كسب قوتهم اليومي.

تشير الإحصائيات أن الأطفال المتواجدين في سوق العمل في إيران يفوق الـ ٧ مليون طفل غالبيتهم في الأحواز وفي أوساط الشعوب غير الفارسية مثل البلوش والكرد وغيرهم، بينما تتكتم السلطات الإيرانية عن أية تفصيلات عن أماكن تواجد هذه الأعداد. إلا أنّ ملاحظة تفشي هذه الظاهرة في مدن الأحواز وندرتها في باقي المدن الإيرانية الفارسية، يشير  إلى تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في الأحواز بسبب الفقر الذي أدى إلى تزايد حالات التسرب المدرسي، حيث يعمل الكثير من الأطفال الأحوازيين في وظائف تعرضهم للنزول إلى الشارع، كبيع السلع في الطرقات، حيث يجبرون على البحث في النفايات الصناعية عن مواد بلاستيكية وزجاجية لبيعها لمصانع إعادة التدوير، ويقوم أطفال آخرون ببيع المياه بنقلها على مسافات طويلة بحثاً عن مشترين، والبعض منهم أصبحوا باعة متجولين يبيعون الأزهار بجوار إشارات السير المزدحمة، وفي المقابر المحلية، أو يعرضون أنفسهم لغسل زجاج السيارات، ما يجعلهم عرضة للكثير من الآفات الاجتماعية مثل التشرد، والمخدرات، و التحرش، في غياب أية إحصائيات حقيقة للأطفال المجبرين على العمل، بما أن السلطات أو الجمعيات الحكومية لا تنشر نتائج هذه الإحصاءات (٩)”.

على اثر هذا، تتولد أجيالاً من البؤس لأطفال لا تتجاوز أعمارهم الثالثة عشر من العمر، يعملون طوال النهار في ظروف خطيرة للمساعدة في إعالة ذويهم، حيث يعمل الكثير منهم بدوام كامل  بدلاً من ذهابهم إلى المدرسة، والاستمتاع بطفولتهم. وبالتالي فقد أصبحت رؤية الأطفال الأحوازيين من الجنسين في هذه المشاهد أمراً طبيعاً لا يكترث به معظم سكان الأحواز، حيث ينتشرون في جميع الأماكن، سواء في الشوارع لمسح السيارات، أو لغسيل السجاد في البيوت، أو بتلميع الأحذية، أو بيع الزهور، أو بيع البالونات، أو العلكة، وبطريقة أشبه بالتسول، فعلى سبيل المثال يقوم أطفال من الجنسين بتنظيف القبور مقابل ألف ريال إيراني ( سنت أمريكي فقط) (١٠).

لقد أصبحت ظاهرة التسرب المدرسي، ظاهرة تؤسس للعديد من الآفات المجتمعية في الأحواز، وتهدد بولادة جيل ضائع لا يستطيع العودة إلى البيت قبل أن يؤمن قوته اليومي، حيث يعمل الكثير من الأطفال الأحوازيين كباعة متجولين يجازف في الطرقات لتسديد الإيجار، أو شراء الطعام، أو الدواء، ولا تسنح لهم الفرصة بتلقي التعليم، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة لاتفاقية حقوق الطفل كصك قانوني دولي يلزم إيران – كدولة موقعة- من الناحية قانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان، أي الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ويلزمها بوضع المعايير الخاصة بالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل. فبمجرد موافقة الدول على الالتزام بتصديقها على هذا الصك أو الانضمام إليه، تكون الحكومات الوطنية قد ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الأطفال، ووافقت على تحمل مسؤولية هذا الالتزام أمام المجتمع الدولي. وإلا فإن أية تداعيات خلاف ذلك تضع الدولة أمام مسؤوليتها الجنائية أمام المحاكم المختصة، كلما توفرت التقارير التي تثبت مخالفة هذه الدولة أو تلك في تنفيذ التزاماتها.

فقد تشكل تداعيات ذلك في غالب الأحيان إلى تحول الآفات المجتمعية إلى جرائم ضد الإنسانية تُسأل عنها الدولة أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو المحاكم المختصة بمخالفة حقوق الإنسان، إذ غالباً ما ترقى هذه المخالفات إلى جريمة تمييز عنصري، وقد ترقى إلى مصاف جرائم الإبادة الجماعية، بسبب تفشي الجهل والمرض والآفات الاجتماعية.

