الإثنين, نوفمبر 18, 2024
دراساتهيكل المدينة الكولونيالية في الأحواز العاصمة: أبرز التبعات الطاغية على حياة الهامش

هيكل المدينة الكولونيالية في الأحواز العاصمة: أبرز التبعات الطاغية على حياة الهامش

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المدخل

هذا هو الجزء الأخير من دراسة قدمتها بعنوان هيكل المدينة الكولونيالية…، قلت في جزءها الأول أن هيكل مدينة الأحواز العاصمة يظهر تبنينه على أساس انشطار عمراني واضح، انشطار هو من يطغى في النظرة الأولى على المشهد، يتجلى في وجود أحياء فارهة أكثريتها التقريبية النسبية من الفرس المستوطنين، مقابل وجود أحياء تقاربها مسافة، فقيرة مهمشة، تسكنها الأغلبية العربية من أهل الأحواز وأصحاب أرضها.

ولما تأملنا في ذلك الجزء في هذا الواقع، واقع انشطار أحياء الأحواز العاصمة بين أحياء غنية وأخرى مجاورة فقيرة، تبين أنه يخفي في طياته الأسباب الكامنة التي جعلته انشطارا متعمدا. هو متعمد لأنه اشتق عن سياسة النظام الإيراني الحداثوي، إبان عهد البهلوي إلى الجمهورية الإسلامية على حد سواء، مستندة إلى روح قومية عنصرية، أرادت من بناء مدينة الأحواز بوتقة لتذويب الأحوازيين وصهرهم عن طريق جلب مستوطنين فرس لها. وآلية الصهر والتذويب فقد كانت عبر هيمنة خطاب عدّت فيه القومية العربية الأحوازية، والأحوازيين، عناصر حضارية ضعيفة ومتخلفة ينبغي عليها تقليد العنصر الفارسي المتقدم حضاريا للوصول إلى الركب الحضاري العالمي. وإذا كان أحد الأحوازيين، جماعات أو أفرادا، لم يستحيل في هذه النظرة فقد كان عليه مواجهة عالم مبني ضمن خطاب فائض بالطرد والنبذ والإزدراء والتمييز إلخ.

ولأن عالم المدينة هذه، مدينة الأحواز، المدينة التي طورتها الدولة الفارسية وأدخلتها إلى العام الحديث، هو عالم فارسي لا مجال للعربي فيه، لأنه هو المنبوذ والمحقور والآخر المطرود، كما قلت، فلم يجد الأحوازي بُدا إلا الهروب من هذه المدينة، والاحتماء بالهامش، عالم الأطراف التي لا تطالها السلطة الإيرانية بخطابها التحقيري ذلك الانصهاري، عالم مخصوص بالأحوازيين دون غيرهم.

هذه هي خلاصة الجزء الأول من الدراسة، خلاصة أوضحتُ فيها تكوين المدينة في الأحواز العاصمة. أما ما تبق من هذه الدراسة هو تعديد تلك التبعات التي نزلت بالأحوازي في عاصمته إثر مكوثه في الأطراف وعلى حاشية المدينة. فهنا سنركز القول على أهم التبعات المنبعثة عن حياة الهامش، وأبرز الصفات الاجتماعية الخاصة بهذه الأحياء. وسيغلب الكلام التوثيقي الاجتماعي هنا المتحصل عن الانطباعات اليومية، على عكس تفوق الكلام التحليلي في الجزء الأول.

 

أبرز التبعات الطاغية على حياة الهامش في الأحواز العاصمة

لنقرر هنا في البداية حقيقة خطيرة: إذا كانت المدينة بشكلها الحديث، في الأحواز العاصمة، تعني الدخول إلى العالم الحديث[1] بما فيه من أنماط حياة جديدة بصفة عامة، فقد كان الهروب منها ومن أنماط الحياة السائدة فيها يعني منطقيا الهروب إلى العالم القديم بما يحمله من أساليب حياة. وهذا هو ما حصل في أطراف مدينة الأحواز تاريخيا ومجتمعيا.

فمن حيث التاريخ، أي من حيث التعاقب الزمني، رأينا كيف تساوق تطوير المدينة عمرانيا، ومن ثم تحضرا، مع طرد الأحوازيين منها، وجَعْلِهم منبوذين لا ملجأ لهم سوى الاحتماء بمناطق لا تطالها آلة الطرد والإزدراء الفارسي. إن التكوين التاريخي للمدينة الأحوازية، بوصفها إحدى مأتيات الحداثة وحاضنة عيشها، هو تكوين قد تم بشكل شاذ وعلى يد قوة خارجية تمظهرت على شكل احتلال، جعل(التكوين) الفرد الأحوازي والجماعات فيها، تراها(المدينة) منجزا معاديا غريبا، لأنها لم تستقبلهم إلا بالفرض والاستحالة أو الطرد والنبذ.

