الجمعة, أبريل 19, 2024
دراساتالحرب الروسية الأوكرانية: الولايات المتحدة والإتحاد الاوروبي بين تباين السياسات وإرهاصات التمويل

الحرب الروسية الأوكرانية: الولايات المتحدة والإتحاد الاوروبي بين تباين السياسات وإرهاصات التمويل

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

 

مقدمة

 أعلنت موسكو في 24 شباط –فبراير 2022، العملية العسكرية الخاصة على أوكرانيا ، وأنطلقت موسكو باستراتيجية واضحة مرت بمرحلتين، تمثلت الأولى في محاولة موسكو السيطرة على العاصمة كييف وبعض مدن الشمال غير أنها لم تفلح في ذلك، ومن ثم كانت المرحلة الثانية التي ركزت خلالها جهودها على الشرق وحققت فيها نجاحات كبيرة([1]) ومن هذا المنطلق كانت الاستجابة الغربية للرد على موسكو فأعلن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية  فرض عقوبات ضخمة على روسيا كرد مناسب لحربها على أوكرانيا، وأفاد تقرير لجامعة يال بأن تأثير العقوبات الغربية على اقتصاد روسيا كبير ويتجاوز بكثير الأرقام الرسمية. وأوضح التقرير أن هذه العقوبات نجحت في “شل الاقتصاد الروسي تماما وعلى جميع المستويات”. وأضاف بأن مغادرة الشركات العالمية لروسيا “تمثل حوالى 40% من ناتج روسيا المحلي الإجمالي، مما أدى إلى إلغاء تقريبا معظم الاستثمارات الأجنبية خلال العقود الثلاثة الماضية مبيناً أن “العقوبات تشل الاقتصاد الروسي على المديين القصير والطويل” خصوصا أن موسكو تجد صعوبات بالغة في توفير “قطع غيار ومواد أوليةأو تقنيات أساسية”([2]) . وبالتالي ستسلط هذه الورقة الضوء على مجموعة من الخلافات التي طرأت على السياسة الخارجية بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ايزاء هذه الحرب، وستحاول ايضًا توضيح مدى تعاطي السياسة الأمريكية بشكل برجماتي مع الحلفاء الاوروبيين، وذلك من خلال الاعتماد في سياستها على منهج التحليل في اطار سياسات القوى (المنهج الواقعي) وكذلك استخدام المصلحة القومية كأداة من أدوات التحليل.

 

ديناميكية التفاعل الغربي

 شكل التصعيد الغربي بالعقوبات الاقتصادية الضخمة حفيظة روسيا ومن ثم بدأت بإجراءات تصعيدية وعقابية تجاة دول الاتحاد الاوروبي وهو ما حذر منه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث قال؛ أن “المبادرين بالإجراءات المعادية لروسيا سيجري باستمرار مواجهتها برد قاس من جانبنا”.([3]) واتخذت روسيا الطاقة سلاحاً استراتيجياً لمواجهة الاتحاد الأوروبي وقلصت روسيا التدفقات عبر خط نورد ستريم 1 إلى 40 في المئة في يونيو 2022  و20 في المئة في يوليو 2022،  وقطعت أيضًا روسيا الإمدادات عن عدة دول أوروبية مثل بلغاريا والدنمرك وفنلندا وهولندا وبولندا، وخفضت التدفقات عبر خطوط أنابيت أخرى منذ إطلاق ما تسميه “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا. في العادة تزود روسيا أوروبا بنحو 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب. وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب([4]) ومن ثم اندفع الاتحاد الاوروبي  بالبحث عن بديلاً لروسيا لاستيراد الغاز منه،  فأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الجمعة25مارس/آذار 2022 تشكيل “فريق عمل” بهدف الحد من اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي، وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة بروكسيل؛ حيث قال “إن الولايات المتحدة ستزود الاتحاد الأوروبي بمزيد من الغاز الطبيعي المسال لمساعدته على تقليل اعتماده على إمدادات الوقود الأحفوري الروسية”، وجاء الإعلان عن ذلك خلال زيارة بايدن إلى بروكسل، فور الاجتماع بقادة الاتحاد الاوروبي وبعد ثلاث قمم شهدتها المدينة انتقد فيها القادة الغزو الروسي لأوكرانيا وعرضوا المزيد من الدعم لكييف([5])

