الجمعة, مارس 29, 2024
دراساتالقضية الأحوازية في إطار إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على التمييز القائم...

القضية الأحوازية في إطار إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

استطاع الخميني منذ تبنيه نظرية ولاية الفقيه أن يقيم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 الذي يمنح المرجع الديني الأعلى، منصب الولي الفقيه كأعلى سلطة دستورية في البلاد، فقام بتوسيع صلاحيات الفقيه من “الولاية العامة” إلى “الولاية المطلقة”، التي حولت مفهوم الدولة بصفتها مؤسسة، ليكون الولي الفقيه فيها هو الوحيد القائل بالشرعية الإلهية المباشرة.

فرض مبدأ ولاية الفقيه الذي استحدثه وطوره الخميني على رئيس الجمهورية أن يأخذ التزكية والموافقة من الإمام لكي يصبح شرعياً في ممارسة مهامه، وبالتالي فقد ربط الخميني الحكومة والدستور الإيراني بنظرية دينية- مذهبية، شكلت الأساس الذي قامت عليه الجمهورية الإسلامية الحالية في تعاملها مع كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في بلد متعدد الديانات والأعراق والطوائف والإثنيات في مخالفة واضحة وصريحة لمواثيق حقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحد بشأن القضاء التمييز القائم  على أساس الدين أو المعتقد، و إعلان المبادئ للتحالف الدولي للحرية الدينية، والقضاء على جميع أشكال التعصب الديني. وذلك في إطار غاية سياسية أرادها نظام الملالي التضييق على باقي الشعوب داخل إيران وتمكين السلطات الإيرانية بالاستحواذ على السلطة من قبل أقلية ثيوقراطية تحكم قبضتها على باقي  الشعوب سواء منها الفارسية التي لا تتبع لنظرية ولاية الفقيه – كنظرية سياسية- أو الشعوب غير الفارسية الأخرى التي مازالت تفتقر إلى أدنى مقومات الحرية والكرامة الإنسانية، و الحصول على حقوقها التاريخية و الهوياتية التي ضمنتها لها مبادئ وقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، وفي مقدمة هذه الشعوب الشعب الأحوازي الذي ظل في عين العاصفة التمييزية و الاقصائية للسلطات الإيرانية منذ احتلال دولته سنة 1925 إلى يومنا هذا، ولأسباب تتعلق بطبيعة النظام الإيراني الذي تأسس على نظام حكم ورث الشيفونية العرقية الفارسية وزاد عليها شيفونية التمييز القائم على أساس المعتقد والدين / المذهب.

 

أولاً- إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد

صدر إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، في 25 نوفمبر 1981، حيث أكد الإعلان على مبدأ الكرامة والمساواة بين جميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ تدابير مشتركة، لتعزيز وتشجيع الاحترام العالمي والفعال لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.

 

  • القضاء على التمييز القائم على أساس الدين والمعتقد كركيزة أساسية في ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان

نصت المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين1″. وأضاف أن من الجوهري تعزيز التفاهم والتسامح والاحترام في الشؤون المتصلة بحرية الدين والمعتقد، وكفالة عدم السماح باستخدام الدين أو المعتقد لأغراض تخالف ميثاق الأمم المتحدة وغيره من صكوكها ذات الصلة بالموضوع، وأغراض ومبادئ هذا الإعلان.

