الخميس, مايو 2, 2024
مقالاتنهر «كارون»  في الأحواز: حاوية نفايات متدفقة

نهر «كارون»  في الأحواز: حاوية نفايات متدفقة

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

  1. يكتسي نهر«كارون[1]» قيمة حضارية ونفسية للأحواز تتمثل في كونه نهرا نمت على ضفافه الحضارات الأحوازية القديمة العيلامية ومثيلاتها؛ وقيمة نفسية لِما له من صلات وطيدة مع مدينة الأحواز العاصمة وهو يقتسمها على ضفتين حیث حياة أهلها تنتعش كلما ازدادت مياهه وجريانه.

ولكن على خلاف جوانب الأهمية الكثيرة لهذا النهر، فقد كانت السياسات الإيرانية طامعة فيه منذ أقدم عهود الاحتلال، فجعلته أولى الساحات التي تشهد انتهابا واستغلالا، بعد أن بنت عليه عشرات السدود، وحجبت عنه مليارات أمتار مكعب من حصته المائية، حتى حولته إلى نهر نحيف لا يقدر على الجريان والوصول إلى شط العرب والخليج العربي، لتعدو عليه مياه الخليج العربي المالحة، وتجعل منه يعاني فقدان عذوبة ما كان التاريخ قد شهد مثيلا لها.

أما اليوم فلم يتبق من نهر كارون الذي كان يشهد إبحار السفن قبيل عقود إلا نهرا يضم بنسبة تفوق 40 في المئة مياه الصرف الصحي، ومختلف النفايات التي تتركها السلطات الإيرانية عن طريق شركاتها الاستعمارية التي حولته إلى حاوية ملوثات وقذارات. نهر يمتلك أهمية استراتيجية قصوى لأنه المنفذ المائي الوحيد الذي يتصل بالمياه الدولية عبر شط العرب والخليج العربي، ومنها إلى المحيط الهندي.

ويكفي في أهمية نهر كارون أن نعرف بأنه الرافد الرئيس الذي يوفر مياه الأحواز العاصمة والقرى والمدن المتصلة بها بنسبة تفوق 70 في المئة، فضلا عن كونه الرافد الأول الذي يغذي هور الفلاحية الذي يصح نعته برئة الأحواز. إلى جانب ذلك يعد هذا النهر الأكبر من حيث الطول ومن حيث الخزان المائي، ما جعله يمثل الشريان المائي الحيوي أو الوحيد للتحصل على المياه على طول الشمال الأحوازي كله.

وفيما يتعلق بمعاناة نهر كارون من الملوثات والنفايات المختلفة، فإنها على ثلاث: الصناعية، والزراعية، والصرف الصحي. فملوثات الصرف الصحي عادة ما تنقل عبر أنابيب تصب إليه مباشرة من دون أية معالجة؛ والزراعية المتمثلة بالمياه المالحة من بقايا غسيل التربة للحقول الخاصة بقصب السكر فيتم توجيها عبر الجداول الصناعية والممرات المائية؛ أما الملوثات الصناعية تحمل إليه بجرافات وخزانات.

وهنا في هذا التقرير نتناول مختلف النفايات التي تلوث نهر كارون، وهي الصناعية، والزراعية، والصرف الصحي، وباقي الملوثات التي حولته إلى نهر نفايات حقا.

 

الملوثات الصناعية

تحوط كارون مجمعات صناعية كبيرة تعود للصناعات الثقيلة، تقع على نقاط خمسة منه، يعدها الخبراء المصدر الأكبر للتلوث الصناعي في هذا النهر. وقد بلغ أمر التلوث مرحلة كان يتحول فيها لون المياه إلى حمراء داكنة تفوح منها رائحة نتنة.  ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن طبيعة النفايات الصناعية هي ثقيلة الوزن، مما يجعلها تركد إلى قعر النهر وتبقى في قاعه لا يستطيع التيار المائي نقلها، لذلك يطول تواجد هذه الجزيئات مع كل ما فيها من تأثيرات ومصادر تفريخ ملوثات أخرى. ثم إذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض منسوب المياه في كارون يتبين من ذلك أن التيار المائي فيه غير قادر على جرف الملوثات الصناعية الثقيلة هذه. وغني عن القول أن هذا الانخفاض في نسبة مياه النهر ليست حصيلة تغييرات بيئية طبيعية، بقدر ما هو نتاج السدود وسرقة المياه من المصادر، وهي سياسة جارية على قدم وساق منذ القدم.