 

تباين في السياسات حول أدوات السياسية الخارجية المتبعة تجاة روسيا

منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير 2022، تنوعت بعض أدوات السياسة الخارجية بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكة المتبعة تجاة معاقبة روسيا بعد إعلانها العملية العسكرية الخاصة، وتباينت وجهات النظر حولها بين مؤيد ومعارض ويمكن توضيح ذلك عبر  ثلاثة محاور رئيسية كالتالي:

 

اولاً : سلاح العقوبات

ابدت بعض الدول الأوروبية بعض من التحفظ تجاه الولايات المتحدة بخصوص بعض العقوبات المفروضة على روسيا ،  فمن جانب اخر هناك توافق حول تسع حزم من العقوبات على روسيا كان أخرها عندما فرض الاتحاد الاوروبي حزمة اخيرة من العقوبات في ديسمبر 2022،([6]) وتشمل العقوبات الخاصة بشركات التكنولوجيا وإجراءات ضد بنوك روسية وقيودا تجارية وكذلك حظر أي استثمار جديد في قطاع التعدين الروسي هذا من جانب،  فمن جانب أخر في بداية الأمر كان هناك خلاف واضح بين الكتلة الغربية حول انواع خاصة من العقوبات على سبيل المثال، أكد وزير المالية الألماني “كريستيان ليندنر” مرارًا أن بلاده لا يمكنها الاستغناء عن إمدادات الغاز الروسي، مشيرًا إلى أن قطع هذه الإمدادات سيضر ألمانيا أكثر من روسيا. كما رحب المستشار الألماني “أولاف شولتز” في بيان له يوم 10 يوليو 2022 باعتزام حكومة كندا إعادة توربين (وحدة ضخ الغاز) “نورد ستريم 1” إلى ألمانيا، التي ستسلمها بدورها إلى روسيا، بعد أن تم إصلاحه في مونتريال بواسطة شركة “سيمنز” كندا، بعد أعلنت الشركة رفض عودته إلى ألمانيا بسبب العقوبات التي فرضتها كندا على روسيا. وعلى إثر ذلك اتهم الرئيس الأوكراني برلين بخرق العقوبات المفروضة على روسيا والاستسلام لابتزازه([7]) ويمتد الجدل حول ملف واردات الطاقة الروسية ليشمل أيضًا المدفوعات بالعملة الروسية الروبل؛ حيث امتثلت بعض الدول والشركات المستوردة لطلب روسيا في هذا الشأن، بينما لا تزال دول أخرى ترفض، الأمر الذي دفع موسكو إلى وقف تدفق الغاز إليها، مثل: بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا..

وبالتالي اعتمدت ألمانيا  في فبراير 2022، الاْلية الروسية لشراء الغاز ووتتمثل في إيداع ثمن الغاز الروسي إلى بنك روسي وليس اوروبي وكذلك سداد ثمن الغاز الروسي بالعملة الروسية ” الروبل”.([8]) ومن ثم  يمكن القول أن معضلة العقوبات وفرض حظر كامل على واردات الطاقة الروسية  لتصل إلى الصفر ستكون مسئلة خلاف واضحة ومستمرة  بين القادة الأوربيون في ظل عدم وجود بديل لأوروبا يستطيع أن يغطي الاستهلاك على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد.

