الإثنين, نوفمبر 18, 2024
مقالاتصدام مباشر: تداعيات إعادة احتلال محور فيلاديلفيا

صدام مباشر: تداعيات إعادة احتلال محور فيلاديلفيا

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية السلام “كامب ديفيد” سبتمبر 1978، حالة من الاستقرار النوعي على المستوى السياسي والعسكري والذي لم يخل من الفتور على المستوى الشعبي تجاه إسرائيل منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، مرورًا بالحروب الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. وما أن لبث هذا الاستقرار مؤخرًا على الصعيد الرسمي حتى تحول إلى نوع من التوتر تارة والمهاجمة تارة أخرى اعتراضًا على السياسات الإسرائيلية.

 

الموقف المصري من الحرب على غزة

دعا بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 8 أكتوبر 2023، الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة، مهددًا بتدمير حركة حماس وتحويل قطاع غزة إلى مدينة معزولة. لاقى هذا التصريح تفاعلًا مصريًا وقد عبرت القاهرة عن موقفها من هذه التصريحات في “قمة القاهرة للسلام” التي شارك فيها عدد كبير من الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية ورؤساء عدد من المنظمات الدولية في 21 أكتوبر 2023، وذلك بشأن الأوضاع في غزة وكذلك بحث تطورات القضية الفلسطينية، والجهود الدولية والإنسانية لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في قطاع غزة والتأكيد على أهمية نفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع والدفع نحو تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط.

 

وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته في هذه القمة إدانة مصر لأي عمليات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مع التمسك بالحقوق التاريخية الكاملة للشعب الفلسطيني، والتأكيد على الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات الإسرائيلية.

 

وكذلك عبر وزير الخارجية المصري سامح شكري؛ خلال اجتماع مع نظيرته الفرنسية في القاهرة، في 26 أكتوبر 2023، أن “مصر تكثف اتصالاتها لوقف المواجهات العسكرية في غزة، مشددا على ضرورة الوقف الفوري للعنف والعودة لمسار التهدئة، موضحا أن مصر ترفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة“.

 

وفي هذا السياق يرجع الموقف المصري من هذه الحرب لسببين، يتعلق الأول منه؛ بالمسؤولية التاريخية المصرية تجاه القضية الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، وبالقواعد الراسخة حول الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك لهواجس تتعلق بالأمن القومي المصري.

 

بؤر التوتر 

 

هناك العديد من الأسباب التي يمكن الوقوف عليها حول أهم الأسباب التي دفعت إلى تصعيد التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الأخيرة وهذا يرجع لما يلي:

 

تسليح القاهرة لحماس؛ بدأ التوتر بين القاهرة وإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، عندما اتهمت وسائل إعلام إسرائيلية بشكل مباشر مصر بدعمها حركة حماس في قطاع غزة، وكان موقع “بحدري حريديم” العبري المحسوب على اليمين المتشدد في إسرائيل، قد زعم قيام مصر بتسليح حركة حماس عبر السماح بدخول أسلحة إلى غزة من خلال الشاحنات التي تدخل للقطاع عبر معبر رفح. وقال الموقع إن بعض الأسلحة دخلت من مصر خلال الفترة التي سبقت عملية طوفان الأقصى. على الرغم من إعلان السلطات المصرية العمل على إغلاق الأنفاق منذ عام 2014، وإقامة منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، بهدف التصدي لعمليات التهريب، وهدم مئات الأنفاق التي كانت تمتد لعدة كيلومترات تحت الأرض..

 

علم إسرائيل المسبق بعملية طوفان الأقصى: لم يتجاهل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما جاء في حديث رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، “مايكل ماكول” في 12 أكتوبر 2023، حول علم إسرائيل المسبق بعملية طوفان الأقصى وقد نفي هذه التقارير، وأكد أنه “لم تصل أي رسالة مسبقة من مصر بشأن التحذيرات، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتحدث ولم يلتقِ برئيس الاستخبارات المصرية منذ تشكيل الحكومة، لا بشكل مباشر، ولا غير مباشر” ونفت القاهرة مجدداً تصريحات مكررة لأطراف أميركية وإسرائيلية عن قيامها بتحذير إسرائيل من عملية طوفان الأقصى. وكان “مايكل ماكول”، قد قال إن مصر حذرت إسرائيل قبل 3 أيام من هجوم (حماس) على جنوب إسرائيل من أن حدثاً مثل هذا قد يحدث.

