الثلاثاء, مايو 14, 2024
دراساتحقوق الطفل الأحوازي في إطار اتفاقية حقوق الطفل الدولية

حقوق الطفل الأحوازي في إطار اتفاقية حقوق الطفل الدولية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

 تعد اتفاقية حقوق الطفل الصك القانوني الدولي الأول الذي حقق القبول العالمي تقريباً، وقد تم التصديق عليها من قبل ١٩٣ دولة طرف، وساعدت في ذلك مهمة اليونيسف في حماية حقوق الأطفال ومناصرتها لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتوسيع الفرص المتاحة لهم لبلوغ الحد الأقصى من طاقاتهم وقدراتهم.

وتأتي أهمية اتفاقية حقوق الطفل من كونها تمخضت عن معاهدة دولية، فوضعت الأسس اللازمة لرعاية الأطفال ما دون الثامنة عشر، فأصبحت الصك الدولي والقانوني، الذي تلتزم بموجبه الدول المشاركة التي صادقت على بنود الاتفاقية، بالإضافة لقبولها بإدماج حقوق الإنسان كاملة، سواء منها المدنية، والسياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية.

 نشأت فكرة اتفاقية حقوق الطفل في عام ١٩٨٩، عندما اتفق زعماء العالم على أن الأطفال بحاجة إلى رعاية خاصة تختلف عن احتياجات الكبار، وبالتالي يجب أن تكون هذه الرعاية ملزمة عبر اتفاقية تشارك بها وتُصادق عليها الدول المختلفة، لضمان الاعتراف بحقوق أطفال العالم. وقد تضمنت اتفاقية حقوق الطفل ٥٤ مادة، بالإضافة إلى بروتوكولين اختياريين، قررت ضرورة أن يتمتع الأطفال بحقوق الإنسان الأساسية كحق البقاء، وحق النمو، والتطور، وحق الحماية من الأضرار، بالإضافة إلى الحماية من المعاملة السيئة وأي استغلال، والحق في مشاركة الأسرة في نشاطات الحياة الثقافية، والاجتماعية. كما حمت الاتفاقية الأطفال عن طريق وضعها لمعايير خاصة برعايتهم صحياً، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والمدنية، والقانونية لهم، كما أقرّت حقهم في التعليم، بالإضافة إلى العديد من الحقوق الأخرى (١).

وقد تقرّرت معايير الاتفاقية وبنودها عبر حدوث مفاوضات استمرت لأكثر من ١٠ سنوات بين حكومات الدول، والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى أنصار حقوق الإنسان، والباحثين الاجتماعيين، والمحامين، وعلماء التربية، ومسؤولي الصحة، واختصاصيي تنمية الطفل، والزعماء الدينيين من مختلف أنحاء العالم. فتمخضت هذه المفاوضات إنجاز اتفاقية حقوق الطفل بكامل بنودها، حاملة أهم التقاليد والقيم التي تقوم بشكل أساسي على حماية الأطفال، والحفاظ على كرامتهم الإنسانية. كما عكست الاتفاقية معظم الأنظمة والقوانين العالمية، واهتمّت بشكل كبير في احتياجات أطفال الدول النامية، كما أنها ركزت على حق الطفل في الحصول على الاحترام دون تحيّزٍ أو تمييز لعرقه، أو جنسه، أو أصله.

 

أولاً- اتفاقية حقوق الطفل الدولية: المعايير الواردة وآليات العمل على حماية الأطفال

 في ٢٠ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٨٩، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع نص اتفاقية حقوق الطفل بموافقة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وفي أيلول/سبتمبر عام ١٩٩٠، وبعد تصديق ٢٠ دولة عليها أصبحت صكاً قانونياً ملزماً. وأعقب تصديق عدة بلدان عليها بعد اعتمادها بفترة وجيزة. وتوالى بعد ذلك تصديق أو انضمام البلدان الأخرى تباعا، لتصبح بذلك الصك الأكثر قبولاً لحقوق الإنسان على المستوى العالمي. وحتى كانون الثاني/ ديسمبر ٢٠٠٥، أصبحت جميع الدول طرفاً في الاتفاقية تقريبًا. باستثناء الصومال والولايات المتحدة، اللتان وقعتا عليها فقط معربتان بذلك عن مساندتهما لها.

