تدل عدة مؤشرات على سقوط نظام إيران ومن أبرز هذه المؤشرات: قمع الحريات المدنية، زيادة السيطرة على وسائل الإعلام، زيادة الرقابة على المواطنين، زيادة الوجود العسكري في الأماكن العامة، استخدام العنف ضد المتظاهرين، احتجاز المعارضين السياسيين، وضع قيود على السفر وزيادة الفساد والمحسوبية.
لكن هل تدل هذا المؤشرات التي باتت تشكل طبيعة النظام الإيراني على قرب انهيار النظام؟ ومع ذلك، فإن الشعوب المضطهدة الذين يتمتعون بذاكرة أفضل هم قلقون بشأن نتائج التغييرات التي سوف تحصل، وما إذا كانت ستؤدي إلى الديمقراطية أو زعزعة الاستقرار أو إعادة إنشاء ديكتاتورية أخرى كما حدث بعد الإطاحة بنظام بهلوي في إيران.
إذا اعتمدنا على دراسة لوكان واي (Lucan Way) بخصوص استخدام نموذج انتقال السلطات في فترة ما بعد الشيوعية، أوضحت البيانات المستخدمة بأن الاكتفاء بإطاحة الرئيس عوضا عن المطالبة بتغيير النظام قد ينتج عنه زعزعة لاستقرار النظام الاستبدادي بنسبة ٥٠٪. بينما ينتج عن محاولات دمقرطة النظام كوسيلة للإطاحة به زيادة في فرص استمرار الأنظمة الاستبدادية بنسبة ١٠٠٪. هذه الاختلافات الكبيرة من شأنها أن تؤدي لسوء تقدير النتائج المترتبة على أي من الأمور التي كنا نظن أنها تؤثر على سقوط الأنظمة الاستبدادية. لذلك هناك ضرورة نقاش احتمالية سقوط النظام من خلال ثلاثة محاور.
في هذا الصدد، إيران تواجه ثلاث خيارات:
أولا، يتم استبدال خامنه أي بأحد الشخصيات من القيادة الحالية، وبهذا يستمر النظام ذاته. أو أن يتم استبدال القيادة الحالية برؤساء يتم انتخابهم ديموقراطيا، أو أن تفقد القيادة الحالية السلطة لصالح مجموعة أخرى تستبدل نظامها الاستبدادي بنظام استبدادي آخر.
بناء على هذه الخيارات الثلاثة، إذا شعر الولي الفقيه في إيران بالتعرض للعقاب بعد السقوط يكون أكثر ميلا لإشعال الحروب. ومن جهة أخرى، إذا شعر النظام الإيراني بأجمعه خطر السقوط واستبداله بأنظمة استبدادية أخرى فانهم على دراية سيواجهون احتمالية أكبر للتعرض للعقاب. لذلك، لا يمكن ان نتصور ان النظام يتنازل عن الحكم بسهولة دون اخذ بعين الاعتبار محاسبة الثمن الذي يدفعونه في المقابل.
كما بالنسبة للشعوب في إيران جميعا بما فيهم الأحوازيين (العرب)، الترك، الكرد، الفرس، البلوش، التركمان، الكاسبين على دراية تامة بان لم تنجح البلاد ذات الأنظمة الاستبدادية في الوصول للديموقراطية التي أُسقطت بعد الحرب العالمية الثانية إلا أقل من النصف وعلى الرغم اتساع رقعة الديمقراطية وارساءها بشكل أوسع بعد الحرب الباردة الا ان النتائج والاحصائيات تشير لتوقعات أكثر تشاؤما فيما يخص الشرق الأوسط المعاصر.
الدولة الضعيفة لا تسقط بالحراك الداخلي
لا يمكن للدولة الاستبدادية الهشة مثل إيران أن تسقط بالحراك الداخلي وحده، بل هناك عادة ما يحدث هذا الانهيار بعد تدخل عوامل أخرى مثل العوامل الاقليمية والخارجية. في الظرف الحالي، على الصعيد الداخلي، تميز الدولة الايرانية بعدم الاستقرار السياسي، والأداء الاقتصادي الضعيف ، والتوتر الاجتماعي ، والحكم غير المناسب.