أما من حيث النظرة المجتمعية فقد كان هذا الطرد فالهروب يعني هروبا من العالم الحديث، إلى العالم القديم: فبدل أن يلجأ الأحوازي إلى تطوير أسلوب حياته طبيعيا، نتيجة التطور الزمني وسنة التغيير، أخذ يتراجع تحضرا، وبات يتصور، تحت ضغط واقعه المعيش بالفعل، العالم الحديث معاديا له، غير مختص به، بل هو عالم المحتل وإفرازته ونمطا من أنماط حياته. ومن أجل ذلك فقد تم تصوير المدينة في عقلية الأحوازي على أنها نقطة قوة من نقاط قوة الفرس لا بد من مقابلتها: تارة عبر التقوقع في الأطراف، وتارة عبر رفض كل ما فيها من لغة سائدة وقومية متغلبة وعادات وتقاليد وأسلوب حياة.

ولأن العالم الحديث ومدينته التي تمثله فقد تجلت في الفرس ومستوطنيهم في الأحواز العاصمة، حتى بات الأحوازي يفهم التحضر والفن وامتهان مختلف التخصصات إلخ، صفة من صفات الفرس، أصبح التمسك بما لدى العربي أعز ما يطلب: ومن هنا تعززت الدوائر القديمة، وأسلوب حياتها؛ ومن هنا بالتحديد جاء التمسك بالبنى القديمة: وعلى رأسها الدين والقبيلة، ومنظومتهما القيمية وجميع حمولاتهما.

ومن أجل ذلك فإن الطاغي على حياة الهامش، جماعات وأفرادا إذا صح الحديث عن أفراد حقا، هو انعقاد أخلاقهم وتصرفاتهم اليومية وتحديد أدوارهم حول الانتماء إلى القبيلة أو إلى الدين. ففي الأحياء الهامشية الواقعة على أطراف الأحواز تعيش القبيلة كأنها وليدة اليوم، وتتمتع بحضور كله شرعية في عيون الذين ينتمون إليها، ويتعصبون لها، حتى باتت السمة الغالبة هي الانتماء إلى إحدى القبائل.

وبدل الإسهاب هنا في البرهنة على تجذر القبيلة في الأطراف، وهذا ما قد يتسالم عليه الناس جملتهم، فالحري هو الحديث عن سبب هذه القوة في القبيلة. إن أولى الأسباب التي جعلت القبيلة في هذا الموضع العام القوي هو ما تهبه من منعة لأفرادها وحمائلها وعشائرها. فبعد تنصل الدولة من تأدية أدوارها، وهي دولة طبيعتها احتلالية، نابت القبيلة عنها وأصبحت هي من تمنح الأفراد والجماعات ما كان واجبا على الدولة ودوائرها الحديثة القيام به[2]. وإذا أردنا تقريب الصورة إلى الفهم قلنا إن أبرز ما تمنحه القبيلة هو: المنعة المادية أمام تجاوز الآخرين بديلا للجهاز الشرطي الحكومي المغيب؛ ومؤزارة الفرد ماديا عبر آلية الفصل والدية إلخ، بدل المؤسسات المالية الحكومية من بنوك وشركات إلخ. أما على المستوى المعنوي فتؤدي القبيلة الأدوار ذاتها: فهي تساند الفرد معنويا، على صعيد التفاخر به ومنحه الاعتراف الذي يقولب الشخصية ويوطدها ويمنعها عن الانفصام، إذا أتى بمكسب علمي أو عنف يُصوَر شجاعة؛ وتقدم له السند المعنوي عبر الالتفاف حوله والاقتراب من عالمه وطول العشرة معه، بدل الجماعات المهنية أو الوظيفية التي هي سمة المدينة الحديثة. والأمثال في ذلك كثيرة[3].

أما الدين، بوصفه متلازم ثنائية القديم من الدوائر، فهو يصلح أن يصنف المنافس الكبير للقبيلة. هنا أيضا للدين دور بارز في الأطراف، وهذه الدائرة من جهتها أصبحت ملاذا لمن فر من حداثة المدينة المحتلة. وهنا أيضا يتجلى الملجأ الديني في مستويات عديدة، مادية ومعنوية. ففي الوجه المادي يتجلى البعد الديني بشكل منح وأخذ، منح الصدقات والزكوات والخمس في الحالة الشيعية، وتقديم النذور على آل البيت لأجل الوصول إلى شفاء مريض أو ضمان جنة أو غسل ذنب إلخ، وأخذ الصدقات الآتية من الأغنياء. بيد أن الآلية المعنوية تعمل لدى الدين أقوى من مفعولها المادي، فهنا يجد الفرد نفسه مطمئنا لكونه من فئة المؤمنين المخلصين، المميزين عن الفئة الكثيرة العاصية لله الواقعة في المحارم؛ إن العبد المؤمن مطمئن لمسقبل واعد يتراءى له على هيأة جنة تجري من تحتها الأنهار أو من فوقها، يحيى فيها هو بعيدا عن اللُغوب والحَزن.

