المقدمة
لقد وضَعَت تصرفات الاستعمار في طبيعة المستعمَر وبيئته وجميع ممتلكاته، المادية والمعنوية، كُتَّاب عهد ما بعد الاستعمارية أمام ضرورة العثور على مفاهيم تصف هذه التصرفات وتشرحها وتحددها، في سبيل جعلها مفاهيم دالة تقتصر مظاهر عدة في مصطلح واحد.
ومن هنا وضعت الدراسات ما بعد الكولونيالية مفاهيم مفتاحية مهمة أرادت بها تحديد حالات نظير التصرف الاستعماري أو سياسات الاحتلال، أهمها، حسب موضوعنا هنا، هي العدالة البيئية والعنصرية البيئية والإبادة البيئية؛ نقوم أولا بتعريفها لنمهد بذلك الطريق أمام استخدامها لالقاء مزيد ضوء على الحالة الأحوازية، ثم المساهمة في عملية تثقيف بيئي، وبث مفاهيم تختص بهذا الميدان من الظواهر والدراسات.
إن البيئة لا تعني مجرد طبيعة عمياء تتحدد بالأنهر والأشجار والجبال، بل هي جملة التكوينات والعناصر الحية وغير الحية معا تمثل المحيط الحيوي الذي يحيى فيه الإنسان، ومنه يستمد رزقه وكافة احتياجاته اليومية.
ومن أجل ذلك يبدو أن مفهوم العدالة البيئية هو أشمل من كونه مفهوما يتناول البيئة طبيعيا، بل يغطي معناه الجوانب الاجتماعية في الحياة البشرية التي تخضع لتأثير الطبيعة إلى أبعد الحدود. إن العدالة البيئية تعني، بالدرجة الأولى، التزام العدل في التعامل مع طبيعة المناطق، التي فيها تُنفذ مختلف المشاريع الصناعية في إطار تصرف البشر في الطبيعة، حيث يجب أن يكون خال من تمييز بيئي يجعل مخلفات التصرف البشري في طبيعته كثيرة في بعض المناطق وقليلة في مناطق أخرى.
ويعني هذا، وفق ما جاء في كتاب «العدالة البيئية الحرجة» لديفيد نجيب بيلو، التزام المساواة عند التصرف في البيئة حيث لا يكون توزيع الأعباء البيئية خاضعا لاعتبارات قومية أو عرقية أو دينية إلخ، وتبعا لذلك يكون الالتزام بالحفاظ على البيئة تاما في بعض المناطق ومنقوصا في مناطق أخرى؛ من منطلق اعتبارات غير ملتزمة بمبدأ الحفاظ على الطبيعة والبيئة بوصفها حاضرة الإنسان وحاضنة عيشه، بل بوصفها مناطق يجب استغلالها وفق مبدأ بلوغ الأرباح والاستغلال الحد الأكثر. إن العدالة البيئية هنا تظهر في الاجتناب عن تحميل أية مجموعة بعينها من الناس عبئا غير مناسب من النتائج والأضرار البيئية السلبية الناجمة عن العمليات أو السياسات الصناعية والتجارية الحكومية.
وبناء على ذلك يتبين، على الفور، أنه لا يمكن أبدا فصل الإنسان عن العناصر البيئية المحيطة به مما يعني أن أي ضرر يلحق بها سيعني الإضرار بمقدرات الإنسان أو بصحته أو اقتصاده أو بأمنه الشخصي. وهذا من جهته يبين بعدين للعدالة البيئية: مادي ومعنوي.
فالبعد المادي يدل على وجوب الحفاظ على البيئة ماديا، ومراعاة شروط التصرف البشري المقبول الذي يمانع من تدمير الطبيعة والحاق أضرار غير قابلة للعلاج بها؛ ومن حيث البعد المعنوي يدل على أن الطبيعة هي بحد ذاتها قيمة، متحررة من الانتماءات الوضعية والاجتماعية والسياسية والقومية إلخ، التي يتم وفقها فرض تمييز بين الناس تكون البيئة على أساسه لا تعني الطبيعة الواجب صيانتها، بل تكون منطقة، عربية مثلا، ليس للفرس شأنا بها لا صيانة ولا احتراما ولا حفاظا، بل هي موقعا زاخرا بالثروات يجب استغلاله بأسرع وقت والمضي إلى غير رجعة، من غير اكتراث بتبعات ولا مغبات ولا تلوث إلخ.
وهذا بالتحديد هو التمييز البيئي المشعر بتمييز في التعامل مع الطبيعة ناتج عن اعتبارات اجتماعية. فبناء على هذا يعمد النظام المهيمن أو المتفوق، أو النظام السياسي بالتحديد، إلى منطقة من المناطق الخاضعة فيجعلها حاويات لرمي النفايات الملوثة، أو يعمد إلى دفن مخلفات كيماوية فيها، أو استغلال ثرواتها بطريقة بدائية مدمرة إلخ، ليس لتخلفه الصناعي أو شيء من هذا القبيل، بل فقط لأنها منطقة تنتمي إلى أقلية عرقية أو قومية أو دينية إلخ، يصنفها النظام المتفوق أو النظام السياسي بأنها بيئة الآخر فلا يكترث بها.