من أهم المعايير التي يتم مراقبتها في إطار ممارسات الدول، هو حماية كل من لم يتم الـ ١٨ عشر من عمره، لتطبيق مدى الالتزام بالحقوق الإنسانية للأطفال في هذا العمر، ومن ثم مقارنة النتائج، التي وصلت إليها منظمة اليونسيف والمنظمات غير الحكومية، حيث تشكل هذه الآلية مقدمة إلزامية، على اعتبار أن الحكومات وافقت على الاتفاقية، وبالتالي أصبحت معاهدة ملزمة من خلال مراقبة عمل الحكومات، ومساعدتها في تطوير نفسها، عن طريق تطوير وتحديث وتنفيذ سياساتها وإجراءاتها التشريعية لتتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الطفل؛ وترجمة هذه المعايير إلى حقيقة واقعة للأطفال؛ والامتناع عن اتخاذ أي إجراء قد يحول دون تمتع الأطفال بتلك الحقوق أو يؤدي إلى انتهاكها.

١: الإجراءات والآليات العملية لتقييم مدى التزام الدول بالمعايير الدولية لحقوق الطفل:

في هذا الخصوص تلتزم الحكومات بتقديم تقارير دورية عن التقدم الذي أنجزته، عن طريق لجنة مكونة من خبراء مستقلين، بالتوازي مع قيام المنظمات والهيئات في المجتمع الدولي برصد ودعم ما تم إنجازه في إطار اتفاقية حقوق الطفل الدولية، وتلزم لجنة حقوق الطفل التي مقرها مدينة جنيف، وهي هيئة منتخبة من خبراء مستقلين معنيين بمتابعة ورصد تنفيذ الاتفاقية، ومتابعة أداء الحكومات التي صادقت على الاتفاقية بتقديم تقارير منتظمة عن أوضاع حقوق الأطفال في بلادهم. وتستعرض اللجنة تلك التقارير مع إبداء ملاحظاتها، وتعمل على تشجيع الحكومات لاتخاذ التدابير وإنشاء المؤسسات الخاصة لتعزيز وحماية حقوق الأطفال. وقد تحتاج اللجنة إلى طلب المساعدة الدولية من حكومات أخرى والمساعدة التقنية من منظمات مثل اليونيسف.

وتضمن الاتفاقية مجموعة متكاملة من المعايير والإجراءات والضمانات، التي تعكس الرؤى الجديدة لحاجات الطفل التي تتطور يوماً بعد يوم، خصوصاً مع زيادة عدد بؤر الصراع في العالم، وعدم إيجاد الحلول للعديد من المشكلات السياسية، التي أصبحت تتحول أوتوماتيكياً إلى مشكلات اجتماعية ( كما في الحالة الأحوازية)، يدفع ثمنها الأطفال، بما في ذلك مشكلة أطفال المليشيات في مناطق الصراع، التي أصبحت بسبب طوال مدتها الزمنية تؤدي إلى زواج وتكوين أسرة، أو يتم استقدام هذه الجماعات مع عوائلها، كما يحصل في سورية، بالنسبة لأطفال عائلات داعش، واستقدام عوائل الإيغور إلى سورية. وبالتالي تعرض ذلك مع القاعدة المبدأ العام، الذي يقرر أنّ الطفل ليس ملكاً لوالديه، بقدر ما هو كائن حي يتمتع بحقوقه، وتتمثل الرؤية الجديدة للطفل بالنظر إليه كفرد مستقل ينتمي إلى أسرة ومجتمع يتمتع بحقوق، وعليه واجبات تتلاءم مع سنه ومرحلة نماءه.