وعلى هذا الأساس،جاء إعلان الأمم المتحدة ليؤكد على ضرورة القضاء على جميع أشكال التعصب الديني، مشيراً في حيثياته إلى المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومشدداً على أن الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد هو حق بعيد الأثر ومتأصل، و أنه يشمل حرية الفكر فيما يتعلق بكافة المسائل، والاقتناع الشخصي واعتناق أي دين أو معتقد، سواء أبديت مورست بشكل فردي أو مع جماعي، ومؤكداً على جميع الدول لاتخاذ كل ما يلزم من تدابير امتثالا لالتزاماتها الدولية، لمواجهة التعصب وما يتصل به من عنف قائم على أساس الدين أو المعتقد، بما في ذلك ممارسات تدنيس الأماكن الدينية، وذلك بأن يتمتع كل فرد بحقه في حرية الفكر والضمير والتعبير والدين2 . حيث طالبت الأمم المتحدة حكومات الدول بتسهيل مهام المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان المعني بالقضاء على جميع أشكال التعصب الديني وأشكال التمييز القائمة على أساس الدين أو المعتقد لتمكينه من أداء ولايته بصورة كاملة.

وأشار ” إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد على  أن الحقوق المنتهكة على أسس دينية، شملت الحق في الحياة، والحق في السلامة البدنية وفي حرية الفرد وأمنه، والحق في حرية التعبير، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والحق في عدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز تعسفاً، كما حث الإعلان دول العالم أن تكفل في أنظمتها الدستورية والقانونية ضمانات وافية وفعالة لحرية الفكر والضمير والدين والمعتقد، بما في ذلك توفير وسائل الانتصاف الفعالة في الحالات التي يُنتهك فيها الحق في حرية الدين أو المعتقد؛ وأن تتخذ ما يلزم لتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والإجراءات اللازمة لمنع انتهاكها، وأن تتخذ جميع التدابير المناسبة لمكافحة الكراهية، والتعصب وأعمال العنف والتخويف والإكراه بدافع من التعصب الديني، وأن تشجع، من خلال النظام التعليمي وبوسائل أخرى، التفاهم والتسامح والاحترام في المسائل المتصلة بحرية الدين أو المعتقد، والاعتراف لجميع الأشخاص في العبادة أو التجمع فيما يتعلق بأي دين أو معتقد، وإنشاء الأماكن اللازمة لتلك الأغراض وصيانتها، وفق ما هو منصوص عليه في الإعلان المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.

 

  • إعلان المبادئ للتحالف الدولي للحرية الدينية ( فبراير 2020)

الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية خلال مؤتمر الحريات الدينية الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن في يوليو 2019، وتابعت أعماله خلال مؤتمر “النداء العالمي لحماية الحريات الدينية” في سبتمبر 2019، الذي دعا إلى إنهاء الاضطهاد الديني ووقف الجرائم ضد أتباع الدين وإطلاق سراح سجناء الرأي وإلغاء القوانين التي تقيد حرية الدين أو المعتقد وحماية الضعفاء والعزل والمضطهدين.

 وفي فبراير 2020 تم إطلاق التحالف الذي شددت الدول المشاركة على “حماية حرية الدين والمعتقد، كتحالف دولي يمثل تحالفا لدول متماثلة التفكير وتقدر وتحارب من أجل الحريات الدينية الدولية لكل إنسان 3، حيث دعت الولايات المتحدة الأمريكية في بيان أعلنته الخارجية الأمريكية ، إن على الدول أن تتعهد بالتمسك بإعلان المبادئ، وتوطيد التزامنا الجماعي للاعتراض ورفض علانية وسراً لجميع الانتهاكات أو انتهاكات الحرية الدينية، وقد شكل التحالف البادرة الأولى من نوعها في التاريخ التي يجتمع فيها تحالف دولي على مستوى القيادة الوطنية لدفع قضية الحرية الدينية إلى الأمام في جميع أنحاء العالم، حيث نص إعلان المبادئ للتحالف على تمكين الدول لمواجهة “اللاعبين السيئين” ومساعدة المضطهدين والمعرضين للخطر.

