الجمعة, أكتوبر 4, 2024
مقالاتنظرة تحليلية على حياة البائعات المتجولات ...

نظرة تحليلية على حياة البائعات المتجولات في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

 

يشهد الأحواز منذ عقود، ومنذ الحرب الإيرانية ضد العراق قبل عقود أربع، يشهد ظاهرة شاذة ظهرت على شكل نشاط النساء الأحوازيات العربيات في الأعمال الكاذبة، وعلى وجه الخصوص البيع المتجول، أو البيع عبر افتراش الأرض وعرض البضائع. وباستمرار هذه الظاهرة أصبحت  اليوم معروفة لدى الجميع، وباتت من المظاهر العادية في المدن الأحوازية الكبيرة، أمثال الأحواز العاصمة والسوس وعبادان والخفاجية والفلاحية إلخ، حيث تعمد النساء إلى الأسواق العامة، العربية عموما، وتقوم باحتلال قطعة أرض لا تتجاوز المترين ثم تنشط فيها يوميا مفترشة الأرض ترتجي بيع البضائع اليسيرة، سواء الأدوات المنزلية الخفيفة، أو الملابس، أو ما شاكل ذلك من البضائع قليلة الثمن التي يمكن توفيرها من قبل الجميع، خاصة الفئات الفقيرة التي لا تمتلك رأس مال. 

 

وهذا تقرير يتناول هذه القضية ويريد القاء الضوء عليها، سواء فيما يتعلق بعدد البائعات المتجولات، أو فيما يتعلق بنشاطهن، أو أحوالهن الأسرية والمجتمعية. وقد تعمد هذا التقرير تسليط الضوء على البائعات لأنهن أكثر الفئات المجتمعية الأحوازية ضعفا، وعرضة للأضرار النفسية والمجتمعية، وإنْ كان موضوع البائعين المتجولين من الرجال، هو الآخر، له من الأهمية والدلالات المجتمعية ما لا يمكن غض الطرف عنه. 

 

إحصائيات تقريبية

 

لقد كشفت الاحصائيات الحكومية المنتشرة في الصحف الرسمية الإيرانية عن خبر صادم بالنسبة لجميع الأحوازيين تصرح بأن صدارة النساء المعيلات في عموم «الدولة الإيرانية» هو من نصيب الأحوازيات؛ حيث أن شمال الأحواز («خوزستان») هي المنطقة الكبرى في كل حدود النظام الإيراني التي تشهد تولي المرأة قيمومة الأسرة. ويعني هذا بعبارة صريحة بأنها المنطقة الأولى من حيث عدد الأسر التي تؤمن المرأة فيها الحياة ومن يعيل كافة أفراد الأسرة الذين عادة ما يفوق عددهم أربع أفراد كأقل تقدير. كما تفيد هذه المعلومات الرسمية بأن حجم النساء المتكفلات بتأمين أسرهن في شمال الأحواز هو 33 ألف إمراة، أي 33 ألف أسرة. وهذا يعني أننا لو افترضنا عدد كل أسرة بأربع، كأقل تقدير، يعني أن عدد الأفراد الذين بحاجة إلى عمل الأم يبلغ أكثر من 120 ألف فرد. ونظرا لمخالفة الثقافة العربية الأحوازية لعمل المرأة، على الأقل كمعيل أول للأسرة، فإن القبول بعمل النساء، بهذا الحجم، يعني اضطرارهن على العمل؛ والاضطرار يعني من جهته بأن الفقر هو الذي قلب الموازين الثقافية السائدة، خطأ أو صوابا، قلبها وجعل النساء هن من يتكفلن بتكاليف الأسر.

 

 

وتقريبا للصورة تفيد الإحصائيات الرسمية، وهي إحصائيات رئيس بلدية الأحواز العاصمة، بأن إجمالي عدد البائعين المتجولين في الأحواز يبلغ حجم 6 ألف و 363 فرد، حيث إذا تم اعتبار الباعة من معيلي أسر، وفق اعتبار كل أسرة أحوازية 4 أفراد، فإن حجم الأفراد الذين يتم تأمين تكاليف حياتهم من الأعمال الشاذة في الأحواز العاصمة لحالها قد يبلغ 24 ألفا. كما قد يبلغ هذا الحجم في عموم الأحواز أضعافا، نظرا لفقر باقي المدن الأحوازية وانعدام فرص العمل فيها بالمقارنة مع الأحواز العاصمة. 

