الإثنين, نوفمبر 18, 2024
دراساتدراسة الحق في المياه في المواثيق الدولية: دراسة حالة انتهاك إيران لحقوق...

دراسة الحق في المياه في المواثيق الدولية: دراسة حالة انتهاك إيران لحقوق المواطنين الأحوازيين من المياه في الغيزانية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

الملخص

يتمحور الموضوع الرئيسي الذي يتم تناوله في هذه الورقة على الحق في المياه بالتركيز على حقوق المواطن الأحوازي في الحصول على مياه للشرب والتزام السلطات الايرانية بواجبها في ما يتعلق بالمياه وسيتم التركيز على الإهمال المتعمد من قبل النظام الإيراني وحرمان المواطن الأحوازي من المياه. ستعتمد الدراسة على أزمة مياه مدينة الغيزانية التي تضم ٩٠ قرية من حولها. ويستند هذا المنشور إلى وثيقة الحق في المياه، التي أصدرﺗﻬا منظمـة الـصحة العالميـة، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ومركز حقوق الإسكان وحالات الإخـلاء، ومنظمة الإعانة على توفير المياه، ومركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام ٢٠٠٣. يبدأ بشرح المقصود من الحق في المياه، ويبين ما يعنيه هذا الحق لبعض الأفراد والجماعات علـى وجه التحديد، ثم يتطرق بالتفصيل إلى التزامات الدولة فيما يتعلق ﺑﻬذا الحق. ويختتم باسـتعراض عام لآليات حرمان المواطن الأحوازي من حق المياه مع التركيز على مدينة الغيزانية.

المقدمة

الحديث عن حقوق المواطن الأحوازي في الحصول على مياه للشرب يعتبر حقاً اجتماعياً؛ وهذا يلزم السلطات بإنجاز واجبها تجاه المواطن والتزامها بحقوقه بخصوص بالمياه. هذا الحق مكفول وبصفته “حقاً اجتماعياً”، يمكن لأفراد المجتمع مطالبة سلطاتها السياسية به. واجه المواطن الأحوازي بشكل عام إهمالا متعمدا ومورست عليه سياسة الحرمان. لكن ما يثير الجدل ان المواطن الأحوازي في منطقة الغيزانية والتي تضم ٩٠ قرية حولها باتت تواجه أزمة تكاد أن تقضي على حياته وهي أزمة ماء الشرب. بحسب المعاهدات الدولية والمواثيق الأممية يتعين على السلطات الإيرانية تأمين هذا الحق للمواطن الأحوازي الذي تحكمه من الناحية السياسية. وأيضا باعتباره حقاً جماعياً، يلزم على السلطات الإيرانية التي استولت على البلاد (رغم ان هذه الولاية لا تمثل صفة شرعية في إقليم) التزامها بتوفير هذه الحقوق المواطنين.

الماء حق انسانيا

تحدد الفقرة ١ من المادة ١١ من العهد عدد ًا من الحقوق الناشئة عن إعمال الحق في مستوى معيشي كا ٍف، والتي لا يمكن الاستغناء عنها لإعمال هذا الحق، بما في ذلك “إن الماء مورد طبيعي محدود، وسلعة عامة أساسية للحياة والصحة. وحق الإنسان في الماء هو حق لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة. وهو شرط مسبق لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. وقد واجهت اللجنة باستمرار مشكلة الحرمان على نطاق واسع من الحق في الماء في البلدان النامية وكذلك في البلدان المتقدمة النمو. ولا يستطيع أكثر من بليون شخص الحصول على الإمدادات الأساسية للمياه، بينما لا تتوفر لعدة بلايين من الأشخاص مرافق صحية مناسبة، وذلك هو السبب الأول لتلوث المياه والإصابة بأمراض منقولة بالمياه. ويؤدي استمرار تلوث المياه واستنفادها وتوزيعها بصورة غير عادلة إلى تفاقم الفقر السائد. ويتعين على الدول الأطراف اعتماد تدابير فعالة لإعمال الحق في الماء، دون تمييز، على النحو المشار إليه في هذا التعليق العام.” (١).

القانون الدولي والحق في المياه

أولى الملاحظات التي يمكن ان يتطرق اليها في هذه الدراسة هي أن القانون الدولي لا يتضمن في معاييره أية صيغة صريحة تنظم حق الأفراد في المياه. لكن النشطاء الدوليين دفعوا بعجلة القانون الدولي الى الامام وترتب على ذلك العديد من المعاهدات التي تلزم الأنظمة على توفير المياه للمواطنين ويكن الاستناد عليها في هذه الدراسة لحماية حقوق المواطن الأحوازي في المياه.

وقد تمثلت اولى النشاطات الدولية التي تناولت الحق في المياه في “مار دي لا بلاتا” في الأرجنتين عام ١٩٧٧ضمن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمياه؛ حيث أعلن البيان الختامي لهذا المؤتمر على أنه “لكل شخص الحق في الحصول على مياه الشرب بكميات وبجودة تلبّي احتياجاته الأساسية”. كما عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الختامي حول العقد الدولي لمياه الشرب (١٩٨٠ – ١٩٩٠) في نيودلهي في شهر أيلول/سبتمبر ١٩٩٠. وفي شهر كانون الثاني/يناير ١٩٩٢، عُقد مؤتمر الأمم المتحدة في دبلين حول المياه والبيئة، والذي اختتم بـ”إعلان دبلين الختامي” الذي يكتسب أهمية خاصة. وقد اختُتمت هذه المرحلة الأولية من العمل الدولي بشأن المياه بمؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية، الذي انعقد في ريو دي جانيرو في شهر حزيران/يونيو ١٩٩٢، حيث ناقش المجتمعون فيه قضية المياه بصورة مستفيضة (٢). ومن بين المبادرات الدولية الأخيرة التي كانت مؤثرة على هذا الصعيد ما قامت به مجموعة لشبونة ومؤسسة ماريو سواريس من حمل المنتدى العالمي الذي انعقد في مراكش عام ١٩٩٧ وفي لاهاي عام ٢٠٠٠ على إصدار البيان بشأن المياه في شهر أيلول/سبتمبر ١٩٩٨(٣). وقد تلا هذه المبادرة نشاطات أخرى تمثلت بانعقاد المنتديات الاجتماعية الدولية في بورتو أليجري، إلى جانب المنتديات العالمية البديلة للمياه في فلورنسا عام ٢٠٠٣ وجنيف عام ٢٠٠٥.