 وعلى العموم يمتزج الدين بتشريعاته ومنظومته القيمية، مع الأعراف والقيم القبلية امتزاجا لا يكاد ينفصم، ليضم الدين الهاربين الأحوازيين من مدينتهم التي أصحبت ملك الفرس، يضمهم بما يمنحهم من عالم مألوف قديم يأويهم، ويضع كل لبنة من العالم في موضعها الذي اعتادوه، يبعدهم تماما عن ثقل أسئلة العالم الحديث، وفردانيته المُهيبة، ويجعلهم مؤمنين متراصين كأنهم بنيان مرصوص، التفوا حول عروة واحدة تبدو في عيونهم وثقى، وهي أوهى بكثير عما يتصورونه ما إنْ وطئوا أرض المدينة. مثلما تضمهم القبيلة بسند معنوي ومادي رصين، تجعل منهم أعزة أمام الجميع، لهم حيزهم الخاص ونطاقهم المحدد لا يعدو عليه أحد، يعيشون تحت اسم أب واحد، هو الجد المشترك، منه يستقون الخلال الحميدة والشخصية الجمعية الممتازة.

 

 المدن المتمردة

ولكن إذا ما كانت الحاشية المطوقة أطراف الأحواز، كما صورْتها أعلاه، هاربة بأهلها إلى العالم القديم، محتفية بهم بما توفر لديها من دوائر، تبعدهم بها عن إزدراء الفرس في مدينتهم وحكومتهم، إذن كيف نفسر تحول هذه الأطراف، من الملاشية وكوت عبدالله وحي الثورة وصياحي ومندلي إلخ، إلى وقود الثورات الأحوازية، ومظان الانتفاضات العربية فيها؟ كيف يمكن تفسير هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى والسجناء الذين قدمتهم هذه الأحياء فداء للقضية وابتغاء لنيل التحرير؟

إن الإجابة تكمن في مفهوم يقدمه لنا ديفيد هارفي عنوانه المدن المتمردة[4]: تقول هذه الفكرة بحق الإنسان في بناء مدينته «على هوى قلبه»، والانتفاض على من جعل المدينة مخططة على هواه وفي خدمة مصالحه، على حساب مصالح المبعدين، فأصحبت بذلك «مدينة المتسلطين»، الذين منعوا الكافة عن جميع ما حلموا به أو من الممكن أن يحلمون به، لأنهم هم من استحوذ على كل شيء وخطط المدن على طرائق كانت تخدمه وترضي رغباته، وبذلك طوع الحياة الاجتماعية وحاضرتها المدن لما يرومه: «كيف صُنعنا وأعيد صنعنا على مدار التاريخ من خلال عملية حضرنة دفعتها قدما قوى اجتماعية قوية[5]»؟ هذا هو السؤال العام الذي فيه تتقولب فكرة المدن المتمردة.

وعند الإجابة عن هذا السؤال يبين هارفي أن الثورات المطلوبة ضدا على النظام القائم في المدن، المدن التي أقيمت على أساس انعدام المساواة فيها وتفضيل فئات من الناس على حساب فئات أخرى، لا تتم إلا على يد هؤلاء المهمشين المبعدين، ويبين لتقريب الصورة إلى الأذهان بأنه إذا كانت الطبقة العمالية، وفق ما صورها ماركس، هي القائدة للثورة ضد التمييز والتفقير، فإن الفئات الحضرية في المدن الراهنة هي التي تؤدي ذلك الدور وإنها هي من سيغلب جميع الموازين في المجتمع المؤسس من أجل الفئات العليا، وتبني مدنا تكون إلى مطالبها وطرائق عيشها المثلى أقرب.

وإذا ما نحن أردنا هنا تركيز القول على الحالة الأحوازية، مدينة الأحواز العاصمة بالتحديد والأحياء المهمشة التي تقع على أطرافها، قلنا حينها أن هؤلاء المبعدين المطرودين الذين وجدوا أنفسهم على هامش المدن العربية التي يعدونها أصلا لهم، مطرودين عن خيراتها، منهوبين من كل ما لديهم، قرروا أن لا يقبلوا بالنظام الذي أتى بهذه المدن وخططها، ومن هنا أصبحت مناطقهم المهمشة هذه مواضع لاستهداف المدينة الأحوازية الخاصة بالفرس دون الأحوازيين أهل الأرض، وباتت هذه الأحياء كلها العرين الذي يضم أشبالا تبغض المدينة هذه وتراها السبب الرئيس في التجويع والازدراء والنهب ومحاربة الوجود.

