الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتالمخدرات في الأحواز .. آفة خطيرة تفتك بجسد المجتمع

المخدرات في الأحواز .. آفة خطيرة تفتك بجسد المجتمع

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

في البداية يجب التنويه على نقطة جوهرية، تتمثل بأن جميع  التحدّيات التي يواجهها الشعب الأحوازي وجميع الظواهر والحوادث الجارية في الأحواز تخضع لأمرين رئيسيين: أوّلهما التطوّر الذاتي للمجتمع الأحوازي، وثانيهما تدخل سلطات الاحتلال الإيراني بهذا المجتمع. وعلى ذلك، لا يمكن فهم المجتمع الأحوازي، والحوادث الطارئة عليه، إلا بأخذ هذين الأمرين بالاعتبار.

وبناء على ذلك، فإن البحث في استفحال ظاهرة تعاطي المخدّرات في الأحواز لا يمكن أن يتمّ إلّا بعد الأخذ بعين الإعتبار دور المجتمع الأحوازي من ناحية ومدى التأثير السلبي للاحتلال في تعاظم هذه الظاهرة من الناحية الأخرى. 

المخدرات وسلطات (الاحتلال) الإيرانية 

تحولت تجارة المخدرات إلى طريقة مُثلى لتوفير الموارد لدى الحرس الثوري الإيراني، وحثه على تصديرها لمختلف دول العالم. حيث تنشر الأخبار العالمية، بين الفينة والأخرى، أخباراً تتعلق بضبط كميّات من المخدّرات في الدول الأوروبيّة (الدول الأوروبية كالأردن والعراق والسعوديّة)، أو في موانئ لبنان، مصدّرها إيران. وقد تحولت لبنان والبحر الأبيض المتوسط، إلى الميناء الأولى لتصدير مخدّرات الحرس بعد إرسالها من إيران إلى هذا البلد بالتعاون مع حزب الله

وتفيد عشرات الأخبار والتصريحات الخاصّة بالمسؤولين العراقيين والأمميين، صراحة أو ضمناً، بأنّ النظام الإيراني يصدّر كميّات كبيرة من المخدّرات بمختلف أنواعها إلى العراق، حيث تحوّلت هذه الدولة إلى سوق كبيرة للمخدّرات الإيرانية. وهذا ما يفسّر تفشّي المخدّرات وتعاطيها في العراق في السنوات الأخيرة، إلى حدّ تحذير الجهات الحكوميّة العراقيّة من انتشار هذه الظاهرة وتداعياتها المتعدّدة والخطيرة على المجتمع العراقي، وخاصة في المحافظات المجاورة لإيران، وهي واسط والبصرة وميسان، وسط دعوات مسؤولين عراقيين لضبط الحدود العراقية مع إيران ومراقبتها، دون الإعلان صراحة بأنّ هذه الحدود هي المصدر الأول لدخول المخدرات إلى البلاد.

ومن خلال تتبع تصرّفات النظام الإيراني، في قضيّة المخدّرات، والبحث في المصادر الموثوقة للأمم المتحدة والجهات الإخبارية الموثوقة عالمياً، يمكن الإستنتاج بأنّ الحرس الثوري الإيراني يعدّ أحد أكبر تجّار المخدّرات في المنطقة والعالم. وبناء على ذلك فلا يمكن ألّا يكون ذلك مؤثراً على المحافظات التي يستخدمها الحرس الثوري، في الداخل الإيراني، من أجل تمرير وتصدير شحنات المواد المخدرة. 

وعلى رأس هذه المحافظات (ما يطلق عليها تسمية) «محافظة خوزستان» شماليّ الأحواز. وذلك لأنّ الأحواز تمتد على طول الحدود الإيرانية العراقية، من واسط إلى البصرة إلى ميسان، وكذلك لأنّ الموانئ الموجودة في عبّادان والمحمّرة تربط شط العرب بالخليج العربي ومن هناك إلى المياه الدولية، وهذا ما يجعل الأحواز منطقة مثلى لإيصال شحنات المخدّرات الإيرانيّة إلى دول المنطقة، كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، ومن الأخيرة إلى أوروبا. 

وعليه، فإن تجارة المخدّرات في الأحواز، لا يمكن أن تكون خارجة عن رقابة الحرس الثوري الاستخبارية، وبعيداً عن أعين أجهزة استخبارات النظام الإيراني المتعددة: كالأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الاستخبارات، واستخبارات الجيش والشرطة، واستخبارات 113 إلخ. 