كما ان هناك العديد من النظريات السياسية والاجتماعية تؤيد هذه المواصفات وتشرح مدى احتمالية انهيار النظام الإيراني. على سبيل المثال، تجادل نظرية الأبوية الجديدة (the theory of neopatrimonialism) بأن الدول تنهار عندما تصبح النخبة الحاكمة فاسدة وقوية بشكل مفرط، مستخدمة ميزتها السياسية والاقتصادية لإثراء أنفسهم ورفاقهم على حساب الشعب. اذا نظرنا الى الوضع الحالي في ايران كانت قد لعبت هذه الأمور دورا جوهريا في الاحتجاجات الشعبية مما دفع النظام باتجاه الانهيار الاجتماعي، وانعدام الثقة في الحكومة، وزيادة الفقر، وبالتالي أدي إلى اضطرابات مدنية وفشل الدولة الإيرانية في نهاية المطاف.
من النظريات الأخرى التي تكشف لنا عن الوضع داخل ايران هي لعنة الموارد (the resource curse)، حيث تنص على أن وفرة الموارد الطبيعية التي استولت عليها ايران بعد ضم الأقاليم الأخرى مثل الأحواز وأذربيجان وكردستان وبلوشستان وكاسبين وتركمنستان الى أراضيها زادت من رقعة عدم المساواة الاقتصادية، وسوء إدارة الموارد، والافتقار إلى مساءلة الحكومة ، مما دفعت الدولة الإيرانية باتجاه الانهيار.
كما تشير نظرية الدولة الضعيفة (the weak state theory) في تناول الوضع في إيران، أنه عندما تكون الدولة الإيرانية غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية وحماية مواطنيها، يمكن أن يصاب السكان بخيبة أمل ويفقدون الثقة في نهاية المطاف بالحكومة، مما يؤدي إلى انهيار الدولة.
بالرغم من التعاريف والنظريات التي ذكرتها هنا الا ان هناك عدة أمور داخلية أخرى تترك أثرها على مدى احتمالية سقوط النظام الإيراني ومن أبرزها القوة العسكرية والأمنية التابعة للدولة الايرانية. حيث تمتلك الدولة الإيرانية جيشًا قويًا وبتبع ذلك ليس سهلا سقوط النظام، بل الوضع يتطلب استخدام طرق أخرى منها الاعتماد على السياسة المحلية عن طريق الاحتجاجات للضغط على النظام للانفتاح واحترام حقوق مواطنيه، مما قد يضعف قبضته على السلطة كما حصل في عهد الرئيس الإيراني خاتمي. حيث ساعد مثل ذلك الضغط والاحتجاجات والحملات بشكل فعال في زيادة الوعي بانتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان وفشله في احترام حقوق مواطنيه وإضعاف سلطة الحكومة وأدت في النهاية إلى هشاشة البنية للدولة الايرانية. كما وفرت منبرًا لجميع الشعوب في إيران لإسماع أصواتهم والتعبير عن استيائهم من النظام الايراني.
ومن العوامل الأخرى التي تقلل من احتمالية انهيار النظام، ان هناك لاتزال علاقة قوية بين فئة معينة من الاثنيات في إيران مع النظام الحاكم. بالاعتماد على نظرية الانتقاء (selectorate theory) والتي تشتهر باستخدامها للمتغيرات المستمرة لتصنيف الأنظمة من خلال وصف نسب التحالفات داخل إجمالي السكان، تبين هناك علاقة تاريخية كبيرة بين الاثنية المهيمنة الفارسية والقيادات الحاكمة في نظام الجمهوري الاسلامي. كما توضحت هذه العلاقة من خلال غياب حضور المحافظات الفارسية في وسط إيران في الاحتجاجات منذ أربعة عقود.
في هذا القسم من المادة، سيتم التركيز على العوامل الإقليمية والدولية منفصلا:
تعتمد مساهمات العوامل الخارجية الإقليمية والدولية في ضعف الحكومة وانهيار الدولة الإيرانية إلى حد كبير على السياق والظروف المحددة التابعة للدولة قومية (particular nation-state). لكن بشكل عام، يمكن أن تسهم العوامل الخارجية في ضعف الحكومة وانهيار الدولة بعدة طرق منها العقوبات الاقتصادية شديدة عن طريق قطع وصولها إلى الموارد الأساسية وحرمانها من الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها وخاصة قطع الغيار العسكرية وأيضا الحظر والتدخل الأجنبي في السياسة الداخلية وتدفق اللاجئين.