ويقوم التحالف على “المبدأ الدولي المتمثل في حرية الدين أو المعتقد المستمد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان الأمم المتحدة للعام 1981 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد (إعلان الأمم المتحدة 1981)،وبموجب هذا التحالف “يتعهد الأعضاء بتطبيق التزاماتهم بموجب القانون الدولي في المواضيع المتعلقة بحرية الدين أو المعتقد، و اتباع نهج قائم على حقوق الإنسان للنهوض بحرية الدين أو المعتقد. كما أشار الإعلان إلى مجموعة من التدابير التي تتخلص في إدانة العنف القائم على هذا النوع من الحريات وأن تقوم  بتحدي الانتهاكات والتجاوزات ومعارضة القيود على حرية الدين أو المعتقد ورفض التمييز في الوصول إلى العدالة أو التعليم أو العمل.

ودعا إعلان المبادئ إلى مسألة في غاية الأهمية ، حين طالب الدول بآليات الرصد المنتظم، والإبلاغ وتبادل المعلومات والتواصل مع الأفراد المتضررين والمجتمعات الدينية، وتعزيز الحوار بين الأديان ودعم الضحايا ومعاقبة الجناة والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمجتمعات الدينية والشبكات البرلمانية الملتزمة بالنهوض بحرية الدين أو المعتقد.

و يمثل التحالف الدولي للحرية الدينية شبكة من العلاقات الدولية بين مجموعة من الدول متماثلة التفكير وملتزمة بدعم حرية الدين أو المعتقد في مختلف أنحاء العالم بشكل كامل؛ إذ ينطلق التحالف من فكرة أساسية مفادها، أنه ينبغي بذل المزيد من الجهود لحماية أفراد الأقليات الدينية، ومكافحة التمييز والاضطهاد على أساس الدين أو المعتقد. ويعتزم التحالف مناصرة حرية الدين أو المعتقد للجميع، بما في ذلك حق الأفراد في اعتناق أي معتقد أو عدم الإيمان بأي شيء أو تغيير ديانتهم أو معتقدهم أو إظهاره، سواء منفردين أو ضمن الجماعة، وفي العبادة وممارسة الشعائر والتدريس الديني. يهدف التحالف إلى جمع كبار ممثلي الحكومات لمناقشة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها دولهم لتعزيز احترام حرية الدين أو المعتقد وحماية أفراد مجموعات الأقليات الدينية في مختلف أنحاء العالم. ويجب أن يلتزم أعضاء التحالف بالمبادئ والالتزامات المعنية بذلك، وأن يكونوا مستعدين للاعتراض وإدانة الانتهاكات أينما وقعت، سواء كان ذلك في السر أو العلن 4.

يقوم التحالف على المبدأ الدولي المتمثل في حرية الدين أو المعتقد المستمد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان الأمم المتحدة للعام 1981 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد وغيرها من الوثائق، مثل المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز وحماية حرية الدين أو المعتقد، والمبادئ التوجيهية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن حرية الدين أو المعتقد والأمن. إذن يستند العمل لتعزيز حرية الدين أو المعتقد إلى مبدأ أن حقوق الإنسان عالمية ومترابطة ومتشابكة. وتهدف أعمال التحالف إلى استكمال العمل الحالي لتعزيز حرية الدين أو المعتقد داخل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات متعددة الأطراف والإقليمية المختصة.

ويلتزم الأعضاء في التحالف  بالتمسك بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي بشكل عام، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بحرية الفكر والرأي والدين أو المعتقد، بما في ذلك الحق في اعتناق أي عقيدة أو معتقد أو عدم الإيمان بأي شيء على الإطلاق وحرية تغيير الإيمان. بإدانة العنف والتحريض على العنف ضد الأشخاص على أساس الدين أو المعتقد وضد المواقع الدينية، سواء من قبل الدولة أو من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، ويطالبون بمساءلة الجناة. ويلتزم أعضاء التحالف بمعارضة القيود المفروضة على حرية الفرد في تغيير دينه أو معتقده أو عدم الإيمان بأي معتقد وإظهار التضامن مع ضحايا هذه القيود، كما يلتزم الأعضاء بالكلام بالنيابة عن المسجونين أو المضطهدين بطرق أخرى بسبب دينهم أو معتقدهم وتعزيز المساءلة ضد الجناة 5.