على أن أبرز الشركات التي تخلف نفايات بالأطنان في النهر، فهي شركات النفط، وشركات البتروكيماويات، وصناعة الصلب. فشركات النفط تساهم في التلوث بصور مختلفة، أكثرها هي ترك النفايات النفطية، واستخدام طرق غير صديقة بالبيئة عند التنقيب، وما لذلك من أثرات بالغة الخطورة والدوام على المياه الجوفية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تلوثا مصدره الثقوب الحاصلة في أنابيب انتقال النفط، حيث شكل هذا الخلل المتكرر مصدرا كبيرا لنقل كميات هائلة من النفط تصب مباشرة إلى مياه كارون.   وإلى جانب ذلك كانت شركات النفط، وأفرعها الكثيرة التابعة لها، قد خططت أنابيب لنقل النفط ومشتقاته تمر من تحت الأراضي الزراعية من منطقة مدينة الأحواز إلى حدود دار خوين، أنابيت تحولت كلها إلى أكبر ملوث للمياه الجوفية، والأراضي الزراعية على حد سواء، لأنها فضلا عن ثقوبها المتكررة تصدر اشعاعات مختلفة أماتت الأراضي ولوثت المياه بشهادة الأهالي في تلك المناطق .

أما صناعة البتروكيماويات فهي الأخرى تحتاج في عمليات إنتاجها إلى كميات كبيرة من المياه، تستخدمها في دورتها الإنتاجية، ثم تعود بهذه المياه المحملة بأنواع النفايات الكيماوية إلى نهر كارون دون معالجة لها. وأشد ما يلفت الانتباه هو أن هذه المياه المستخدمة في تلك الصناعة تحتوي على مختلف الكيماويات المسببة بأنواع السرطانات والأوبئة المضرة ليس بحياة الإنسان فحسب بل هي قاتلة للحيوانات ومميتة للغطاء النباتي على مقربة النهر.  

إلى جانب ذلك تفيد بعض التقارير الإيرانية الرسمية، التي عادة ما تقلل من حجم المواد السامة، بحجم يبلغ 220 ألف متر مكعب من النفايات يتم توجيهه إلى نهر كارون مباشرة كل يوم. هذا وتعد الأحواز أكبر مناطق إنتاج الصلب على طول إيران، ما يعني أن حجم ملوثات هذه الصناعة العملاقة أكبر بكثير مما تعلنها السلطات الإيرانية وفوق ما هو متصور. وقد قرر صانع القرار الإيراني بناء هذه الشركات في قلب المدن الأحوازية، في كل من الأحواز العاصمة ومعشور وعبادان إلخ، على مقربة من نهر كارون، لتسهيل نقل المياه، بغض النظر عما يترك ذلك من تلوث على حياة سكان المدن هذه.

ثم تُردف صناعة الاستغلال والعبث بالحياة بصناعة الصلب التي لا تقتصر ملوثاتها على المياه فحسب بل تلوث الهواء وكل ما يقترب منها. فهذه أقل التقديرات الرسمية تفيد بتخلية النفايات الصلبة في نهر كارون بنسبة 50 في المئة، حيث تترك نفايات الشركات التابعة لشركة الصلب، وهي شركة المجموعة الوطنية للصلب (كروه ملي فولاد) وصناعة الأنابيب (نورد ولوله اهواز) وخوزستان لصناعة الأنابيب (لوله سازي خوزستان) ونفرد كاويان (نورد كاويان) تترك كلها جميع نفاياتها في نهر كارون من دون أدنى معالجة وبشكل خالص .

 

الملوثات الزراعية

ولم تنحصر كوارث نهر كارون على يد الملوثات الصناعية، وما تتركها من آثار متشعبة، بل إن الصناعة الزراعية من جهتها تساهم إسهاما كبيرا في تقذر المياه وتلطخها بأنواع السموم والأسمدة والجزيئات القاتلة. وإذا جرى الحديث عن الملوثات الزراعية تبادرت على الفور إلى الأذهان شركة قصب السكر، ذلك المشروع القاتل الذي استحوذ على مجمل الأراضي الأحوازية فتقدم بزراعته على حساب الأرض والتربة والمياه والجو.