 

 

الوضع الاجتماعي للبائعات

 

 

أما بخصوص الباعة المتجولات فإنهن، باديء ذي بدء، من العرب، بالأغلبية الساحقة، وذلك لأنه نادرا ما يتم العثور على بائعات فارسيات في عموم الأحواز: ليس لأن الشعب الأحوازي مفقر ويعاني من شتى صنوف التمييز الممنهج والتفقير البنيوي فحسب، بل لأن الأكثرية الساحقة من سكانها هم من الأحوازيين، وبالتالي فإن وقود مختلف المظاهر الاجتماعية الشاذة هم العرب، وليس المستوطنين الذين يقبلون على الأحواز مدراء وأصحاب توظيف حكومي إلخ، ويبقون أقلية لا تعنيها الظواهر المجتمعية، ولا تسري عليها المعطيات الاحصائية التي ترتكز على الأحوازيين العرب. 

 

 

ونظرا لذلك فإن الأوضاع المجتمعية لهاته النسوة البائعات تظهر بأن معظمهن من الأرامل والمطلقات. وتجد نسبة ملحوظة من النساء اللاتي يفقدن أزواجهن لمختلف الأسباب، في امتهان المهن المتاحة، وعلى رأسها البيع المتجول، السبيل الأوحد للحياة، خاصة إذا كانت المرأة قد أنجبت ولها من الأبناء القاصرين ممن يجب توفير تكاليف حياتهم. وتزداد القضية سوء إذا ما كان أبناء المرأة البائعة من البنات. وذلك لأمرين رئيسيين: أولا لأن البنت غير الولد في المجتمع الأحوازي تحتاج إلى إعانة تستمر لسنوات أطول، بالمقارنة مع الولد؛ وثانيا لأن بنات البائعات عادة ما لا يجدن الفرصة المناسبة، أو الفرصة بالمطلق، للزواج والعمل ما من شأنه تخفيف الوطأة الاقتصادية على الأم. وذلك لأن الأسر العادية ترفض الزواج ببنت البائعة؛ ما يعني أنها مضطرة إلى الزواج من رجل معدم اقتصاديا، مما يعني من جهته توريث البؤس والفقر إلى أجيال مقبلة تكون حصيلة هذا الزواج. وهناك فئات أخرى من البائعات هن أكثر ضغطا للعمل في مثل هذه المهن، وهن النساء الاتي يعاني أزواجهن من مرض أفقدهم إمكانية النشاط . وفي مثل هذه الحالة تكون المرأة الأحوازية البائعة هي من يوفر تكاليف الأبناء، بالإضافة إلى تكاليف الزوج المقعد الذي لا يمكنه القيام بأي نشاط يومي جسدي، ناهيك عن النشاط الاقتصادي الذي يسمح له توفير احتياجات أبنائه اليومية. 

 

 

أضف إلى كل ذلك فإن البائعات ينتمين من حيث الوضع المجتمعي إلى الأحياء الهامشية على المدن الأحوازية، سواء الأحواز العاصمة أو عبادن أو الخفاجية أو السوس إلخ. وهذا يعني بأن البائعات هن من الفئات المسحوقة مجتمعيا، في حياة الهامش الذي تنعدم فيه الصحة والترفيه والتعليم وجميع أولويات الحياة المدنية. ويكفي دلالة في ذلك بأن جميع الأحياء الهامشية في الأحواز العاصمة، المكتظة بالسكان وهم بمئات الآلاف، في كل من الملاشية ومندلي وحي الثورة والزوية والصخيرية وحي آسية وغيرها، محرومة من وجود مشفى حكومي واحد فما بالك بالمشافي الخاصة. 

 

 

وبما أن هذه البائعات من الهامش، فإن معظمهن فاقدات للتعليم، إلى قبل عقد من الزمن، حيث كانت معظم البائعات أميات، أو متعلمات إلى حد الابتدائية لا يتقنّ القراءة والكتابة. ولكن العقد الأخير سجل وجود بائعات أحوازيات أكملن تعليمهن المدرسي، وفي بعض الحالات النادرة هناك من البائعات الشابات من لديها دراسة جامعية أيضا، وإن تبق هذه الحالة نادرة. 

 

 

كما أن السواد الأعظم منهن منجبات ولهن أبناء، عادة ما تقع أعمارهم بين سنتين وعشر سنوات، كما أن العدد الأكبر من الأبناء يكون من البنات، حسب ما جاء سابقا.

