المقاومة والإصلاح: أين الاحوازي من الإصلاح
تحدثنا في الجزء الفائت عما يميز الإصلاح والثورة ونريد في هذا الجزء الحديث عن المقاومة والإصلاح كما تجلى في المجتمع الاحوازي في الفترة الثانية للاحتلال خاصة، بداية نبدأ بتعريف الإصلاح إذ نرى بان: مفهوم الإصلاح هو محاولة الدعاة والعلماء والمفكرين والسياسيين إلى إيقاظ الوعي… من خلال إدراك آلام ومآسي الشعوب والمخاطر المحيطة بها ثم التفكير بعمق في الأسباب والحلول المناسبة لها، ذلك ما يجعل كل مصلح ينظر إلى الإصلاح بحسب بيئتهم وثقافتهم وعقليتهم… ان فكرة الإصلاح فكرة نسبية وجليلة في حد ذاتها تختلف باختلاف الظروف والعصور والبيئات ومنه تعتمد فكرة الإصلاح على الجانب السياسي أو الجانب العلمي أو الديني أو على كليهما معا.[15]
لما كان الاحوازي قد عاني الأزمة العقلية والفكرية بسبب البيئة المتخلفة جراء غياب التعليم وانتشار الجهل والذي يعودان إلى الاحتلال، فقد ذهب الكثيرون إلى الحل يكمن في الإصلاح الفكري من خلال المجالات التالية: الإصلاح الديني والعلمي، والإصلاح السياسي، والإصلاح الاجتماعي. وان ظهرت كل منها في فترة ما وكتب لها النجاح نسبيا ومنها ما أخفقت ومنها ما بقت حبرا على الورق ولم تدخل حيز المجتمع، لغياب الآليات والشخصيات التي تطبق تلك الأفكار. وللإخفاق تبريرات وأسباب يأتي من ضمن أهم تلك الأسباب هو تعذر الإصلاح ويعني استحالة الإصلاح في ظل سيطرة احتلال قمعي فاشي يكبح جماح أي محاولة لإصلاح القضايا وان سار البعض على نهج المحتل ورافقه حيث سار، لكن الاحتلال لم يتحمل أي محاولة من هذا الصنف، فقمع كل من يحمل فكرة إصلاح ناهيك عن بذل المساعي في تطبيق الأفكار، فالمحتل يدرك تماما انه ما ان قام المحتَل بإصلاحه أمور، فانه سيقاوم الاحتلال. لا نرفض بان الإصلاح يصعب في ظل الاحتلال، لكن علينا ان نعرف بان الاحتلال يروج فكرة استحالة الإصلاح، فهنا علينا ان نقاوم كل فكرة تبث اليأس في نفوس الشعب.
مقاومة المعارضين للإصلاح
لا شك ان هناك نفر من الناس في كل المجتمعات، يمقتون التجديد ويكرهون الإصلاح ويعملون على عرقلته بكل الوسائل، ويركزون على التقليد الأعمى، من هنا يجب مقاومة هذه الطائفة التي تقف حجر عثرة في وجه كل إصلاح، انهم يعيشون بفكرهم أسرى خرافات العصور المظلمة وجمودها، معرضين عن معرفة الحوادث الخارجية المتعلقة بالشعب داخليا. التركيز على التقليد الاعمي لا يأتي من فراغ بل تقوده أسباب كثيرة تاريخية وثقافية ونفسية، ويصبح سلاحا مدمرا إذا ما دُعم بالأسباب الاقتصادية، هذه الأسباب المحركة للتاريخ، هذا وللأسباب الاجتماعية دور بارز في الوقوف بوجه أي إصلاح. وخاصة الديني منها، إذ يأتي الحديث عنه لاحقا، أما ما نريد التركيز عليه هنا هو ضرورة، بل وجوب مقاومة المعارضين للإصلاح، فانهم سواء وعوا بالأمر أم لم يعوا، تصب محاولاتهم في خانة جهود الاحتلال لا غير، وان كان منطلقهم يختلف عن منطلق الاحتلال. لكن هذه المقاومة لا تعني الوقوف بوجه أبناء الشعب، والدخول في صراعات، نحن بغنى عنها، فهنا يجب توظيف أساليب توعوية، ترشد الغافل وتحذره من القيام بالأنشطة التي تخدم المحتل. فمن هنا وجب علينا ان معرفة الأسباب التي تقودهم إلى معارضة الإصلاح والعمل على استقطابهم نحو مقاومة المحتل والوقوف بوجهه، لان منهم من يلعب دورا بارزا في المجتمع.