بناء على ذلك، إن القانون الدولي لحقوق الإنسان تترتب عليه التزامات محددة فيما يتعلـق بـسبل الحصول على مياه الشرب المأمونة. وتقتضي هذه الالتزامات من الدول بما فيها إيران أن تكفل لكل شخص أحوازي إمكانية الحصول على كمية كافية من مياه الشرب المأمونة للاستخدامات الشخصية والمنزلية. في المقابل رفضت السطات في إيران هذا الالتزام في غالبية مدن الأحواز وسيما في الغيزانية وضواحيها.

معاهدات حقوق الإنسان التي تترتب عليها التزامات متعلقة بإمكانيات الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

أعتُرف القانون الدولي بحق الإنسان في الحصول على المياه عبر معاهدات دولية عديدة. والتزمت جميع الدول وتعهدت بتنفيذ هذه المواثيق وبنودها (٣). أرجع بعض المعلقين حق الإنسان في المياه بما يتجاوز قرار الجمعية العامة من المادة ١١.١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تم اعتباره حقًا ملزمًا تحت شرعية القانون الدولي. تتضمن المعاهدات الأخرى التي تعترف صراحةً بحق الإنسان في المياه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراءة التي أُدرجت في القانون الدولي عام ١٩٧٩ اتفاقية حقوق الاطفال عام ١٩٨٩. صدر القرار الأول المتعلق بحق الإنسان في المياه ومن قبل الجمعية العامة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام ٢٠١٠ (٤). كما أيضا تضمنت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة التي اُقرّت عام ٢٠٠٦ المادة رقم ٢٨ حقوق مياه الافراد والتي تنص على “تعترف الأطراف بحق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة في الحماية الاجتماعية والتمتع بالحقوق دون تمييز على أساس الإعاقة، وعليها اتخاذ ما يلزم في سبيل تعزيز وحماية هذه الحقوق، من بينها الخطوات اللازمة لضمان وصول الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة إلى خدمات المياه النظيفة، وضمان الوصول إلى خدمة لائقة ومقبولة التكلفة وغيرها من المساعدات لتلبية الاحتياجات المتعلقة بالإعاقة”. (٥)

اذن يمكن ترتيب هذه المعاهدات كالتالي:

أ: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعتمدة في عام ١٩٧٩، المادة ١٤(٢)؛

ب: اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١٦١ المتعلقة بخدمات الصحة المهنية، المعتمدة في عـام ١٩٨٥، المادة٥؛

ت: اتفاقية حقوق الطفل، المعتمدة في عام ١٩٨٩، المادتان ٢٤ و٢٧(٣)؛

ث: اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المعتمدة في عام ٢٠٠٦، المادة ٢٨ ( ٦).

اذن، بناء على ما تم ذكره يلزم حق المواطن الأحوازي من المياه الحكومة الإيرانية بقبول مسؤوليتها تجاه حقوقه في المياه وضمان تمتع الأفراد بمياه نظيفة ومتوافرة ومتاحة ومقبولة التكلفة. وبناء على ذلك يلزم على النظام الإيراني العمل بسرعة وفعالية لزيادة سهولة الوصول ورفع مستوى الخدمة.

ومن الالتزامات الأساسية الأخرى التي تلزم إيران بتوفير المياه للمواطن الأحوازي، يمكن الإشارة الى ميثاق الأوروبي والقانون البيئي الدولي.

الالتزامات في مجال حقوق الإنسان بإتاحة سبل الحصول على مياه الشرب المأمونة بموجب الميثاق الاجتماعي الأوروبي المنقح

وجدت اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية أن الحق في السكن الملائم، المنصوص عليه في المادة ٣١ من الميثاق الاجتماعي الأوروبي المنقح، يشمل التزامات محددة فيما يتعلق بإتاحة سـبل الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي. وتضمن المادة٣١)١ ( الحصول على سكن ملائم، وهذا يعني مسكنا متين البناء؛ مأمونـا مـن وجهتي النظافة والصحة، أي تتوافر فيه جميع أسباب الراحة الأساسية، كالماء والتدفئة والـتخلص مـن النفايات، ومرافق الصرف الصحي، والكهرباء؛ وعدم الازدحام وضمان الحيازة الذي يدعمه القانون (٧).

ويوفر القانون الإنساني الدولي والقانون البيئي الدولي أيضا الحماية لإمكانية الحصول على مياه الشرب المأمونة.  وتـبين اتفاقيـات جنيـف )١٩٤٩(  وبروتوكولاﺗﻬا الإضافية )١٩٧٧(  ما للحصول على مياه الشرب المأمونة من أهمية أساسية للصحة والبقاء في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ويـنص البروتوكول المتعلق بالماء والصحة لاتفاقية أوروبا لعام ١٩٩٢ المتعلقـة بحمايـة واسـتخدام اﻟﻤﺠاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية على أن تتخذ الدول الأطراف تدابير مناسبة لإتاحة سبل الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي ولحماية الموارد المائية المـستخدمة كمصادر لمياه الشرب من التلوث. كذلك تنص الاتفاقية الأفريقية لحفظ الطبيعـة والمـوارد الطبيعية )٢٠٠٣( على أن تسعى دولها المتعاقدة لأن تضمن لسكانها إمدادات كافية ومستمرة من المياه المناسبة  (٨).

من جهتها طالبت كل من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وبرنامج الرصد المشترك لإمدادات المياه والصرف الصحي ( ٩) وهذا القرار يلزم الدولة الايرانية بمسؤوليتها تجاه المواطنين الأحوازيين في منطقة الغيزانية حيث لا يملكون وصولًا لمصدر من المياه الصالحة للشرب. حيث يعد الوصول إلى مياه نظيفة لأهالي الغيزانية مشكلة كبيرة لهم.

 رأي الباحثون في حق المياه

لفت الباحثون الانتباه إلى أهمية اعتراف الأمم المتحدة بحق الإنسان في المياه خلال نهاية القرن العشرين. ورد من كل من أستاذ القانون ستيفن مكافري من جامعة جنوب المحيط الهادئ عام ١٩٩٢ والدكتور بيتر غليك عام ١٩٩٩ مسعيان لإيضاح حق الإنسان في المياه. صرح مكافري قائلًا: “هذا الحق جزء لا يتجزأ ولا يختلف عن الحق في الغذاء أو البحث عن الرزق والحق في الصحة، أو بشكل أساسي، الحق في الحياة”. ويضيف غليك: “إن الوصول إلى الاحتياجات الأساسية من المياه هو حق رئيسي من حقوق، ومدعوم ضمنيًا وعلنية من قبل القانون الدولي والتصريحات وممارسات الدول” (١٠).