ونتيجة لذلك فإنّ تفشي ظاهرة المخدّرات في الأحواز، وارتفاع نسبة تعاطيها، خاصّة بين الشباب، كما سيرد، فهي عبارة عن عمليّة ممنهجة، إن لم يحرص على تنفيذها الحرس الثوري بذاته، فإنه يعلم بها علماً مباشراً، أو يتقاضى عنها في أقل تقدير. إذاً لا يمكن تصوّر تفشي ظاهرة المخدرات بهذا الحجم، مع تمتع تجارتها بهذا القدر من الحريّة في الترويج والنشاط، في غفلة عن السلطات الأمنيّة الإيرانية. وبناء على ذلك فإنّ دعم تفشي المخدّرات في الأحواز، يتمّ من قبل سلطات الاحتلال الإيرانية، ويأتي ذلك ضمن الحملة الإيرانية ضدّ الشعب الأحوازي، لإخراجه عن الحياة، عبر القتل والسجن والفقر، أو عبر المخدّرات والتهميش والضياع، وكذلك جميع الأساليب المتاحة، المباشرة وغيرة المباشرة.

توصيف أولي لظاهرة المخدّرات في الأحواز

سنحاول من خلال هذه الفقرة، إلقاء نظرة سريعة على ظاهرة المخدرات في الأحواز، مع توصيفها قدر المستطاع، في ظل غياب اهتمام المعاهد والمؤسّسات المعنية بهذه القضايا، إلى جانب التعتيم المعلوماتي الذي يفرضه النظام على تفشي مثل هذه الظواهر. 

  • وأوّل ما تشير له هذه الظاهرة، هو اختلاف الأحواز عن بقيّة المحافظات الإيرانية من حيث تعاطي المخدّرات، من جهة، مع الاختلاف بين المستوطنات والأحياء والقرى العربية من جهة أخرى. ممّا أنّ مستوى تعاطي المخدرات في الأحواز، يفوق بشكل جلي، قياساً بسائر المحافظات الإيرانية وبشهادة النظام نفسه، إذ تتفاقم ظاهرة التعاطي في الأحواز، وتتجاوز الفئات التي انحصر فيها التعاطي سابقاً. ما يعني أن عدد المدمنين في الأحواز، يفوق العدد في بقيّة المحافظات، على الرغم من تحفظ المراكز الحكومية المعنية بذكر الأرقام الحقيقية لعدد الأفراد المدمنين

ليس هذا فحسب، بل إنّ تفوّق الأحواز في أعداد المدمنين على بقيّة المحافظات الإيرانية، لا يعني انتشار هذه الظاهرة في جميع المناطق الأحوازيّة ومدنها؛ بل إنّ وضع التفشي يظهر أن المدن العربية، والأحياء العربية، تشمل مدمنين بنسب أكثر بكثير من المستوطنات الفارسيّة المركزية في قلب المدن الأحوازية

وذلك لا يحتاج إلى نشر النظام الإيراني إلى إحصائيات لتأكيد هذا الأمر أو توضيح تفاصيله، بل إن مجرّد التجوال السريع في أحياء الأحواز العاصمة، على سبيل المثال لا الحصر، تؤكّد بوضوح نسبة تفشي المخدّرات في كلا المنطقتين. حيث تحتوي المدن العربية المهمّشة وأحيائها الشعبيّة، أعداداً كبيرة من المدمنين المتجوّلين في الشوارع، الملقيين على الأرصفة وسط الأحياء، بينما لا يمكن رصد مثل هذه المظاهر في مختلف المستوطنات. كما أن اللغة التي يتكلم بها المدمنين، حتى المدمنين المتسكعين في المستوطنات، فهي العربية. ما يشير لتفوق الأحوازيين على كل المناطق الإيرانية في الإدمان على المخدرات. ويؤكد تصريح أمين عام المجلس التنسيقي للتصدّي للمخدّرات (دبير شوراي هماهنكي مبارزه با مواد مخدر)، بأنّ مختلف فئات الشعب الأحوازي تعدّ ضحية لهذه السموم الفتاكة. 