 

ثانياً:  تسليح الجيش الاوكراني

ظهر في الأفق منذ بداية الصراع الروسي الأوكراني العديد من الخلافات بشأن إرسال مقاتلين سواء من أوروبا  أو من الولايات المتحدة للأراضي الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، وتم الأكتفاء بإرسال جنود تابعة لحلف شمال الاطلسي لدول البلطيق وبولندا ليكونوا جزءا من أي تدريبات أو مناورات مستقبلية وتكون رسالة واضحة لموسكو، وبطبيعة الحال لا تريد الولايات المتحدة ولا الاتحاد الاوروبي إرسال جنودًا إلى الميدان العسكري الاوكراني  وعلى الرغم من إدانة الولايات المتحدة لأعمال روسيا، فقد بذل الرئيس جو بايدن جهودًا كبيرة لتوضيح أن القوات الأمريكية لن تدخل أوكرانيا وتشتبك مع روسيا مباشرة. ويكمن السبب الرئيسي كما قال بايدن لشبكة NBC الإخبارية إنها “ستكون حرب عالمية إذا بدأ الأمريكيون وروسيا إطلاق النار على بعضهم البعض”. بعبارة أخرى، قد يؤدي دخول الولايات المتحدة في الصراع مباشرة إلى اندلاع حرب عالمية”([9]) ومن ثم يعتبر هذا هو السبب الرئيس في عدم إرسال الولايات المتحدة جنوداُ لأرض المعارك، ولم يتوقف التحفظ الأمريكي والأوروبي والذي يثير حفيظة كييف عند هذا الحد بل نشب خلافاً حاداُ في الأيام الماضية حول احجام كلاً من ألمانيا في إرسال دبابات طراز ليوبارد 2 وكذلك امتناع الولايات المتحدة عن إرسال دبابات من طراز ابرامز، وقد نشب خلافاً بين ألمانيا والولايات المتحدة حول الإرسال  أو عدم الإرسال كما اصر المستشار الألماني، أولاف شولتز، على أن خطوة كهذه بحاجة إلى تنسيق كامل بين أعضاء الحلف الغربي، بينما قال مسؤولون ألمان إنه لن يكون هناك قرار بهذا الشأن ما لم توافق الولايات المتحدة على إرسال بعض من دباباتها إلى كييف([10](. يضاف إلى ذلك التحفظ السياسة الامريكية تجاة هذه الحرب عدم موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على مطالب كييف حول إرسال مقاتلات F-16 ([11])

هذا من جانب، فمن جانب أخر يعتبر تسليم اوكرانيا مقاتلات غربية سيكون امراً صعبًا في المستقبل القريب بل سيكون في المستقبل البعيد، وهذا وفقًا لمكتب رئيس وزراء المملكة المتحدة روشي سوناك الذي صرح حول مدى إمكانية مد أوكرانيا بمقاتلات بريطانية أشار إلى أن الطيارون البريطانيين سيطورن مهارات الطيارون الأوكران و التي ستسمح لهم بأن يكونوا قادرين على “قيادة طائرات مقاتلة متطورة وفقًا لمعايير الناتو في المستقبل”وتعتزم لندن تنسيق الجهود في هذا المجال مع حلفائها من أجل “تلبية الاحتياجات الدفاعية لأوكرانيا”. وفي وقت سابق ، أشار مكتب رئيس الوزراء إلى أن أقصر دورة تدريبية لطياري الطائرات تستغرق 36 شهرًا.([12])

ووفقًا لمشاورات سياسية بين البلدين فقد وافقت كلًا من ألمانيا والولايات حول إرسال الدبابات الألمانية والأمريكية للجيش الاوكراني  ولكن مع ابداء بعض من التحفظات منها عدم مهاجمة الأراضي الروسية بتلك المدرعات([13])، وبالتالي يمكن بلورة  مجموعة من الأسباب تقف خلف هذا التضارب في المواقف وفقاً لما يلي:-

أولًا: بحسب تقرير لمجلة “FORBES” تعتبر دبابات “ليوبادر2 ” الألمانية وكذلك “ابرامز ام1” الأمريكية هما الأفضل في العالم([14]) ويعتبران هاتين الدبابتين العمود الفقري للصناعات الحربية بالنسبة لألمانيا في أوروبا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فإن قضية إرسالمها للحرب في أوكرانيا مع سوء استخدامهما من قبل الجيش الأوكراني وتعرضها للدمار ربما يفقد مصداقية تلك الدبابات وبالتالي يعود بالسلب على المبيعات على كلاً من برلين وواشطن.