اذن، إن التزام الدولة الإيرانية بتوفير المياه للمواطنين الأحوازيين لابد ان يكون امرا لا نقاش فيه ويحق للمواطنين المطالبة بذلك والدفاع عنه وهذا مكفول في المواثيق الدولية ولا يجوز للسلطات الإيرانية ان تستخدم المياه للضغط على الأحوازيين وذلك يعتبر تمييزا حسب الفقرة ٢ من المادة ٢ في ميثاق لتعليق العام رقم ١٥ اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدورة التاسعة والعشرون ٢٠٠٢.

فإن مثل هذا العهد يحظر أي تمييز يقوم على العرق أو اللون أو الجنس أو السن أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو العجز البدني أو العقلي أو الحالة الصحية أو الميول الجنسية أو المركز المدني أو السياسي أو الاجتماعي أو مركز آخر يرمي أو يؤدي إلى إبطال أو إعاقة التمتع على قدم المساواة بالحق في الماء أو ممارسة هذا الحق. ويوضح هذا العهد ان إيران انتهكت هذا القانون والذي يضمن حماية المواطنين الأحوازيين من الضعفاء في منطقة الغيزانية واطرافها ممن يعانون من شحة المياه.

حق الشعب الأحوازي في المياه وسياسة بناء السدود

تعتبر الأحواز الخزان المائي الأهم للدولة الإيرانية، حيث يوجد فيها  أهم الأنهار كنهر كارون ونهر الكرخة، ونهر الدز، ونهر الجراحي، مع ذلك فهذه الأنهار مازالت تصنف من أكثر الأنهار بالعالم تلوثاً، والأقل تنظيماً بسبب السياسات المتفاوتة للسلطات الإيرانية، حيث دفعت سياسة الحكومة الإيرانية إلى ترشيد إقامة السدود، ما يؤدي إلى التصحر والتقليل من الأراضي الزراعية، حيث لا تقيم هذه السدود على أنهار تحتاجها، ما يؤدي إلى تفاقم ظاهرتي التصحر والسيول التي أدت إلى تهجير الأهالي في المئات من القرى في إقليم الأحواز، بما يحقق تغيير البنية الديمغرافية للأحواز. وفي كلا الحالتين تقف وراء هذه السياسات الرغبة الإيرانية في طمس ملامح الهوية في الأحواز، وتمييع قضية الشعب الأحوازي في تقرير مصيره (١١).

فالمتتبع للسياسات الإيرانية يلاحظ السياسيات التي تهدف الى تعطيش المواطن الأحوازي في القرى من أجل تنفيذ مشاريع كثيرة تهدف إلى تقليص مساحة الأراضي المملوكة للأحوازيين، ومنها توسيع مساحة مشروع قصب السكر من شرق مدينة الأحواز إلى غرب المدينة، الأمر الذي أدى إلى غياب أكثر من ٢٥٠ قرية أحوازية تمتد على ضفتي نهر كارون بين مدينة الأحواز وعبادان والمحمرة والفلاحية وكان سبب في تعطيش المئات من القرى في جميع انجاء الأحواز وسيما في منطقة الغيزانية.

 واقع الامر، ترتبط هذه السياسات ارتباطاً وثيقاً مع سياسات تلويث ما تبقى من مياه الأنهر الأحوازية بمجاري الصرف الصحي للمدن والمستشفيات؛ إضافة إلى مخلفات الشركات البتروكيمياوية، التي تجاوز عددها في الأحواز المائة شركة، وكانت أولى غايات السلطات الإيرانية إجبار أهالي القرى المجاورة للنهر على النزوح والتخلي عن أراضيهم الزراعية. وبالفعل فقد سيطرت السلطات الإيرانية على الأراضي، ووضعت حداً لنظام الري القديم، كما قامت بمنع تدفق المياه من وسط مزارع قصب السكر، ما أدى إلى تخلي المزارعين عن مزيد من الأراضي، التي منعهم مشروع قصب السكر دون حصولهم على المياه اللازمة لري أراضيهم (١٢). وأما في منطقة الغيزانية تكاد ان تكون الرواية مشابهة تماما الا ان مثل هذه المنطقة تعتبر من اغنى بقاع الأرض من حيث الثروات النفطية ولذلك تسعى سلطات الإيرانية تعطيش الأهالي بغية النزوح منها ثم يسهل شراءها بثمن بخس رخيص جدا.

اذن بناء على ما تم ذكره انفا، تنتهك إيران حقوق المواطن الأحوازي من ثلاثة زوايا طبيعياً، اجتماعياً وجماعياً

 

أ: الحق في المياه باعتباره حقاً طبيعياً:

يمثل البيان بشأن المياه الوثيقة التي مهدت السبيل لهذا النوع من النشاط. وقد أصدرت إحدى اللجان الدولية برئاسة ماريو سواريس، الرئيس السابق لجمهورية البرتغال، مسودة هذا البيان في شهر أيلول/سبتمبر ١٩٩٨. ويشتمل هذا البيان على أربع أفكار رئيسية:

يمثل الماء مصدراً من مصادر الحياة والذي لا يمكن استبداله، وهو كذلك سلعة ضرورية يشترك فيها كافة سكان الأرض؛

يمثل الماء إرثاً من إرث الإنسانية، ولذلك فهو لا يماثل أي مصدر آخر؛ وهو لا يعتبر سلعة قابلة للتداول أو التسويق؛

يعود الأمر للمجتمع بكافة شرائحه وعلى مختلف مستويات التنظيم الاجتماعي فيه لضمان الحق في الحصول على الماء لجميع أفراده دون تمييز؛

وتتطلب إدارة المياه قيام مؤسسات ديموقراطية، تحتكم إلى المبادئ الديموقراطية التشاركية والتمثيلية. ولذلك، فمن الضروري إنشاء “شبكة من البرلمانات تختص في قضايا المياه” على المستوى الدولي، وذلك لإطلاق حملات لرفع مستوى الوعي العالمي، إلى جانب إنشاء “هيئة دولية لمراقبة الحقوق في المياه” ( ١٣).