  • إلى جانب ذلك، تشير المعلومات التي توفرها أجهزة النظام الإيراني إلى ظاهرة جديدة، لم يسبق لها مثيل، وهي ظاهرة تفشي التعاطي بين النساء، بنسبة كبيرة، حيث باتت النساء من جملة الفئات التي تلجأ إلى تعاطي المخدّرات، أو الاتجار بها، والغريب في الأمر هو نفور الثقافة العربيّة المحافظة في الأحواز، مع مسألة تعاطي النساء للمخدرات، ورغم ذلك احتلت الأحواز الصدارة في ازدياد تعاطي النساء للمخدرات، مقارنة ببقيّة المحافظات الإيرانية، في حين لم تسجّل هذه الظاهرة قبل عقد من الزمن، أي نسبة فيما بين نساء الأحواز. ولذلك فإنّ الانطباعات الأولية تفيد بأنّ زيادة حجم تعاطي النساء للمخدرات، قد يعود في الأسباب إلى وجود لفرس المستوطنين، لأنّ النساء العربيات في الأحواز، نادراً ما يجدن الفرصة التي تسمح لهن القيام بمثل هذه النشاطات، نظراً للثقافة الأسريّة المحافظة، على عكس الحرية النسبية التي تتمتع بها النساء الفارسيّات من المستوطنات.
  • وهكذا تزداد تفاصيل ظاهرة تعاطي المخدرات في الأحواز سوءً، عندما يتم الكشف عن متعاطيّ المخدرات، وضحاياها من مختلف الفئات، وذلك لأن المعلومات المتاحة أيضاً، تفيد بتقلّص سنّ تعاطي المخدرات، حيث بلغ مستوى 12 عاماً، ممّا يعني أن هذه الظاهرة لم تعد تشكل خطراً على الفئات الشابة فحسب، كما كان الأمر في السابق، بل إن خطرها قد طال فئة الأطفال أيضاً، ممّن هم دون سن البلوغ. وذلك يعني أن الأحواز اليوم هي أمام خطر وقوع أطفال المدارس في فخ الإدمان.

ويبلغ عدد الطلاب في شمال الأحواز (ما يسمى «خوزستان») مليون طالب في المدارس، وهو عدد كبير يتطلب إمكانيات كبيرة جداً من أجل التصدي لوقوع الأطفال في فخ المخدرات، وتوفير برامج ثقافية وتعليمية كفيلة في إبعادهم عن هذه المخاطر. وعادة ما يكون أطفال المرحلة المتوسطة هم أكبر ضحايا المخدرات، واستهلاكهم للمخدرات الاصطناعية، التي يسوق لها بأنها لا تسبب الإدمان، وتساعد على الدراسة والتركيز.

 

وعلى الرغم من تصريح المسؤولين الفرس بتقلص سنّ التعاطي، لكن أياً من هؤلاء المسؤولين لم يشرح بالتحديد ما هي المناطق التي سجلت النسبة الأكبر من تعاطي الأطفال للمخدرات. ولكن من دون الحاجة إلى تصريحات النظام يمكن التكهن بأن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية (كوقوع العرب على الهامش)، كلها جعلت الأطفال الأكثر عرضة لتعاطي المخدرات هم العرب، فضلاً عن أن الأكثرية السكانية العربية في الأحواز، تجعل الاحصائيات والمظاهر التي تستهدف العرب (الشعب الأحوازي) أكثر من استهدافها المستوطنين أو التعبير عن أحوالهم العامة. وبناء على ذلك فإن الأطفال  الأحواز أصبحوا عرضة للمخدرات منذ نعومة أظفارهم في سن الثانية عشر.

أسباب تعاطي المخدرات من قبل فئات المجتمع الأحوازي

على الرغم من غياب الدراسات الرصينة الكفيلة بكشف أسباب زيادة تعاطي المخدرات في الأحواز، وتعزيزها بإحصائيات علميّة ميدانيّة مستخرجة عن الدراسات المبنية على أسس علمية، لتفسح المجال بعد ذلك لتدوين برامج عمليّة للتصدّي لها، فإنّ معظم الأسباب الناتجة عن الانطباعات، والأسباب التي تذكرها الصحف والمؤسّسات الحكومية المعنية، تتراوح بين البطالة والفقر، والمشاكل النفسية، والاضطرابات الأسريّة، والمشاكل البيئية، والنظام العالمي حتى! ولذلك سيتم التطرق هنا لأهم الأسباب المؤثرة على زيادة تعاطي المخدرات في أوساط الشعب الأحوازي.