أما على الصعيد الداخلي، فيقع على عاتق المنظمات الحقوقية الأحوازية، وعملاً بمبادئ اتفاقية حقوق الأطفال وبروتوكولاتها الاختيارية، أن تضطلع بمهامها في المجتمع المحلي من خلال الكشف عن المعلومات، وتنظيم الحملات الشعبية للمناداة بحقوق الطفل، بالتوازي مع عمل منظمات حقوق الاطفال في الخارج بأن تشكل قوى ضاغطة على الرأي العام، لحث الحكومات الديمقراطية على إيلاء الأهمية لانتهاكات حقوق الأطفال في الأحواز. وبإمكان هذه المكونات السياسية أن تضع خريطة عمل موحدة،  لرصد انتهاكات السلطات الإيرانية، ورصد برامجها والتعريف بها أمام الرأي العام العالمي و الأحوازي، من خلال جمع البيانات عن مواطن الخلل، وبدء حملات بشأن تغيير القوانين والبرامج السياسية.

٢: التسرب المدرسي وعمالة الأطفال في اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي:

تشكل الوقائع والإحصائيات آنفة الذكر  تعدياً صارخاً وصريحاً لاتفاقية حقوق الطفل كصك قانوني، حقق القبول على الصعيد العالمي، حيث صادقت ١٩٣ دولة طرف، بدعم من منظمة اليونيسف لحماية حقوق الأطفال وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وإعطاء الفرص المناسبة لحصولهم على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية المـتأصلة.

وتأتي أهمية اتفاقية حقوق الطفل من كونها تمخضت عن معاهدة دولية، فوضعت الأسس اللازمة لرعاية الأطفال ما دون الثامنة عشر، فأصبحت الصك الدولي والقانوني، الذي تلتزم بموجبه الدول المشاركة التي صادقت على بنود الاتفاقية، بالإضافة لقبولها بإدماج حقوق الإنسان كاملة، سواء منها المدنية، والسياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية. فقد تضمنت اتفاقية حقوق الطفل ٥٤ مادة، بالإضافة إلى بروتوكولين اختياريين، أكدا على ضرورة حصول الأطفال على الحقوق الأساسية كحق النمو، والتطور، وحق الحماية من الأضرار، و المعاملة المسيئة وحمايتهم من أي استغلال (١١). كما ربطت منظمة اليونيسيف عمالة الأطفال بتزايد الفقر وتقويض الاقتصادات الوطنية، وعرقلة التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية (١٢)، لأن الدول التي تنتهك حقوق الأطفال سواء من خلال غض النظر عن حالات التسرب من المدارس أو وزجهم في سوق العمل إنما تخسر بذلك قوة بشرية إنمائية في جميع المستويات لتتركهم في أتون التشرد والفاقة والضياع وتعرضهم للآفات الاجتماعية التي تنعكس على العملية الإنمائية برمتها، نتيجة لعدم المساواة الاجتماعية التي يعززها التمييز. خصوصاً وأنّ الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفل أشارت إلى أنّ الأطفال من جماعات السكان الأصليين أو الطبقات الدنيا هم أكثر عرضة للتسرب من التعليم والتوجه إلى العمل بسبب التمييز الواقع عليها.

لقد وضعت منظمة اليونيسيف خارطة الطريق للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال منذ العام  ٢٠١٦، ودعت إلى استجابة متكاملة لحظر عمالة الأطفال. كما تدعم اليونيسيف المجتمعات المحلية في تغيير قبول عمالة الأطفال ثقافياً، وفي نفس الوقت تدعم استراتيجيات وبرامج توفير دخل بديل للعائلات والحصول على خدمات دور الحضانة والتعليم الجيد والخدمات الوقائية. كما ألزمت اتفاقية حقوق الطفل الدول الأطراف بتطوير وتنفيذ جميع إجراءاتها وسياساتها على ضوء المصالح الفُضلى للطفل (١٣). وتضمنت الاتفاقية حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان ودون تمييز، كحقهم في البقاء، والتطور والنمو إلى أقصى حد، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال.

وانطلاقاً من الدعوة التي أطلقتها اتفاقية حقوق الطفل، يصبح على عاتق النشطاء الأحوازيين التواصل مع المنظمات الغير حكومية للمشاركة في عملية الرصد وإعداد التقارير، والمساهمة بدمج ووضع الأمثلة الحية لانتهاكات حقوق الطفل في الأحواز في جميع التقارير الدولية في هذا الخصوص، ورفدها بالمعلومات و الوثائق، والمساهمة في التقارير المتاحة للجنة حقوق الأطفال. وكذلك يمكن للمنظمات الغير حكومية الأحوازية، أن توحد أعمالها في هذا الخصوص لإعداد التقارير المقدمة للأمم المتحدة بشأن انتهاكات الاتفاقية. إذ غالباً ما تكون التقارير التي تعدها المنظمات المجتمعة أكثر شمولاً من التقارير التي تعدها منفردة، خصوصاً وأن مجموعة المنظمات الغير حكومية المعنية باتفاقية حقوق الأطفال هي ائتلاف دولي يعمل من أجل تنفيذ الاتفاقية، ومن أولى مهام هذه المنظمات العمل على تعزيز وحماية حقوق الطفل، من خلال التواصل الدائم مع مكاتب اليونيسف سواء منها المحلية والميدانية أو الدولية.