ثانيًا: عدم رغبة كلاً من ألمانيا والولايات المتحدة في التورط بشكل مباشر في الحرب وبالتالي من المتوقع أن يدفع ذلك في تجاة حرب مباشرة مع روسيا ومن ثم يستخدم الأسلحة النووية.

ثالثًا: العقلية الأمريكية تعتبر أن هذه الحرب لا تخص الولايات المتحدة وهو ما عبر عنه  المفكر الأمريكي  تشومسكي بأن الولايات المتحدة ستقاتل حتى أخر جندي أوكراني.([15])

يمكن القول أن هناك عدم رضى تام من قبل كييف حول مسألة تسليح أوكرانيا للإنتصار في هذه المعركة بحسب رؤيتها، ولكن  على الرغم من العقوبات الاقتصادية والتصريحات العدائية من قبل حلف شمال الأطلسي والقادة الغربيون تجاة روسيا إلا أنهم لا يريدون الدخول في مواجهة مباشرة تجاة موسكو على الأراضي الأوكرانية حتى عبر تسليم اوكرانيا اسلحة متطورة وثقيلة ويتخذون الخطوات تجاة هذا الملف بعناية وحذر منعاً لإنزلاق الوضع وتورطهم في حرب قد تصل إلى نووية شاملة.

 

ثالثاً : الدعم المالي لكييف

على الرغم من الحالة الاقتصادية التي تشهدها دول العالم عقب جائحة كورونا وكذلك ارتدادات الحرب الروسية الاوكرانية من تراجع فرص الاستثمار وإرتفاع معدلات التضخم حصلت أوكرانيا منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية على مساعدات عسكرية ومالية من أكثر من 20 دولة و4 منظمات دولية، إضافة إلى مختلف مؤتمرات المانحين. وبلغ الحجم الإجمالي للمساعدات نحو 150.8 مليار دولار، ما يزيد على حجم الميزانية الأوكرانية (55.5 مليار دولار في عام 2022) بمقدار 2.7 مرة.([16]) أشار وزير المالية الأوكراني إلى أن الحكومة قلصت النفقات غير العسكرية إلى أدنى حد ممكن. وتحتاج كييف لحوالي 5 مليارات دولار في الشهر لتغطية النفقات غير العسكرية([17])  نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية مؤخرًا تقريرًا، تناول المخاوف الأوروبية من إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن دعمها لأوكرانيا، أشارت فيه إلى أن بعض الجمهوريين قد يدفعون لو فازوا فى انتخابات التجديد النصفى، لخفض الدعم الأمريكى للحرب، فى وقت تزيد فيه واشنطن من الضغوط على أوروبا كى ترفع من نفقاتها الدفاعية. فقد تجدد إلقاء الضوء بين أعضاء حلف الناتو على الفجوة بين الدعم الأمريكى والأوروبى، يأتي هذا التقرير كجرس انذار مسبق لمستقبل أمريكا تجاة هذا النزاع وخاصة في ظل الانتخابات الرئاسية الامريكية 2024، وهو ما يظهر بعض المخاوف من المرشحين الجمهوريين وموقفهم تجاة هذه الحرب اذا تولى مرشح جمهوري الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.([18])

وبالتالي من خلال قياس درجة التباين والاختلاف في وجهات النظر بين الحلفاء في المحاور الثلاثة السابقة “سلاح العقوبات-تسليح الجيش الأوكراني- المساعدات المالية لكييف”  بين مثلث أوكرانيا-أوروبا-الولايات المتحدة، يمكن القول أن؛

(1) الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي غير قادرين على مواصلة الدعم المالي لكييف إلى ما لا نهاية لأن ذلك سينعكس بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية سواء في الداخل الأوروبي أو في الداخل الأمريكي وهذا في ظل طلب كييف المتزايد للدعم المالي ، بينما اذا استمر الدعم المالي لكييف سيكون حسب ما تراه كل دولة على حدا ووفقاً للظروف الداخلية لكل دولة.