  • وأول الأسباب الخطيرة في تعاطي المخدرات، التي تعيد إلى الواجهة تأثير النظام الإيراني ضمن العوامل الداخلية حتى، هو سهولة التعاطي، لأن المخدرات متاحة على الدوام وبمنتهى السهولة، وذلك بشهادة محافظ «خوزستان» السابق نفسه  ، كما أن هناك معلومات تتحدث عن زراعة الخشخاش في نفس الأحواز، وفقاً لتصريح المحافظ السابق لـ«محافظة خوزستان». حيث تعرض الكثير من البيوت والأماكن المعروفة في الأحواز، ومختلف مدنها، المواد الأفيونيّة، وبصورة كبيرة، على مسامع من رجال الشرطة، وبعلمها.

 

ويعرف جميع السكان، الأماكن التي تعرض المخدرات في الحيّ، حيث عادة ما تكون أسعار العقار في مثل هذه الأحياء قليلة، ومستوى الأمن فيها متدن، ممّا يعني أن هذه الأماكن معروفة لعامّة الناس، وكل شخص باستطاعته أن يحدّد أماكن عرض تلك المواد، إلّا الشرطة والأجهزة الأمنية. وهذا له دلالة صريحة بأنّ سهولة التعاطي وإتاحة المخدّرات قضية يتدخل فيها الأمن بنسبة كبيرة، لأنّه بإمكان الأمن دخول مثل هذه المناطق، ومنع مواصلة ترويجها في ليلة واحدة فقط. ولو استخدمت القوات الأمنية والاستخباراتية عشرة بالمئة من بطشها وعنفها الذي تستخدمه ضد المناضلين الأحوازيين الوطنيين، لتمكنت من القضاء على جميع المخدّرات في الأحواز وتجّار المخدّرات في ظرف أيام قليلة فقط. 

يقول احد النشطاء في الأحواز في حواره مع معهد الحوار: “تشير إحصائيات محليّة بأن قرابة 800 ألفاً من سكان مدينة الأحواز يسكنون في الأحياء الشعبيّة المهمّشة، وفي أدنى مستويات الوضع الاقتصادي والتعليمي والصحي والثقافي، وقد نجم عن ذلك حياة اجتماعية ـ اقتصادية صعبة للغاية، وانتشرت في أوساطهم نسبة عالية جداً من البؤس مع ازدياد تفشي الإدمان فيها، وفي المقابل نشاهد أحياء بأغلبيّة فارسيّة تتمتع بالثراء وبأعلى المستويات من الرفاهيات. 

وأوجد هذا الأمر شرخاً واضحاً من الجانب الاقتصادي ـ الرفاهي والاجتماعي فيما بين الأحياء الشعبية العربيّة، وبين المهاجرين القادمين من المحافظات الأخرى. وتدلّ الكثير من العوامل الأخرى على صعوبة الحالة الاقتصادية في الأحواز، كزيادة الإدمان على المخدّرات، الارتفاع في نسبة الرسوب الدراسي عند التلاميذ والطلبة مقارنة مع المحافظات الإيرانية الأخرى، النقص الحاد في منسوب مياه نهر كارون بسبب نقلها من مصبّه إلى المحافظات المركزية، ممّا أثّر سلباً على قطاع الزراعة وجفاف الأهوار التي كانت تشكّل مصدراً لرزق الكثير من الأسر الأحوازيّة، وعلى إثر قطع المياه، ازداد التلوّث المائي في نهر كارون؛ كما أن نسبة البطالة كبيرة جداً، ونرى في المصانع الكبرى أو قطاع النفط والبتروكيميائيات غالبية العمال هم من خارج المحافظة.

 

ويضاف إلى ذلك الكثير من المؤشرات والحالات التي ممكن دراستها من خلال مراجعة الإحصائيات الحكوميّة المنشورة أيضاً. ونتيجة للأزمات الواسعة النطاق التي يعيشها الأحوازيون، حيث يعاني العديد من الأفراد من التهميش المطلق والشعور باليأس بشأن مستقبلهم، وقع عدد كبير من الشباب في حالة من اليأس، الذي ظهر على شكل اكتئاب وتعاطي أنواع المخدّرات كوسيلة للهروب من واقعهم المزري.”

كذلك يمكن ملاحظة:

  • احتلال الأحواز للمرتبة الثانية في إيران من حيث مستوى البطالة والإدمان، ويغلب على الأحواز الفقر الواضح في الأشخاص والجماعات وإعمار المدن والتخطيط المدني وسوء البنية التحتيّة وجميع المظاهر الحضارية. وعلى الرغم من تمتعها بثروات طبيعية ضخمة، إلّا أنّ سياسة النظام الإيراني كانت منذ احتلالها الأحواز هي سياسة التفقير.