إن التعمد في إفساد أي عنصر من عناصر البيئة أو الإضرار بالموارد البيئية لأي شعب أو جماعة من خلال عمل مباشر أو غير مباشر من أجل إجبارهم على ترك الأرض أو من أجل التأثير على إنتاجيتهم وموارد رزقهم فهو شكل من أشكال الترويع والإرهاب، ولا يمكن فصله أيضا عن الأعمال العنصرية التي تقوم على الاضطهاد والتمييز. وبناء على الحالة الأحوازية، أولا وأخيرا، تكون منطقة شمال الأحواز أي «خوزستان وايلام» والشريط الجنوبي الساحلي الزاخرة بالثروات الطبيعية مستباحة، بيئة وطبيعة وحاضنة عيش، لأنها بيئة العرب التي قد تكون، في الأمد البعيد أو القريب، مرشحة للانفصال عن إيران. ومن أجل ذلك يجب المسارعة في استغلال جل ثرواتها وامتصاص كل خيراتها قبل وقوع ذلك، بغض النظر عما يتحصل عن هذا الاستغلال من تبعات بيئية تظهر على شكل ظاهرة الكثبان، أو تلوث المياه الجوفية، أو زيادة الإصابة بالسرطان، أو انخفاض خصوبة الإنجاب، ونحو ذلك.
إنها سياسة تمييز تطال الطبيعة، لتشمل سريعا جميع الحياة باجتماعها واقتصادها وصحتها وثقافتها وعروبتها وكل ما فيها. ولأنها كذلك فهي عنصرية بيئية من دون شك، لأن منطلقها هو الطبيعة ومنه تتعمم على جميع ما تحتضنه الطبيعة من بشر وما ينتجونه حضاريا: ثقافة ومجتمعا وتاريخا وفنا وكل شيء.
وهذا بالتحديد هو ما يحدث اليوم في الأحواز حيث إن تتبع السياسات الصناعية والزراعية، والخطط التنموية الكبرى للنظام الإيراني بشكل عام، تظهر بما لا لبس فيه اتباعه عنصرية بيئية حولت الأحواز إلى أرض غير قابلة للحياة: تعاني من تلوث في الهواء، ومياه إما مجففة وإما ملوثة بمختلف النفايات السامة، وأراض جدباء قاحلة سُرقت المياه الجوفية منها، و«مواطنين» یعانون فی أبدانهم سرطانا وفشلا كلويا وتمزقا رئويا وباقي الأمراض التي لا مصدر لها سوى هذه السياسات البيئية التي تحولت بجدارة وتعمد إلى جريمة إبادة بيئية متكاملة الأركان.
ويظهر تاريخ استغلال النظام الإيراني للثروات الأحوازية تنفيذه على ساحتين: أولهما هو استغلال أكثري للثروات بطريقة لا تكترث بمخلفات الاستغلال وتبعاته ومخاطره بيئيا إلخ؛ وثانيهما تعميم طريقة الاستغلال لتغيير واقع الأرض المستغلة وشعبها هوويا وقوميا وتاريخيا إلخ.
ومن هنا نتحرك في سياق هاتين الجهتين: فنحصي أبرز الثروات الطبيعية التي نهبها الاحتلال فخلف وراءه تبعات لا تحصى؛ ثم نعدد التبعات الاجتماعية الناتجة عن ذلك.
الصور الطبيعية للعنصرية البيئية
يتبين عن جميع تصرفات النظام الإيراني في استغلاله للثروات الأحوازية ونهبها أنه استغلال بشع ومنفلت لم يلتزم أية معايير بيئية أو صناعية أو إنسانية، فأتى على الشجرة فأقلعها من جذورها محاولة لقطف ثمارها. هكذا هي جل تصرفات هذا النظام في الأحواز: فعلى سبيل المثال لا الحصر عند ما أتى إلى هور الحويزة وشرع في التنقيب عن النفط لم يكترث أبدا بمصير هذا الهور ولا بما سينتج عن العبث بطبيعته ونظامه البيئي من جفاف وتسبب ظاهرة الكثبان وموت الحياة البرية والبحرية وبطالة الأهالي إلخ، بل إنما أتى مستغلا النفط وإنْ بقيمة القضاء المبرم على الهور وتجفيفه وقتل كل ما فيه. إن ذلك من دون شك ما كان ليتم لو كان الهور هذا في قلب طهران أو أصفهان أو شيراز أو المناطق الفارسية، لأن النظام لا يفعل ذلك في بيئته، بل مثل هذه التصرفات غير مباحة ألبتة إلا في الأحواز التي أنزل النظام الإيراني سياساته النعصرية البيئية عليها. وهذه أبرز صور العنصرية البيئية:
المياه
لقد كانت المياه ثاني المستهدفات من ثروات في الأحواز بعد النفط. فعمد النظام الإيراني إليها وأنهرها الكثيرة فدشن على مدى عقود عشرات السدود حجب بها مياه كانت تجري إليها يوما، مبرار ذلك بمبررات غير موضوعية. وقد مكنت هذه السدود التصرف بالمياه حجبا ومنحا، سرعان ما تبينت تباعتها تواليا أولا في انعدام إمكانية الزراعة، ثم في تقليص حصة مياه الأنهر، ثم في جفاف المياه الجوفية، ثم في ارتفاع حرارة الأرض في الأحواز، وهكذا زيادة منسوب ملوحة الأرض، ثم في موت الحياة البحرية والبطالة الناتجة عن ذلك، وعشرات التبعات الأخرى.