الإصلاح الديني والعلمي والسياسي والاجتماعي
يؤكد بعض المثقفين على أي إصلاح يبدأ من الإصلاح الديني، وخاصة عند الشعوب الشرقية التي تؤمن بالدين إيمانا يشكل كل أجزاء حياتها، حتى ذهب بعضهم بانه لا إصلاح يتحقق في المجتمع إلا بإصلاح الدين أو المعتقدات الدينية وان تحرير العقل من المعتقدات التي تسمى دينية هو أول مرحلة لأي تحرير، فمادام العقل أسيرا في دائرة الخرافات أو المعتقدات التي لبست الطابع الديني، لا سبيل لديه في النظر إلى عالم آخر. لكن السؤال المطروح هنا ماذا يعني الإصلاح الديني في هذه المجتمعات، نرد قائلين أن قضية الإصلاح الديني هدفها إصلاح أثر الدين في المجتمع، وليس إثبات صحة المقولات الدينية أو خطأ فكرة الآخر، أو السعي للبرهنة على ذلك، كما لا تريد فكرة الإصلاح الديني إرشاد الناس إلى العقيدة الصحيحة؛ فذلك أمر لا سبيل إليه. أضف إلى هذا ان فكرة الإصلاح تبتعد كليا عن فكرة تسويق الدين وحشد الناس إليه على غرار العقائد القومية والسياسية، بل الهدف هو إصلاح أثر الدين في المجتمع وتأثيره على نفوس الناس الذين ناموا مرتاحين وهم يؤمنون بانها وحي نزلت عليهم كما على أنبيائهم، فلما كان الدين وعاء الأخلاق في المجتمعات الإنسانية على امتداد التاريخ، فوجبت بذلك نجدته، ليتخلص من كل ما الصق به لا لشيء إنما لاستغلاله وبهذا يخرج عن طابعه وطبيعته. وعلى هذا الأساس، فإن مواطن الإصلاح تتمدد داخل الإطار الديني، بقدر أثر تلك المواطن على حياة الناس لا غير ولو استدعى ذلك نبش ثوابت دينية راسخة وإخراجها للفحص والمراجعة. لن يلزمنا ملاحقة كل عقيدة للناس ووزنها بموازين عدة منها ميزان العقل، ما لم تكن ذات أثر في المجتمع. من شاء أن يُؤْمِن أن الأساطير الدينية أو أبطال القصص الدينية سيخرجون آخر الزمان فهذا شأنه، ولكن إن قام بنبش الأرض بحثا عنهم وجب إرشاده وان تطرف في الأمر وجب صده. هذا هو المراد بالإصلاح الديني وليس تغيير أديان ومذاهب الناس بحجة إيمانهم بالخرافات، ان بقوا على أديانهم ومذاهبهم كما هي الآن، لكن إذا ما اتجهت فكرة الإصلاح نحو تغيير الأديان فانها أولا تخرج عن دائرة الإصلاح، وثانيا تضحى خطرة، إذ تتحول فكرة الإصلاح إلى أصولية مدمرة لا تقل خطرا عن أصولية التنظيمات القومية أو الدينية، وان تحولت إلى هذا، فانها نعمة تنزل على السلطة، تستغلها أفضل استغلال، كما تعمل على تضخيمها واختلاقها في الكثير من الأحيان مستغلة السذج من أبناء شعبنا.
ما جرى في الاحواز في الفترة الثانية للاحتلال، من مطالبات لإصلاح الدين أو المعتقدات الدينية يدل على ان ما قام به هم نفر من المثقفين قد نظروا في الأفكار الحديثة الدينية كما نشرها مثقفون عظماء (أقول نظروا ولا أقول استوعبوها كاملا) ثم أرادوا ان ينشروها في المجتمع. عوامل كثيرة قدمت العون لهم منها المطالبات العالمية بالإصلاح بعد فترة الثورات، وانتشار الكتب، وارتفاع نسبة خريجي الجامعات من أبناء الوطن. هذا من جهة ومن جهة أخرى أرى بانه علينا إدراج المنادين بإصلاح البيت الشيعي في خانة المصلحين، إذ رؤوا ان هناك معتقدات دينية تلحق أضرارا بالغة الثمن عقليا وماليا بالشعب ومنها زيارة المراقد الدينية.
