الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتجريمة مدينة الجراحي -معشور لم تكتمل بعد إلا بقتل آخر شاهد عليها

جريمة مدينة الجراحي -معشور لم تكتمل بعد إلا بقتل آخر شاهد عليها

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

محكمة الثورة الإيرانية صادقت على “حكم الإعدام ضد عباس دريس”، أحد المواطنيين الأحوازيين والشاهد على مجزرة الجراحي والكورة في احتجاجات معشور عام ۲۰۱۹.

وفي هذا الصدد غردت محاميته، فرشته تابانيان على تويتر أن محكمة الثورة الإيرانية أيدت حكم الإعدام الصادر ضد موكلها بتهمة “المحاربة الله ورسوله”. وأكدت على أن “قضية موكلها عباس دريس تحتوي على نواقص لم تهتم بها محكمة الثورة الايرانية، وبالتالي سأطلب بإعادة المحاكمة، وأضافت “لم يتم إبلاغي بهذا الحكم وتم إبلاغي عبر استدعاء من الفرع الأول لمحكمة الثورة في معشور.”

كما أكدت المحامية أن الاعترافات التي أصبحت أساسًا لإصدار حكم الإعدام من قبل محكمة الثورة نهاية أكتوبر من العام الماضي، انتزعت تحت التعذيب من قبل الأمن الإيراني وأن موكله نفى التهم الموجهة إليه في المحكمة.

 ما حكاية عباس دريس الواقع على شفا آلة النظام القتالة؟

عباس دريس ولد في عام ۱۹۷۳، ولديه ثلاثة أطفال، وهو الشاهد الوحيد الذي يظنه النظام قد شهد مجزرة مدينة معشور إبان احتجاجات نوفمبر ٢٠١٩. مجزرة راح ضحيتها العشرات من شهيد ومفقود وجريح. ففي بدايات اندلاع انتفاضة نوفمبر ٢٠١٩ إثر زيادة أسعار البنزين، خرج المحتجين في قضاء الجراحي التابع لمدينة معشور  شأنهم شأن جميع الشعوب في إيران، رافضين ارتفاع أسعار الوقود. ولكن ما هي ساعات من مظاهراتهم حتى أتتهم قوات الحرس الثوري وقواته الخاصة «نوبو»، بالدبابات والرشاشات الثقيلة، مما جعلهم يبحثون عن نقطة هروب تأويهم من الرصاص وآلة القتل. وهكذا لم يبق للمتظاهرين الأحوازيين خيار سوى الاحتماء بالمستنقعات المائية القريبة عن المدينة. ولكن نفذ الحرس الثوري على الفور عملية تمشيط مروعة على طول المستنقع هذا، تسببت باندلاع حرائق كبيرة وقتل كل محتم فيه بالرصاص وبالنار. وقعة أليمة فرض عليها النظام الإيراني تعتيما إعلاميا لغاية الساعة، عبر إجبار ذوي الضحايا والشهداء على الصمت، وفرض طوق إعلامي ينكر المجزرة.

 

 

وفي سلسلة المساعي المتتالية للنظام على إكمال التعتيم، أتى الدور على شاهد هذه الوقعة الوحيد، عباس دريس، الأب لثلاث أولاد، البالغ من العمر ٥٠ عاما، فكان هذا الحكم الجائر، فمصادقة المحكمة العليا الإيرانية عليه؛ بتهمة قتله جنديا من القوات الخاصة الإيرانية. وبالرغم من تصريحات محامي الدفاع التي تفيد بعفو ذوي الجندي عن القصاص، وعدم اعتراف السجين بجميع التهم ورفضه لها، إلا أن المحكمة ذهبت إلى ما أُمرت به من تدارك ما فات النظام الإيراني من قتل الشباب المنتفضين وكل من شهد المجزرة المروعة. ولعل الذي يدل على زيف هذه الاتهامات هو ما جاء على لسان محامي الدفاع من أن التهم الأولى الموجهة كانت هي «محاربة الله ورسوله» و«الإخلال بالأمن العام»، سرعان ما تحولت إلى تهمة القتل.