ولكن بالرغم من اكتساب هذه الأحياء بشبانها هذا الطابع الرفضي الثوري، ضدا على الظلم الممارس عليهم من قبل سلطة المدينة، ظل هذا الرفض رفضا مشوها، إذا صح التعبير، لأنه لم يستطع التحرر بعد من رسوبات البنى القديمة، وهكذا أصبحت الانتفاضات الأحوازية التي تنهض من الأطراف والهامش فيها الكثير من الشذرات القبلية والدينة:

فمن حيث الانتفاضات المطبوعة بالرسوبات القبلية نجد الكثير منها متقضيا بتأثير من الروح القبلية التي لا تستطيع الدوام والاستمرار في قضايا طويلة الأمد، بل هي تأتي على الانتفاضات فتجعلها بالهبة الجماهيرية القبلية أشبه، حتى ترى انتفاضة كبيرة تندلع اليوم، وتخسر الكثير من الأرواح والجرحى، ولما يأتى الصباح يمحو كل شيئ، كأن شيئا لم يحدث؛ وهكذا ترجع الأمور إلى ما كانت عليه في سابق عهدها. ثم إن التراتب التفضيلي المنتشر في الروح القبلية لا يسمح للمنتفضين إلا برعايته في الدور الانتفاضي الجديد، وهكذا تظل قيادات الانتفاضات أو الحراك من نصيب أوليغارشية المجتمع القبلي التي حافظت على أفضليتها في الوضع الجديد.

أما إذا شئنا استبيان الرسوبات الدينية في المدن المتمردة الأحوازية ذكرنا على الفور ظاهرة التحول من المذهب الشيعي، الغالب في الشمال الأحوازي عموما، وفي هامش الأحواز العاصمة خصوصا، التحول منه إلى المذهب السني، وهكذا بات محرك التمرد والانتفاض في هذه الأحياء هو الغريزة الدينية، حتى اضمحلت خلفها الدوافع القومية التي هي الأساس في معاناة هذا التمييز الشامل المفروض على المدينة الأحوازية. والجدير بالذكر أن الدافع المذهبي هنا يفرض جميع الزاماته، لأنه بطبيعته طابعا سلطويا شموليا لا يترك مجالا للفرد إلا تدخل فيه تهيمن عليه[6]، ومن هنا تبرز دعوات بين المتمذهبين الأحوازيين الواقعين في الهامش مفادها حرمة الخروج على الحاكم، أو نبذ الدعوات القومية وجعل التقوى هي مناط النظر، حتى تتحول هكذا القضية الأحوازية إلى قضية دينية رجعية.

ومهما يكن من أمر يمكن القول بأن الروح الحاكمة على المدينة في الأحواز العاصمة حولت فعليا الأحياء الواقعة على أطرافها إلى مدن متمردة ثائرة تبتغي، كلما أتيح ذلك، الثورة ضد هذه المدن، والنيل من الانتظام المطبق عليها، القائم على أساس لا مساواة متجذرة في جميع الأبعاد الهووية والاقتصادية والسياسية إلخ. ولكن بالرغم من هذه الروح الثورية المترسخة، يوما بعد يوم، في الأحياء الأحوازية المهمشة، ظلت الروح هذه تعاني من رسوبات البنى القديمة الدينية والقبلية، فظلت تضفي على خروجها طابعهما المعوق لنجاح هذه الحركات والانتفاضات.

إذا ما هي أسباب هذا التأرجح بين النزوع نحو بناء مدينة عربية، وبين الرسوبات القبلية والدينية؟

إن الأسباب في ذلك التأرجح تعود إلى الحياة الزائغة والمتغلبة في هذه الأحياء والفرد الذي يعيشها، حياة تذبذب بين الفقر وزيادة الإجرام وارتباك التعليم والصحة إلخ، وكل ما يجعل الحياة في الهامش حياة مرتبكة مضطربة. وفيما يتبق من الدراسة هذه نخصص بعض الكلام حول هذه الظواهر التي تعوق الاكتمال المدني في الأحياء الهامشية.

 

السقوط إلى ما دون خط الفقر

إن أول ما يلفت النظر عند الدخول إلى الأحياء العربية المطرودة إلى الهامش هو سيطرة الفقر عليها في كافة المستويات: ويعني الفقر هنا العجز عن تلبية الرغبات بشكل كبير: سواء الرغبات الخاصة بتأمين الغذاء أو الصحة أو الأمور الرفاهية إلخ. وعادة ما يجعل هذا العجز الفرد في انشغال دائم من أجل الحد من شدة وطأته، وانعكاساته الروحية والمادية. فمما لا شك فيه هو أن عدم توفير الاحتياجات الأولية هذه، يتسبب في تخلف الفرد عن متابعة الأمور المتبقية في الحياة، وهي الأمور المعنوية الحضارية، حتى ينزل البشر منزلة أدنى هي إلى المنزلة الحيوانية أقرب: المنزلة التي لا تتجاوز حدود الغرايز.

