الجمعة, أبريل 19, 2024
مقالاتخيارات العرب في مواجهة القنبلة النووية الإيرانية

خيارات العرب في مواجهة القنبلة النووية الإيرانية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

تُشير المعلومات المتوفرة التي ادلى بها دينس روس هو مستشار والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما، أن البرنامج النووي الايراني بات متقدما بشكل ملحوظ مقارنة مما كان عليه في عام 2015، لذا فإن استخدام القوة هو الالية الوحيدة القادرة والتي ستمنع طهران من تجاوز عتبة الأسلحة النووية.  في الوقت الراهن، تملك طهران قنبلتين من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أي بعبارة اخرى انها قادرة على صناعة الأسلحة النووية، كما انها لاتزال تواصل تركيب وتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر بكثير من الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي من نوع “IR-1” . هذا الوضع جعل تجاوزات البرامج النووي الايران واضحة تماما كما انها غير ملتزمة بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وبات مشروعها متقدما بشكل كبير. وبالتالي من هذا المنظور، لابد من الاعتراف أن حملة “الضغط الأقصى” الاقتصادية -السياسة التي شهدتها سنوات الماضية باءت بالفشل.

تجاهل إيران للحوافز التي قدمها المجتمع الدولي بخصوص برنامجها في تخصيب اليورانيوم وسيما في عهد الرئيس بايدن ترك باب المواجهة مفتوحا على مصراعيه يمثل تهديدات خطيرة للغاية لجميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. النقطة المركزية في هذا الحديث هو أمن الخليج العربي والذي يحتضن هذه المواجهة، حيث تجد الدول العربية الخليجية نفسها في حلبة الصراع غصبا عنها شاءت أم أبت. فسواء تمكنت إيران من امتلاك قدرات نووية، أو وجهت إليها ضربة عسكرية من الغرب، فإن العواقب ستكون وخيمة من وجهة نظر عربية على أمن الاقليم وخاصة الخليج العربي. حيث أعلن رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران كمال خرازي قبل أشهر ان “استهداف أمننا انطلاقا من دول الجوار سيقابل برد على هذه الدول ورد مباشر على إسرائيل”.

بالرجوع الى نظرية الاختيار العقلاني (العمل العقلاني) يمكن ان تتم دراسة مناهج الدول العربية وخاصة الخليجية لفهم المقاصد والثوابت والوسائل في مواجهة البرامج النووي الايراني وعن طريق ذلك، كيفية اختيار أفضل الوسائل (الأفعال) لتحقيق المقاصد، والمعايير التي نفاضل بها بين الخيارات المتاحة لها من الأفعال في إطار المحددات المختلفة التي تحافظ على الامن الاقليمي. بالإضافة الى ذلك، وبالاعتماد على العقلانية الأداتية، من المرجح ان تبحث دول الخليج العربي على طرق لتحقيق حفظ الامن والسلم الاقليمي باستخدام الطرائق الأقل تكلفة من دون التأثير سلبيًا على قيمة الهدف. لذلك لا أرى الخياران المطروحان على الطاولة أي السماح لإيران بصناعة القنبلة النووية ولا الهجوم العسكري على ايران يفي بالغرض المطلوب لحفظ أمن المنطقة وخاصة الخليج العربي.

وإذا ما تحقق سيناريو الضربة العسكرية، فإن الدول العربية خصوصا الحليفة للولايات المتحدة ستجد نفسها في ساحة حرب غير راغبة كما ان الأمريكيين لا يريدون التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط. لذلك أن هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق. كما لا أرى ان الاعتماد على “الحل الدبلوماسي باعتباره الحل الوحيد المقبول، وإن تعذر تحقيقه في هذه المرحلة” كفيل لحلحلة الخلافات القائمة منذ سنين.

النقطة الجوهرية والتي تأتي ضمن النظرية العقلانية لدول الخليج العربي هي تستوحى من ان هناك مخاوف وشكوك كبيرة من الجهات العربية حول قدرة إدارة بايدن على التفاوض ووقف برنامج النووي الايراني والتي من شأنها تقييد مسار إيران باتجاه الأسلحة النووية. على هذا الاساس دون شك، ستختار الدول العربية صناعة القنبلة أو شراءها كأفضل طريقة لحفظ التوازن الاقليمي وأمن الخليج العربي.

حيث يبدو ترى الدول الخليجية ان سياسة العصا والجذر التي اتخذتها امريكا في مواجهة إيران والتي أشار اليها المسؤولون الأميركيون في ادارة بايدن بأن “واشنطن سترفع الجزء الأكبر من العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، إذا عادت إيران للانضمام للاتفاق” لا تفي بالغرض المطلوب جراء القرب الزمني لصناعة القنبلة النووية.

إيران من جهتها تدرك تماما هذه السيناريوهات وتتحرك بذكاء من اجل المماطلة وكسب المزيد من الوقت حتى وصولها الى القادرة الكافية لصناعة القنبلة وبعد ذلك سيكون العالم امام واقع لا يمكن انكاره.

الولايات المتحدة الامريكية نفسها تواجه ثلاثة سيناريوهات، اولا انها تخشى قنبلة نووية إيرانية وشيكة وبالتالي ستفشل الدبلوماسية الامريكية إذا فشلت المفاوضات. فبعد ذلك، سوف تضطر الاعتماد على القوة العسكرية الذي لم تكن الخيار الافضل العقلاني للديمقراطيين في امريكا. من جهة اخرى، إذا نجحت المفاوضات ستكون هناك ازمة اخرى، حيث لا ترغب الولايات المتحدة الامريكية بإعطاء إيران المزيد من الامتيازات. وبالتالي هذا التردد، اعطى طهران المزيد من الوقت وخاصة خلال ادرة الديمقراطيين حيث لجأت إيران إلى الإسراع في برنامجها النووي عن طريق رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

واما الخيار العقلاني الذي تكلمنا عنه برز جليا فيما أوضح الوزير السعودي على هامش مؤتمر السياسات العالمي في أبوظبي ردا على سؤال بشأن حصول ايران القنبلة النووية أكد “إذا حصلت إيران على سلاح نووي جاهز للعمل، سيكون من الصعب التكهن بما سيحدث”، مضيفا “نحن في وضع خطير للغاية في المنطقة… يمكنك أن تتوقع أن دول المنطقة ستدرس بالتأكيد كيفية ضمان أمنها”. وبذلك، الخيار العقلاني الأفضل لدول المنطقة والخليج العربي ليس الخيار العسكري وانما هو ” الأسلوب الحكيم والمتوقع” بحسب هذه النظرية أي “صناعة أو شراء القنبلة النووية” والتي من شأنها تحافظ على التوازن الإقليمي.

لذلك تنظر الدول العربية دائمًا إلى استخدام القوة على أنه الملاذ الأخير، لذلك يجب على الولايات المتحدة استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية والاقتصادية والاستمرار في اتباع سياسة صارمة لمنع انتشار الأسلحة النووية والسعي لبناء إجماع دولي حول الحاجة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. كما يجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع حلفائنا في المنطقة لضمان عدم امتلاك إيران أو تطوير أي أسلحة دمار شامل. إذا فشلت هذه الإجراءات، فقد يكون استخدام القوة ليس الخيار الافضل والعقلاني، بل ان هناك خيار اخر عند الضرورة متاح لدول الاقليم، يساعد على حفظ الامن الاقليمي والخليجي.

 

مصطفى حتة



error: Content is protected !!