 

ولا تحتاج تبعات الفقر شرحاً كبيراً، لأنّ الفقر لا ينعكس على الأحوال النفسية للأفراد فقط، بل يؤثر أيضاً على التماسك الأسري، والجوّ العائلي السليم، وما ينتج ذلك من ارتباك كبير في الأطفال، وانفصام شخصيتهم وتكوين حالة من العداء للمجتمع بمختلف التصرفات التي تعود أسبابها إلى ارتباك الوضع الأسري. ولأن الفقر يعدّ حالة مستشرية في الأحواز، بين العرب من دون شك، لأنهم الشعب الأحوازي الذي أريد له التفقير، فإنّ الارتباك الأسري سيكون حصراً من نصيب الأحوازيين، لا من نصيب المستوطنين، وبذلك يتم خلق أرضيّة مناسبة لتعاطي المخدّرات تحت وطأة اضطراب الأسرة، وهذا ما تؤكده الكثير من المعلومات المتاحة من قبل النظام الإيراني التي تؤكد تأثير ذلك على ارتفاع نسب تعاطي المخدرات.

  • وإلى جانب الأسباب الكثيرة التي تتعدّى العشرات، كالأسباب الأسرية، الإجتماعيّة، الثقافية، والسياسيّة المتمثلة في سلوكيّات النظام الإجرامية المتمثلة بكثرة المخدرات، والجغرافية التي جعلت الأحواز ممراً لتجارة الحرس الثوري بالمخدرات إلخ، فإن هناك أسباباً أخرى تجعل الوقوع في فخ التعاطي يشبه الأَسْرَ النهائي لدى هذه العادة؛ وذلك لقلة مؤسّسات إعادة التأهيل. حيث تـفـتـقر الأحواز إلى مؤسسات إعادة تأهيل المريض المتعاطي، من شأنها أن تتعامل بمهنية مع المتعاطين، وتمهد السلوكيات المساعدة لهم في طريق الاقلاع عنها. كما أن المؤسسات القليلة الموجودة تعاني من سوء تعامل القائمين عليها، وفقدانهم المؤهلات والعلم اللازمين لإدارة هذا الأمر، وهذا ما جعل أكثر المتعاطين للمخدرات قد دخلوا مراكز إعادة التأهيل أكثر من مرّة، وربما عشرات المرّات، دون أن يؤثر ذلك على تعافيهم منها. 

تبعات المخدرات اجتماعياً ووطنياً

لا شك أن جرثومة المخدرات تفسد المجتمع وتجعله قريباً من الزوال، ولا يمكن لتبعاتها أن تعد أو تحصى، لأنّ المتعاطي يفقد وعيه تماماً، ويبتعد عن الحالة الإنسانية المعيارية، ولا يعلم أين يسكن وماذا يأكل وماذا يفعل. ولذلك فهي حالة لا تنحصر على الأسرة الأحوازية فحسب، بل إنها تؤثر على المجتمع الأحوازي برمّته، وتترك آثاراً بعيدة المدى على الشعب الأحوازي الذي يصارع من أجل الوجود. 