وعلى طر ذلك، حصل عدة مرات اصطدام بين الأحوازيين في منطقة الغيزانية مع السلطات الإيرانية لعدة سنوات وبتبع ذلك اتسمت هذه المواجهات موخرا بالحدة واستخدمت قوات النظام الإيرانية غاز مسيل الدموع ورصاص حي ومن جهة أخرى تبادل اللوم ومسؤولية التقصير بين مسؤول النظام في محافظة خوزستان شمال الأحواز جراء الاعتصامات السلمية التي قام بها اهلي الغيزانية.

حصلت هذه الاعتصامات وقطع الطرق الرئيسية في مدينة الغيزانية  بسبب عدم حصوله المواطن الأحوازي على المياه برغم المتابعة والتي بالكاد تصل مرة كل اسبوعين عبر صهاريج مياه وبأموال طائلة على حساب المواطنين. وطالما تساءل المواطن عن أسباب هذا العناء في حصولهم على المياه الذي يشكل جزاء من حقهم الطبيعي كمواطنين لاسيما ونحن ندخل ازمة تفشي فيروس الكورونا الذي فتك بالآلاف من البشر انحاء العالم. ويرى الكثيرين من سكان الغيزانية ان القسم الاكبر من مشكلة المياه نابعة من سياسة النظام لتهجير الأهالي الذين يعيشون على بحيرات من النفط الخام، وان عصيان أهالي منطقة الغيزانية وحملات الإعلامية التابعة للجهات المعنية في انحاء العالم لإيصال صوت هؤلاء المضطهدين لإيقاف هذه الانتهاكات يبدو انها لم تثمر حتى الآن.

 ب: الحق باعتباره حقاً اجتماعياً جديداً:

من الناحية الواقعية، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الماء النقي الصالح للشرب لا يمثل “سلعة طبيعية”، ناهيك عن كونه يمثل سلعة عالمية يمكن اعتبارها “حقاً طبيعياً”، وذلك بغض النظر عن المعنى القانوني الذي يحمله هذا التعبير الأخير. ففي الواقع، ما يعتبر اليوم حاجة أساسية للإنسان – وهو الماء الضروري للغذاء والصحة والزراعة، والذي لا يتجاوز ١ ٪ من إجمالي كمية الماء “المتوفرة في الطبيعة” – هو بعينه ما يشكل مصدراً نادراً وحيوياً يثير الكثير من النزاعات بسبب تدخل الإنسان. ( ١٤).

ومن المشاكل الرئيسية التي نشهدها في هذا الإطار ضمان حصول المئات من القرى وحتى العديد من المدن في إقليم الأحواز وسيما في منطقة الغيزانية على مثل هذه الحقوق الاجتماعية والتي حُرموا منها لأسباب سياسية واقتصادية. ومن المشاكل الأخرى القائمة في هذا الشأن كيفية حماية حق الشعب الأحوازي في المحافظات الثلاثة (خوزستان، بوشهر وبندر عباس) اللذين يعانون الفقر والاضطهاد في استخدام مصادرها المائية التي صادرتها الدول الإيرانية والشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني المعنية بنقل مياه الأحواز.

ت: الحق في المياه باعتباره حقاً جماعياً: 

يعتبر الكثير أنه يجب النظر إلى الحق في المياه باعتباره “حقاً جماعياً”. وفي هذا السياق، يتم أستخدم عبارة “الحق الجماعي” – وهو مفهوم غريب في جانب كبير منه عن النظرية الغربية حول حقوق الإنسان – بحسب المعنى الذي اكتسبه منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة في فيينا عام ١٩٩٣، وعلى نحو ما تحديده منذ بروز نظرية كيمليكا (١٥).

اذن، وبناء على ما تم ذكره، انتهكت إيران أولا “الحق الاجتماعي” الذي لابد ان يتمتع به كل مواطن أحوازي للحصول على المياه. وتم دعم هذا الحق في الوثائق الدولية، ولا سيما من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، التي تحمي الحق في الحياة والحق في الضمان الاجتماعي والحق في الغذاء والصحة. ومن خلال قيام النظام الإيراني بنقل كميات ضخمة من المصادر المائية الأحوازية، ولا سيما من الحوض النابعة في صدر الأنهر من جبال زاغروس، فإن إيران تشكل تهديدات خطيرة على الحقوق التي يتحتم أن يتمتع الأحوازيون بها. زد على ذلك القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية على استخدام المواطنين الأحوازيين للمياه للأغراض المنزلية. وعلى وجه التحديد، تفرض سلطات الاحتلال الإيرانية هذه القيود على الأحوازيين والذي بموجبه يحظر على المواطنين الحصول على المياه للزراعة أو البناء دون تصريح خاص بذلك من السلطات التابعة للنظام. كما عملت السلطات على تحريم المئات من القرى في المحافظات الاحوازية الثلاثة خوزستان، بوشهر وبندر عباس من الحصول على مياه للشرب بقدر كاف.

وفضلاً عن ذلك، حظرت السلطات الإيرانية على المزارعين ريّ محاصيلهم ومزارعهم في الكثير من الأشهر طوال السنة، وفرضت القدر عالية من الرسوم على استخدام المياه على كل من الأحوازيين. بينما يتمتع الفلاح والمزارع الإيراني في محافظة أصفهان بمياه الأحواز التي يتم نقلها عبر الانفاق الى المحافظات الفارسية.

وأثرت الانتهاكات الإيرانية على “الحق الجماعي” للمواطنين الأحوازيين في استخدام المصادر المائية الوطنية، والذي تنص عليه القواعد العرفية المتفرعة عن القانون الدولي العام، والتي تعود في تاريخها إلى “أنظمة لاهاي” الصادرة في سنة ١٩٦٦ والاتفاقية بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية المقرة في سنة ١٩٧٧(١٦)، وبموجب القانون يجوز استخدام وتطبيق بنود الميثاق على الشئون الداخلية كما يتم تطبيقها في الخلافات بين الدول. اذن تصنف المحافظات والاقاليم وحتى المدن حسب هذه المواثيق باعتبارها دول ويحق لها ان تقدم الشكاوى في المحاكم وتطالب باسترداد مياهها.