على أن الاكتفاء بتدشين هذه السدود كان سيمثل نعمة للأحوازيين وكان سيترك حيزا للتنفس لهم، لأنه يترك بعض المياه تتدفق عند زيادة الأمطار مثلا، بل عمد النظام إلى أكثر من ذلك حين دشن مشروعات أراد بها نهب المياه من المصدر، فحفر قنوات كبيرة ومهولة عند سهول مصادر نهر كارون والكرخة وباقي الأنهر الأحوازية، ليغير بذلك مسير المياه لمنعها الوصول إلى تلك الأنهر وتوجيهها، بدل ذلك، إلى أراض إيرانية هي يزد وأصفهان وغيرها.
إن تحليل تصرفات النظام في جزئية نقل المياه لا يترك مجالا للشك بأنها تصرفات عنصرية عارية عن أية مبررات علمية، إذ كيف يمكن تبرير مشاريع عديدة تستهدف مياه منطقة ما وتحويلها إلى أرض قاحلة، وترك أهلها يصارعون تبعات الجفاف المختلفة الظاهرة على الصحة والرزق وحرارة الأرض وجميع جوانب الحياة. فعلى سبيل المثال تفيد مختلف التقارير الإيرانية للصحافة الفارسية بأن منع حصة مياه نهر كارون، بوصفه أكبر الأنهر الأحوازية، لم ينعكس على تلوث مياه هذا النهر إثر انقلاب عملية التدفق منه إلى مياه الخليج العربي حيث باتت مياه الخليج هي التي تتدفق إليه عند المصب فحسب، بل تسبب بتحويل كافة الأراضي الزراعية الكبيرة الواقعة على طوله إلى أراض سبخة تعاني من جفاف وزيادة منسوب الملوحة، مما تركت الجزئية هذه فقط تبعات لا تعد ولا تحصى: أقلها بطالة المزارعين، وتحول الأراضي هذه إلى مكامن لانتشار الأتربة، وزيادة هجرة السكان إلى المدن بحثا عن عمل ونحوها، نشيرها إلى بعض جوانبها في قسم الصور الاجتماعية للعنصرية البيئية.
ولعل الصورة لم تكتمل في تناول تبعات سرقة المياه إلا عند الإشارة إلى منعها من الوصول إلى الأهوار، بوصفها رئة الأحواز. لقد كان يعني سلب المياه من نهر كارون والكرخة، أكبر الأنهر في الأحواز، تقليص حصة المياه التي كانت تصل إلى هوري العظيم والفلاحية، ومن ثم انعكاس ذلك جفافا عليهما.
إن هور الفلاحية والحويزة هما أعز ما تملكه البيئة الأحوازية، ليس من حيث الإرث الحضاري لهما فحسب، بل من حيث المسافة الكبيرة لهما، وبوصفهما غطاء نباتيا خطيرا يؤمن الاكسيجين اللازم لجميع الأحواز والمنطقة ومصدر رزق ملايين الناس. فهور الحويزة قد تحول من هور يسر الناظرين إلى صحراء تتعالى منها الكثبان، تشتمل على حقول نفطية وآبار وأجهزة التنقيب تشبه مستوطنة صناعية قديمة متهالكة يكاد استغلالها يتم فتتحول إلى أرض متروكة غير صالحة للسكن، بعد أن تم تجفيفه بنسبة 90 بالمئة، فانعكس ذلك على تدمير الحياة الزراعية لتعداد سكاني يبلغ مليوني نسمة.
أما حكاية هور الفلاحية فهي صورة قاتمة أخرى من صور قتل الأرض، حيث إن النظام الإيراني أقدم على خطوة لخص فيها عقليته الاستعمارية تجاه أرض الأحواز وتعمده في إحراقها: فبعد أن قام بتجفيف ما يزيد عن 70 بالمئة منه، خصص قسمة من الأراضي المجففة من الهور، التي كانت سابقا مليئة بالمياه والثروة السمكية وجمال الطبيعة، خصصها لبنا سجن يقذف إليها بالعرب الأبرياء.
الأراضي الزراعية
وعند التطرق إلى صورة أخرى من صور العنصرية البيئية نصل إلى تصرف النظام الإيراني بالأراضي الزراعية الأحوازية. فبينما كانت السنين الأولى من زحف النظام على الأراضي تسجل مصادرتها لصالح المستوطنين ومشاريع حكومية، تحولت السياسة الخاصة بالأرض في السنوات الأخيرة إلى صور تظهر بشاعة أكبر.