٢: في إطار رصد التقدم الذي تم تحقيقه بشأن حقوق الطفل:

تشكل حقوق الطفل حقوقاً إنسانية أساسية متأصلة في الكرامة الإنسانية، وانطلاقاً من هذا المفهوم لا يمكن التعامل مع حقوق الطفل من باب الاختيار، أو استجداء الدول، أو الرأفة، أو الصدقة، بقدر ما تشكل رزمة من الالتزامات والمسؤوليات، التي يجب على الجميع احترامها والوفاء بها. وقد لاقت هذه الحقوق قبولاً حتى من الكيانات التي لا تحمل صفة دولة، كما حصل مع الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو حركة تمرد في جنوب السودان، حين امتثلت في جميع تحركاتها لإعطاء المنظمات الدولية العاملة، الحرية الكاملة للوصول إلى إيجاد الآليات والإجراءات التي مكنت المنظمات الدولية من الوصول إلى حاجة الأطفال وحقوقهم. فشكلت المنظمات التي تعمل في أوساط الأطفال ولأجلهم بما في ذلك المنظمات الغير حكومية ومنظمات من داخل الأمم المتحدة، مرجعاً للوقوف عن واقع حقوق الطفل.

وفي هذا الخصوص، ركزت اتفاقية حقوق الطفل الدولية على مبدأ مساءلة الحكومة في حالة إخفاقها في إعمال حقوق الإنسان، وأهمية العمل بشفافية والتدقيق بكل الحقوق المرتبطة بها. وذلك من خلال تعزيز نظام التضامن الدولي الذي صمم لتحقيق حقوق الأطفال. واستناداً إلى عملية تقديم التقارير التي تنص عليها الاتفاقية، يتعين على الدول المانحة تقديم المساعدة للمناطق ذات الاحتياجات الخاصة؛ كما يتعين على الدول المستفيدة توجيه مساعدات التنمية الخارجية لتلك المناطق (٢).

 

ثانياً- واقع الطفل الأحوازي في إطار اتفاقية حقوق الطفل الدولية:

 شكلت تاريخية القضية الأحوازية، منعكساً واضحاً على حقوق الطفل الأحوازي، سواء على الصعيد التاريخي بدءاً من حرمان الطفل الأحوازي من التعلم بلغته الأم، كحق إنساني متأصل في المعاهدات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، خصوصاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية، و انتهاءاً بالانتهاكات الصارخة للسلطات الأمنية الإيرانية التي تعامل الأطفال معاملة قاسية لا تفترق البتة على انتهاكاتها بحق السياسيين والنشطاء الأحوازيين، وقد تلافت اتفاقية حقوق الطفل ذلك، عندما ربطت حقوق الطفل بالعهدين الدوليين. وعلى هذا الأساس، أصبحت اتفاقية حقوق الطفل، في إطار الحالة الأحوازية مرتبطة بشكل وثيق بالاحتلال وحق تقرير المصير، الأمر الذي نتج عنه انتهاكات يومية لحق الطفل الأحوازي، سواء على صعيد ظاهرة اعتقال الأطفال الأحوازيين واختطافهم، أو على صعيد انتهاكات حق طفل الحق الأحوازي في الصحة والخدمات الصحية والتعليم.

١: ظاهرة اعتقال الأطفال الأحوازيين واختطافهم (حالات تطبيقية):