وبموجب ذلك، يستلزم هذا المبدأ أن تقوم كل دولة أو ولاية أو إقليم أو محافظة بـ”استخدام المياه بصورة عادلة ومعقولة”، كما لا يجوز لأية جهة أن تُلحق الضرر بجودة أو تدفق المياه التي تتشارك فيها مع جهة أخرى. وعلاوةً على ذلك، يجب على هذه الجهات أن تتعاون في إدارة المياه واطلاعها على سياساتها المائية. ولكن إيران نفذت مشاريع مائية لمحاربة الأحوازيين وسبب ذلك انهيارا واضحا في قطاع الزراعة وفي مياه الشرب للمواطنين الأحوازيين.

مشروع السدود والانفاق

 لم تقم السلطات الإيرانية أبداً بالتشاور مع الخبراء المائيين في الإقليم ولا مع دول الجوار مثل العراق والتي تضررت جراء بناء السدود على ينابيع الأنهر الأحوازية، كما دأبت على اتخاذ قرارات أحادية الجانب في هذا الخصوص.

 وبحسب التقارير الرسمية وحسب دراسة قامت بها “مركز أبحاث التيار الوطني الأحوازي”، فقد تم إنشاء أكثر من ٤٠ سدا ونفقا على مصادر المياه وأحواض الأنهر الأحوازية مثل كارون والكرخه والجراحي، بهدف نقل مياهها الى العمق الإيراني.

أثبتت الدراست ان قوات الحرس الثوري أنشاءت ٢٥ سداً على ينابيع نهر كارون الكبرى، و٧ على نهر الكرخه، و٨ سدود على نهر الجراحي. هناك أيضا ١٩ سدا قيد الإنشاء تعمل عليها شركات تابعة للحرس الثوري على نهر كارون و١٢ سدا قيد الإنشاء على نهر الكرخة و٥ سدود على نهر الجراحي وتم تسجيل ١٤٠ سدا لاتزال جميعها قيد الدراسة.

ووفقًا للوثائق الرسمية الإيرانية، فإن ٢٥ سداً ونفقًا تم إنشاؤها على احواض نهر كارون هي كالتالي: سد انحرافی و تونل جشمه لنغان  : سد انحرافی و تونل سد کوهرنك ۱،  سد انحرافی و تونل کوهرنك ۲، سد تشغاخوز، سد غتوند علیا، سد حنا سمیرم، سد خان اباد، سد دز، سد سر تبرک هفتكل، سد شاه قاسم، سد کارون ۱ (شهید عباس پور)، سد ظهیریه، قره اقات سمیرم، سد کارون۳، سد کارون۴، سد کزنار، سد کمال صالح، سد کمانه، سد مسجد سلیمان، سد ناقان، سد هفتشجان (جشمه زنه)، سد جغاخور ، سد تنظیمی غتوند، سد تنظیمی دز و سد فرادنیه .

وبحسب وثائق الرسمية الإيرانية، فإن السدود والأنفاق السبعة التي تم إنشاؤها في أحواض الكرخة هي: سد تنكه هاله، سد سیبتون، سد کرخه، سد کلان ملایر، سد ولی عصر، سد شیان، سد تنظیمی کرخه. ووفقًا للوثائق الرسمية الإيرانية، وتم إنشاء ٨ سدود وأنفاق على الأحواض الجانبية لنهر الجراحي وهي كالتالي: سد بارسل ۱۱، سد تشان، سد دهنو هندیجان، سد رامهرمز، سد شقه حمید، سد کلتندر، سد کوثر، سد مارون ( ١٧).

هذه المشاريع انتهكت حقوق المواطن الاحوازي من المياه وحرمت الشعب الأحوازي من حقه الطبيعي والاجتماعي والجماعي من المياه، تعتبر انتهاكا ايرانيا على الحقوق التي أقرّها المجتمع الدولي للمواطنين ومنهم الأحوازيين، باعتباره شعباً خاضعاً لسلطة الاحتلال الايراني، وذلك بموجب القانون الدولي الإنساني المطبق في زمن الحرب والذي أنشأته “أنظمة لاهاي” المقرّة في سنة ١٩٠٧ (١٨)، اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة عام ١٩٤٥ (١٩). وبموجب هذه القواعد، لا تمتلك الدولة الإيرانية القائمة بالاحتلال حقوقاً سيادية على إقليم الأحواز والذي تحتله منذ تسعة عقود. ولا تتعدى سلطة الدولة الإيرانية القائمة بالاحتلال سلطة أمر واقع ضمن إطار وضع مؤقت، بحسب تعريفه.

وعلى النقيض من ذلك، لاتزال تعمل قوات الحرس الثوري على بناء مشروع السدود على احواض الأنهر في الأحواز منذ عهد الرئيس الأسبق الإيراني هاشمي رفسنجاني حتى يوما هذا وشكلت انتهاكا صارخا بشأن المصادر المائية وتزويد المياه على إحداث تغيير جذري في الإطار القانوني.

انتهاك حقوق مياه المواطنين في مدينة الغيزانية، نموذجا

يضم قضاء الغيزانية (الذي يشمل ريف الغيزانية والمشرحات ايضا) أكثر من ٥٠٠٠٠ نسمة وتشمل ٩٠ قرية. في حين تفتقر أكثر من نصف هذه القرى في هذه المنطقة إلى مياه الشرب، كما تحصل باقي القرى على المياه في شكل حصص غذائية. تمتلك الغيزانية مصفاة نفطية وأكثر من ٢٠ شركة في القطاعات الصناعية النفطية للإستخراج و يُستخرج النفط يومياً ليغذي إقتصاد إيران ومن ابرزها: مارون ١، مارون ٣، مارون ٤ و مارون ٦.

سنوات مرت على مدينة الغيزانية يسمع فيها المواطنون وعود لا تنتهي بتوصيل شبكة مياه لها ولنحو اثنتين وأربعين قرية في محيطها، دون أن تجد هذه الوعود أي سبيل لتصبح حقيقة، وواقعا ملموسا. المدينة التي تعجّ بآبار النفط، تعيش واقعا كارثيا في الحاجة لمياه للشرب، وقد دأب المسؤولون على ادعاء الاستماع لمطالب الأهالي، وإطلاق الوعود لهم بحل هذه المشكلة لكن باتت جميع هذه المحاولات فاشلة. وحسب الدراسات الميدانية تبين ذكر أن عدد قرى ناحية الغيزانية تقلص إلى ٧٥ قرية نتيجة نزوح سكان ١٥ قرية بالكامل في وقت سابق جراء هذه الأزمة الحادة.

