السبت, أبريل 27, 2024
مقالات"حقل سهراب" النفطي؛ اخر خطوة إيران الاستعمارية تأتي بتجفيف هور...

“حقل سهراب” النفطي؛ اخر خطوة إيران الاستعمارية تأتي بتجفيف هور الحويزة

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

منذ اكتشاف الحقول النفطية وسريان التنقيب، يعاني هور الحويزة من تقلص مطرد في حصته المائية، حتى أصبح مهددا بالجفاف في العقد الأخير. الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تصنف جفاف هور الحويزة من أعظم الكوارث البيئية في القرن العشرين.

 

إلى جانب ذلك تشير الاحصائيات الرسمية للنظام الإيراني إلى جفاف ما يقارب 80 بالمئة من مساحته، إثر استناد عملية استحصال النفط على تجفيف الخزانات المائية. فبناء على هذه العملية يتم التنقيب في قاع الهور عبر تجفيف المنطقة المستهدفة، وذلك لأن النشاط النفطي في هذه المساحة لا يعتمد على التنقيب بالطريقة البحرية. وهكذا تمضي عملية التنقيب برمتها أولا بتحديد المنطقة التي يثبت تواجد النفط فيها؛ ثم بتجفيفها وبناء المعدات والمصانع والحفارات داخل مساحتها المجففة كليا. وهو أمر صنع المعادلة التالية: مزيد نفط بمزيد تجفيف.

 

عدد الحقول النفطية في هور الحويزة

 

يقع ثلث هور الحويزة (هور العظيم) في الجانب الأحوازي الذي يسيطر عليه النظام الإيراني. وقد قسمت شركات التنقيب عن النفط التابعة للنظام الإيراني هور الحويزة إلى خمس خزانات مائية، تتسلسل من رقم واحد إلى خمسة. في الخزان المائي الثالث يقع حقل أزادكان، وفي الرابع ياران، وفي الخامس يادأوران. وهي حقول تم تدشينها منذ العام 1989.

 

وبفعل هذه الحقول تحولت هذه الخزانات الثلاث، رقم ثلاثة ورقم أربعة ورقم خمسة، إلى صحراء قاحلة، حتى تحولت إلى مصادر انبعاث الكثبان وتفاقم ظاهرة العواصف الرملية. ويعني هذا الأمر أن ما يطلق عليه اليوم اسم هور العظيم، لا يشمل إلا الخزان رقم واحد ورقم اثنين. ولذلك فإن أي نشاط جديد في هذه الخزانات، سيعني تجفيف الهور بشكل تام، نظرا لجفاف الخزانات السابقة المذكورة. 

 

وقبل شرح ملابسات حقل سهراب، وبيان تبعات تدشينه، يتم القاء نظرة على الحقول العاملة في هور الحويزة  وحجم المناطق المقتطعة لها من مساحة  هور الحويزة.

 

حقل آزادكان: يبلغ هذا الحقل مساحة 900 كيلومتر مربع، هي مساحة الخزان المائي رقم 3 ورقم 4 لهور العظيم. يبلغ إجمالي النفط فيه 34 مليار برميل نفط، 2 مليار برميل منها قابل للتصدير. وينقسم الحقل إلى شمالي وجنوبي. يشمل الشمالي 59 بئرا، بينما تبلغ آبار الحقل الجنوبي 185.

 

وقد تطلب توسيع هذا الحقل الاستحواذ على مساحات شاسعة من هور الحويزة، سرعان ما تحولت إلى أراض قاحلة، ماتت الحياة البرية والحياة البحرية فيها، معا. ويكفي معرفة حجم هذا الحقل، وهو ثالث حقل في العالم، لاكتشاف أثراته على الهور، والتبعات البيئية التي يمكن أن يسببها نظرا لحجمه الكبير.