وقد تجلت سياسة المصادرة في مشروع قصب السكر، ذلك المشروع الذي صودرت من أجله أراضي تتجاوز 140 ألف هكتار، تعود لأفراد كثيرين كانت تؤمن أرزاقهم، فحولتهم إلى فقراء لا يمتلكون من المال شيئا يمتهنون أعمال شاذة يصارعون فيها البقاء. على أن مشروع قصب السكر، بحد ذاته، كان هو الآخر دليلا دامغا على عدم اكتراث النظام بمصير هذه الأرض الأحوازية، وتطبيق عنصرية تامة الأوجه عليه: فكل التحقيقات التي أجرتها الجامعات الإيرانية الفارسية تشير إلى أن مثل هذه الزراعة لم تكن مناسبة للبيئة الأحوازية ولا مساعدة لها، بل نفذ هذا المشروع بشكل فج لا يبالي بالتبعات وقتل الأرض وأهلها.
ثم إن الأراضي التي خصصت للمشروع هذا تقع على محاذات نهر كارون مما جعله من أكبر ملوثات النهر. ليس هذا فحسب بل على الرغم من شهرة زراعة قصب السكر بزيادة المخلفات والملوثات، طوقت السلطات الإيرانية الأحواز العاصمة بهذه الشركة وحقولها، مما جعلت البيئة في المدينة هذه رهينة بمجريات الزراعة في حقول قصب السكر، فعند ما تعمد مثلا إلى الحصاد عن طريق حرق الحقول تكون سماء الأحواز سوداء داكنة تفوح منها رائحة الدخان يراجع في يومها المئات من المصابين بحالات اختناق إلى المشافي.
على أن التعرض العنصري للبيئة لم ينحصر على الزراعة القاتلة لقصب السكر فحسب، بل إن تضافر تجفيف المياه والتصرف المستهتر بالأرض تسبب تبعات أخرى من ضمنها موت 5 مليون من نخيل الأحواز طيلة العقد الأخير. فهذه احصائيات وزارة الجهاد الزراعي الإيراني تفيد بموت 4 مليون نخلة إلى العام 2018 في كل من عبادان والمحمرة، كما سجل العام الماضي احتراق 400 ألف نخلة من الجفاف. أما في مدينة الفلاحية التي تتمتع بوجود 2.6 مليون نخلة فإن الاحصائيات الرسمية الإيرانية تنذر بموت 80 بالمئة منها بفعل الجفاف.
ليس هذا فحسب بل إن ترابط حجب المياه وأحوال التربة انعكس، هذه المرة، على إبادة الغطاء النباتي الموجود في الأهوار والأراضي المحاذية للأنهر أيضا. فبموجب صناعة قصب السكر لا بد من القيام بغسيل التربة المخصصة لزراعتها، وهذا يعني استجلاب كميات من المياه لذلك الغرض بها تزال الملوحة عنها، ثم تترك هذه المياه في نهر كارون ومنه تتسري إلى باقي الأراضي والغطاء النباتي، وكل ذلك يعمل على موت ذلك الغطاء والإخلال بدورة الحياة فيه.
الهواء
أهوار مجففة ليس فيها سوى كثبان متطايرة، وأنهر لا تقوى على ري الأراضي التي اعتادت لقرون ريها وتغذيتها، وغطاء نباتي يتقلص كل يوم، ونخيل تحترق وأراض زراعية غير عامرة ولا مزروعة إلخ، ليس لها كلها إلا أن تكمل الدورة الخاصة بتدمير الحياة البيئية والعبث فيها.
إن من أولى التبعات التي شهدت على وجود إبادة بيئية مشتقة عن رؤية عنصرية هي ظاهرة تلوث الجو المتكررة على شكل ظاهرة الكثبان والعواصف الرملية. لقد شهدت الأحواز بجميع مناطقها، بالإضافة إلى المناطق الإيرانية القريبة منها المجاورة، ظاهرة حديثة لم تكن اعتادتها، هي تعالي عواصف رملية تحجب عين الشمس تأتي إلى الأحواز فتجعل كل من فيها يعيش حالة من الاختناق الجماعي، وانعدام إمكانية التنفس، خاصة بين الأطفال والعجزة وكبار السن.
وبينما كانت الأحواز تعاني من هذه الظاهرة منذ عقد لم يتم تداول هذا الموضوع في أروقة الحكم الإيراني، ولا الإعلام الفارسي، حتى استفحلت ظاهرة العواصف الرملية، وتوسعت رقعتها بتوسع أسبابها، فشملت أولا المناطق المجاورة للأحواز ثم وصلت إلى مدن إيرانية مركزية هي أصفهان وشيراز وطهران العاصمة حتى، ليهتم بعد ذلك فقط صانع القرار الإيراني بهذه الظاهرة الخطيرة والجسيمة، ويجعلها ضمن أولوياته، ليتبين عن ذلك فعلا وجود ممارسة يمكن تسميتها بجدارة إبادة بيئية وتمييز بيئي عامد. وبعد هذا التداول تبين أن السبب الرئيس في تعالي الظاهرة هذه هو تحويل الأهوار، وبالتحديد هور الحويزة، إلى أراض مجففة وتحول تربتها إلى مصدر لتطاير ذرات الأتربة تعم كافة المدن والأرياق والأمصار، وتتسب بأنواع السرطانات. ففي أحدث تقرير نشرته يورونيوز الناطقة بالفارسية عن لسان مسؤل طبي إيراني قال بأن إيران تشهد ارتفاعا في الإصابة بالسرطان، سجلت منطقة «خوزستان» (شمال الأحواز) على قد وصفه النسبة الأعلى فيها.