ولكن رغم احتجاجات أهالي القرية وانعكاس أحداثها في وسائل الإعلام العالمية والمحلية بشكل واسع، ورغم قرارات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ووعود محافظ خوزستان (شمال الأحواز)، غلام رضا شريعتي، بتوفير مياه الشرب لهذه القرية لاتزال يعاني المواطن الأحوازي من حقه في المياه في هذه المنطقة.

ويقول المسؤولون المحليون، وأهالي هذه المنطقة، إنه على الرغم من وجود ٨٠٠ بئر نفط، ووجود نهر كارون بالقرب منها، ولكن تعاني هذه المدينة وريفها من البطالة والاهمال ومن أهم معاناة الرئيسية هي أزمة مياه الشرب.

وبالنتيجة، دفعت هذه الانتهاكات المواطنين للاحتجاج وقطع الطرق الرئيسية بين المدن عدة مرات لكن لم يجدي ذلك نفعا ورغم ان هؤلاء المواطنين طالبوا بتزويدهم بصهاريج لنقل المياه فحسب، لكن وكما نشر في صحيفة “إيران”، اليوم الثلاثاء ٢٦ مايو (أيار)، تقريرًا نقلت فيه عن أهالي القرية قولهم إنه على الرغم من وعود المسؤولين بزيادة أعداد صهاريج نقل المياه إلى ١٥ صهريجًا، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق ايضا، ولم تشهد القرية دخول صهاريج المياه.

وذكرت وسائل إعلام محلية ودولية، أن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص في وجه المحتجين بمدينة الغيزانية في محافظة خوزستان (محافظة شمال الأحواز) إحدى المحافظات الأحوازية، بعدما خرجوا غاضبين على نقص مياه الشرب. وبعد هذه الاحتجاجات، قد اعترف مسؤولون في النظام الإيراني بأن هناك ظلما واقعا على سكان المنطقة، حيث أعرب شاهين هاشمي مدير قضاء الغيزانية، إن إمدادات المياه إلى ٤٢ قرية من ٩٠ قرية في منطقة الغيزانية، تتم بواسطة ناقلات ولا يملكون الناس سوى دفع اموال طائلة مقابل مياه الصهاريج.

بناء على ما اسلفناه، انتهكت إيران حقوق مياه المواطنين الأحوازيين في الغيزانية، ويلزم على النظام الإيراني تنفيذ هذه الشروط والتي اقرتها معاهدات دولية ومواثيق اممية:

 

أ: الحق في المياه يتضمن حريات (٢٠ )

تشمل هذه الحريات الحماية من الانقطاعات العشوائية وغير القانونية؛ وحظر التلويث غير المشروع للموارد المائية؛ وعدم التمييز في الحـصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بين إقليم الأحواز والمحافظات الفارسية مثل أصفهان وكرج وشيراز وتهران؛ وعدم إعاقة سبل الوصول إلى الإمدادات الموجودة من المياه. لكن كما هو واضح في الفيديوهات التي عرضت والمطالبات التي عرضها أهالي الغيزانية طوال السنين الماضية يفتقر الشعب الأحوازي في هذه المنطقة الى ضمان حقه في المياه حيث تتم عملية نقل المياه عبر الصهاريج وتدفع من جيوب العوائل الفقيرة، بالإضافة الى ان مثل هذه المياه التي تنقل لهم ليست قابلة للشرب وملوثة ويتم نقلها من الأنهر بشكل مباشر عن طريق شريكات خاصة.

 

ب: الحق في المياه يتضمن استحقاقات

وتشمل هذه الاستحقاقات الحصول على حد أدنى من كميات مياه الشرب المأمونة للحفاظ على الحياة والصحة؛ والمشاركة في اتخـاذ القـرارات المرتبطة بالمياه والصرف الصحي على الصعيد الوطني وصعيد اﻟﻤﺠتمعات المحلية ( ٢١).

أي تلزم مثل هذه القرارات السلطات الإيرانية بأن تمد المياه لكل شخص في الأحواز بشكل كافي ومستمر لكي يغطي بها احتياجاته الشخصية والمنزلية، لكن أثبتت التقارير والفيديوهات ان السطات الايرانية تحاول اهمال هذه الاستحقاقات التي ضمنتها منظمة الصحة العالمية.  والمثال على ذلك، تفيد منظمة الصحة العالمية بأن الشخص يحتاج إلى كمية تتراوح بين ٥٠ لتراً و١٠٠ لتر في اليوم لضمان الوفـاء باحتياجاته الأساسية، ولتجنب نشوء الكثير من المخاوف الصحية. ويمثل الحصول على كميـة قدرها من ٢٠-٢٥ لتراً للشخص في اليوم حدا أدنى ( ٢٢). بينما يفقد المواطن الأحوازي في الغيزانية على مياه يروي به عطشه طوال اليوم في حرارة تصل الى خمسين درجة في الربيع والصيف.

ت: يجب أن تكون إمدادات المياه لكل شخص كافية ومستمرة لتغطيـة الاسـتخدامات الشخصية والمنزلية، التي تشمل المياه لأغراض الشرب، وغسل الملابس، وإعداد الطعام، والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية (٢٣) لكل مواطن أحوازي لكن لا توجد امدادات للمياه ولا اذان تسمع مطالب المواطنين.

ث: يجب أن تكون المياه المستخدمة في الأغراض الشخصية والمنزليـة مأمونـة ومقبولـة. فيجب أن تكون خالية مـن الكائنـات الدقيقـة، والمـواد الكيميائية والمخاطر الإشعاعية التي تشكل ﺗﻬديدا لصحة الشخص. وفضلا عن ذلك، ينبغي أن يكون الماء مقبولا من حيث اللون والرائحة والطعم ضمانا كي لا يلجأ الـشخص إلى بدائل ملوثة قد تبدو أكثر جاذبية. وتنطبق هذه الشروط على جميع مصادر توفير المياه، بما في ذلك مياه الأنابيب والصهاريج والمياه التي يوفرها الباعة والآبار المشمولة بالحماية (٢٤). بينما يشرب المواطن الأحوازي من المياه التي تنقل عبر صهاريج يتم شحنها من نهر كارون مباشرة. في حين يعرف الجميع تم تصنيف نهر كارون طوال العقد الماضي باعتباره أكثر الأنهر تلوثا في العالم.