 

ثانياً-  الشعب الأحوازي وممارسات النظام الإيراني في إطار التمييز القائم على الدين والمعتقد

لابد من القول بدايةً، أنّ القضية الأحوازية تأخذ في دلالاتها التاريخية منحىً أبعد من مسألة التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد، كونها قضية سياسية بامتياز قبل وصول نظام الملالي إلى سدة الحكم 1979، إذ شكل النسيج المجتمعي الأحوازي خليطاً متجانساً من العرب متعددي الأديان والطوائف والمذاهب، إلا أنّ مسألة التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد تصاعدت مع وصول نظام الملالي، ليكون المذهب أحد مسببات التضييق على الشعب الأحوازي، خصوصاً بعد انفتاح المجتمع الأحوازي أكثر على قضيته مع تصاعد التغول الإيراني في محيطها العربي، ما شكل ردات فعل قومية في شريحة الشباب الذي توجه في مراحل تاريخية متأخرة إلى ربط ثقافته أكثر فأكثر مع مجريات الأحداث السياسية التي ركزت فيها إيران على مبدأ تصدير الثورة في البلاد العربية، وما أفرزته تلك السياسة من فوضى أوصلت العديد من البلاد العربية إلى حالة الدمار التي تشهدها المنطقة، الأمر الذي انعكس على إعادة ربط الأحوازي بعروبته أكثر فأكثر، تزامن ذلك مع موجات غير مسبوقة من الشباب الأحوازي في رفض مبدأ ولاية الفقيه كنظرية سياسية تمجد ديكتاتورية الولاية المطلقة، بحيث أصبحت العائق الأهم في مطالبته بحريته وحقوقه في جميع المستويات، الأمر الذي جعلهم عرضة لانتهاكات حقوقية بالجملة، وقتل واعتقال أي صوت ينادي بأبسط الحقوق.

 

  • الشعب الأحوازي في مواجهة آلة التمييز على أساس الدين والمعتقد

بعد احتلال إيران للأحواز عمدت السلطات الإيرانية إلى سياسات قمعية تمييزية من أجل القضاء على عروبة الشعب الأحوازي وإضعاف عزيمته ومقاومته للاحتلال، فكانت من أهم تلك السياسات هدم المدارس وجميع المعالم والآثار التي تدل على عروبة المنطقة، فمنع الشعب الأحوازي من التعلم باللغة العربية التي هي بالأساس لغة دينهم، ويعاني الشعب الأحوازي من الاضطهاد والقمع حتى في اختيار أسماء أبنائهم، إذ يمنع عليهم تسميتهم بأسماء عربية بعينها وخاصة البعض منها كونها أسماء لرموز دينية يرفضها متعصبو ولاية الفقيه ، الذين يرفضون تواجد أي تراث عربي ديني لأنها تعتبر إساءة للفرس على حد زعمهم6، وكانت السلطات الإيرانية قد أعتقلت العشرات من الأحوازيين بتهمة اعتناقه المذهب السني. كما مُنع الأحوازي من ارتداء الزي العربي، وهجرت مئات الآلاف العوائل الأحوازية إلى المحافظات الإيرانية بغية انصهارهم في الثقافة واللغة الفارسية، إضافة لبناء مستوطنات لغير العرب وإسكانهم في المناطق العربية بهدف تغير ديمغرافية الأحواز، وتم منع العوائل الأحوازية من تسمية أطفالهم بأسماء عربية ذات بعد ديني يربطهم بعروبتهم، ووصل الأمر بالممارسات الإيرانية خلال حكم الملالي لمنع الأحوازيين من قراءة وتعليم القرآن الكريم في المساجد وحتى البيوت، بحجة مواجهة ظاهرة تغيير مذهبهم، التي انتشرت – مؤخراً- بشكل واسع خاصة بين الشباب 7.