كما يمكن أن يعيق هذا قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية ودعم سكانها، مما يؤدي إلى الاضطرابات الاجتماعية اوسع وعدم الاستقرار. يمكن الضغوط الاقتصادية المتشددة أيضًا أن تضعف الحكومة بشكل أكبر من خلال اغتصاب السيطرة على موارد الدولة القومية وعملية صنع القرار السياسي، مما يترك الحكومة بدون سلطة التصرف لصالح مواطنيها. كما يمكن أن يؤدي التدخل الأجنبي في السياسة الداخلية إلى إضعاف الحكومة من خلال خلق انقسامات داخلية وصراعات على السلطة، فضلاً عن إضعاف شرعية الحكومة وسلطتها. أخيرًا، يمكن أن يؤدي تدفق اللاجئين إلى إضعاف الحكومة من خلال الضغط على موارد الدولة القومية وبنيتها التحتية، مع خلق توترات اجتماعية وسياسية في البلد المضيف.
الدور الإقليمي
الاستعانة بالدول الإقليمية لزيادة الضغط الاقتصادي على النظام، وكذلك الضغط الدبلوماسي والإعلامي سيكون أحد أسباب تعجيل سقوط النظام في ايران. حيث لابد ان تبدأ سياسات الدولية لتطبيق عقوبات اقتصادية وعزل النظام سياسيًا ابتدأ من جوارها الإقليمي، مما قد يجعله أكثر عرضة للسقوط. على سبيل المثال، كما للقضايا الإقليمية مثل الاختلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية له تأثير اعلاميا واسع على الوضع في إيران وبالتالي ترك اثرا بالغا على استقرار البلاد.
دور السياسة الإقليمية للدول الأخرى في سقوط نظام إيران هو جوهري ايضا. على سبيل المثال، إذا كانت دول أخرى في المنطقة تقدم الدعم السياسي والمالي للمعارضة وخاصة الشعوب غير الفارسية، فقد يشجع ذلك المزيد من الناس على المشاركة والضغط على النظام لإجراء تغييرات ذات مغزى. بالإضافة إلى ذلك، إذا دعمت دول المنطقة حقوق الإنسان في إيران، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على النظام للإصلاح أو مواجهة العزلة عن المجتمع الدولي. كما ان تقدم مساعدات إنسانية للمتضررين من السياسات القمعية في إيران، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة إضعاف قبضة النظام على السلطة. بالتالي، اعتقد ان دور الدول الكبرى في الإقليم هو حاسم في سياساتها في مستقبل إيران.
المجتمع الدولي
كما تأثرت هذه الأمور في إيران وخاصة بعد ثورة ١٩٧٩ بأحداث أخرى خارجية حيث تتفاقم الوضع جراء الضغوط الخارجية مثل العقوبات الاقتصادية أو التدخل الاعلامي. على سبيل المثال، في العقد الماضي، تعرضت العديد من الدول للتدخل وتغيير النظام من قبل قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة في العراق ، والأمم المتحدة في ليبيا ، والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا.
لذلك دور السياسة الدولية للدول الأخرى في سقوط الأنظمة مثل إيران يكون لها تأثير كبير وجوهري. على سبيل المثال، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي، عانى الاقتصاد الإيراني وأضعفت الحكومة، مما أدى إلى صعود المعارضة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، ومن جهة أخرى، إذا لم تكن الدول الأخرى في المجتمع الدولي على استعداد لدعم نظام إيران، فقد يضعف هذا النظام وينهار في نهاية المطاف. وإذا ما رفض المجتمع الدولي الاعتراف بشرعية الحكومة الإيرانية، لم يكن النظام قادرًا على تأمين الدعم الدولي ويضطر إلى اللجوء إلى إجراءات قمعية متزايدة للحفاظ على السيطرة، مما يؤدى إلى سقوطها كما حصل في عهد البهلوي. وبالتالي يلعب المجتمع الدولي في خلق حالة من التضاد في المصالح والتي من شأنها تساعد في سقوط النظام من خلال دعم الأيديولوجيات المتنافسة، والعقوبات الاقتصادية، وظهور حركة معارضة قوية تشمل جميع الأطراف في إيران.