ليس هذا فحسب بل هناك حالات إصابة بأمراض متنوعة هي الربو وضيق التنفس والأمراض في البشرة كلها جعلت تقارير الأمم المتحدة تحذر من انعدام إمكانية السكن في الأحواز في العقود المقبلة إذا ما استمرت السياسات البيئية على وتيرتها الراهنة.
الصحة
إن أبرز تجليات هذه العنصرية البيئية قد تظهر في الصحة، على مستوى الأبدان والأنفس معا. ويكفي أن نشير إلى أن العبث في الصحة هو نتاج تضافر العبث الصناعي في البيئة والاستغلال الاستعماري فيها. فهذه صناعة النفط وهي تترك جميع نفاياتها في المياه الجوفية، ونهر كارون، وما فيها من جزيئات المياه الثقلية غير المعادة. وقد أثر ذلك على تحول المياه إلى مصدر لانتقال الملوثات إلى أبدان الناس، وهكذا تم رصد بعض تبعات ذلك وغابت تبعات أخرى. ومن تبعاته ميلاد اكثر من 600 جنين أحوازي مشوه في العام الماضي، وهبوط نسبة الخصوبة بين الأزواج إلخ.
أما مخلفات صناعة الصلب في الأحواز فهي تظهر أولا لدى الموظفين في هذا القطاع ناهيك عن باقي الأحوازيين. حيث يحين سن التقاعد في شركة الصلب 20 سنة نظرا لارتفاع مستوى التلوث فيها، المستوى الذي ينعكس على حياة مدينة الأحواز وهي تضم في قلبها ومركزها شركة إنتاج الصلب، التي يكفي لإدراك مستوى تلوثها الجو زيارة الأحياء القريبة منها وهي مغطاة بطبقات داكنة من ذرات الصلب تجلس على البيوت والجدران والسيارات في جميع الأماكن.
ثم إلى جانب ذلك تحتاج هذه الصناعة إلى كميات هائلة من المياه العذبة لتبريد الأفران وأحواض التذويب، وهي مياه يتم جلبها من نهر كارون المجاور واستخدامها في عملية التبريد، ثم رميها في النهر مرة أخرى من دون تكرير ولا عزل للمواد السامة وجزيئات الصلب والحديد. على أن ترك النفايات هذه لا تعكس هول التلوث إلا إذا وضعت إلى جانب تقلص نهر مياه كارون، حتى يتبين على الفور أن تقلص المياه الجارية في هذا النهر بالتزامن مع ترك المياه الملوثة فيها، من صناعة النفط والصلب، حوله من نهر تجري فيه المياه إلى جدول لا تسري فيه سوى نفايات ومياه ملوثة ومخلفات صناعية. ومن أجل ذلك تترى التقارير الإيرانية مرة تتحدث عن موت المواشي التي تشرب من مياه كارون، وتارة تروي الأثرات التي تركتها هذه المياه الملوثة على المحاصيل الزراعية، وتارة تفيد بوجود علاقة مباشرة بين تلوث المياه وبث الأمراض في المواشي والمحاصيل والإنسان كلهم معا.
القاء النفايات في نهر كارون
ولعل سلسلة الفجايع تبلغ الذروة عند ما يتم التطرق إلى ما تخلفه سلطات الاحتلال من نفايات المشافي وغيرها تلقي بها، من دون أدنى معالجة، في نهر كارون وسط الأحواز. وصحيح أن العمل هذا بحد ذاته خطأ متعمد جسيم، بيد أن مراقبة تنفيذه من قبل السلطات المعنية يظهر تمييزا أيضا: فنفايات مشفى خميني تلقى، عبر أنابيب، بالقرب من حي العبارة، بينما يتم التخلص من نفايات مشفى بقايي عبر إرسالها إلي حي كوت عبدالله، ليتبين أن التخلص من نفايات المشافي الواقعة في المناطق الواقعة في المستوطنات يتم بجلبها إلى الأحياء العربية. فهذه قلعة كنعان، وهي على بعد 15كيلومترا من مركز مدينة الأحواز، وقد نقلت وسائل الإعلام المعنية بالأمر عن وجود 60 طنا من أنواع الملوثات والنفايات فيها.