إذن نحن أمام فئتين: الأولى تنادي بإصلاح الدين وتدعو إلى أتباع أفكار مفكرين مثل أبو زيد وحسن حنفي والجابري واركون وحتى سروش وشبستري وآخرين وفئة تنادي بإصلاح البيت الشيعي ككل لما فيه من ابتعاد عن الدين الإسلامي وما فيه من خرافات لا تعد ولا تحصى. الفئة الثانية سرعان ما اتجهت نحو تبني الأفكار السلفية ورأت بانه ما من إصلاح في المذهب الشيعي لأنه باطل أساسا وانه صنع بنات أفكار الفرس في فترة الصفوية، ولامتزاجه بالأفكار الفارسية قبل الإسلام لا يمكن معرفة الغث من السمين فيه، فمن هنا ذهبوا إلى ان العمل كل العمل لابد ان ينتهي بتغيير المذهب واعتناق مذهب أهل السنة والجماعة. هذا وقادتهم فكرة أخرى روج لها العلمانيون من أبناء الوطن منطلقين من أساس سياسي وهو تمزيق وحدة وجدان الفكر الإيراني، وتعني ان الشيعة تمثل تلك الحلقة القويمة التي تربط بين العرب والآخرين من يعيشون تحت نقمة الاحتلال، فمادام العربي يتخذ من قم مرجعية دينية لا يمكن تغيير أفكاره أبدا، فمن الواضح انه لا قواسم مشتركة بين الاحوازي والقوميات الأخرى القاطنة في ظل الحكومة الفارسية المحتلة، إلا في الإيمان بالمعتقدات الشيعية، لأنه يختلف عنهم عرقيا وتاريخيا وثقافيا، من هنا شددوا على إحداث تغيير في الأفكار الدينية، لكن التغيير لم ولن يتبع أي قاعدة وسرعان ما يخرج عن سيطرة من ينادي به، ولا يمكن التحكم به. إضافة إلى هذا فان أمنية المسلمين كلهم العودة إلى زمن الرسول وصدر الإسلام، هذه الفكرة بحد ذاتها هي أصولية، ثم لما كان مرجعيات الإصلاح الديني مصدرها الكتب الأصولية فسرعان ما تبنت الأفكار السلفية. لابد ان نعترف بان هناك من آمن بهذه الفكرة إيمانا تاما نتيجة دراسات قام بها، دون تبني أي فكرة سياسية، هنا جاءت سلطة الاحتلال لتستغل هذه الفكرة لضرب العرب قاطبة بحجة نشر الأفكار السلفية والتعاون مع السعودية، لأنها تعلم بان الأجواء العالمية تقف معارضة للسعودية والأفكار السلفية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
في جانب دخول العلم في بيوتنا وإضافة إلى ما فات فإننا قد شهدنا في الفترة الأخيرة ارتفاع نسبة دخول الجامعات وما أتى به من إزالة الأفكار البالية والقروسطية التي يدفع شعبنا أموالا ووقتا طائلا بسببها، وقد حققنا نجاحات باهرة في هذا المجال بفضل زيادة عدد الجامعات إذ لا بيت في الاحواز إلا وأبناءه يحملون الشهادات الجامعية، وان الفضل كله يعود في هذا الجانب إلى المدرسين العرب في المدارس إذ ورغم كل المضايقات تمكنوا من بث الثقة في نفوس الطلاب العرب وقدموا لهم كل ما بوسعهم في سبيل نجاحهم علميا.
أما الإصلاح السياسي عندنا هو إصلاح منظومة العلاقات القبلية لكونها تشكل المنظومة السياسية وإصلاح علاقتها بالسلطة والتعامل مع الاحتلال من منطلق سياسي أي الأخذ والعطاء، كما يتجلى في العمل السياسي ونريد به مشاركة العرب في إدارة الأمور السياسية، من مندوبين وعاملين في الوزارة الداخلية. الحق يقال بانه لم نحقق في هذا المجال نجاحات باهرة، والسبب محاربة سلطة الاحتلال أبناء الوطن بلا هوادة وإدخال المستوطنين واللور خاصة، لتولي الأمور وإدارة المدن، هنا بالإمكان اللجوء إلى القبيلة وعلماء الدين لتقديم العون للوطن. وان كان علماء الدين هم الأقوى في المعادلة. لكن للقبيلة دور كبير خاصة في فترة مسرحية الانتخابات، ولو كان من يدير أمورها يعي اللعبة السياسية لكانت الأمور قد تحولت إلى الأحسن وقد جنينا أرباحا طائلة.