في فبراير ٢٠١٦ أعدمت السلطات الإيرانية الطفل ياسر شليباوي، لسبب بسيط مؤداه أن الطفل شليباوي حمل لافتة شجع من خلالها  نادي الهلال السعودي، وذلك في المباراة التي جمعت نادي الهلال مع نادي “الفولاذ اللأحوازي” في دوري أبطال آسيا في مدينة الأحواز العاصمة، ونقلت مصادر صحافية أن شيلباوي حمل لافتة كتب عليها: “الهلال العربي.. أهلاً فيك في ديار العربي”، وعلى أثر ذلك اغتياله في المظاهرات التي حدثت بعد المبارات رمياً بالرصاص. ومازالت إيران تواصل الملاحقات، وتقوم بالإعدامات بحق الأطفال الأحوازيين في مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية المعترف بها دولياً (٣) وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل التي تضمنت حق الطفل في عدم التعرض للتعذيب أو أي من أشكال المعاملة أو العقاب الأخرى القاسية، أو غير الإنسانية أو المهينة، و في مقدمتها حق الطفل في الرياضة واللعب، وحقه بالتمتع بقسط من الراحة ووقت الفراغ، والحق في ممارس الرياضة واللعب والنشاطات الترفيهية المناسبة لعمر الطفل، كما أن لهم الحق بالمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون” (٤).

و في شهر يونيو ٢٠١٧ داهمت قوات كبيرة تابعة لجهاز المخابرات تتكون من سبعة سيارات ترافقها قوات كبيرة تابعة للحرس الثوري حي العبارة شرقي الأحواز العاصمة، واعتقلت الطفل الأحوازي علي عبد بني طريف البالغ من العمر ١٦ عاماً ونقلته إلى سجن الأحداث ” فجر” غربي الأحواز العاصمة. وبعد يومين من اعتقاله تم نقله إلى زنازين المخابرات ومنذ ذلك الحين لا يعلم ذووه شيئاً عن مصيره، ومازالت السلطات الأمنية الإيرانية تتكتم على مكان احتجاز الطفل الأحوازي علي بني طريف ولم تنفع مناشدة ذووه المنظمات الحقوقية بما فيها  المنظمات الحقوقية العربية والدولية بتأدية التزاماتها القانونية والإنسانية في الضغط على الدولة الفارسية من أجل الكشف عن مصير أبنها المختطف، إلا أنّ السلطات الإيرانية لم تستجب حتى على مناشدات أهلة واستفساراته خلال مراجعتهم المراكز الأمنية و المخابراتية التابعة للاحتلال في مدينة الأحواز العاصمة، وكانت التهمة الوحيدة الموجهة للطفل الأحوازي علي عبد بني طريف هي أنه كان ينشط في صفحات التواصل الاجتماعي، مثله مثل باقي المئات من الناشطين الأحوازيين الآخرين، الذين يدافعون عن عروبتهم وثقافتهم وتاريخ بلدهم الأحواز. وبالتالي فإن احتجازه سيكون عرضة دون أدنى شلك للسياسات التقليدية التي تمارسها السلطات الإيرانية بحق جميع الأحوازيين، الذين تتم معاملتهم كعملاء للخارج، أو كفرة، أو مطالبين باستقلال الأحواز عن إيران، وممارسة جميع أشكال التعذيب التي يعاني منها المعتقلون الأحوازيون، وهو ما يتعارض – بشكل صريح- مع ما تضمنته اتفاقية حقوق، التي أوجبت على جميع الدول أن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة والفاعلة للقضاء على الممارسات التقليدية التي تضر بحقوق الأطفال.

وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش قد رصدتا بالأرقام الانتهاكات الخطيرة لظاهرة اعتقال الأطفال في الأحواز، وإن قوات الأمن والمخابرات الإيرانية اعتقلت واحتجزت العشرات من الأحوازيين خلال نيسان ٢٠١٥، وبينهم عدد كبير من الأطفال، معتبرة ذلك ” حملة قمعية واسعة ومتصاعدة في إقليم الأحواز. حيث أوردت المنظمة مثالاً على اعتقال  الطفل مصطفى حيدري، البالغ من العمر  ١٧ عاماً من حي الثورة (علوي) في مدينة الأحواز، بسبب اتهامه بالتخطيط لمظاهرة سلمية للاحتفال بذكرى ١٥ أبريل/نيسان. وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد تم اعتقال الطفل بطريقة إرهابية تعسفية، حين أقدم أفراد الأمن الإيراني من المدججين بالسلاح وبزي أسود من الملثمين، على اقتحام منزل ذوويه في الساعات الأولى من فجر ٧ أبريل/نيسان ٢٠١٥، واعتقلوا الطفل أمام عائلته، ومنذ ذلك التاريخ لم تقدم السلطات على تقديم أية معلومات عن مكان الطفل مصطفى حيدري وحالته الصحية، رغم تكرر طلبات العائلة المقدمة إلى المقر الإعلامي لوزارة المخابرات في الأحواز (٥). والحال ذاته ينطبق على الطفل سجاد بوعذار ١٧ عاما، الذي تم اعتقاله في الحويزة من قبل سلطات الأمن الإيراني (٦).

أيضا من الأمثلة التي يمكن ذكرها حول انتهاك حقوق الأطفال، ما حصل قي مدينة الجراحي ومدينة الكوره في قضاء معشور في الأحواز في ١٦ نوفمبر ٢٠١٩ والتي راح ضحيتها اكثر من ٣٠ ضحية. وسجلت منظمات حقوق الانسان ونشطاء أسماء عدد من الاطفال اللذين راحوا ضحية اطلاق نار قوات الحرس والجيش الإيراني منهم احمد آل بوعلي، كنعاني وحمزه بريهي كما قلت عدة أطفال اخرين في مدينة الأحواز العاصمة في تلك الأيام ومنهم احمد جعاولة، مجاهد جامعي، خالد غزلاوي ورضا نيسي (٧). وتظهر المقاطع والصور التي وثقتها منظمات حقوقية وناشطون، قوات الأمن الخاصة الإيرانية والحرس الثوري، وهي تستخدم الأسلحة الثقيلة بما فيها الدوشكا والرشاشات الثقيلة، بالإضافة الي استخدام الدبابات والمدرعات في الهجوم على مستنقع “هور الحميد” المائي الواقع بمحيط بلدة الجراحي.

وشاركت في عمليات الاقتحام القوة البحرية للحرس الثوري ومقرها في ميناء معشور المطل على الخليج العربي، وكذلك قوة اللواء ٧ بالقوة المدرعة التي استخدمت الدبابات لمحاصرة بلدة الجراحي والهور المجاور لها.

وأوردت منظمة العفو الدولية، شهادات حية من داخل الأحواز لنشطاء وأقارب للمحتجزين، تم اعتقالهم في الذكرى العاشرة للمظاهرات الحاشدة المناهضة للحكومة الإيرانية التي اجتاحت الإقليم ذا الأغلبية العربية في أبريل/نيسان ٢٠٠٥. وأكدت المنظمة بعد التحقق من فرق عمليات التحقق والتحقيق ” إن الاعتقالات تمت بدون تصريحات قضائية على أيدي مجموعات من المسلحين الملثمين المنتسبين إلى أجهزة الأمن والمخابرات في إيران، وعادة ما كانت تأتي في أعقاب مداهمات لمنازل نشطاء عرب الأحواز في ساعات متأخرة من الليل أو ساعات مبكرة من الصباح. وقد أبدت المنظمات الحقوقية القلق من احتمالات اعتقال أشخاص لمجرد ارتباطهم برأي سياسي ظاهري، أو للتعبير السلمي، أو لمجاهرتهم باستعراض هويتهم وثقافتهم العربية. وهو ما يتعارض تعارضاً صارخاً مع كون إيران دولة طرف في اتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل، حيث ألزم الأخير الدول باحترام الحق في حرية التعبير (٨)، استناداً لنص المادة المادة ١٩، والتجمع السلمي (٩) استناداً للمادة ٢١. وألزم الدول بضمان عدم حرمان الأقليات العرقية واللغوية من “حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم استناداً لنص المادة ٢٧. كما مخالفة إيران لنص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها المادتان ٢ و١٥ اللتان تعترفان بالحق في المشاركة في الحياة الثقافية دون تمييز (١٠).