 

خاتمة

لقد شكلت ظاهرتي التسرب المدرسي وعمالة الأطفال مسارين متلازمتين كل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر، بل وشكلا أكبر التحديات التي تعترض اتفاقية حقوق الطفل، التي تتلخص مبادئها بالأساسيات الأربعة المتعلقة بعدم التمييز؛ والحق في الحياة، والحق في البقاء، والحق في النماء؛ وحق احترام رأى الطفل، وكل حق من هذه الحقوق نصت عليه الاتفاقية بوضوح، لتلازمها تلازماً بنيوياً مع الكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته.

وبالتالي فإن المهمة الرئيسية تقع أولاً وأخيراً على عاتق المجتمع الأحوازي وقدرته في تشكيل مجموعات عمل ميدانية وبحثية، بحيث تشكل حلقة الوصل بين المجتمع الأحوازي والاتفاقية على المستوى الدولي، وذلك بإعداد التقارير و تطوير عملها من خلال بناء تحالفات بين المنظمات غير الحكومية في العالم المعنية بحقوق الأطفال، كنقطة انطلاق للتعريف بواقع الأطفال في المجتمع الأحوازي، وتأكيد ثقافة حقوق الطفل داخله، والإشارة إلى الحالات التي تنتهك فيها هذه الحقوق، من خلال إعداد برامج التوعية وإجراء الدراسات والأبحاث الميدانية، والتوثيق، والتواصل مع المنظمات الدولية، وصولاً إلى توصيف التداعيات السلبية لانتهاك حقوق الطفل على المجتمع الأحوازي الذي أصبح رحماً حاضناً لجيل من الجريمة، وبالتالي ربط هذه الجرائم مع آليات المحاسبة الدولية.

لقد اشتغلت السلطات الإيرانية بشكل ممنهج، على تكريس العنصرية الأيديولوجية التي يؤمن بها نظام الولي الفقيه، بالتوازي مع التحيز العرقي الفارسي، وهي العملية التي اشتغلت على وسم الأحوازي بصور نمطية سلبية حتى في مناهج الدراسة، بل و ظهرت هذه العنصرية في الخطاب الديني ذاته الذي يحقر العرب ويعتبرهم قتلة، إذ يسمع الأحوازي سب رموزه العربية والدينية في كل مرافق الحياة، فتتكرس إهانته وتتصاعد جرائم الحض على الكراهية، ما يسبب لدى الطفل الأحوازي – ومنذ مراحل الدراسة الأولى – أذى عاطفي وجسدي، وقلق، وتوتر دائم، وهي المحددات التي ترقى إلى جريمة التمييز العنصري.

 

 

هوامش:

  • انظر المادة 30 من الدستور الإيراني.
  • انظر: قانون إصلاح التعليم في إيران، الصادر سنة 2012.
  • انظر: تقرير صادر عن مركز أبحاث مجلس الشورى الإيراني.
  • https://arabic.mojahedin.org/i/%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%82%D9%84-
  • للاستفاضة انظر: موقع صوت الدار الإلكتروني، ” تقارير: 12 مليون أُمي إيراني ، 14 إبريل / نيسان2019. https://www.aldarvoice.com/article/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8AD8%B1
  • https://www.hafryat.com/ar/blog/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%91%D9%8A%D8%A9-
  • أخبار اليوم، تفاقم مشاكل قطاع التعليم في جنوب الأحواز، الجمعة 2 يناير/كانون الثاني 2015، على الرابط: https://akhbaralyom-ye.net/news_details.php?sid=84989
  • المرجع السابق.
  • للاستفاضة انظر: تقرير مفصل نشرته قناة الحرة الأمريكية بتاريخ 16 /3/ 2020 بعنوان ” أطفال الأحواز في إيران: جياع ومتضررون ومرغمون على العمل”. على الرابط:

 https://www.alhurra.com/a/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B2-%D9%81%D9%8A

10-المرجع ذاته.

11-انظر: المادة 54 والبروتوكوليين الإضافيين من اتفاقية حقوق الطفل 1989.

12-انظر الوثيقة الختامية لقمة الأهداف الإنمائية للألفية 2010، ص 13

13-انظر: اتفاقية حقوق الطفل، اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، تاريخ بدء النفاذ: 2 أيلول/سبتمبر 1990.



error: Content is protected !!