 

نساء عربيات من جنوب الأحواز

 

 

وفيما يتعلق بالأحواز العاصمة فإن ثقل البائعات المتجولات يقع في سوق الأحواز التاريخي، وهو سوق عبدالحميد، حيث يكون هو المحل الأكبر الحائز على عدد كبير من البائعات، ويمكن فيه رصد هذه الحالة وكامل النماذج التي تمر فيها، ثم تعميمها على باقي الأماكن، نظرا لأهميتها وثقلها السكاني ما يجعل أخذها نموذجا عاما ليس بالخطأ. ولكن العاصمة تشتمل على بؤرة للبيع المتجول أخرى وهي سوق حي الثورة، أو ما يسمى «سوق كيان» وقد تحول في العقدين الأخيرين إلى الأماكن الكبرى لتجمع البائعات المتجولات. وبينما يتعامل النظام الإيراني مع سوق عبدالحميد بضرب من حديد نظرا لوقوعه في قلب العاصمة: يبطش بالبائعات ويصادر بضاعتهن ويمنع نشاطهن، كما سيأتي، فإن تمرد حي الثورة على النظام الإيراني وخشيته منه من جهة، وبعده عن مركز العاصمة التي يريد النظام لها أن تبدو فارسية المظهر والمعالم، جعل البائعات هناك على حرية أكثر في النشاط بالمقارنة مع سوق عبدالحميد، ما جعل هذه الظاهرة مستفحلة أكثر في تلك الأحياء ذات الأغلبية العربية الخالية من المستوطنين. 

 

 

وهناك ظاهرة ملفتة أخرى يجب العناية بها وهي أن عدد البائعات المتجولات لم يقتصر على الأحوازيات من شمال الأحواز فحسب، بل إن العقد الأخير من حياة العاصمة سجل ظاهرة مستحدثة وجديدة تظهر في إقبال نساء من جنوب الأحواز، بوشهر وبندرعباس إلخ، إلى العاصمة، والعمل فيها في البيع المتجول. وبينما هناك اختلاف في اللهجات بين شمال الأحواز وجنوبها، فإن ذلك عمل على إقبال الجنوبيات على سوق في مركز العاصمة يسمى سوق الباكستانيين. وهناك تعمل عدد من النساء المتجولات، ويجلبن بضاعة من الموانئ الموجودة في بوشهر وبندرعباس وغنوة، ثم عرضها في هذا السوق. 

 

 

البضائع المتداولة للبيع

 

 

وبناء على الوضع المجتمعي المذكور، فإنه لا يمكن توقع عرض بضائع ثمينة من قبل البائعات المتجولات، بل تظل بضائعهن زهيدة، ليست على قيمة تذكر ماديا. وذلك لأن السبب الرئيسي في إقبال الفئات المذكورة على البيع عبر افتراش الأرض هو رخص ذلك العمل وعدم تطلبه رأس مال مفقود لدى هذه الفئات. ومعظم هذه البضائع هي الملابس المستخدمة النسائية، لأنهن من يعرضنها، وفراشي الأسنان، والفواكهة والسمك، وبعض الأدوات المنزلية نظير المفك والآنية الرخيصة، والحبوب! وأدوات الحلاقة (جيلت) وملاعب الأطفال، والبطاريات، والمفرقعات، والجوارب، والأدعية نظير الرُقيات، والعطور، وعيدان الاسنان، وعلكة البان والبستج، وملابس الأطفال الرخيصة غير المستعملة، والحذاء، ونحو ذلك من هذه البضائع رديئة الجودة والرخيصة. 

 

 

وعادة ما تكون زبائن النساء من الفئات الفقيرة الفاقدة للمقدرة الشرائية، خاصة إذا استذكرنا بأن ساعات العمل في بعض الأحياء التي تقوم فيها النسوة بالبيع هي ساعات النهار الفائتة (كما يقال في اللهجة الأحوازية) أو ساعات الليل المتأخرة، وليس ساعات ذروة الأسواق ونشاطها. 