 (2)  استمرار تبني إدارة بعينها موقف محدد تجاة ملف يخص السياسة الخارجية لا يمنع من تلاشيها عند تولى إدارة جديدة أو حزب جديد في الدولة والأمر هنا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية فربما الأمر يتغير برمته بعد سنة من الأن في واشنطن عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

 

ورقة الطاقة..مصالح أمريكية

عندما يطرح هذا السؤال يتبادر إلى ذهن المرء أن المستفيد الأكبر من تصدير النفط والغاز للاتحاد الأوروبي هي موسكو وهي إجابة نموذجية ومنطقية للرد على هذا السؤال ولكن السؤال الأخر الذي يطرح نفسه هل ستخسر روسيا عوائد  تصدير النفط والغاز بعد منع تصديره للاتحاد الأوروبي ؟ والاجابة هي لا لأن السوق الاوروبية بطبيعة الحال هو الاكبر بالنسبة لروسيا في تصدير الغاز عبر غازبروم الروسية ولكن ليست السوق الآوحد لروسيا بل أن هناك اسواق اخرى كالسوق الآسيوي وهو قادر على استيعاب تدفات الغاز الروسي كالسوق الصيني والهندي على سبيل المثال، وهنا ربما يطرح سؤلًا أهم وهو كيف سيعوض الاتحاد الأوروبي إستهلاكه من الغاز في خضم تخفيض روسيا للإمدادات؟

بعد القمة الأولى التي شهدتها بروكسيل في 24 مارس 2022،  بعد الحرب الروسية الأوكرانية وجمعت كلاً من القادة الأوروبيون والرئيس الامريكي جو بايدن تعهد بمد أوروبا بالغاز المسال الأمريكي ونشرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» اللندنية الخطوط العريضة لمبادرة بايدن، وتشمل الخطة مراحل ثلاث:-

اولًا: المدى القصير: تصدير 15 مليار متر مكعب سنويا من الغاز المسال الأميركي على المدى القصير لتعويض النقص المباشر للإمدادات الروسية.

 ثانيًا: المدى المتوسط: تعمل أوروبا على إنشاء سوق غاز أوروبية واسعة بحلول عام 2030 تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز المسال الأميركية.

 ثالثًا: المدى البعيد: تعمل الولايات المتحدة على مساعدة أوروبا «بالإسراع في التحول نحو الطاقات النظيفة» لكي «تقلص اعتمادها على الغاز في المدى البعيد».  من هنا نستطيع أن نفسر  ديناميكية المعادلة الأمريكية تجاه الاتحاد الاوروبي([19])

تعتبر هذه المبادرة هي الآمثل في الوهلة الأولى بالنسبة للاتحاد الأوروبي بعد تخفيض روسيا إمدادات الطاقة عن لأوروبا  وتعهد الولايات المتحدة بمدها بالغاز وتعتبر الولايات المتحدة هي الفائز الأكبر في هذه المعادلة  بينما يميل الاتحاد الاوروبي  إلى الجانب الخاسر لأنه بحسب المبادرة الأمريكية الخاصة بتصدير الغاز لأوروبا، والتي لم تطبق فيها خطة المدى القصير إلا وظهرت مدى اضطراب هذه المبادرة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي وهذا يتضح من تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 6 اكتوبر 2022  أمام مؤتمر باريس لرجال الأعمال حيث قال؛، إن الدول التي تفرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، متحدة بصفتها “مقاتلة من أجل الحرية”، ولكنها منقسمة إلى منتجة أو مستهلكة للوقود الأحفوري. وأضاف الرئيس الفرنسي “سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة، أنتم رائعون، تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن هناك شيئ واحد لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، أن ندفع 4 أضعاف سعر الصناعة لديكم.. ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة”([20])