 

وكانت أولى هذه التبعات هي ظاهرة العواصف الرملية. ثم تلتها ظاهرة نفوق الحياة البحرية، بالتزامن مع انعدام إمكانية الزراعة وتربية المواشي، وباقي التبعات البيئية والاجتماعية (التي تناولها معهد الحوار للأبحاث والدراسات في تقارير سابقة).

 

حقل ياران: يجاور هذا الحقل الأحوازي حقل مجنون العراقي، ويعد مشتركا فيما بين العراق والأحواز، يبلغ حجم الذخائر النفطية فيه 1.5 مليار برميل، يتم إنتاج ما يقارب 30 ألف برميل منه يوميا. ومنذ تدشين جميع مراحل هذا الحقل استحوذ على مسافة من هور الحويزة تقدر بـ 110 كيلومتر مربع، من أجله تم تجفيف الخزان المائي رقم 4 بالكامل. وينقسم هذا الحقل إلى شمالي وجنوبي، ينتج الجنوبي 30 ألف برميل نفط يوميا، بينما الشمالي ينتج 50 ألف برميل يوميا، حسب معلومات موقع وزارة النفط الإيرانية.    

 

حقل يادآوران: يجاور هذا الحقل بعدد آباره البالغة 55 بئرا، يجاور حقل آزادكان، على بعد عشر كيلومترات شرقا. ويبلغ إجمالي نفطه 30 مليار برميل، يمكن تصدير أكثر من 2 مليار برميل منها. وتفيد معلومات الشركة العاملة بأن الطاقة الإنتاجية لهذا الحقل يمكن أن تبلغ 400 ألف برميل يوميا. وينقسم الحقل هذا إلى شمالي وجنوبي أيضا، يمتد على منطقة من مساحة الهور تقدر بعرض يبلغ 15 كيلومترا على امتداد 45 كيلومتر مربع.

 

وبعد هذا التعرف السريع على أبرز الحقول العاملة في هور الحويزة، ماذا يعني إضافة حقل جديد، هو حقل سهراب، إلى الحقول الثلاث الرئيسة المذكورة هذه؟

 

حقل سهراب: تزامنا مع سفر رئيس جمهورية النظام الإيراني إلى مدينة الحويزة، في 28 أبريل 2023، أعلنت الجهات المعنية عن مشروع تدشين حقل سهراب، بقيمة إجمالية بلغت 800 مليون دلار. ويتوقع أن تستغرق عمليات التدشين سبع سنوات، بينما التصدير من الحقل يستمر 20 سنة. وتقع منطقة حقل سهراب في الخزان المائي رقم واحد، بتعداد آبار يصل إلى 22. وقد أوكلت مهمة إتمام التدشين إلى شركة حكومية تدعى شركة دانا النفطية. وهي شركة أناطت نجاحها بشرطين: تجفيف المساحة المخصصة للحقل؛ ومنحها مساحة 69 هكتار من مساحة الهور، أي كافة مساحة الخزان المائي رقم واحد وقسم من الخزان رقم2. وهو الخزان المائي الوحيد الذي يتمتع بحياة ومستوى مياه قليلة.    

 

ويعني هذا بصريح العبارة: إن منح الضوء الأخضر لوزارة النفط الإيرانية بتدشين حقل سهراب، يعني السماح بتجفيف الخزان المائي الوحيد المتبقي، وهو الخزان رقم واحد؛ أمر سيعني جفاف هور الحويزة إلى الأبد. وهذا هو ما يحذر منه جل النشاطين البيئيين، فضلا عن معظم الشعب الأحوازي، لأن له تبعات عظيمة، أقلها هي اشتداد ظاهرة العواصف الرملية المستمرة أصلا.

 

ولكن ألم يكن بإمكان النظام الإيراني العدول عن المضي في هذا المشروع؟ ألم يكن بالإمكان الحصول على العوائد المتوقعة من هذا الحقل عن مصادر أخرى؟

 

إن إجابة هذا السؤال تثبت، بما لا لبس فيه، بأن القضية ليست اقتصادية، ولا تنموية، إنما المضي بمثل هذه المشاريع المدمرة، ينبعث عن دواعي أخرى، يجب إدخالها في تناول مثل هذه القضايا الحيوية للشعب الأحوازي ومستقبله.