ج: يجب تأمين الوصول المادي إلى مرافق المياه والصرف الصحي ويجب أن تكون تلـك المرافق على مسافة مأمونة في متناول جميع القطاعات السكانية، مع أخـذ احتياجـات الفئات الخاصة بعين الاعتبار، ومنها المعوقون والنساء والأطفال والمسنون (٢٥).  بينما ينقل المواطن الاحوازي في الغيزانية المياه من مسافات بعيدة يصعب على المواطن الحصول عليها الا مقابل أموال طائلة وهذا يعتبر انتهاكا لحقوق المواطنين الأحوازيين.

ح: يجب أن تكون تكلفة خدمات المياه في متناول الجميع. فلا ينبغي أن يحرم أي فـرد أو جماعة من الحصول على مياه الشرب المأمونة بسبب العجز عن دفع تكلفتها (٢٦ ) .  اثبتت الفيديوهات التي خرجت من منطقة الغيزانية يدفع المواطن الأحوازي أموال طائلة مما اثقلت الحياة على السكان في تلك القرى وأدت الى نزوج أهالي ١٥ قرية بشكل كامل من منازلهم.

الملخص

العلاقة بين الحصول على مياه الشرب المأمونة للمواطن الأحوازي ينبغي ان لا تكون ورقة ضغط حكومية يراد بها تهجير القرى في الأحواز. ولا ينبغي أن تهـدد السلطات الإيرانية المواطن الأحوازي في الحـصول علـى الميـاه للاستخدام في الأغراض الشخصية والمنزلية مقابل تكاليف مالية وهذا حق مكفول في القانون الدولي وعلى ألا تصبح أهداف استرداد التكاليف حائلا دون حصول الفقراء علـى مياه الشرب المأمونة. وينبغي أن يدفع مستخدمو المياه تكلفة مناسبة فيما يتجاوز توفير مياه الشرب المأمونة لتلبية الحاجات الأساسية. بينما مثل هذه الحالة أصبحت وبالا على المواطن الأحوازي حيث إثقلت كاهل الأسر الفقيرة بأعباء نفقات مفرطة مقابل الميـاه في منطقة الغيزانية. عدم اكتراث النظام الإيراني للوضع المائي للمواطنين الاحوازيين الذين يعانون التهميش والاضطهاد، وهو الأمر الذي يثير غضب السكان، وأدى الى اندلاع احتجاجات سنوية شهدها الإقليم لعدة سنوات بسبب ندرة مياه الشرب وتلوث ما يصل منها، ووثقت شبكات التواصل الاجتماعي جانبا من هذه الاحتجاجات والانتقادات التي وجهت إلى الحكومة بسبب “سياساتها القمعية” في مواجهة الحراك.

التوصيات

التوصيات للنشطاء في محافل الدولية للمطالبة بحقوق الأحوازيين في الحصول على المياه هي كالتالي:

أولا: ينبغي على السلطات الإيرانية تنفيذ العهد التابع اللجنة المعنيـة بـالحقوق الاقتـصادية والاجتماعية والثقافية حول المياه والامتثال بالكامل لالتزاماتها بتقديم التقارير، يركز التعليق العام هذا، في الجزء ثانياً، على المضمون المعياري للحق في الماء المنصوص عليه في الفقرة ١ من المادة ١١ والمادة ١٢.

ثانيا: ينبغي على السلطات الإيرانية أن تكون توفر حق المواطن الأحوازي في الماء بشكل كافي لكي يصون كرامة الإنسان وحياته وصحته، وفقاً لأحكام الفقرة ١ من المادة ١١و المادة ١٢.

ثالثا: ينبغي أن لا يحرم الأطفال في الأحواز وسيما في الغيزانية من التمتع بما لهم من حقوق الإنسان بسبب عدم توفر الماء الكافي في المؤسسات التعليمية والأسر المعيشية أو من خلال تحملهم لعبء جلب الماء. وينبغي على وجه الاستعجال معالجة هذا الامر في الغيزانية التي تعاني حالياً من انعدام الماء بشكل نهايي.

رابعا: حماية وصول الشعوب الأصلية مثل الشعب الأحوازي إلى الموارد المائية في أراضي أجدادها من التعدي والتلوث غير المشروعين. وينبغي أن تقدم الدول الموارد إلى الشعوب الأصلية لتصميم مرافق وصولها إلى الماء وتنفيذها، والتحكم فيها؛

خامسا: يقع على عاتق الدول الايرانية، بموجب العهد، واجب ثابت ومستمر للانتقال بأسرع وأنجع نحو ممكن صوب الإعمال الكامل للحق في الماء.
سادسا: ينطوي إعمال الحق في الماء، شأنه شأن أي حق من حقوق المواطن الأحوازي، على ثلاثة أنواع من الالتزامات الملقاة على عاتق الدول الايرانية: التزامات بالاحترام، والتزامات بالحماية، والتزامات بالإنفاذ.

سابعا: يجب ان تضمن الدولة الإيرانية مسؤوليتها عن تحمل تكاليف الماء، يجب أن تعتمد إيران التدابير اللازمة التي قد تتضمن أموراً منها: (أ) استخدام طائفة من التقنيات والتكنولوجيات المناسبة المنخفضة التكلفة؛ (ب) تطبيق سياسات مناسبة للتسعير مثل توفير الماء مجاناً أو بتكاليف منخفضة؛ (ج) تقديم إعانات للدخل. وينبغي أن يستند أي مبلغ يدفع مقابل الحصول على خدمات المياه إلى مبدأ المساواة وأن يكفل قدرة الجميع، بما في ذلك المجموعات المحرومة اجتماعياً، على تحمل تكاليف هذه الخدمات، سواء قدمتها جهات خاصة أم عامة.

 

 

الهوامش:

١) اللجنة المعنيـة بـالحقوق الاقتـصادية والاجتماعية والثقافية. (٢٠٠٢). المادتان ١١ و١٢ من المعهد، التعليق العام رقم ١٥. الفقرة ١. (الدورة التاسعة والعشرون ).