هذا التنديد لم يقتصر فقط على فرنسا وانما ايضًا على ألمانيا ، حيث أتهم وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك بعض الدول المصدرة للغاز الطبيعي بسبب “أسعارها الباهظة”. وقال هابيك في تصريحات لصحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونغ” الألمانية الصادرة 5 أكتوبر 2022 “بعض البلدان – بما في ذلك بلدان صديقة – تسعى لأسعار باهظة وخيالية. هذا يجلب بالطبع مشكلات يتعين التحدث بشأنها”، مضيفاً أنه يعول على  المفوضية الأوروبية للتحدث عن هذا الأمر مع الدول الصديقة.([21])

في ضوء ما سبق يمكن القول أن هذا التضارب المتعمد في التعاطي الآمريكي مع أزمة الغاز في الاتحاد الآوروبي  يتضح أن الولايات المتحدة تعمل على إطالة الحرب الروسية الأوكرانية لأنها بطبيعة الحال هي  المستفيد الأكبر من الانعكاسات السلبية لهذه الحرب على دول الاتحاد الأوروبي من كافة الاتجهات وتعمل على ابتزاز دول الاتحاد الاوروبي بسبب الارتدادات السلبية لهذه الحرب وتعمل على تصدير الغاز أربعة اضعاف السعر العادل له في الداخل الأمريكي، بل لربما تتعمد الولايات المتحدة على المدى البعيد أن تفعل ذلك لإجبار معظم الشركات في الاتحاد الأوروبي على الهروب من سوق العمل الأوروبية والبحث عن مناخ استثماري مستقر وبالتالي ربما الاتجاة إلى الاستثمار والانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ربح كبير بالنسبة لواشنطن من وراء هذه الحرب. وهذا كما ورد في صحيفة “بوليتيكو” على موقعها الإلكتروني بأن الاضطراب الناجم عن غزو بوتين أوكرانيا يدفع الاقتصادات الأوروبية إلى ركود مع ارتفاع معدلات التضخم ومعاناة إمدادات الطاقة ضغوطاً تهدد بانقطاع وتقنين للتيار الكهربائي خلال هذا الشتاء([22])

 

ما هي السيناريوهات المتاحة للخروج من الأزمة؟

هناك سيناريوهين يمكن أن ينهيىى الحرب الروسية الأوكرانية يتمثل الأول منه وهو يندرج تحت مفهوم المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، وهو استمرار الحرب من دون حسمهاأمام الوضع الميداني الحالي، ومن المُرجح استمرار التصعيد بين طرفي الحرب. فروسيا تريد أن تبرز أنها قادرة على تحدي الغرب، وأن لديها كل المقومات التي تجعلها طرفاً وازناً وأساسياً في نظام دولي تعددي تطمح إليه. في حين تسعى الولايات المتحدة، مدعومة في ذلك بعدد من الدول الغربية الأخرى، إلى تأكيد أنها القطب الأوحد المؤهل لقيادة النظام الدولي([23]) ، وبالتالي ربما تنزلق هذه الحرب وتؤدي  إلى  الذهاب نحو حرب نووية شاملة عن طريق دخول الدول الغربية بشكل مباشر ضد روسيا في هذه الحرب.