وتستحوذ شركة قصب السكر على عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية التي تطوق الأحواز من جميع جهاتها، على مقربة من نهر كارون، حيث منه توفر المياه اللازمة للري وغسيل التربة والحصاد إلخ. وقد كان جميع الخبراء في الزراعة قد أكد بأن الأراضي الأحوازية غير صالحة لمثل هذه الزراعة، والمضي فيها سيعني هدر كميات من المياه كان استثمارها في ميادين أخرى يستجلب من الأرباح والنمو أضعاف ما تدره الزراعة هذه، بيد أن صانع القرار الإيراني غير المكترث بمثل هذه التحذيرات مضى فيها، وجعل الأحواز تصارع تبعاتها .

ومن أجل ذلك بالتحديد تطلبت هذه الصناعة عملية في الزراعة تسمى غسيل التربة. تعني غسيل التربة معاناة الأراضي الزراعية المستخدمة من إفراز الأملاح، ما يعني أن إدامة زراعتها تتطلب غسلها لإزالة تلك الأملاح عنها، وهذا كله يعني الإتيان بمياه عذبة بكميات مهولة من نهر كارون لإتمام العملية، بيد أن الأمر لا يقتصر على نهب المياه للغسيل فقط، بل في أن هذه المياه العذبة تعود مالحة فتترك في مياه النهر، وهذا يحول مساحات كبيرة من المياه إلى مياه مالحة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تقوقع شركة قصب السكر في شمال كارون، فإن ترك المياه المالحة فيها يعني جريانها نحو الأراضي الزراعية والمدن الواقعة على طول المسير نحو الجنوب، وهذا كله يقتل الحقول الزراعية الواقعة جنوبا ويعبث بالحياة البرية، ويقتل الأسماك إلخ، وغيرها من مختلف الكوارث.

 

الصرف الصحي

 وتكتمل الصورة المأساوية، ويتبين مستوى العبث بالبيئة عندما نتطرق إلى قضية يصعب تصديقها لأنها بدائية، تتعلق بترك مياه الصرف الصحي في نهر كارون بصورة غير معالجة ومباشرة؛ حيث يتصل بنهر كارون 24 أنبوبا ضخما ينقل مياه الصرف الصحي له، في مدينة الأحواز العاصمة فقط. أما في باقي المدن المجاورة نظير القنيطرة وتستر والمحمرة وعبادان فالحال هو هذا، يتم فيها نقل مياه الاستهلاك المنزلي للنهر مباشرة.

وعلى الرغم من الاحصائيات الرسمية التي تقلص من حجم الملوثات فقد تتجاوز مستويات المياه المنقولة للنهر ما يفوق 40 بالمئة التي أعلنتها السلطات المعنية. ولعل ما يؤكد ذلك هو الرائحة النتنة المنتشرة على طول مدينة الأحواز تجعل الاقتراب من النهر مستحيلا لأنها تفوح منه على بعد أمتار فقط. ويعزو جل المسؤولين أسباب استمرار هذه الأنابيب بالتدفق إلى فقدان الأجهزة اللازمة للمعالجة، دون أية خطوات ملموسة لمنع دخول المياه إليه.

وتتفاقم قضية ترك مياه الصرف الصحي أيام الصيف بشكل يجعلها قضية واضحة للعيان، عند ما ينخفض منسوب مياه النهر، وتتقلص حصص المياه فيه، حتى تصبح معظم المياه الجارية فيه عبارة عن مياه الصرف الصحي وباقي النفايات الآتية من الملوثات الصناعية والزراعية  . وبعد أن تعالت أصوات الرأي العام، خاصة الرأي العام الفارسي من المستوطنين، أخذ المسؤول الإيراني ينظم مشاريع تختص بوضع أجهزة للمعالجة تمنع عند تدشينها المياه الملوثة من الدخول إلى كارون، بيد أن كل تلك المشاريع على الرغم من السخب الذي أحدثته في وسائل الإعلام، لم ترى النور ولم يتم تدشينها لغاية الساعة.