ربما ستكون الأيديولوجيات المتنافسة هي الجوهر والبنية التحتية التي تعتمد عليها الأنظمة الدولية لخلق حالة من التضاد في المصالح داخل إيران. على سبيل المثال، نتجت عن الأيدولوجيات المتنافسة في إيران اختلافات كبيرة ظهرت بين صعود الأصولية الدينية- الشيعية على حساب الأصول الدينية المعتدلة- السنية في كل من بلوشستان وكردستان والتركمان من جهة ومن جهة أخرى، اختلافات بين النظام الحاكم الذي يعتمد على الانتماءات التاريخية القومية وتضادها مع الأصول القومية – الوطنية في كل من الأحواز وأذربيجان الجنوبية وكاسبين. قد تؤدى هذه الأيدولوجيات المتنافسة إلى انهيار سلطة الحكومة المركزية مع تعارض القيم التقليدية والسياسات الحكومية.
بالإضافة، أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى رداً على البرنامج النووي الإيراني إلى إضعاف الاقتصاد، مما خلقت نسبة كبيرة من الازمات المالية وأدى إلى زيادة الفقر والاستياء. حيث ساعد ذلك في ظهور حراك شعبي معارض قوي في الداخل أدى إلى تسليط الضوء على الاستياء المتزايد من النظام وزيادة إضعاف سلطة الحكومة.
استنتاج
لا يمكن للدولة الإيرانية أن تسقط بالحركة الداخلية وحدها، لأن لديها هيكل حكومي قوي وحرس ثوري عقائدي وجيش مخلص. في حين أن الحركات الداخلية مثل الاحتجاجات والاضطرابات المدنية وغيرها من أشكال المعارضة السياسية يمكن أن تخلق حالة من عدم الاستقرار، فمن غير المرجح أن تكون هذه كافية للإطاحة بالحكومة.
هناك عدة طرق يمكن من خلالها تساعد الدول الأخرى الحراك الثوري في إيران اذا كانت تنوي اسقاط النظام.
السيناريو الأكثر احتمالا هو غزو عسكري بشكل محدود يهاجم من خلاله على المنشآت النووية والصاروخية وبعض المنشآت الاقتصادية. أو ربما يحتاج ايران الى هجوم عسكري واسع النطاق لكي يسقط لكن انا لا أرى ذلك ممكنا حيث لا ترغب الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية الخوض في حرب أخرى وخاصة في ظل الحرب القائم بين روسيا وأوكرانيا.
من الطرق الأخرى والتي من خلالها تستطيع الدول القوية دعم الحراك الثوري في إيران هو استخدام تكتيكات سرية أو استخدام الضغط الاقتصادي بشكل أوسع لزعزعة استقرار البلاد وجعلها عرضة للاستيلاء. بالإضافة استخدام سياسات تترك اثرا كبيرا على السياسة إيران الداخلية وتثبيت نظام دمية (install a puppet regime) من خلال سيطرة القوة الأجنبية بشكل فعال على ايران من خلال المصالح المالية أو الدعم الاقتصادي أو العسكري. بالإضافة الى دعم الحراك السياسي الاثني في الأطراف وتجاهل العمل السياسي في المركز.
من الأمور الأخرى، يمكن تعجيل اسقاط النظام إذا ما تدخلت الدول الاجنبية عن طريق خلق انشقاق بين الجيش والنظام حيث تفقد الدولة الإيرانية السيطرة على جيشها وينحاز الى الشعب، بالتالي يسمح لقوة أجنبية السيطرة على البلاد كما حصل في عهد البهلوي عام ١٩٧٩. ويمكن أن يحدث هذا إذا كان هناك انقلاب عسكري ناجح، أو إذا انحاز الجيش إلى قوة أجنبية.
باختصار، في حين أن الحركات الداخلية قد تكون قادرة على إحداث عدم استقرار في إيران، فمن غير المرجح أن تكون كافية للتسبب في سقوط الدولة الإيرانية. ولذلك سيكون الغزو الأجنبي (او على اقل التقدير بشكل محدود) ضروريًا لحدوث تغيير النظام.
بقلم مصطفى حتة
باحث في معهد الحوار للأبحاث والدراسات. بامكانك متابعة الكاتب عبر حساب تويتر التالي:mostafahetteh@