أما الإصلاح الاجتماعي لابد ان يركز على العلاقات الاجتماعية وتأتي على رأسها إصلاح وضع المرأة الاحوازية وان كان هذا الخطاب بحاجة إلى دراسة على نار هادئة، إذ سرعان ما يثير ردود فعل سريعة تأتي من الأفكار التقليدية ومن الدينية، لا يمكن القول بانه في الاحواز هناك خطابات فيمينية بأي حال من الأحوال وان ما يجري هناك محاولات لخلق مثل هذه الخطابات، لكن وضع المرأة في الاحواز مختلف، فانه يتبع الحالة العامة التي تسيطر على المرأة في كل أرجاء الوطن وخاصة دخول المستوطنات الساحة الذي قد غير الأفكار شاء العربي صاحب الأفكار التقليدية والدينية أم أبى ذلك. لكن الخطر كله يكمن هنا، خطر التفريس، وعدم التزام المرأة الاحوازية بهويتها، لا أقول هذا تقليلا من شانها فان الاحواز كله يعاني هذا الخطر لكن أقول هذا من منطلق أهمية المرأة والأم في تربية الأبناء:
الأم مدرسة إذا اعددها أعددت شعبا طيب الأعراق.
أخيرا وليس آخرا، فما ان يجري الحديث عن الإصلاح حتى تبرز الحاجة إلى آليات الإصلاح من نبذ الذاتية والتفرد والعمل الجماعي إذ يشكل التعاون مع الآخر ضرورة لابد منها في هذا المجال. فبالتعاون تحقق معجزات كان يراها المتشائمون مستحيلة.
ما يواجهه الشعب العربي الاحوازي: استيطان عنصرية حرب دينية
مادمنا في قضية الإصلاح علينا التطرق إلى ما يواجهه العربي الاحوازي، لكونها قضية مهمة علينا تناولها ومناقشها حتى نرى ماذا يمكن القيام به. بالإمكان تصنيف ما يواجهه الاحوازي خارجيا في مثلث رهيب ثلاثي الأضلاع مكون من “استيطان وعنصرية وحرب دينية”، وأما داخليا فالاحوازي عليه ان يواجه مثلث “القبيلة، والتخلف العلمي، والتفريس”. فالاستيطان قد دمر البلد ونهب الثروات ونشر الأمراض ودمر المواهب والعقول، أما العنصرية حرمت أبناء الوطن حتى من تخلوا عن هويتهم وكل ما يرتبط بالهوية من الحصول على ما يرون بانه حق لهم، وأما الحرب الدينية فانها أسوا أنواع الحروب ولا يدرك مغزاها إلا من عاني منها، وخاصة الاحوازي، انها حرب تشن على يد أبناء الوطن، فالمحتل يغذيهم بأفكاره الدينية ويتركهم يحاربون أبناء الوطن وهو يجلس مرتاح البال. أما المثلث الداخلي وان قد خفضت وتيرة شدته وعلينا التعامل معه من منطلقات حديثة، لكنه مازال يلقي بظله على الاحوازي، أريد بالمنطلقات الحديثة على سبيل المثال القبيلة فانها قد تعرضت للتغييرات كثيرة في معاملة الواقع لان الكثير من أبناء الوطن أصبحوا ينظرون إليها من منظار آخر يختلف عما كان عليه آباءهم، فانهم لا يرونها المرجع الرئيس في كل الأمور كما كانت على عهد آباءهم، لكنها مازالت تشكل إشكالية لابد من مناقشتها ووضعها على محك النقد. لا ننسى بانها كانت ومازالت تشكل ذلك الإطار للحفاظ على العروبة في الكثير من المناطق الاحوازية التي تتعرض يوميا إلى هجرة المستوطنين. أما التخلف العلمي فأريد به التخلف في بعض المجالات وخاصة على مستوى العلوم الدقيقة وعلى سبيل المثال قلة الأطباء من العرب في مدننا العربية، وأخيرا التفريس وان قلت حدته بفضل التوعية المستمرة إلا انه مازال يشكل السرطان الذي يعمل المحتل على انتشاره ليلا ونهارا. بمختلف الأساليب.
للحديث بقية…