وبما أن الفقر وتبعاته لا تعد ولا تحصى، فإننا نكتفي هنا فقط بالتذكير بظاهرة باتت تتكاثر في الأحياء الهامشية في الأحواز العاصمة، تتعلق بإضطرار الأسر إلى عمل الأطفال. وهذه ظاهرة استفحلت في الفترة الأخيرة جدا، بعد ارتباك الاقتصاد الإيراني واستفحال التضخم، مما أجبر الأسر الأحوازية على بعث أطفالها إلى الأحياء الفارهة في الأحواز، يمتهنون مهن غير منتجة، نظير مسح نوافذ السيارات، أو تجميع القمامة بالنسبة للأطفال الذكور، وتنظيف البيوت، ورعاية العجزة للأطفال الإناث. وهذا خرم حضاري لا شك فيه: فكيف ستكون هي حال الأسرة التي ستتكون من هؤلاء الأطفال، الأمهات والآباء؟ وإذا استذكرنا معا بقايا رسوبات المجتمع القديم وضرورة زواج الأقارب من بعض عرفنا أن هؤلاء الأطفال غير المتعلمين سينجبون أطفالا في ظروفهم هذه وبمستواهم المدني هذا، ليرتمي مجتمع الهامش هذا في دورة إعادة الفقر والحرمان[7].    

وتجد دورة الحرمان هذه ما يغذيها بالبطالة المستشرية في هذه المناطق، حيث تشير الاحصائيات شبه الرسمية، فضلا عن المعلومات العالمية المؤكدة على بطالة أهل الحواشي والعشوائيات، بأن معظم معيلي الأسر يعانون البطالة، ولا يتوفرون على مصدر رزق قار، غير متمتعين بدخل يومي، وانشغالهم بأعمال موسمية بأجور متدنية لا تفي باحتياجاتهم اليومية[8].

 

الأعمال الشاذة

وبتأثير من البطالة الكبيرة هذه، وتبعاتها الشاملة، اضطر عدد كبير من شباب المناطق هذه، إلى جانب الآباء الذين يعيلون أسر كبيرة أو صغيرة، إلى سلوك عمل معيشي يكثر في المناطق الحاشية، خاصة حي «كوي رمضان» و«مشعلي» و«کوجت شویعه» إلخ، حيث تحولت هذه الأحياء (التي كان بعضها مخيمات تضم الأسر المهجرة من الحرب) إلى بؤر لتوزيع المخدرات على مناطق أخرى. ولأن التردد إلى الأحياء العربية الفقيرة ليس بالأمر الممكن للفرس الميسورين، ما خلق حالة من التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء، فإنه من الطبيعي أن يصبح عملاء تجار المخدارات هؤلاء الأحوازيين من نفس المنطقة أو من المناطق العربية الأخرى من العاصمة.

وظاهرة تجارة المخدرات هذه خلقت طبقة من الميسورين سرعان ما نقلوا أسرهم إلى المناطق المتقدمة بالمقارنة مع حاشيتهم هذه، وأخذت هذه الأسر تمثل دورا جديدا لها، خاصة في موضعها الجديد المتمكن، فنزع جزء منهم إلى دور تقليدي نظير السعي في تأدية دور قبلي كبير وطلب الرياسة، مما خلق مصادمات مع أهل الرياسة القدماء، وتارة تحول تجار المخدرات هؤلاء إلى بناة مساجد وحسينيات يبتغون دورا دينيا جديدا يغفر لهم ما تقدم من ذنب. وفي كل الأحوال لم يكن هؤلاء الميسورين بفعل تجارة المخدرات أصحاب تقدم مدني مطرد يخولهم اكتساب طابع مدني، بل ظلت مدنيتهم مصبوغة بقروية سمجة.

 

زيادة الإجرام

ثم إذا أخذنا بالاعتبار أكثرية عملاء تجار المخدرات هؤلاء من أنهم من الأكثرية العربية الشبان، عرفنا حينها أن قوام التجارة هذه من العرب حصرا[9]، والأحوازيين القاطنين بالهامش من جيرانهم وأقرابهم. ولأن هولاء الشباب هم من الفقراء والعاطلين عن العمل، فليس بمقدورهم تأمين كلفة شراء المخدرات، وهذه السلسة الشؤمة، تؤدي بهؤلاء الشبان إلى سلوك أعمال توفر لهم المال اللازم لتعاطي المخدرات، فيتوجهون نحو السرقة في أكثر الحالات. والسرقة هنا عند الأحوازيين الساكنين في الأطراف، تلبس، هي الأخرى، لباسا عربي الطابع قبليا: عندما تتحول من سرقة البيوت بشكل يتطلب شيئا من اتقان العمل ودراية بطرق فتح الأبواب والتنصل من تتبع الشرطة إلخ، إلى سرقة على طريقة السلب الممزوجة بعنف مخيف. فهنا ظاهرة التسليب هي الطريقة المتبعة لدى الأفراد هؤلاء يعمدون إلى المارة أو إلى البيوت عند وضح النهار، يوجهون سلاحهم الأبيض أو العسكري نحو أصحاب الممتلكات فينتزعون منه عنوة ما بيده، أو عليه أن يتحمل الرصاص أو بتر الأعضاء.