 

 

وأكد أن بلاده واصلت التحذير من الإجراءات التصعيدية بشكل عام منذ وصول الحكومة السابقة إلى السلطة، وهو الأمر الذي أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية (المصرية) بوضوح، كما نشرت صحف إسرائيلية تقارير عن تلك التحذيرات.

 

 

إعادة احتلال محور فيلاديلفيا: يعتبر هذا المحور المعروف أيضًا “بمحور صلاح الدين” هو خط الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويمتد من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم بطول 14,5 كم، وكان في الأصل منطقة عازلة أقره بروتوكول ملحق بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وعقب انسحاب إسرائيل تولت السلطة الفلسطينية السيطرة عليه مع التعهد بنشر 750 جنديا مصريا بطول هذا الشريط، وفي ظل اتفاقية المعابر 2005، انتقل لسلطة حماس في 2007، عقب سيطرتها على القطاع.

 

 

يعتبر هذا المحور منذ 7 أكتوبر 2023، محل اهتمام في إسرائيل إعلاميًا وسياسيًا: بسبب اتهامات إسرائيل لحماس بإنشاء أنفاق واسعة وطويلة تحت هذا المحور، وقد أعلن نتنياهو مرارًا عزم إسرائيل السيطرة على هذا المحور، وترى القيادة الجنوبية الإسرائيلية أن معبر رفح هو نقطة اختراق يخدم هذا المحور.

 

اتهام مصر أمام محكمة العدل الدولية: زعم فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية في أثناء مرافعته أمام قضاة المحكمة حول القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل حول ارتكاب الأخيرة إبادة جماعية في غزة، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح.  وزعموا أن السلطات المصرية هي المسؤولة عن دخول المساعدات دون موافقة تل أبيب.

 

لاقى هذا الادعاء ردًا سريعًا ودقيقًا من قبل مصر حول ما زعمته إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية من منع السلطات المصرية نقل المساعدات إلى قطاع غزة واتهمتها بالكذب. ونفى “ضياء رشوان” رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، بصورة قاطعة، مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح. وأكد على أن مصر ستقدم كافة الأدلة أمام الفريق القانوني لمحكمة العدل الدولية حول ما يحدث في معبر رفح، وكذلك الدور الإسرائيلي في منع المساعدات.

 

المرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة “محور فيلادلفيا”

 

طالبت الولاياتُ المتحدة إسرائيلَ بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة، والتي ترتكز على تقليل العمليات العسكرية المكثفة، سواء أكانت عبر القصف المدفعي والغارات الجوية أو التوغل البري الشامل. وهذا يعني شن عمليات عسكرية محدودة “جراحية” أو “خاصة” في القطاع، مع بناء خط دفاعي وربما منطقة أمنية عازلة، وهذا الأمر يتطلب انتشاراً أقل للقوات الإسرائيلية، ولذلك فإن الجيش الإسرائيلي بدأ بتسريح أعداد كبيرة من جنود الاحتياط تمهيداً للدخول في المرحلة الثالثة التي قد تستمر وفق تقديرات إسرائيلية من 6-9 أشهر، وربما حتى نهاية عام 2024.