وأما السيناريو الأخر وهو سيناريو ينتمي إلى مفهوم المدرسة الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية وهي تشدد على منطق التعاون والتقارب وتقليص حدة النزاعات بين الدول، وتم التطرق لهذا المفهوم من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ففي ندوة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أكتوبر 2022، أشار السياسي الأمريكي هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق 1973،1977، في حديث مع رئيس المجلس ريتشارد هاس- قال أن السؤال الهام الآن “ما علاقة روسيا مع أوروبا في المستقبل؟” منوها إلى انه نهاية المطاف يجب أن يبدأ الحوار بين الغرب وروسيا.وقال إننا نحتاج بشدة “بعض الحوار” ربما على مستوى غير رسمي، وربما بطريقة استكشافية “لأن ذلك مهم جدا، خاصة أننا في بيئة نووية يكون فيها الحوار أفضل بكثير من قرارات ساحة المعركة”. وكان الوزير الأسبق قد حث الولايات المتحدة والغرب، أثناء مشاركته بالمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في مايو ، على عدم السعي لهزيمة محرجة لروسيا في أوكرانيا، محذرا من أن ذلك قد ينعكس سلبا على استقرار أوروبا على المدى الطويل([24])  وربما هذا افضل سيناريو للخروج من هذه الأزمة منعاً لإنزلاق الاوضاع والدخول في حرب عالمية ثالثة مدمرة.

ويتوافق هذا الرأي الذي طرحه هنري كيسنجر مع ما طرحته مؤسسة راند RAND البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، في دراسة نشرت مطلع هذا العام يناير 2023، بعنوان ” تجنب حرب طويلة: سياسة الولايات المتحدة ومسار الصراع بين روسيا وأوكرانيا”  توضح هذه الدراسة بأن أفضل طريقة  لتقليل مخاطر التصعيد الكبير  لخدمة مصالح الولايات المتحدة هي تجنب الصراع الذي طال أمده. بالإضافة إلى أن تكاليف ومخاطر حرب طويلة في أوكرانيا كبيرة تفوق الفوائد المحتملة لمثل هذا المسار بالنسبة للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن واشنطن لا تستطيع بمفردها تحديد مدة الحرب ، إلا أنها يمكن أن تتخذ خطوات تزيد من احتمالية التوصل إلى نهاية تفاوضية لنهائية هذا الصراع.([25])

 

خاتمة

في ضوء ما سبق يمكن القول أن مفتاح حل الأزمة الروسية الأوكرانية هي طاولة المفاوضات والديبلوماسية، وهو السيناريو المرجح في الفترة القادمة نظراً للارتدادات الضخمة لهذه الحرب على اقتصاديات العالم من بينهم الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني الأن من ركود وتضخم وكذلك بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تتعرض  لتكاليف كبيرة تفوق الفوائد المحتملة بالنسبة لها في هذه الحرب.

 

بقلم محمد نبيل البنداري

 

المصادر:

[1]) مرحلة ثالثة للحرب.. أهداف روسيا شرقا وطموحات أوكرانيا جنوبا، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر 18 يوليو 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023. الرابط  shorturl.at/delM0

[2])  العقوبات الغربية شلت الاقتصاد الروسي على كل المستويات، فرنس 24، تاريخ النشر 7 فبراير 2023، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023، الرابط   shorturl.at/jsEG3

[3])  روسيا ترد على اجراءات الاتحاد الاوروبي بإجراءات مضادة، روسيا اليوم تاريخ النشر 7-9-2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/bmsT6

[4]) ما بدائل اوروبا اذا قطعت روسيا الغاز عنها، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر 3 سبتمبر 2022، تاريخ الدخول 25فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/JR489

[5]) واشنطن تتعهد بتزويد أوروبا بالغاز لتقليل الاعتماد على روسيا،DW عربية،  تاريخ النشر 25 مارس 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/qxY27

[6]) الاتحاد الاوروبي يتفق على حزمة عقوبات تاسعة على روسيا، DW عربية، تاريخ النشر 15 ديسمبر 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/nADY5

[7]) الانقسام الاوروبي تجاة التعامل مع الأزمة الاوكرانية، مجلس اتخاذ القرار، مجلس الوزراء جمهورية مصر العربية، تاريخ النشر 8 سبتمبر 2022، تاريخ النشر 25 فبراير 2023. الرابط  shorturl.at/rwGY5