ثم إن زيادة التفقير في الأحواز العاصمة على وجه الخصوص التي حولها إلى مدينة تعاني من تفاوت طبقي أساسه الفرق القومي، جعل هذه النفايات مصدر رزق شاذ إلى العوائل حيث يرسلون بأبنائهم الأطفال إلى محل ألقاء هذه النفايات، خاصة نفايات المشافي المحتوية على عدد كبير من البلاستيك الصالح للبيع، يقومون بفرز ما فيها من مواد قابلة للبيع، ملقين بأنفسهم أمام مخاطر هذه النفايات من مواد سامة وأمراض معدية خطيرة نظير الإيدز وأنواع التخثرات المعدية. فقد قال أحد الأطباء في الأحواز: لقد اطلعنا على عدد كبير من حالات الإصابات في السرطان، مصدره هو المياه الملوثة التي تجري في كارون.
ليس هذا فحسب بل إن المستوى العالي من التلوث في هذه المخلفات الطبية والصناعية، كما أشرنا لذلك، جعلت مياه النهر عرضة لتلوث كبير، قد يودي بحياة ملايين من الناس في الأحواز، الأمر الذي حدى بالمسؤلين إلى نفي وجود تلوث كبير في مياه النهر. ولكن مهما يكن من ذلك فإن مجرد تجوال يسير في كارون يظهر تحول لون النهر هذا إلى الاخضرار بالإضافة إلى تعالي رائحة نتنة على طول النهر تشبه رائحة التلوث ومياه الصرف الصحي. وبالرغم من تحول نهر كارون إلى حاوية نفايات يسارع المسؤل الفارسي في الأحواز إلى الهروب من المسؤلية ولا يتحملها أيا من المسؤلين.
الصور الاجتماعية للعنصرية البيئية
إنه إذا كانت العنصرية البيئية تتجلى في صورها المروعة الحاصلة من العبث بالبيئة وطبيعة عيش الإنسان الأحوازي، فإن لهذا المفهوم من الشمول والدلالات الجامعة ما تجعله كفيلا بشرح تلك التبعات الاجتماعية الناجمة عن العنصرية هذه، وما تتركه من مغبات اجتماعية قد تضاهي ترويعا تلك المآلات الطبيعية. وإذا كانت جميع التصرفات في الطبيعة والبيئة الأحوازية من قبل النظام الإيراني تدل، بما لا لبس فيه، على سريان هذه العقلية العنصرية فإن التصرفات المجتمعية المتساوقة مع ذلك، هي الأخرى، تدل على تصرف كذلك، ساحته هذه المرة المجتمع والجماعات البشرية التي تحولت إلى مجرد موضوع للعبث والتمييز والاستغلال؛ عبثا لم يطل حياة الناس الراهنة فحسب، بل أخذ يضرب شمالا ويمينا فيسدد ضربات عنصرية عمياء تارة نحو التاريخ، وتارة نحو الهوية، وتارة نحو العيش ومصادر الرزق، وتارة نحو القضاء على آفاق مستقبلية والأمل بالحياة.
محاربة الرموز
إن أولى التصرفات المنبعثة عن العنصرية البيئية في جانبها الاجتماعي هو تكرار تصرف غريب لا يخطر على بال أحد كان ممكنا أن نعده من الصدف لو لا تكراره مرارا، وحدوثه يوميا، مما خرج به من دائرة الصدف إلى السياسة الهادفة الواعية، بكل إثبات ووضوح أدلة، كما سنرى.
فكما هو معروف في جميع الأمم والطبائع، تمتاز كل أمة ويتفرد كل شعب وتشتهر كل منطقة بجملة من الرموز الطبيعية والمعنوية، تجعل منها أمارات على هويتها ودلالات على تشخصها في إطار اختلاف البشر عن بعضهم البعض على المستوى الحضاري. ومن هذا المنطلق فإن ما به تتميز الأحواز العربية هي جملة من الرموز الطبيعية، كل أحوازي يتصورها أمور طبيعية لا تثير العداء ولا يتم استهدافها. وعلى رأس هذه الصفات المائزة هي النخلة، وكارون والخيل والطير.
إن التاريخ الأحوازي القريب والبعيد يفرد مكانة استثنائية للنخلة، ويجعلها رمزا من رموز الحياة والعطاء، يدخلها في جميع تصرفاته اليومية طقوس عبادة وجلب حظ وعلامة وفرة ورقيد عيش. “إنها تجسد لتراث إنساني نابت في الوطن وسيماه الثقافي ورمزا من رموز عروبة الأرض، وكل شيء يرتبط فيها من عادات وتقاليد وحرف تراثية. فالشعب الأحوازي يرى النخلة إحدى مواريثه الحضارية الطبيعية التي تميز مجتمعه، كما أنها أمارة الخصب والنماء والاخضرار والثمر. لا تعني النخلة مجرد شجرة في الأحواز بل هي أينما أينعت أينيع بوجودها السخاء والثراء.”
وعند ما علم صانع القرار السياسي الإيراني في الأحواز بذلك فإنه عمد، كما رأينا، إلى النخلة ورمزيتها على وجه الخصوص، ففتك بها بتنفيذه سياسته البيئية العنصرية ضدها، فجعل النخيل في الأحواز عرضة للإنقراض حتى تحدثت التقارير الحكومية ذاتها، كما رأينا أعلاه، عن موت ما يقارب 5 مليون نخلة أحوازية.