وهذه ظاهرة تتكرر كل يوم في الأحواز ولها تبعات جسيمة أيضا. فإذا اكتشف أحد الافراد من قام بالسلب منه إلى أي قبيلة ينتمي، اشتعلت على الفور دوامة العنف القبلي، وهجوم قبيلة على أخرى بالسلاح وبكل ما يملك، ليشتعل النزاع القبلي على أشده، وسط رضى السلطات وامتناعها عن تأدية دور ردعي للحد من العنف.

ليس هذا فحسب، بل إن دوافع الإجرام قد تصدر من أسباب أخرى وعلى يد أبرياء هذه المرة، من الذين لا يجدون طريقة لتأمين الحياة سوى سلوك الطرق غير الشرعية: نظير الاتجار بالسلاح، وصناعة المشروبات الكحولية في البيوت، وشراء الأثاث المسروق ثم إعادة عرضه للبيع بأسعار متدنية إلخ. وكل تلك الأعمال إنما تتم في الأطراف هذه بعيدا عن تدخل جميع المؤسسات المجتمعية ولا اكتراثا منها بها.

 

انعدام الأمن بانعدام الدولة المتعمد

وذلك لأن الدولة هي بالأساس مغيبة عن هذه الأحياء، ولا تريد أي حضور لها بشكل متعمد، لأنها ببساطة أحياء الأحوازيين الذين لا اعتراف بوجودهم، لأنهم متخلفين، لا طريقة لقبلوهم سوى الاندماج بمجتمع الفرس وتقليدهم. ولأن طبيعة الدولة الفارسية قائمة على أساس عدم الاعتراف بأي قومية أخرى[10]، فإن الدولة وجميع أجهزتها تتنصل كليا من أدوارها في هذه الحواشي، وتجعل الأمن يدور حول أساليب حياة اهلها القاطنين فيها، فإن رقدوا استتب الأمن وإن فزعوا تغيب وضاع. ولكن هذه الدولة المغيبة هنا، تظهر بشكل مرهب في هذه الأحياء لا تتدخر عنفا إذا تعلق الأمر بانتفاضة قومية تناهض الحكم الفارسي، على عكس تأخرها التام في حالات اندلاع النزاع القبلي وتخلف الجهاز الشرطي بشكل تام عن إدارة النزاع وفضه، حتى يكاد العرب يذهبوا كلهم بنزاع إثر تغيب من يفض الاشتباك، إلا ما كان من تدخل قبائل أخرى هي من تأخذ على عاتقها فض النزاع وكفه.

على أن بعض الدراسات التي تولت قضية الأمن في مناطق من الأحواز، تفيد بأن انعدام الأمن لم يكن حصيلة تغيب الدولة وأجهزة الحكومة فحسب، بل هو نتيجة أسباب اجتماعية عديدة تتضافر مع بعض فتكون ظواهرها زيادة النزاع والاشتباك الجماعي وغياب الأمن. فهنا للعوامل السكانية والأحياء السكنية، والتنافر القومي، وارتباك التعليم، وانعدام الخدمات العامة، والصحة، تأثيرات مباشرة على اشتداد الصراعات المفضية إلى انعدام الأمن[11].

  

ارتباك التعليم وانعدامه

ربما لن نجانب الصواب إن قلنا أن قضية التعليم تحتل مكانة محورية في كل تلك المسببات، لأن تبعاتها وتأثيراتها قد تشتمل أصعدة عدة، وتترك أثرات بعيدة الأمد. ففضلا عن قضية التعليم بغير اللغة الأم، هناك ارتباكا مشهودا في التعليم أو تغيبه في الأطراف الأحوازية. فعدد المدارس بالنسبة للعدد السكاني في هذه الأحياء قليل جدا، كما أن جميع الأحياء هذه لا تتمتع بوجود مدارس في مستويات عدة، على رأسها الابتدائية، مما أضطرت الأهالي إما لبعث أطفالها إلى أحياء بعيدة، وهذا ما ليس متاحا إلا لأقلية مكينة نسبيا تستطيع تسديد تكاليف المدرسة والمواصلات، وإما ترك الدراسة. وترك الدراسة هي الظاهرة الأولى في هذه الأحياء، خاصة بالنسبة للبنات التي يقع على عاتقهن جانبا من أعمال البيت بدل الدراسة وكسب المهارات المهنية والاجتماعية.