 

 

الوضع النفسي للبائعات

 

 

ولا يمكن لأي ناظر يحاول فهم هذه الحالة من النشاط الاقتصادي الشاذ، أن لا يلتفت إلى الحالة النفسية التي تمر بها البائعات، خاصة النساء الشابات وممن يعملن في وسط المدن الاتي يشهدن يوميا وعلى مقربة منهن مرور النساء المترفات، الفارسيات خاصة، ممن في إمكانهن ارتداء ساعات أو أحذية أو سيارات تساوي دخلهن لعقد من الزمن. ففي مثل هذه الحالة تلجأ النساء العربيات إلى ارتداء الكمام على الوجه، يستر بهن وجوههن، أو يضطرن إلى لبس الخمار محاولة لحجب وجوههن أو عمق خجلهن من المهنة التي امتهنها. 

 

 

ليس هذا فحسب، بل إن نظرة المجتمع الأحوازي، نظرة المجتمع العربي ذاته قبل مجتمع المستوطنين الساكنين في ربوع الأحواز جميعها، تحط من شأن البائعة المتجولة، حيث لا يتم التعامل معها على أنها إنسانة ذات شرف وعفة اضطرت إلى العمل من أجل تأمين الحياة بالسبل الشرعية، وليس بالسبل الفاسدة المعروفة. وتمتد هذه النظرة إلى أفراد أسرة المرأة البائعة أيضا، حيث يعاني أبناء البائعات في المدارس من عقدة النقص، والاضطرار إلى كتمان حقيقة عمل الأم في البيع المتجول، خشية العار أو الشماتة التي قد تصدر من طفل في المدرسة تجاه زميله ابن البائعة دون أن يكون متقصدا أو عالما بوقع هذا العار على الإبن. كما أن بنات البائعات، كما جاء سابقا، يعانين من استنكاف الرجال عن الزواج بهن، أو شتمهن بمهنة الأم بعد الزواج، حيث الكثير من القصص تروي كيفية نيل الرجل من امرأته بنت البائعة ووصمها بدمغة: «بنت البائعة أو بنت التبسط» حسب القصص المروية الكثيرة. 

 

 

كما أن مراقبة تصرف البائعات يظهر كيفية نيل هذه المهنة وقسوتها من أنوثتهن، حيث يكفي الاقتراب من إمراة بائعة حتى يلاحظ عليها غلظة الرجال، وذلك صورة من صور القضاء على أنوثة إمرأة دخلت مجتمعا خشنا وعنيفا، حول من طبيعتها اللينة، واضطرها إلى الشدة والغلظة للتمكن من الحصول على أقل العيش ومصدر الرزق. 

 

 

ولعل أكثر الحالات النفسية وقعا عليهن وعلى المجتمع الرجولي الأحوازي برمته، هو مستوى استغلال النساء البائعات من قبل الرجال الباعة المتجولين أولا، ومن قبل عناصر البلديات ثانيا. ويكفي في ذلك إثباتا هو محاولة التقرب من بائعة، قد تكون في القبيلة أو من القريبات في العشيرة، للاطلاع على حجم الاستغلال الذي تتعرض له هذه النسوة، سواء على شكل منعهن من «التبسيط» من قبل الرجال مقابل الجنس، أو على شكل عدم منحهن بضاعة للعرض إلا مقابل ذلك، من قبل التجار الذين يعرضون كميات هائلة من البضائع الرخيصة المشار إليها إلى عدد كبير من الباعة الذين يزداد عددهم كل يوم، ما يعني تزايد الطلب على هؤلاء التجار الذين يعرضونها بكيمات كبيرة. 

 

 

أما عناصر البلديات فجميع تصرفاتهم تظهر انعدام الشعور الإنساني فيهم، سواء تلك التصرفات التي ينهالون بها بالضرب على الباعة، أو تلك التي يصادرون فيها البضائع اليسيرة، ويظل فيها البائع يبكي حسرات في حالة تجعل المارة يتعاطفون ويعترضون، في بعض الحالات النادرة، على مثل هذه التصرفات. وفي إحدى هذه القصص كانت الضحية إمراة بعمر السبعين ضربها أحد العناصر بالهراوات الكهربائية حتى أغمي عليها، وباتت تراجع الطبيب مرتين أسبوعيا لتلقي العلاج والتخلص من تبعات تلك الصعقة الكهربائية التي تلقتها وهي جالسة على بضاعتها اليسيرة تفترش الأرض وترتجي مشتر مار. 