هذا وكانت السلطات الإيرانية قد تحصلت على قرض دولي استلمته من أجل حل مشاكل شبكة الصرف الصحي في الأحواز يبلغ مقداره 150 مليون دولار، كان هذا المبلغ كفيلا بإحداث شبكة صرف صحي حديثة، بيد أن الفساد المستشري في أجهزة الدولة نهب هذه الأموال وخصصها لمشاريع ذهبت لباقي المحافظات الإيرانية، حسب الإعلام الرسمي الإيراني ذاته.

على أن قضية ترك مياه الصرف الصحي لم تختصر على التلاعب بحياة نهر كارون فحسب، بل من إجمالي حجم النفايات الأحوازية البالغ 300 ألف متر مكعب يوميا، يذهب 185 ألف لنهر كارون، ليتم تحويل باقي المياه الملوثة إلى نهر المالح، لتستقر هذه المياه في هور الفلاحية في نهاية الأمر.

 

باقي الملوثات

وبينما تشكل العوامل الصناعية والزراعية والصرف الصحي الحصة الكبرى لتلوث مياه نهر كارون، توالدت عوامل أخرى جاءت لتساند هذه الملوثات حتى القضاء على حياة النهر وأهله معه. على رأسها النفايات الجائية من المستشفيات والمستوصفات الواقعة في مدينة الأحواز.

فكثيرا ما تداولت صورا لنشطاء وثقت مئات الأكياس الحاملة المواد الطبية المستخدمة من المشافي تم إفراغها على ضفاف نهر كارون، تحديدا في الأحياء العربية البعيدة من المستوطنات. فقد دأب المسؤلون في مشافي الأحواز على هذه الطريقة، وتنصلوا مرارا من المحاسبة في قضية الملوثات المعدية الخطيرة، بينما كان الكل على معرفة بالمشافي التي تقوم بإفراغ نفايات في ضفاف كارون، وهي كلها مشافي تابعة لـ”جامعة علوم الطب” في الأحواز.

وربما الاستماع إلى مبرر عدم محاسبة المسؤولين بهذا الأمر يكشف استهتار المسؤول الفارسي في الأحواز، حيث قال مسؤل في الجهاز القضائي الأحوازي، من المستوطنين، إن ما صعب ملاحقة المسؤلين عن القيام بإفراغ هذه الحاويات السامة هو عدم وجود جهاز جي بي إس على المركبات الخاصة بنقل المواد السامة الطبية، جعلنا غير واثقين من مصدرها، ومن أنها إلى أي المشافي بالتحديد تعود .

وعلى خلاف الإعلام الفارسي في الأحواز الذي يحاول فيه المستوطنون تجنب ذكر أسماء المشافي التي قامت بإفراغ نفاياتها في الأحياء العربية الخالية من المستوطنين فإنه قد تبين أن مشفى بقايي يقوم مباشرة بنقل نفاياته الطبية إلى ضفاف كارون على مقربة من كوت عبدالله، بينما يقوم “مشفى إمام” بنقل النفايات إلى حي مشعلي والأحياء القريبة، ليؤكد أن الصحة هي الأخرى خاضعة لأعتبارات قومية يكون فيها العرب أسفل من الفرس فيها وبجميع  تبعاتها.

ولعلنا إذا عدنا قليلا إلى الماضي القريب، أيام الجائحة كورنا، سجلنا حربا عنصرية بأتم معنى الكلمة على الأحوازيين، حيث كانت السلطات الإيرانية تنقل النفايات الطبية والأجهزة المستعملة المنتهية الصلاحية إلى ضفاف نهر كارون في الأحياء العربية حصرا، مبعدة ذلك عن المستوطنات. وقد تناقل الكثير من أهالي هذه الأحياء إصابة العشرات من الأطفال بفيروس كرونا عن طريق هذه النفايات حصرا. كما أن ما ساعد في إصابة الناس عن طريق هذه النفايات هي امتهان الكثير من الأحوازيين عمل جمع القمامة، إثر الفقر الشديد، حتى جعلهم ذلك في خطر محدق من هذه النفايات، خاصة أن جل العاملين هم من فئات الأطفال من الأسر الفقيرة جدا .