ثم إلى جانب كل ذلك يعاني العدد القليل من المدارس في هذه الأحياء من انعدام أيسر الإمكانيات نظير جهاز التبريد، ومياه شرب صالحة، وتوفر سبورات، ونحو ذلك من الأمور الابتدائية لتسيير التدريس. على أن غياب المعلمين الأكفاء هو أكبر المعاطب في الجهاز التعليمي الأحوازي، حيث أن المعلمين الموفدين إلى هذه المدارس هم من الجنود أصحاب الشهادات الذين بعثتهم السلطات الإيرانية يدرسون الأطفال بدل قضاء خدمتهم العكسرية في المعسكرات. وليس من شك بأن هؤلاء الجنود لا يتمتعون بالصلاحيات والمهارات اللازمة للمعلم، فضلا عن تخصصاتهم المختلفة التي لا تتناسب مع المادة التي يدرسونها في المدارس، ما خلق فوضى تعليمية وعبثا كبيرا من نتائجه ارتباك التعليم رأسا على عقب.

 أما فيما يتعلق بالتعليم العالي فإن الملاحظ هو غياب تام لأي جامعة أو كلية في الأحواز في هذه الأطراف، وذلك أن سياسة التعليم العالي الذي يقف عليه الجهاز الحكومي الإيراني، يمنع منعا باتا تخطيط الجامعات والكليات في الأحياء العربية، بل إن كل الجامعات تقع في الأحياء التي فيها جمعية فارسية كبيرة.

 

انعدام الخدمات المدنية

ولعل صعوبة التعليم تزداد أكثر إذا وُضعت إلى جانب الصعوبات الوليدة عن انعدام الخدمات المدنية في هذه الأحياء: من انعدام مستشفيات ومستوصفات، وطرق مواصلات، وشبكة صرف صحي، وتلوث المياه الصالحة للشرب، وعدم وجود مكتبات وحدائق عامة ونحوها من الأمور.

إن غياب هذه الخدمات يجعل المرء أمام أحياء مظلمة، ليس فيها حيوية، تنتمي إلى عالم مهمش قديم، لا تطاله الأيادي العمرانية. ولعل أولى هذه الوجوه المتعددة من الحرمان هو انعدام طرق معبدة تسهل التواصل بين جميع الأحياء، وذلك لأن معظم الشوارع العامة في هذه الأحياء هي شوارع غير مبلطة وعرة لا يمكن السير بها بشكل سليم، لأنها غير متوفرة على شبكة صرف صحي تطفح مياه المجاري من جميع منافذها، تاركة رائحة كريهة تجعل الحياة العامة غير محبذة، حتى أصبحت هذه المياه تتسرب إلى مياه الشرب ملوثة إياها لتنقل هكذا المياه هذه أنواع الأوبئة والأمراض.

إلى جانب كل ذلك فإن المرافق العامة التي تظهر النمو الحضاري هي الأخرى مغيبة من هذه الأحياء المهمشة، حيث لا تتمتع كل هذه الأطراف بعددها السكاني المهول على أية مكتبة عامة، تخدم الثقافة العامة، وتتيح كتب ومجلات للطلاب، تمنحهم مكانا مقبولا ومحفزا للقراءة والتعلم. غياب لا يجسد هوله سوى غياب حدائق عامة في مثل هذه المناطق يترك حيزا للبيئة وتنقية الهواء عن طريق الشجر والنبتات.  

 

ارتباك الصحة

وسنجعل ختام الحديث هنا عن تردي الحياة عموما في الأحياء المهمشة في الأحواز العاصمة فيما يتعلق بالتدهور الصحي الذي تشهده الأحواز عموما، وهذه الأحياء المفقرة خصوصا، لأن التردي الصحي ينعكس على هذه الأحياء بوطئة أشد، لغياب المكنة فيهم لتلقي العلاج وتولي أمر الصحة، مقارنة بباقي المناطق الأحوازية.

ونظرا لوقوع عدد كبير من هذه الحواشي على أطراف الحقول النفطية، والشركات الصناعية، والمزارع الصناعية، فقد عبثت كل تلك الخيرات بصحة أهلها، بما تفرزه هذه الصناعات والحقول من ملوثات. وتشير احصائيات النظام الإيراني الرسمية إلى جزئية واحدة نذكرها هنا، هي زيادة الأمراض السرطانية: حيث سجلت مدينة الأحواز العاصمة نسبة زيادة في المصابين بالسرطان في العام الماضي بلغت 6 ألف إصابة. وليس من شك أن هذه الزيادات المستمرة في أنواع الإصابات المرضية يأتي من النشاط الصناعي في الأحواز، على حساب الناس وتدمير بيئتهم وحاضنة عيشهم.

على أن وطأة الأمراض هذه تزداد على الأسر، فضلا عن المريض نفسه، عندما نعلم عجز الأسر هذه عن تأمين تكاليف العلاج، وغياب أي مستشفى في جميع هذه الأطراف، مما يضطر بأهل الأحواز تارة نحو الذهاب إلى المحافظات الإيرانية طلبا لمشفى خيري يتعلاجون به، وتارة الجلوس في انتظار «رحمة الله» تحل على المريض شفاء أو هلاكا.