 

  • السلطات الإيرانية تمنع المساجد لغير معتنقي ولاية الفقيه

لا يوجد إحصاء حقيقي لعدد مساجد السنة في الأحواز، إذ تفرض السلطات الإيرانية إجراءات أمنية مشدد ضد المسلمون السنة ومنعهم من بناء المساجد، وقد أقدمت السلطات الإيرانية مؤخراً على هدم مصلى السنة في طهران، إذ يبلغ عدد المساجد 10 آلاف مسجد وفق الإحصاءات غير رسمية، وتفتقر الأحواز بشكل خاص لوجود أي مؤسسات دينية سنية، بينما نجدها في مناطق السنة في محافظات الشمال وبلوشستان وسيستان على وجه الخصوص، ومن أشهر المساجد “الجامع المكى” فى مدينة زاهدان في إقليم سيستان حيث يتسع للآلاف وتقام به صلاة الجمعة، أما في طهران العاصمة، ليس بها مساجد لأهل السنة، وما يوجد في طهران هي منازل يؤجرها السنة لتحويلها إلى مكاناً للصلاة وليس مسجداً رسمياً 8.

وعلى هذا الأساس، تتعامل إيران مع الشعب الأحوازي – بشكل خاص- كقوة احتلال قمعية بما فيها منع بناء المساجد، كحالة تختص بها إيران قياساً بباقي الاحتلالات، حيث يظهر جلياً تمييز السلطات الإيرانية على أساس التمييز القائم على الدين والمعتقد، وتواجه أبناؤه بشتى أنواع الاضطهاد والتنكيل، إذ لا توجد مساجد خاصة لأهل السنة أبداً في الأحواز، وبالنسبة لصلاة الجمعة فالذي يقوم بها ويؤم المصلين نائب ولي الفقيه لديهم وممثل الاحتلال الإيراني، وتواجه هذه الحالة رفضاً من قبل الأحوازيين، مايدفع غالبيتهم للامتناع عن المشاركة في الصلاة، فيفضلون قيامها في بيوتهم 9.

تحمل مسألة التمييز على أساس الدين أو المعتقد دلالات راسخة في العقلية الثيوقراطية للنظام الإيراني، يساعدها على ذلك الطبيعة الكانتونية لجغرافيا معينة تعمل عليها السلطات الإيرانية، بالاعتماد على سياسة تمييزية أخرى تعززها المسألة الإثنية بدلالات سياسية، حيث يعمل النظام الإيراني على تركيز وجود الفرس في وسط البلاد، بما يمكنهم من تركيز السلطة في المركز. بينما تتوزع المجموعات الإثنية والدينية الأخرى على أطراف إيران، ما يجعلها ضحية الممارسات التمييزية بكل أشكالها انطلاقاً من ديكتاتورية المركز وقلقه من تواصل هذه المجموعات المهمشة داخل بلادها مع الخارج الذي تجمعه بها علاقات اللغة والثقافة، ولاسيما الشعب الأحوازي بامتداداته الديموغرافية وصلات القربى بين العشائر العربية في الأحواز وامتداداتها في الخليج العربي وبالأخص في العراق، كما الامتدادات الثقافية والدينية والتاريخية، ما يجعل من الشعب الأحوازي في عين عاصفة التمييز بكل أشكاله، والقائم على سياسة القمع والبطش التي ارتبطت أيضاً بشكل وثيق مع السياسة الخارجية لإيران داخلياً وخارجياً.