 

فبناء على ما يرد في شبكة شانا للمعلومات النفطية الإيرانية الشبه رسمية، فإنه من المتوقع أن يبلغ إجمالي النفط المنتج من حقل سهراب، 160 مليون برميل، بمعدل إنتاج 30 ألف برميل يوميا، تبلغ عدد 160 مليون بنهاية عشرين عاما من بدء الإنتاج. وتفيد الشبكة هذه بأن السعر المتوقع لكل برميل، بناء على التقديرات الإيرانية هو 50 دولارا، ما يعني أن إجمالي العوائد المتحصلة من هذا الحقل سيبلغ 8 مليار دولار، بعد عقدين. ومن هذا الإجمالي يجب خفض ما يقارب مليار دولار و200 مليون لتكاليف الإنتاج والنقل والضريبة. وبناء على ذلك كله، فإن إجمالي العائد من هذا الحقل لن يتجاوز 7 مليار دولار؛ إذا اقتسمت على 20 عاما سيعني 280 مليون دولار سنويا، على وجه التقريب.

 

وبعد هذا الحساب التقريبي، ينبغي وضع هذا العائد الحاصل من حقل سهراب، أمام التكاليف التي يتحملها النظام الإيراني من تجفيف هور الحويزة كليا. ومعظم التكاليف هي حصيلة التبعات التالية:

 

  • القضاء على الزراعة: بمختلف نشاطها، سواء تعلقت بزراعة الرز، وهي الزراعة الأكثر شيوعا في منطقة هور العظيم والمدن والقرى المجاورة لها. وتشهد الحقول الخاصة بزراعة الرز جفافا مستمرا، ودمارا للأراضي الخصبة التي كانت زاخرة بالمحاصيل في السنين الماضية.  إلى جانب ذلك تشهد زراعة النخيل أضرارا فادحة في محاصيلها وعوائدها، حيث يقدر عدد النخيل التالفة بخمس مليون فرد، يقدر عدد العاملين فيها 600 ألف، بينما يبلغ إجمالي العاملين المتوقع توظيفهم في مشروع حقل سهراب 20 ألفا وفق تقديرات المصدر السابق. وختاما يجب الإشارة إلى تربية المواشي حيث تحول الأحواز من مكتف ذاتيا في توفير اللحوم، إلى مستورد في كثير من مواسم العام. وكان أبرز ما يميز منطقة الأحواز هي كثرة مواشيها من جاموس وغنم وماعز ودواجن.

 

  • تهجير أهل القرى: وزيادة العشوائيات أطراف المدن التي يضطر هؤلاء المهجرين إلى الاحتماء فيها. وإذا كانت التبعات الزراعية الأولى تتجلى في الجوانب المادية، فإن تهجير المدن هي ظاهرة حضارية، تتسرب إلى كافة الأبعاد المجتمعية والثقافية في المجتمع، وتخضع الأمن المدني إلى اعتباراتها بشكل مباشر. وإلى تجفيف الأهوار وانعدام فرص العمل وتدمير البيئية يعود هذا التزايد المستمر في العشوائيات على هامش الأحواز المدينة، وباقي المدن الكبيرة، العشوائيات التي تنعدم فيها أبسط معايير الحياة الكريمة، من رعاية صحية، ومدارس، وتخطيط صرف صحي وتوفر المياه الصالحة للشرب إلخ.

 

 في حديثه لمعهد الحوار للأبحاث والدراسات، قال أحد نشطاء البيئة في الأحواز، بعد طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: 

 

يقع هور الحويزة غربا، في سهل ميسان الواقع على الحدود الأحوازية- العراقية. ويتشكل سهل ميسان من مدن أحوازية ك الخفاجية والحويزة والبسيتين والرفيّع. يقع الهور جنوب غرب مدينة الحويزة، على بعد ثلاث كيلومترات من مدينة الرفيّع. ويشكل مستنقع “هور الحويزة”   المحطة النهائية لنهر الكرخة. حيث ينحدر نهر الكرخة من جبال زاجروس لتنتهي رحلته بعد مسافة 900 كيلومترا هناك.