٢)  وعلى وجه الخصوص، يشير الفصل الثامن عشر من “الأجندة 21” إلى الإجراءات المتكاملة بشأن تنمية المصادر المائية وإدارتها واستخدامها. كما وضع هذا الفصل برنامجاً شاملاً يتعلق باستخدام المياه في المدن، بالإضافة إلى حماية الأنظمة البيئية والمصادر المائية وضمان جودتها. وتهدف هذه الإجراءات بمجموعها إلى توفير الماء باعتباره عنصراً ضرورياً للمحافظة على الصحة والتخفيف من حدة الفقر والري، وبالتالي ضمان إنتاج الغذاء.

٣)

^ “Resolution 64/292: The human right to water and sanitation”. United Nations. August 2010.

مؤرشف من الأصل في 14 نوفمبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 13 أكتوبر 2018.

^ General Assembly resolution 64/292, The Human Right to Water and Sanitation, (4 August 2010), available from https://s3.amazonaws.com/berkley-center/100308UNARES64292.pdf

٥)

 Meier, B. M., Kayser, G., Amjad, U., & Bartram, J. (2012). Implementing an evolving human right through water and sanitation policy. Available at SSRN: http://ssrn.com/abstract=2015424.

٦) الأمم المتحدة، مكتب لمفوض السامي لحقوق الانسان. (٢٠١٢). الحق في المياه. جنيف. الرابط https://www.ohchr.org/Documents/Publications/FactSheet35ar.pdf

٧)  الشكوى رقم ٢٠٠٤/٢٧، المركز الأوروبي لحقوق طائفة الروما ضد إيطاليا، الب ّت في وجاهة الدعوى، ٧ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٥.

٨)

Gleick, P.H. “The Human Right to Water” (1999) Water Policy, Vol. 1, Issue 5, pp. 487-503

https://web.archive.org/web/20160222061549/http://pacinst.org/wp-content/uploads/sites/21/2012/10/basic_water_needs_human_right_to_water.pdf

٩)

Gleick, P.H. “The Human Right to Water” (1999) Water Policy, Vol. 1, Issue 5, pp. 487-503

https://web.archive.org/web/20160222061549/http://pacinst.org/wp-content/uploads/sites/21/2012/10/basic_water_needs_human_right_to_water.pdf

١٠)

Gleick, P.H. “The Human Right to Water” (1999) Water Policy, Vol. 1, Issue 5, pp. 487-503

https://web.archive.org/web/20160222061549/http://pacinst.org/wp-content/uploads/sites/21/2012/10/basic_water_needs_human_right_to_water.pdf

١١) مركز دراسات دور انتاش. (٢٠٢٠). المساءلة الدولية لإيران في إطار التجاوزات على البيئة في الأحواز من وجهة نظر القانون الدولي. الرابط https://www.dusc.org/ar/article/5878

١٢) صحيفة إيلاف، نخيل الاحواز والحقد الصفوي الأعمى، 21 يونيو 2008.

١٣) أنظر فاندانا شيفا، حروب المياه، ميلانو: فلترينلي، 2003، ص. 33 – 50. (تم الاسترجاع من دراسة دانيلو زولو. (٢٠٠٤). الحق في المياه باعتباره حقاً اجتماعياً وحقاً جماعياً ).

١٤)  أنظر فاندانا شيفا، حروب المياه، ميلانو: فلترينلي، 2003، ص. 10، 95 – 112.   أنظر أيضاً م. لايمي، ملف المياه: شحها وتلوثها وفسادها، باريس: Seuil، 2003. (تم الاسترجاع دراسة دانيلو زولو. (٢٠٠٤). الحق في المياه باعتباره حقاً اجتماعياً وحقاً جماعياً)

١٥) أنظر و. كيمليكا، الليبرالية، والمجتمع والثقافة، أكسفورد، مطبعة جامعة أكسفورد، 1989. وانظر كذلك أ. فاتشي، الحقوق في قارة أوروبا التي تتعدد فيها الثقافات، روما-باري: لاتيرزا، 2001، ص. 21 – 36. وللإطلاع على وجهة نظر مخالفة لكيمليكا، أنظر ج. هابيرماس، النضال في سبيل الحصول على الاعتراف في ظل سيادة القانون، فرانكفورت، مطبعة Suhrkamp، 1996. (تم الاسترجاع الى  دراسة دانيلو زولو. (٢٠٠٤). الحق في المياه باعتباره حقاً اجتماعياً وحقاً جماعياً ).

١٦) بخصوص هذه القواعد العرفية الدولية، أنظر “إعادة البناء من الناحية التاريخية”، في كتاب فاندانا شيفا، حروب المياه، ص. 88 – 94. (تم الاسترجاع دراسة دانيلو زولو. (٢٠٠٤). الحق في المياه باعتباره حقاً اجتماعياً وحقاً جماعياً)  )

١٧) مصطفى حته. (٢٠٢٠). سد سازى در احواز ناقض کنوانسیون ها و معاهدات بين المللى آب. الرابط

https://www.dusc.org/fa/article/5484

١٨) وهذه “الأنظمة” ملحقة باتقافية لاهاي الرابعة: قوانين وأعراف الحرب على الأرض، الصادرة عن مؤتمر السلام الثاني في لاهاي، تشرين الأول/أكتوبر 1907، والتي دخلت حيز النفاذ في شهر كانون الثاني/يناير 1910.

١٩) يتضمن الموضوع حول الحرب، والقانون والنظام العالمي نص اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949.

٢٠) أمم المتحدة. صحيفة الوقائع رقم ٣٥. الحق في المياه. جنيف. الرابط https://www.ohchr.org/Documents/Publications/FactSheet35ar.pdf

٢١) المصدر السابق

٢٢)ج. هوارد وج. بارترام، “كمية المياه المترلية ومستوى الخدمات والـصحـة (G. Howard ”and J. Bartram, “Domestic water quantity, service level and health)

)منظمة الـصحة العالمية، ٢٠٠٣(، الصفحة ٢٢.

٢٣) أمم المتحدة. صحيفة الوقائع رقم ٣٥. الحق في المياه. جنيف. الرابط https://www.ohchr.org/Documents/Publications/FactSheet35ar.pdf

٢٤) أالمصدر السابق

الطبعة الثالثة )٢٠٠٨(  ويمكن الحصول عليه من www.who.int.

٢٥) أمم المتحدة. صحيفة الوقائع رقم ٣٥. الحق في المياه. جنيف. الرابط https://www.ohchr.org/Documents/Publications/FactSheet35ar.pdf

٢٦) المصدر السابق

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!