وبالمثل عند ما علم صاحب سياسة العنصرية البيئية بما يعنيه كارون من رمز للأحواز، خاصة الأحواز العاصمة التي تشكلت أساسا منذ أقدم العصور على ضفتي نهر كارون، وما إليه يرمز، وما به تميزت الحضارة الأحوازية، قتل هذا النهر. إن مجرد القاء نظرة يسيرة على الدور الرمزي التاريخي لكارون يظهر انعقاد الشخصية الحضارية الأحوازية على أساس هذا النهر، حيث إن الدين الصابيئ التليد في الأحواز ما كان ليكون، وما كانت هذه الفئات المؤمنة بالدين هذا لتكون جزاء من هوية الأحواز التاريخية والراهنة والمستقبلية ورمزا من رموز عروبتها التليدة، لو لا وجود النهر هذا، حيث لا تتم عبادات الصابئة المندائية إلا بوجود نهر يجري بقربها. أجل بعد علم النظام العنصري بهذا عمد تارة أخرى إلى كارون فحوله إلى مجرد جدول لا تسري فيه سوى المياه الملوثة المليئة بنفايات النفط وصناعة الصلب وأنواه البتروكيماوت.
وهذا هو الحال بالنسبة للطيور التي تشهد الأشعار الأحوازية المتوارثة حضورها الطاغي على الحياة في الأحواز، فتم في البداية مصادرة أنواع الطيور وعلى رأسها الصقور الأحوازية، مصادرتها لصالح الفرس وتصنيفها طيور إيرانية فارسية، ثم لما تم ذلك تفعلت الإبادة البيئية فقضت على حاضنة عيش هذه الطيور في الأهوار والجبال الأحوازية فجعلتها على حافة الإنقراض والموت المحتم.
أما الخيول الأحوازية وعلى رأسها الكحيلان والعشمان فهي الأخرى صنفها نظام الفصل العنصري البيئي الفارسي على أنها خيول للألوار من سكنة الجبال، وأنها ليست بالخيول العربية التي تجد امتدادتها في جميع الأراضي العربية دون غيرها. فهكذا أقام النظام، خاصة المسؤلين اللر الذين تحمسوا لهذه السرقة الطبيعية، النداوت والمحاضرات من أجل التعريف بتاريخ هذه الخيول زورا، والتأكيد على فارسيتها وأنها من أصول فارسية متناسيا عامدا أي تطرق لعروبة هذه السلالات وتاريخها العربي الطويل الظاهر في الأشعار والتركات الأثرية والنقوش القديمة.
المناطق الصناعية والمستوطنات
لعل من المتوقع والمعقول أن يتم تخصيص جانب، وليس جميع، العوائد المتحصلة من ثروات الأحواز إلى عمرانها مدنيا، وإلى أهلها الذين سُلبت أراضيهم الزراعية من أجل تمرير مشاريع نظير قصب السكر، والتنقيب عن النفط وبناء الشركات الصناعية، بيد أن هذا الأمر هو عكس ما حصل تماما، حيث إن العوائد الكبيرة المتحصلة من الموارد الطبيعية خصصت إلى بناء مناطق صناعية ومستوطنات سكنية تابعة لها. فهذه المنطقة الصناعية شيرين شهر وهي تخلف أنواع مختلفة من الملوثات تاركة وراءها بيئة أحوازية مدمرة لا تصلح للحياة البشرية المعيارية.
ولعل أوجع ما تشهده المدينة في الأحواز وباقي المدن الصناعية نظير عبادان ومعشور هو سياسة صناعة التهميش، حيث تحاط الأحواز بعدة مستوطنات تتمتع بمستويات جيدة مدنيا وخدميا، وهي خاصة للفرس المستوطنين بالمجمل، بينما تعاني المناطق العربية المجاروة لها من حالة انعدام الخدمات وفقدان أدنى المرافق العامة. فهذه المستوطنات نظير «نيو سايد» و«شهرك نفت» وغيرها كأنها جزر تتعلق بالعلية من الناس، وهم كبار المسؤليين في الأحواز، وعلى أطرافها تلك المناطق المحرومة المهمشة التي تقطنها أكثرية عربية.
التهميش الممنهج
على أن الأحياء العربية ذاتها في جميع الأحواز تشهد تمييز بيئيا ممنهجا على المستوى التنموي: فبينما تكثر الإمكانيات الرفاهية في الأحياء الفارسية، تنعدم كلها في الأحياء العربية. ولعلنا نستطيع في هذا السياق التطرق إلى ظاهرة أخذت تكثر هذه الأيام من عز الصيف، نعني بها ظاهرة غرق الشبان والمراهقين إذ يعود السبب الرئيس في ذلك إلى انعدام إمكانية الترفيه، الأمر الذي يجعل الشاب الأحوازي يعمد إلى السباحة في الأنهر والبرك المائية الخطيرة، من أجل التخلص من الحر وأخذ فسحة من الانبساط بالمياه، بدل أن يذهب إلى مسابح مخصصة لغرض الترفيه فيها أمان ونجدة، لا تودي بحياتهم.