[8]) ألمانيا توافق على اعتماد الألية الروسية لشراء الغاز، روسيا اليوم، تاريخ النشر 4 ابريل 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023. الرابط  shorturl.at/ADPY1

[9]) لماذا لا ترسل أمريكا قوات إلى أوكرانيا وما سيناريو المواجهة المباشرة مع روسيا، CNN، عربية، تاريخ النشر 28 فبراير 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير2023، الرابط  shorturl.at/adpX5

[10]) لماذا تمانع الولايات المتحدة من إرسال دباباتها إلى أوكرانيا؟، سكاي نيوز عربية ، تاريخ النشر 22 يناير 2022، تاريخ الدخول 25 فبراير 2023، الرابط shorturl.at/dirwM

[11]) بايدن لن نرسل مقاتلاتF16  لكييف، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر 31 يناير 2023، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط shorturl.at/dnsKV

[12]) UK To Ship Long-Range Weapons To Kiev, To Begin Training Ukrainian Pilots, TASS, RUSSIAN NEWS AGENCY,8 FEB2023 Link https://tass.com/world/1573217

[13]) المساعدات المالية والعسكرية الغربية لأوكرانيا، تاريخ النشر 10 يناير 2023،روسيا اليوم، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط    shorturl.at/epNUW

[14]) تعرف على الدبابات الخمس الأكثر طلباُ في العالم، روسيا اليوم، تاريخ النشر 29 اغسطس 2017، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/adoRS

[15]) تسومسكي: امريكا ستواصل الحرب حتى اخر جندي اوكراني، سكاي نيوز عربية ، تاريخ النشر 8 ابريل 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/jlEX0

[16])  المصدر السابق.

[17]) صحيفة: اوكرانيا تواجهة مشكلة مالية كبيرة في تمويل الحرب، روسيا اليوم، تاريخ النشر 12 اغسطس 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير2023، الرابط   shorturl.at/pwX18

[18]) خالد عكاشة، حدود وأفاق متقلبة للدعم الأمريكي لأوكرانيا، المركز المصري للفكر والدراسات، تاريخ النشر 23 أكتوب 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط   shorturl.at/gkBFV

[19]) وليد خدوري، الغاز الروسي لاوروبا: البدائل والتحديات، جريدة الشرق الاوسط، تاريخ النشر 12 ابرليل 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/bKLWX

[20]) ماكرون يندد بمضاعفة الولايات المتحدة والنرويج اسعار الغاز في اوروبا، يورو تايمز، تاريخ النشر ،24 نيوز، 6تاريخ النشر اكتوبر 2022، تاريخ الدخول 26 قبراير 2023، الرابط  shorturl.at/txOQS

[21])  وزير ألماني ينتقد أميركا: تبيع الغاز الطبيعي لنا بأسعار فلكية، العربية، تاريخ النشر 5 اكتوبر 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/jCG18

[22]) اوروبا تتهم الولايات المتحدة بالتربح من الحرب الروسية،اندبندنت عربية، تاريخ النشر 25 نوفمبر 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/eiDZ3

[23]) ادريس لكريني، حرب اوكرانيا في 2023 بين اللاحسم والمفاوضات، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، أبو ظبي، الامارات العربية المتحدة، تاريخ النشر 21 ديسمبر 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2022، الرابط shorturl.at/biXY4

[24]) بعد اقتراحه سابقاً تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها… كيسنجر يغير موقفه من الحرب ويقر ب”خسارة” موسكو، الجزيرة، تاريخ النشر 10 فبراير 2022، تاريخ الدخول 26 فبراير 2023، الرابط  shorturl.at/gmyP0

[25]) Samuel Charap ,Mianda Priebe, Avoiding a Long War, U.S Policy and the Trajectory of the Russia-Ukraine Conflict, RAND Corporation, January 2023. USA. LINK  https://2u.pw/Cr1ZYd



error: Content is protected !!