 

سابقا، كان هور الحويزة بيئة فريدة من نوعها، إذ كان ملاذاً آمناً لأنواع نادرة من الطيور والمخلوقات الأخرى، البط وبطة الرخام والوزة الرمادية وإوز العروس والطيور الجارح وطائر أبو منجل المقدس الأفريقي والبلاشين ومالك الحزين ودجاج الماء والمئات من أنواع الطيور الفريدة والنباتات، مثل القصب والبردي والقيصوم والنباتات القاعية، مثل؛ اللوتس ونبات الجولان ونبتة القاقلة والخس البرّي والأحشام، مثل الجاموس الذي تعتمد حياته مباشرةً على المياه. ويعد هذا الحيوان الأليف ركيزة اقتصادية مهمة بالنسبة لسكان الأهوار.

 

وقد كان الهور يحتوي أنواع عديدة من الأسماك والحيوانات البرية، كالخنزير وكلب الماء وحيوانات برمائية اخرى كثيرة. لكن، بسبب السياسة المائية المعتمدة، كان النفوق/الموت مصير أغلب هذه الحيوانات. وهذا التهديد(النفوق/الموت) يواجه الثروة السمكية؛ مثل “البني” “العنزة” “القطان” “الحمري” “شلج” “برزم”، “الشوجي”، “الزوري” وغيرها من صنوف الأسماك الموجودة.

 يتعرض “هور الحويزة ” لجفاف واسع، ويعاني من تدمير لموارده الطبيعية الخاصة نتيجة سببين:

 

 السبب الأول:  قيام وزارة الطاقة الإيرانية ببناء سد الكرخة عام ١٩٩١م على نهر الكرخة وبعد ذلك ب٧ سنوات، في عام ١٩٩٧، تدشين سد “سيمرة” على نهر السيمرة، الذي يُعَد أحد أهم شرايين نهر الكرخة ومن أهم روافده، مما قلل من منسوب المياه المتدفقة للهور، أو بتعبير أدق؛ انقطعت حصة مياه هور العظيم.

 

السبب الثاني: تخصيص الحكومة الإيرانية، في عام 2008، ل   7 آلاف هكتار من مساحة  هور الحويزة لشركة النفط الإيرانية، بغرض القيام بعمليات التنقيب واستخراج النفط، ومع أنه كان من المقرر على وزارة النفط الالتزام ببعض الشروط المختصة بالبيئة، إلا أن وزارة النفط لم تلتزم بالشروط، فجففت الهور وشقت الطرق خلاله لاكتشاف واستخراج النفط؛ ما أدى إلى لجفاف واسع في الهور العظيم. تقلصت، بموجبه مساحة الهور من 64 ألف هكتار إلى اقل من 27 ألف هكتار. وعليه، جفّ الهور، وتركت عملية تجفيفه المتعمدة تأثيرا مباشرا على البيئة في هذه المنطقة، بما في ذلك سهل ميسان الذي وصف تاريخيا بجنة عدن. كذلك تدهورت الزراعة، والصيد، وتربية المواشي، وبالطبع تدهور وضع سكان الهور اقتصاديا مما اضطرهم إلى الهجرة وترك قراهم.