وللقضية هذه وجه مأساوي آخر: فبغض النظر عن كشف قضية عباس طريقة تعامل النظام الإيراني مع الأحوازيين، شعبا وأفرادا، وفضحها فساد الجهاز القضائي الإيراني الذي بات وسيلة بيد أمن الحرس وجُنْد المرشد، فلابد من التركيز على تبعاتها على أسرته وأطفاله وأقاربه:

 فهذه زوج عباس، السيدة كفاية، وقد ماتت إثر ذبحة في الدماغ بمجرد سماع صدور حكم بالإعدام عليه؛ وهذه والدة عباس ومحسن شقيقه وقد أصيبت بداء السكر وباتت تعاني من صعوبة في المشي والقيام، وهي تتلقى تباعا نبأ الحكم بالمؤبد على ابنها محسن الذي اعتقل مع عباس، حكم قد ترك لها بصيص أمل برؤية أبنها محسن والاطمئنان من حياته. ولكنها إثر تلقيها خبر حكم جائر يريد قتل ابنها الآخر  فقدت ذلك الأمل فأصيبت العجوز بشلل. هذا وقد توسلت الأم العجوز الأحوازية، التي لا تتقن الفارسية، توسلت وسائل الإعلام تستغيث فيها العالم، فخرجت بفيديو لا تُفهم لغته الفارسية إلا بعد تكرار الاستماع إليه، تتوسل السلطات بالعفو عن ولدها، تطلب العون من كل صاحب تأثير وسلطة.

أمر تكرر هذه المرة مع أبناء عباس الثلاث: فنشروا فيديو صوره تسبق الكلام، فتنوب عما يريدون قوله: بيت قديم متهالك صغير، وأثاث رث مهزول، وقمصان أولاد ثلاث بالية، تكسو أبدانهم النحيفة، ووجوه سمراء يافعة ينضح من جباهها أسى وضيم، يتحدث أوسط القوم منهم علي، يندب أهل الضمائر الحية، بلغة فارسية كلها أخطاء، ولهجة لا تتقن سوى العربية، يتحدث متلعثما يستصرخ الفرس علهم يرحمون بأبية، قائلا: إن أمنا قد ماتت بعد ما لاقته من ضغوط نفسية، وبمجرد سماعها احتمال حكم ضد أبي بالشنق. هل من أحوازي لا يرى التضحية في شخصية أم علي (زوج عباس) التي ماتت فداء لزوجها؟ ربما لا يدرك ألم هذه الحالة إلا الأحوازي، لأنه هو وحده من يعلم مكانة الأم الأحوازية في الأسرة، وهو وحده من رأى تضحياته العظيمة في سبيل الزوج والإبن والبنت وجميع شأن الأسرة. أقول عظيمة لأن العقل لا يدرك معنى هذه التضحية من قبل إنسي لإنسي آخر. وخير دليل هو هذه الرواية: زوج تموت قهرا بمجرد سماعها إحتمالا يقضي بحكم زوجها. هذه هي الأم الأحوازية وهذه هي كفاية تمثال الأم العربية.

 

ترجمة المقطع: أنا علي دريس نجل عباس دريس أطلب المساعدة من جميع المسؤلين، وكل من يستطيع مساعدتنا، العفو عن أبي. نحن قد فقدنا أمانا تحت ضغوط الحكم الصادر على أبي، ولم يبق لنا سوى أبي، لذلك أناشد جميع العالم للضغط من أجل منحه الحرية.

 

 

 هذه هي حكاية النظام الإيراني والسجناء الأحوازيين في سجونه: حكاية قتل وتأبيد. فهنا في الأحواز يواجه المرء جهازا قضائيا متحاملا على كل فرد الأحوازي، المتهم مدان لديه حتى يتثبت العكس. وقضية عباس أفضل مثال لهذا: فتهمة قتله جنديا من قوات الدرك ملفقة حسب تصريحات زوج الجندي المقتول وأهله. ففي إحدى الوثائقيات التي بثها التلفزيون الإيراني تقول زوجة الجندي إن زوجي قتل في مواجهة مع مسلحين أشرار في إحدى القرى الحدودية، بينما مدينة معشور هي مدينة لا تشبه القرى الحدوية، كما أن استخبارات الحرس لم تعلن عن أي سلاح تم به استهداف الجندي وما إذا تم العثور عليه بحيازة عباس أم لا.

تهم ملفقة وسوءة أراد يواريها النظام الايراني لتستر على ما كان قد اغترفه من جرايم ومذابح.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!