 

خاتمة

مما تقدم نستنتج، أنه وبالرغم من الكثير من الإعلانات الدولية بشأن القضاء على التمييز القائم على أساس الدين والمعتقد، إلا أن الإشكالية التي مازالت تواجه تطبيقها بشكل عملي، تتمثل في عجز المجتمع الدولي  في صياغة اتفاقية ملزمة حول التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقد، ولكنه استطاع التوافق على اعتماده كإعلان تضمن مجموعة من التدابير التي تتعلق بالتسامح والوقاية من التمييز، ومناهضة التمييز القائم على الدين أو المعتقد، وقد يشكل إعلان المبادئ للتحالف الدولي للحرية الدينية ( فبراير 2020)، الذي أسست له الولايات المتحدة الأمريكية خلال مؤتمر الحريات الدينية الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن في يوليو 2019، المقدمة العملية لإجبار الدول ومحاسبتها كلما انتهكت ممارسة الحقوق المتعلقة بحرية الدين والمعتقد، ولعل تبني الولايات المتحدة للتحالف، وعلى اعتبار أن إيران هو الدولة الوحيدة الثيوقراطية داخل النظام الدولي، التي تضيق بشكل دستوري على حرية الدين والمعتقد، و كدولة تقوم على نظرية دينية خاصة جاء بها، قد يدفع هذا التحالف إلى خطوات ملموسة في إطار الرغبة الأمريكية لعزل إيران عن النظام الدولي، خصوصاً بعد تهديداتها واستفزازاتها الأخيرة في الخليج العربي. خصوصاً وأن البيان الذي أعلنته الخارجية الأمريكية، شدد على تمسك الدول بإعلان المبادئ، وأكد على الالتزامات الجماعية للاعتراض ورفض – علانية وسراً – لجميع الانتهاكات أو انتهاكات الحرية الدينية، وتشكيل تحالف دولي على مستوى القيادة الوطنية لدفع قضية الحرية الدينية إلى الأمام في جميع أنحاء العالم، حيث نص إعلان المبادئ للتحالف على تمكين الدول لمواجهة “اللاعبين السيئين” ومساعدة المضطهدين والمعرضين للخطر، في إشارة واضحة للسلوك الإيراني، سواء على صعيد الإشارة إليها كدولة دينية تنتهك الحق في الدين والمعتقد، أو على صعيد مشروعها الطائفي ومليشياتها الطائفية في الشرق الأوسط.

 

 

محمد خالد الشاكر

 

 

الهوامش:

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اُعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
  2. للاستفاضة انظر: الدعوة التي وجهها المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، فيينا، 14 – 25 حزيران/يونيه 1993 إلى جميع الحكومات بشأن امتثال الدول للالتزامات الدولية، لمواجهة التعصب وما يتصل به من عنف قائم على أساس الدين أو المعتقد.
  3. الدول الممثلة في هذا التحالف إلى جانب الولايات المتحدة هي ” المملكة المتحدة و ألبانيا، والنمسا، والبوسنة والهرسك، والبرازيل، وبلغاريا، وكولومبيا، وكرواتيا، وجمهورية التشيك، واستونيا، وغامبيا، وجورجيا، واليونان، والمجر، وإسرائيل، وكوسوفو، ولاتفيا، وليتوانيا، ومالطا، وهولندا، وبولندا، والسنغال، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وتوغو، وأوكرانيا”.
  4. OFFICE OF INTERNATIONAL RELIGIOUS FREEDOM، Declaration of Principles for the International Religious Freedom Alliance،FEBRUARY 5, 2020. https://www.state.gov/declaration-of-principles-for-the-international-religious-freedom-alliance/
  5. المرجع ذاته.
  6. للاستفاضة انظر: ريسان الساري، ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%8A
  7. الأحواز: انتفاضة المشانق، جريدة الجزيرة السعودية، على الرابط : https://www.al-jazirah.com/2017/20170204/cm3.htm

8.” 5 معلومات لا تعرفها عن السنة في إيران” ، صحيفة اليوم السابع، القاهرة، 7 يوليو 2017 على الرابط:

 https://www.youm7.com/story/2016/7/7/5-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%86

  1. إيران تمنع بناء المساجد في الأحواز، صحيفة الشرق، 26/2/ 2015. http://www.alsharq.net.sa/2015/02/26/1301960


error: Content is protected !!