وكان تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وعلى لسان جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد ربط بشكل صريح لـ ” مظالم الأحوازيين التاريخية” في اعتراف غير مباشر بحق تقرير المصير للشعب الأحوازي بقولة: “بدلاً من تشديد القمع، ينبغي للسلطات أن تتصدى لمظالم عرب الأحواز طويلة الأمد، الناجمة عن التمييز المترسخ والحرمان من الحقوق الثقافية، إذ إن الاعتقالات والسجن التعسفي لن يعملا على إخفاء مظالم عرب الأحواز” (١١).

كما وثقت منظمة العفو الدولية إعدام ٩٧ طفلاً في إيران، جميعهم دون سن ١٨ عاماً وقت ارتكابهم الجريمة، بين عامي ١٩٩٠ ٢٠١٨. ولا يزال أكثر من ٩٠ شخصاً عرضة لخطر الإعدام.  وقالت المنظمة: ” أن العدد الحقيقي لعمليات إعدام الجانحين الأحداث في البلاد أعلى في الواقع من الرقم الذي سجلته. كما أن الجانحين الأحداث المحكوم عليهم بالإعدام، هم عرضة أيضًا لخطر تنفيذ الإعدام سراً، إذا لم يتم توجيه نظر منظمات حقوق الإنسان إلى قضاياهم من أجل القيام بالحملات العامة وأنشطة كسب التأييد” (١٢).

وفي هذا الخصوص، يقول فيليب لوثر مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: ” لقد أثبتت السلطات الإيرانية مرة أخرى أنها على استعداد، بشكل مثير للاشمئزاز لإعدام الأطفال، في تجاهل صارخ للقانون الدولي، ولقد لاحظنا اتجاهاً تقوم فيه السلطات الإيرانية بتنفيذ عمليات إعدام الأحداث الجانحين سراً، وبدون تقديم إخطار مسبق إلى العائلات، في محاولة متعمدة من إيران لتجنب إثارة الغضب العالمي. وهذا يجعل الأمر أكثر أهمية بالنسبة للجهات الفاعلة الدولية المؤثرة، مثل الاتحاد الأوروبي، لزيادة تدخلاتها الدبلوماسية والعامة للضغط على إيران لوضع حد لاستخدام عقوبة الإعدام ضد الأحداث الجانحين” (١٣).

لقد قضى الكثير من الأطفال الأحوازيين فترات طويلة في المعتقلات الإيرانية، وفي بعض الحالات أكثر من عقد. وتم تحديد مواعيد تنفيذ أحكام الإعدام على البعض منهم بعد أن بلغوا سن الرشد، بسبب تأجيلها مراراً وتكراراً، مما زاد من عذاباتهم. بسبب المعاناة الشديدة والاضطراب النفسي، بسبب المعاملة القاسية و اللا إنسانية والمهينة.

٢: انتهاكات حق طفل الحق الأحوازي في الصحة والخدمات الصحية والتعليم:

دعت منظمة اليونسيف في إطار تطبيق اتفاقية حقوق الطفل الدولي إلى ضرورة بناء المستشفيات المتطورة لاستقبال الأمهات الحوامل، ثم توفر الخدمات الطبية للطفل والدراسة بمختلف مراحلها لتنشأ أجيال تتباهى بها الأمم علمياً وفي مختلف مناحي الحياة بما فيها حقل الرياضة (١٤). لكن في إيران الوضع مختلف جداً، خصوصاً لأطفال الأحواز، الذين تتم معاملة أسرهم في إطار سياسة احتلالية انعكست بشكل واضح على تقديم الخدمات الصحية، والإنماء المتوازن مع باقي المحافظات الفارسية، بدءاً من عدم إيلاء الأهمية للأمهات اللاتي لا يتلقين الخدمات الصحية المناسبة في مستشفيات الأحواز، فأغلب عمليات الولادة وبسبب غياب مستلزمات الرعاية للولادة الطبيعية، تتم أغلب العمليات قيصرياً بدل الولادة الطبيعية، حيث يضطر الأطباء بالتضحية برحم المرأة لتبقى عاقراً بدلاً من تخفيف آلامها، وفي أغلب الأحيان تؤدي هذه الآلية لخسارة لوفاة الأم أو الجنيين،  الأمر الذي يهدد ضمان حق الحياة أو حق الوجود الطفل الحق في العيش منذ لحظه ولادته، والتمتع بإمكانية النمو وبلوغ سن الرشد ويشمل هذا الحق جزأين أساسيين هما الحق في حماية حياة الطفل منذ الولادة، والحق في البقاء علي قيد الحياة، والنمو بشكل مناسب. وتزداد معاناة الطفل الأحوازي أكثر فأكثر مع ملاحظته سياسات تهميش العنصر العربي، بدءاً دخوله المرحلة الابتدائية والتعلم بغير لغته الأم التي تعلمها في المنزل، ما يزيد من شعوره النفسي بالاضطهاد، الذي يتجلى في مراحل لاحقة بتهميش الكفاءات منذ الطفولة وقبل ظهورها، ما يعني  مخالفة اتفاقية حقوق الطفل التي حضت الدول على حماية حقوق الطفل.

وتتفاقم هذه الانتهاكات مع تبلور وعي الطفل الأحوازي بقضيته التاريخية كثقافة مجتمعية راسخة لدى العقل الجمعي الأحوازي، والتي تُدخل الطفل الأحوازي في المشاركة بكل ما يمكنه الدفاع عنها، وبالتالي تعرضه من جديد للاعتقال والتعذيب  والإعدام و مسببات الوفاة جميعها، التي دعت اتفاقية الطفل الدولية إلى حماية الطفل منها، لتشمل عدم إخضاعهم إلى عقوبة الإعدام ومحاربه ممارسات قتل الأطفال جميعها، كما شمول حقه أيضاً في ضرورة توفير السبل الملائمة لنمو الطفل وتمتعه بالرعاية الصحية والتغذية، والعيش في بيئة صحية، والأهم ذلك كله، حقه الطبيعي في التعلم بلغته، كحق تاريخي مستلب من الطفل الأحوازي.

 

خاتمة

مما تقدم نستنتج، أنّ الإشكالية الرئيسية التي تعترض حقوق الطفل الأحوازي هو ربطها من قبل السلطات الإيرانية المتعاقبة بانتهاك حق تقرير المصير للشعب الأحوازي، وعلى هذا الأساس ستبقى انتهاكات حقوق الطفل الأحوازي ماثلة للعيان ومستمرة بشكل يومي، إن لم تتنبه الدول والمنظمات الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بالبحث عن مرجعيات ومسببات انتهاكات حقوق الطفل الأحوازي. فوجود الاحتلال معناه وجود الانتهاكات، التي أصبحت مادة يومية ترصدها منظمات حقوق الإنسان وتعترف بها. وبالتالي الحاجة إلى تجفيف منابع هذه المشكلات لا الإشارة إليها وحسب.

 ولعل ربط الحالة الأحوازية في هذا الإطار بأس المشكلة كقضية شعب وحق تقرير مصير، هو الأساس للوقوف عند وضع الحدود لانتهاكات حقوق الطفل الأحوازي، الذي مازال يعاني من حرمانه من حقه في مياه نقيه ونظيفة و خاليه من التلوث كظاهرة بيئية تهدد المجتمع الاحوازي برمته اليوم، فلقد أصبح تلوث المياه يهدد الملايين من الأطفال الأحوازيين، بسبب انتقال المرض إليهم من هذه المياه، وبسبب سوء إدارة الموارد المائية وكثرة السدود على الأنهار، ومشروعات نقل مياه الأنهار من الأحواز إلى محافظات الوسط الإيراني، ما أدى إلى  التصحر وتفاقم آفات التلوث.