 

جاء توجه الحكومة الإسرائيلية مخالفًا لتوقعات الولايات المتحدة، حول نية تل أبيب في استمرار الحرب تجاه قطاع غزة وخاصة في منطقة الوسط والجنوب، حيث تدعي إسرائيل وجود الأسرى الإسرائيليين وقيادات حركة حماس، وهذا التوجه ظهر أيضًا في حديث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، “دانييل هاغاري” مطلع العام الحالي، بأن إسرائيل تجري تعديل انتشار القوات للاستعداد “لقتال طويل الأمد”. وأضاف أن بعض القوات، وخاصة جنود الاحتياط، ستُسحب للسماح لها بإعادة تجميع صفوفها. وأوضح هاغاري أن “هذه التعديلات تهدف إلى ضمان التخطيط والإعداد لمواصلة الحرب في العام 2024”.

 

ويؤكد هذا التوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب، 13 يناير 2024،  بشأن السيطرة العسكرية المحتملة على الشريط الحدودي “محور فيلاديلفيا”، قال نتنياهو “هناك إمكانية لذلك، ولكن إسرائيل لم تتخذ قراراً بعد”. ويمكن الاستخلاص من هذا التوجه قراءة حول نية إسرائيل المباشرة وغير مباشرة في الاستمرار في سيناريو الضغط في اتجاه تهجير أهالي غزة نحو الأراضي المصرية، ويدعم هذا المخطط إعادة احتلال محور فيلادلفيا مرة أخرى ليشكل عامل ضغط عسكري على الحدود المصرية مع قطاع غزة، وبالتالي يدفع بسكان غزة لعبور الحدود مع مصر.

 

على الرغم من تحذير الولايات المتحدة المتكرر لإسرائيل من إعادة احتلال محور فيلاديلفيا، فإن كافة المؤشرات تشير إلى أنه ليس فقط الأخيرة ذاهبة نحو تنفيذ عملياتها العسكرية على هذا المحور، وإنما أيضًا ترغب في توريط مصر في هذه الحرب، وبالتالي فإن إعادة احتلال هذا المحور سيكون له تداعياته على العلاقات المصرية الإسرائيلية وفقًا للسيناريوهات التالية:

 

السيناريو الأول: إعادة العلاقات الثنائية إلى ما قبل “كامب ديفيد 1978”

 

يعتبر هذا السيناريو هو الأقرب للتنفيذ ويدعمه مجلس النواب المصري لا سيما بعد الجلسة العامة لمجلس النواب الذي عقد في 21 نوفمبر 2023، لمطالبة رئيس الوزراء المصري بالرد على 16 طلب إحاطة بشأن التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمنع محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، وقد طالب نواب في البرلمان أثناء انعقاد الجلسة بضرورة مراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل وكذلك طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة.  

 

السيناريو الثاني: اتخاذ تدابير عسكرية لحماية الأمن القومي المصري

 

إن نية إسرائيل في القيام بعمليات عسكرية على طول خط الحدود الفاصل بين قطاع غزة ومصر وفرض الأمر الواقع، سيكون له ارتداداته على الأراضي المصرية، وذلك لأن قيام أي نشاط عسكري على هذا المحور سيدفع حتمًا سكان القطاع إلى عبور الحدود المصرية، ويعتبر ذلك جزءًا من مخطط الحكومة والجيش الإسرائيليين في تنفيذ خطة تهجير سكان القطاع وبالتالي سيكون له ارتدادات شعبية وسياسية على الجانب المصري وستعده مصر تهديدًا للسيادة المصرية وبالتالي ستبحث مصر آلية الرد على ذلك.

 

استنتاجات

يمكن القول؛ إنه بعد 100 يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع عدم وجود نصر عسكري واضح، وكذلك حالة التخبط الإسرائيلي داخليًا سياسًيا وعسكريًا، ولا سيما في مجلس الحرب الإسرائيلي، ربما يدفع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية المكثفة غير مخطط لها على طول محور فيلاديلفيا، كما تعهد “نتنياهو” وبالتالي فإن ذلك سيدفع مصر إلى اتخاذ إجراءات للرد على هذا التصعيد، ومن ثم يبدو أن السيناريو المرجح والأقرب للرد في الوقت الحالي، هو السيناريو الأول.

 

 

 

محمد نبيل البنداري، باحث في العلوم السياسية

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!