ولا تقتصر تبعات التهميش الممنهج هذا على فقدان الأماكن الترفيهية فحسب، بل إنه يظهر في انعدام الأماكن الضرورية من مشافي ومدارس ومكتبات وتخطيط صرف صحي إلخ في الأحياء العربية أيضا، ما يعني أننا فعلا أمام حالة من التمييز جعل الأحياء العربية في جميع الأحواز مفقرة أمام تلك المستوطنات الفارسية القليلة التي قد لا تبلغ 20 بالمئة من إجمالي السكان.
التهجير القسري
وأشد ما تنعكس عليه هذه العنصرية هي على القرى والأرياف وأطراف المدن حيث تعد هي المناطق الأولى المتضررة من سياسة الإبادة البيئية والعبث بمجريات الطبيعة. فبموجب تصريحات وزير العمل الإيراني هجر ما يقارب 35 بالمئة من أهالي القرى الأحوازية مناطق سكناهم، حتى قبيل ثلاثة أعوام. وتعني الهجرة هنا تشديد ذلك الطوق المدني على المدن الأحوازية في الأطراف في كل من مدينة الأحواز العاصمة وعبادان والمحمرة والسوس وغيرها، حتى أصبحت محاطة بقرويين مهجرين من مدنهم ومسلوبين من مصادر أرزاقهم يعانون شتى صنوف الحرمان والفقر في عشوائيات مهمشة. وعلى العموم يمكن القول بأن الهجرة هذه هي نتاج ثلاث أزمات بيئية هي: تدمير مصادر العيش في الأراضي الزراعية وانعدام المياه الواجبة للزراعة، وتكرار الكوراث الطبيعية الناتجة من العبث بالطبيعة، وثالثا التلوث البيئي الذي انعكس على اشتداد الأمراض السرطانية والتنفسية كما أشرنا.
تغيير الطابع العربي تاريخا وأسماء مدن ومعالم أثرية
وختاما توجت سياسات العنصرية البيئية مهامها في نقطة هووية خطيرة هي الإتيان على الطابع التاريخي الأحوازي والعبث به. فكانت أولى هذه الممارسات هي تغيير أسماء المدن الأحوازية وقراها، حتى تمادي الأمر هذا إلى اسم الأحواز ذاته، فآثر النظام الإيراني على ضبطه في الانكليزية على شكل AHVAZ بدلا عن الضبط السابق على شكل AHWAZ وذلك محاولة لتقريب النطق إلى اللغة الفارسية طمسا لعروبة الأرض والوطن.
وبما أن سياسة تغيير أسماء المدن الأحوازية العربية هي معروفة وفيها دراسات عديدة، فإن ما يجب اللفت إليه في المساعي الراهنة لعد صور العنصرية البيئية اجتماعيا هو تلك السياسة الإيرانية التي تصادر المعالم الأثرية العربية لصالح حضارات قديمة إيرانية، وطمس وتدمير العربية منها ممن لا يمكن مصادرتها. ومن هنا جاء تدمير قصور الشيخ خزعل والأبنية الخاصة بتلك الحقبة، ومن هذا المنطلق تم مصادرة الآثار القديمة في السوس، وإهمال الأثر التاريخي زيغورات وجعله عرضة للأمطار والأتربة وعدم تخصيص أية عوائد للحفاظ عليه وصيانته.
الخاتمة
لقد تتبعنا في هذا التقرير مفهوم العنصرية البيئية الذي يمارسه النظام الإيراني ضد البيئة الأحوازية، وتبين لنا أن جميع السياسات الإيرانية وعبثها بالطبيعة الأحوازية تندرج تماما في هذا المفهوم، وأن نظام الإيراني ينفذ الإبادة البيئية بحق الأحواز وشعبها أرضا وجوا ومياها ومجتمعا ومستقبلا. ومن هنا تبين أن عنصريته البيئية لم تختصر على سوء استغلال الموارد الطبيعية وترك الطبيعة تنازع وتحتضر، بل أردف تلك السياسة بالتصرفات المجتمعية، فأصبح الأحواز منهوبا الثروات الطبيعية مستهدف المظاهر الاجتماعية من هوية وتاريخ ومواقع أثرية وأسماء مدن.
إن هذه المساوقة بين ما هو بيئي واجتماعي جعلنا نقف على هول التصرفات الإيرانية في الأحواز، وما أفرزته من مصائب بحق الإنسان وبيئته. فهذه الأهوار وقد جففت، وهذه ظاهرة الكثبان عدت على صحة الناس فحولتهم إلى مرضى سرطان وربو إلخ؛ وهذا دمار الأراضي الزراعية وقتل ملايين النخيل وقد حول الناس إلى فقراء يسكنون في مناطق عشوائية لا يجدون رقيف خبز إلا بعد شق الأنفس؛ وهذا التصرف الحاقد بترك الملوثات في مياه نهر كارون وباقي الأنهر وما ينتج عن ذلك من هبوط الخصوبة وميلاد أجنة مشوهين وقتل الأنعام والغطاء النباتي. إنها عنصرية بيئية ابتدت من الأرض والمياه والبيئة، و فأثرت علي الإنسان الاحوازي وصحته وهويته ومستقبله
احسنتم