 

وكان الهور في السابق، يضم قرى كثيرة، منها؛ الدبية، والحسجة، واللولية، والعمة، والكسر، والمجرية، والمحيرة، والسيدية، وأبو كلاك، والمشيمشية، والجراية، والطبر، وشط علي، والزهيرية، والبرجة، والبرص، والخرابة، وقرى أخرى…

 

أما اليوم، لم يتبقَ من هذه الكثافة السكانية والحياة الطبيعية للبشر في الهور العظيم أو قريبا منه، سوى مدينة الرفيع، التي تقع قرب الهور وتعتبر جزء منه. مع ذلك، يعاني سكانها بشدة من شح المياه الصالحة للشرب، أو مياه السقي والري للحقول الزراعية والمواشي جراء الجفاف المتعمد. كل ذلك، بسبب بناء السدود المذكورة أعلاه على نهر الكرخة والأنهار الأخرى. ومع تدشین مشروع تنقيب حقل “سهراب” النفطي في قلب هور الحويزة حاليا، سوف یجف ما تبقی من الهور، متسببا بكارثة كبرى للأراضي الرطبة الأحوازية وللأحوازيين تبعا.

 

  • زيادة الإصابات بالسرطان: والأمراض التنفسية التي لها علاقة مباشرة بالعواصف الرملية، والكثبان المتطايرة من الخزانات المائية الخمس لهور الحويزة، بعد تحولها إلى أراض قاحلة ليس فيها مياه. وكانت وزارة الصحة الإيرانية قد نشرت احصائيات أظهرت شمال الأحواز (ما يسمى خوزستان) في صدارة المصابين بمختلف السرطان، والأمراض التنفسية والرئوية.

 

  • تعالي ظاهرة الكثبان: والعواصف الرملية. وهي ظاهرة إذا تركنا جانبا مضراتها على حياة الإنسان الأحوازي وصحته، فإنها تسبب سنويا بانقطاع التيار الكهربائي وتعطيل المصانع العاملة في الأحواز، فضلا عن أنها تتسبب بخراب معدات كبيرة في هذه المصانع، ما يعني وجوب تخصيص تكاليف لصيانة المصانع أمام هذه الظاهرة المتكررة.

 

  • تصحر الأرض: وزيادة استهلاك الكهرباء والغاز للتبريد، سواء للاستهلاك المنزلي، أو بغرض التبريد الصناعي الذي عادة ما يخصص لمصانع الصلب والبتروكيماويات التي يتم فيها استجلاب المياه العذبة للتبريد، إلى جانب أجهزة التكييف اللازمة في مثل هذه الصناعات.

 

ويبدو في ظل هذه المقارنة اليسيرة بين عوائد حقل سهراب، والتكاليف الناتجة عن المضي بمثل هذه المشاريع الهدامة والمدمرة للبيئة، يبدو أن المبرر الوحيد للنظام الإيراني هو القضاء على الحياة الأحوازية، بيئة وثروة وإنسانا. إنها وجه آخر من سياسة استعمارية بيئية اعتاد النظام تطبيقها منذ عقود.

 

لقد اعتبر النظام الإيراني الأرض الأحوازية والبيئة في قلب أجندته الرامية تدمير مقومات الحياة والبقاء في هذه المنطقة، حيث باتت بوصلة النظام هي القضاء على الأرض والموارد الطبيعية، بغية تهجير السكان والقضاء على الوجود العربي فيها. ويعد تجفيف الأهوار وقتل التنوع البيولوجي مدخلا إلى تغيير طبيعة الأرض، تزامنا مع نهب ثرواته، وتركها أرضا مدمرة لا تضم إلا مخلفات ضارة بحياة كل بشر.

“تبذل الحكومة الإيرانية قصارى جهدها لتهجيرنا من أراضينا، من خلال تعطيشنا ومنع وصول المياه الصالحة لنا من الكرخة”

 

ويهدف النظام الإيراني من تنفيذ الاستعمار البيئي إلى استغلال الموارد الطبيعية والأراضي، لجني مزيد من الثروات والعوائد، مما يؤدي إلى تأثيرات ضارة على حياة الشعب الأحوازي. ولعل أبرز مخلفات الاستعمار البيئي المتبع من النظام الإيراني هي:

  • التهجير: غالبا ما يواجه الفرد الأحوازي التهجير القسري، بعد سلب أراضيه منه، عن طريق المصادرة المباشرة، أوعن طريق تدميرها بيئيا لاستخراج الموارد أو مشاريع أخرى. وهذا ما من شأنه إرباك الصلات الروحية بالأرض، وفك العرى المجتمعية بالمادية، ما يعود انفصاما جماعيا على الشعب برمته.