وإلى جانب النفايات الطبية فإن نهر كارون بات يعاني في الآونة الأخيرة من إفراغ ركام المباني والعقارات على ضفافه، حيث عمدت بلدية الأحواز العاصمة على تخصيص أماكن لغرض ترك النفايات العقارية فيها. فهذه حديقة السيد عامر القديمة والشهيرة، البالغة 40 هكتار مربع، تحولت بفعل الركام المتصاعد إلى خرابة ليس فيها إلا الطوب واللبن والإسمنت وباقي المخلفات .

وربما تكون النفايات الخاصة بالاستهلاك المنزلي هي الأدهى على الرغم من قلة خطورتها. فهنا في هذا الملف أيضا تجري قضية مركزية، قوامها المستوطنات وجمالها وسلامتها، على حساب الأحياء العربية من غير المستوطنات التي تتحول إلى قمامات لها ولما تفرزه. فهذه فيديوهات متداولة من مدينة الخَلَفية بمختلف قراها من الرميث والمشراكه وغيرها على جوار نهر الجراحي، وهي محوطة على جميع أطرافها بالنفايات والمواد المتعفنة والضارة بالصحة. وبينما يظهر الفيديو الممض هذا إلى وجود نفايات متراكمة كبيرة، نشهد شابا في مقتبل العمر يجوب هذه النفايات بحثا عن مواد بلاستيكية ومواد قابلة للتكرير يعرضها للبيع على المصانع النشطة في العمل هذا، يتحصل منها على بلغة العيش.

وفي ختام هذا التقرير الوجيز حول قضية شائكة ومتشعبة، شهدنا مختلف الملوثات التي عبثت بمياه نهر كارون أكبر مصادر مياه الشرب في الأحواز والمدن المجاورة لها، يحق لنا التساؤل عن سبب كل ذلك الدمار والتعمد في الخراب ما هو؟

إن أكبر الأسباب في عدم الاكتراث بحياة البيئة في الأحواز، أنهرا وأهوارا وأحياء، هي تلك العقلية الفارسية من المستوطنين والمسوؤلين الفرس الذين لا يعرفون أولا طبيعة هذه الأرض، فهم غرباء عليها، جعلهم يتصرفون فيها بغير مسؤلية وبكل عداوة، حتى حولوها إلى منطقة مدمرة. فهؤلا المستوطنون لم ينبتوا من جذور الأرض هذه، ولم يعدونها موطنا لهم، ومن أجل ذلك فلا تعني لهم هي إلا أرضا تحتوي على ثروات يجب المسارعة في استغلالها والهروب بها إلى غير رجعة.

ثم هؤلاء المستوطنون المسؤولون كانوا قد تصوروا أن إدارتهم للأحواز، خاصة في المجال البيئي، ستختصر على دفع التبعات إلى الأحياء العربية، بدأ من تحويل النفايات إلى نهر كارون جنوبا، مرورا بجعل الشركات الصناعية في الأحياء العربية حصرا، وصولا إلى قتل الأهوار إلخ، ظنا منهم بأنهم سيبقون بمأمن منها ومن مختلف كوارثها. لكن السنوات الأخيرة أثبتت لهم أن البيئة لا تفرق بين عربي وعجمي، بل العبث فيها سيرتد على جميع السكان. ومن أجل ذلك تعالت أصواتهم بضرورة الحفاظ على بيئة الأحواز لأنهم رأوا كيفية انعكاس دمارها على زيادة السرطان، وتعالي ظاهرة الكثبان، وموت الأرض الزراعية والحدائق، وارتفاع حرارة الأرض إلخ. إن تلك التبعات كلها هي التي جعلت المستوطن يكترث شيئا ما ببيئة الأحواز؛ فلولا ذلك لظل على عدوانها السابق في قتل الأرض ومن عليها.

 

 

الهوامش:

[1] . لم يتصدر المؤرخ الأحوازي بعد لتصحيح اسم هذا النهر، ودرج استعمال اسم «كارون» عليه؛ بينما تورد المصادر التاريخية أسماء عديدة لهذا النهر منها نهر«قارون» ونهر«الدجيل»؛ جعلنا نضبط اسمه بكارون مرجئا الموقف النهائي من اسم النهر هذا إلى دراسة تفصيلية مقبلة.



error: Content is protected !!