أما في المدارس التي من المفترض أن تكون الحاضنة الأولى لتهيئة النشئ الأحوازي، وصقل مواهبه، فمازالت هذه المدارس بيئة غير صحية ومدمرة للطفل الأحوازي، حيث يصطدم الطفل الأحوازي الذي يأتي من بيته متكلماً العربية، ليتعلم بلغة جديدة هي اللغة الفارسية، ما ينتج عنه هوة عميقة بسبب عدم قدرته على التفكير بلغة طارئة. وبالتالي تراجع قدراته عن قدرات الأطفال الفارسيين، فتبدو له العملية التعليمية منفرة، ما يدفعه في غالب الأحيان لكره التعليم والتسرب من المدارس. حيث أظهرت دراسات كثيرة ومنها دراسات من الحكومة الإيرانية أن نسبة تسرب الأطفال الأحوازيين في المرحلة الابتدائية زادت عن ٣٠ ٪ لتزداد أكثر فأكثر في المراحل الثانوية لتصل إلى  نسبة ٧٠ ٪  وفقاً لإحصائيات رسمية إيرانية. الأمر الذي يؤدي إلى توجه الأطفال الأحوازيين في سن مبكرة جداً إلى سوق العمل، في مخالفة واضحة لجميع القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي منعت عمالة الأطفال، واعتبرتها جريمة تستوجب المساءلة.

 

الهوامش:

  1. انظر: المادة 54 والبروتوكوليين الإضافيين من اتفاقية حقوق الطفل 1989.
  2. https://www.unicef.org/arabic/crc/34726_34854.html
  3. انظر: ” إيران تعدم الطفل الأحوازي ياسر شليباوي بتهمة تشجيع الهلال السعودي – https://sabq.org/ 9 فبراير/ شباط 2016.
  4. اتفاقية حقوق الطفل 1989، البنود تضمنت ” عدم التعرض للتعذيب أو أي من أشكال المعاملة أو العقاب الأخرى القاسية، أو غير الإنسانية أو المهينة، و حق الطفل في الرياضة واللعب، والنشاطات الترفيهية المناسبة لعمر الطفل، و الحق بالمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون
  5. للاستفاضة انظر: منظمة العفو الدولية، إيران، “حملة اعتقالات كاسحة لنشطاء عرب الأحواز.. واحتجاز أكثر من 75 شخصاً، 28 نيسان / أبريل 2015. https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2015/04/iran-sweeping-arrests-of-ahwazi-arab-activists
  6. المرجع ذاته.
  7. للاستفاضة انظر: مركز دراسات دور انتاش، ” An Inside Report on the Ma’shour Massacre in Ahwaz

 “. الرابط https://www.dusc.org/en/articles/5099/

8. انظر: المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” الحق في حرية التعبير”.

9. انظر: المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

10. انظر: نص المادة 2 والمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ” الحق في المشاركة في الحياة الثقافية دون تمييز”.

11. للاستفاضة انظر: منظمة العفو الدولية، ” إيران حملة اعتقالات كاسحة لنشطاء عرب الأحواز.. واحتجاز أكثر من 75 شخصاً، 28 نيسان / أبريل 2015. https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2015/04/iran-sweeping-arrests-of-ahwazi-arab-activists

12. انظر: منظمة العفو الدولية، ” إيران: تعرُّض شابين يبلغان من العمر 17 عامًا للجلد والإعدام سراً في انتهاك مروع للقانون الدولي”، 29 نيسان/أبريل 2019.

 https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/04/iran-two-17yearold-boys-flogged-and-secretly-executed-in-abhorrent-violation-of-international-law

13. المرجع ذاته.

14. https://www.unicef.org/arabic/crc/34726_34854.html



error: Content is protected !!