 

  • فقدان سبل العيش: تعتمد فئات كبيرة من الشعب الأحوازي على النشاط التقليدي في تحصيل الموارد اللازمة للحياة، مثيل الصيد والزراعة وتربية المواشي إلخ، ولذلك فإن الاستعمار البيئي الممارس من النظام في مناطق نظير هور العظيم يقضي على هذه الطرق كليا، ويفقد العاملين فيها مصدر رزقهم ومنطقة نشاطهم الحيوي.

 

  • تدمير الأرض: أدى استغلال الموارد الطبيعية على نطاق واسع، والمضي في عمليات التعدين إلى تدمير مساحات كبرى من الحياة البرية في الأحواز، إلى جانب موت الحياة البحرية، وتلوث جوانب هائلة من الطبيعة الأحوازية إلى الأبد، بشكل لا يمكن إصلاحه. وهذا هو ما أدى إلى القضاء على التنوع البيولوجي وفقدان الموارد اللازمة لاستمرار دورة الحياة البرية والطبيعية.

 

“أين نذهب؟ العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا ومورثنا الثقافي أيضا”

 

 يقول حاج محمد سواري، البالغ من العمر ٧٦ عاما، وأحد السكان الأصليين لمنطقة ” هور الحويزة”: “كان مربو الجاموس والصيادين الأحوازيين ينشطون بكثافة في هذه المنطقة. ولكن الآن لم تعد هذه الأهوار أهوارا، أصبحت أرضا جدباء تعاني من الجفاف. إنها جافة تماما دون مياه، ولا وجود إلا للقليل من مربي الجاموس والصيادين. كما جف القصب”. مضيفاً، ظل سكان الأحواز يمارسون صيد الحيوانات والأسماك في منطقة الأهوار هذه لمدة 5000 سنة، شيّدوا منازلهم من القصب المنسوج على جزر عائمة، وكان أحوازيو “الهور الحويزة” يمارسون تربية الجواميس بشكل تقليدي لإنتاج الحليب. ولكن مع جفاف المستنقعات، أصبح الماء مالحاً جدا لدرجة يصعب على الحيوانات شربها، فماتت بسبب الأمراض والعطش. نقص المياه في ” هور الحويزة” والقرى المجاورة له ترك آثار كارثية على حياة المجتمعات الريفية، على اعتبار أن مصدر رزقهم يعتمد في المقام الأول على الماء”. منوهاً إلى أنهم ليسوا تجاراً أو موظفين، “وليس لديهم مهن أخرى لتزويدهم بالدخل. وفي مقابل ذلك، “تبذل الحكومة الإيرانية قصارى جهدها لتهجيرنا من أراضينا، من خلال تعطيشنا ومنع وصول المياه الصالحة لنا من الكرخة”. خاتما بتساؤل “أين نذهب؟ العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا ومورثنا الثقافي أيضا”.

 

  • التداعيات الصحية: تتعرض الأحواز منذ عقدين، أي منذ اشتداد النهب للثروات الطبيعية، إلى تدهور جدي في الصحة العامة، بزيادة التلوث على كافة المستويات، سواء تلوث مياه الشرب أو تلوث الهواء أو تلوث التربة أو تلوث المواشي وتسممها إلخ. إلى جانب ذلك تجاوز التلوث سطح الأرض ووصل إلى المياه الجوفية، بالتزامن مع قضاءه على النباتات والغطاء النباتي التي تتمتع به منطقة الأحواز في جميع جهاتها.

 

 

رحيم حمید، باحث في معهد الحوار للأبحاث والدراسات



error: Content is protected !!