 

الاستنتاج

حصرنا في هذه الدراسة، وهي تتمة ما قدمناه في الدراسة السابقة، أهم التبعات التي تتوالد عن حياة الهامش، على المستوى الفردي المتجلي في تردي التعليم والصحة وانفلات الأمن، وعلى المستوى الجماعي من استفحال البنى القديمة، القبيلة والدين، في هذه الأحياء  وتأديتها الأدوار المختلفة في الحياة الأحوازية العامة.

ولكن إلى جانب كل تلك التبعات انبثقت عن حياة الحرمان والازدراء هذه أحياء ومدن متمردة، منتفضة ثورية، تتحين الفرصة المؤاتية للقضاء على هذا النظام القائم على التهميش والحرمان، مدن وأحياء وعت حالتها، واستوعبت ظروفها المادية والمعنوية وحددت مصدر كل ذلك البؤس، فباتت قوى منتفضة لا تقبل بالمدن هذه. ولكن بالرغم من إذعاننا لهذا الواقع الانتفاضي في هذه المدن، بيد أننا أشرنا إلى أن النجاح في القضاء على الحالة الظالمة هذه لا تتم إلا إذا استطاعت القوى المنتفضة في هذه المدن التعالي على رسوبات المجتمع القديم، من دين وقبيلة، لتدخل بذلك إلى العالم الجديد، بما كل ما يشمله من عقلانية.

 

 

سعاد عبدالرزاق

 

 

 

المصادر

[1] . لويس دمون، مقالات في الفردانية: منظور أنثروبولوجي للأيديولوجية الحديثة، ترجمة بدرالدين عردوكي، المنطمة العربية للترجمة، بيروت2006.

[2] . راجع مثلا: بول دوموشيل، التضحية غير المجدية: بحث في العنف السياسي، ترجمة هالة صلاح الدين لولو، المنظمة العربية للترجمة، بيروت2016.

[3] . معهد الحوار للأبحاث والدراسات، القبيلة في الأحواز: بين معوقات التعزيز وعوامل الإضعاف.

[4] . ديفيد هارفي، مدن متمردة: من الحق في المدينة إلى ثورة الحضر، ترجمة لبنى صبري، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت2017. ويجب التصريح هنا بأني أخرج الفكرة هذه، فكرة وجود مدن متمردة وثورة حضرية، أخرجها تماما عن سياقها الماركسي المستأنف الذي وضعه فيها هارفي، وأرجع بها إلى السياق الذي تحدث عنه هنري لوفيير، أوضح فيه معنى الحق في المدينة لمن يسكن فيها، حقا قد يصل إلى الثورة وقلب جميع عمران المدينة وأجتماعها وسياستها. إني أريد فقط الإشاره إلى مدن وأحياء متمردة في الأحواز انتفضت ضد واقعها المعيش، هي هذه الأحياء المهمشة دون سواها.

[5] . المصدر السابق، ص30.

[6] . خالد لحميدي، الخطاب الديني وأزمة المعنى: بحث في سوسيولوجيا وهيرمينوطيقا التجرية الدينية، منتدي المعارف2020.

[7] . محمد حبيب إلهي، تأثير حاشيه نشيني بر تغيير الكوهاي بزهكاري نوجوانان، كتاب يار مهربان، تهران1400.

[8] . سجاد بهمني وديكران، فهم فرآيند شكل كيري حاشيه نشيني براساس نظريه داده بنياد (مطالعه موردي محله هاي ملاشيه وبرومي)، فصلنامه توسعه اجتماعي، دوره14، شماره13، زمستان98.

[9] . لا شك أن العالم كله يعلم بأن الحرس الثوري هو أكبر تجار المخدرات في منطقة الشرق الأوسط وأكبر مصدر لها إلى العراق ولبنان وسوريا، وباقي المناطق. لكن ما قصدته هنا من عمل العرب عليها هو تعاطيها الفردي الضيق، وهو أمر يقوم به العرب؛ أما تجارته الكبيرة وإيصاله فلا شك فهو للحرس الثوري والأيادي العاملة عليه في الأحواز التابعة للحرس.

[10] . سيروس غني، ايران: برآمدن رضاخان ، برافتادن قاجار،ونقش انكليسها، ترجمه حسن كامشاد، انتشارات نيلوفر، تهران عدةطبعات.

[11] . علي نورعلي وند، بررسي جامعه شناختي عوامل مؤثر بر نزاع جمعي (مطالعه موردي استان عيلام)، فصلنامه علمي بزوهشي امنيت اجتماعي، شماره 49، بهار96.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

1 COMMENT

Comments are closed.



error: Content is protected !!