  • فمن حيث الجانب الأسري، يقدم متعاطي المخدرات أبناءً يعانون اضطرابات نفسية، ولا يملكون الثقة بالنفس، وبالتالي لا يمكنهم الاندماج بالمجتمع، أو المساهمة بنشاط جماعي متين. كما أن حالة التعاطي، لدى الأم أو الأب، وعادة ما يكون الأب، تنتهي بالطلاق، وللطلاق تبعات أخرى على الأبناء وعلى الزوج والزوجة، التي تصبح منبوذة في المجتمع ويصعب عليها الزواج مرة أخرى، مما يولد لديها معاناة اجتماعية ومادية وجنسية إلخ. كما يصبح الأبناء في هذه الحالة التي ينفصل فيها الأبوين، متباعدين عن وئام الأسرة ودفئها، ممّا يولد معاناة نفسية لديهم. ثم إلى جانب ذلك تكون الأسرة في المجتمع الأحوازي التقليدي الحاضنة الأولى التي تربّي الشخص سلوكياً ومادياً، وتفككها سيعني حرمان الفرد من تعلم السلوك المثاليّ، وفقدانه الدعم المادي الذي يمكّنه من التعليم وكسب المهارات اللازمة للحياة. ثم إذا حدث الطلاق في سنوات طفولة الأبناء، فإن تبعات ذلك ستكون أكبر، وتشكل عقبات وخيمة في شخصية الفرد، يصعب عليه التخلص منها، حتى مع تقدّمه في العمر. 
  • أما مجتمعياً فإن تبعات ظاهرة المخدرات لا يمكن أن تنحصر، لأنّ قوام المجتمع الأحوازي هو الأسرة، وأي خلل فيها سيعود بإرباك المجتمع وقلبه رأساً على عقب. ويمكن الاستناد إلى نماذج عن التبعات المجتمعية للإدمان بالنقاط التالية:
  • إنه إذا كان الفقر سبباً لتعاطي المخدرات، فعكس ذلك أيضاً صحيح، عندما يتحول تعاطي المخدرات إلى سبب من أسباب الفقر، لأن المتعاطي يهمل العمل والنشاط، ويقدم على الفقر بذلك. 
  • والفقير في دخله لا يستطيع توفير سكن لائق له، ممّا سيضطره إلى البحث عن السكن في المناطق العشوائية الرخيصة، وهذا بمرور الزمن سيعني زيادة الأحياء الشعبيّة المهمشّة، وهو الأمر الذي استفحل مؤخراً في الأحواز العاصمة، وكذلك بقيّة المدن الكبيرة، بشكل كبير.
  • ولا يمكن للفقير الذي يسكن أطراف المدن، التفكير في التعليم والثقافة والعلم، لأنهماكه بالحياة اليومية، وافتقاره لكل شيء، ويجعل كل همه تأمين مصروف الاحتياجات اليومية والغريزية، ولذلك تصبح الدراسة أمراً كمالياً لا حاجة لها. وهذا ما يفسر الحرمان من الدراسة بين فئات من الأحوازيين ممّن أصبحوا ضحايا تعاطي المخدرات وتبعاتها.
  • الحرمان من الدراسة سيعني ضياع الأبناء، وابتعادهم عن تلقي القيم الأخلاقية والسلوك النبيلة، وذلك تمهيداً لإتباعهم التصرفات الشاذة، وصولاً لزيادة الجرائم من قبل شباب كانت طفولتهم مملوءة بأنواع الإرتباك الأسري، والحرمان وانعدام التعليم.
  • ولا يمكن تصوّر نهاية لمأساة الأطفال الذين عاشوا حياة مضطربة كهذه الحياة، سوى استعدادهم للانتحار، أكثر من الأطفال والشباب الذين عاشوا في أسرة تخلو من تعاطي المخدّرات وعواقبها الوخيمة.
  • أما التبعات السياسية فهي تتويجاً لهذه الظاهرة الخيفة، وهي أخطر ما يمكن أن تصله ظاهرة المخدرات من تدمير مجتمعي وسياسي. ويمكن حصرها في النقاط التالية: 
  • انشغال المجتمع بالأمور التسويفية التي تبعده عن تحقيق ذاته، وتجعله مجتمعاً متنافراً لا يرتقي إلى مستوى شعب له طموحات سياسيّة، يجتهد من أجل تحقيقها، ويناضل للتصدّي إلى العقبات التي تقف أمام طموحه. 
  • إن إصابة الفرد تعني إصابة القوّة المجتمعية التي على عاتقها يقع أخذ الإيديولوجيات والأفكار التقدّمية المناهضة للاحتلال. وعندما يصبح شباب الوطن مدمنون وغير ناشطون ولا أفكار تنمو في رؤسهم، فإن ذلك يعني مواجهة الاحتلال الإيراني حفنة من المدمنين من الشعب الأحوازي ممّن لا يشكلون خطراً على وجوده.
  • تكوين الاحتلال لزمرة من تجّار المخدّرات يمكن لهم أن يضربوا الشعب الأحوازي نفسه، وأن يعملوا كأداة بيد النظام الإيراني، خاصة عند نشوء المواجهات والحركات التحرّرية الهادفة إلى تحقيق مطالبات وطنيّة سياسية. 

ويتبين ممّا تقدم أن ظاهرة ازدياد تعاطي المخدرات في الأحواز هي صنيعة جانبين، النظام الإيراني، ومعاناة المجتمع الأحوازي. وبتعاضد هذه الأسباب باتت الظاهرة هذه في طور الاستفحال يوم بعد يوم. ونظراً للأسباب الكثيرة في زيادة هذه الظاهرة، تمّ التطرق إلى الأسباب التالية فقط وهي: سهولة التعاطي، البطالة، الفقر، وغياب مؤسسات إعادة التأهيل. وفي النهاية في القسم التالي تمّ شرح التبعات الخاصة بظاهرة تعاطي المخدّرات وهي اجتماعيّة وسياسيّة.

رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!