 

 

الدعم الحكومي وحماية النظام

 

 

وبينما يرجح الإعلام الحكومي هذه الظاهرة إلى ذوي البائعات، ويحاول تعليل استفحالها بسوء الأحوال الأسرية، بيد أن السبب الرئيس في الاتجاه نحو هذه الأعمال الخطيرة هو فقدان الدعم الحكومي للنساء بالدرجة الأولى وقبل كل شيء

 

 

فعلى الرغم من استحواذ المنظمات الإغاثية التابعة لولاية الفقيه مباشرة في النظام الإيراني، استحواذها على عوائد نفطية مهولة، نظير «بسيج مستضعفان»، و«كميته إمداد»، و«بهزيستي» إلخ، لم يمنح هذا النظام بكل فروعه الاقتصادية المذكورة والثرية أية ميزانيات للفقراء فاقدي العمل. وبالمثل فإن النساء البائعات على الرغم من نشاطهن المستمر في هذه الأعمال، حيث يمتد نشاط بعضهن إلى عقدين بشهادة أهالي المحال وأهل السوق، لم تمنح هذه التزكية وسابقة النشاط في البيع المتجول أية شفاعة لها عند النظام البنكي الإيراني من أجل تخصيص بعض القروض الخاصة بالباعة. كما أنهن غير مشمولات بنظام الدعم الذي تعمل به «كميته إمداد» (لجنة الإغاثة) بوصفها الجهة الأولى والمباشرة لإعانة المعوزين، والتعرف عليهم وتقييد أحوالهم العامة من أجل تحديد سعر الدعم.  

 

 

ويتطلب الإنضمام إلى لجنة الإغاثة هذه عدم تجاوز المردود الشهري 40 بالمئة من مقدار الحد أدنى للأجور المقررة من جانب وزارة العمل. وإذا عرفنا الحد الأدنى البالغ 200 دولار، فتعني الـ40 بالمائة أقل من 80 دولار شهريا؛ يتم سحبها في أي شهر يتجاوز فيه مردود من تمت كفالته الأربعين بالمئة هذه. على أن مقدار راتب هذه المنظمة شهريا لا يتجاوز 40 دولارا.

 

 

وبينما تحجب الحكومة الدعم لهذه النسوة، فإن تصرفات البلديات في المدن الأحوازية، باعتبارها الجهات المعنية بشأن الباعة المتجولين، يتسم بكثير من العنف المنظم، حيث تعمد القوات المسماة بالـ ماموران اجرائيات شهرداري (العناصر التنفيذية التابعة للبلدية)، بضرب مبرح لجميع الباعة، وتهجم عليهم بشكل جماعي على حين غرة، فتنهال بالضرب عليهم وعلى من يشتري منهم وسط الأسواق، وعلى مرأى الجميع، فيقع من الباعة من يتم كسر رجليه ويديه، ومن يفقد أسنانه وينكسر أنفه، ومن يقمى عليه لكبر السن والتصدي العنيف. وبينما هناك عشرات الأنباء تفيد بوقوع مثل هذه الجرائم من قبل قوات البلدية كان موقف المسؤولين الحكوميين النكران وتزييف الأخبار الكثيرة التي وقع العشرات فيها ضحايا العنف الحكومي الممنهج هذا.  

 

 

ليس هذا فحسب بل أن توثيق التصرف الحكومي يثبت عكس ذلك، كما تمت الإشارة، حيث وجد عناصر البلدية، في هؤلاء الفقراء مصدر استرزاق لهم، عبر أخذ الرشاوي. وفي هذه الحالة يخير عنصر البلدية المرأة البائعة بين خيارين: إما مصادرة بضاعتها ومنعها من العمل بالضرب والمهانة، أو دفع رشاوي من أجل استمرار العمل، رشاوي قد تكون إما لليوم فقط أو لأسبوع أو لشهر، حيث تتحول إلى أجر شهري للعنصر البلدي.  

 

 

سوق عبدالحميد

 

 

ونظرا لرمزية سوق عبدالحميد باعتباره قلب الأحواز العاصمة وأولى التجمعات التجارية الأحوازية، يتم ذكر بعض الملاحظات في هذا السوق فيما يتعلق بالبائعات المتجولات. لقد تحول هذا السوق، كما تمت الإشارة سابقا، إلى أكبر تجمع للبائعات، وآل أمره من أقدم الأسواق في الأحواز العاصمة وطابع المدينة ومظهر تاريخها وحضارتها، إلى محل لدفع القمامة والنفايات قضوا فيها على معالمه التاريخية وعلى جميع ما كان يرمز له من ميلاد الأسواق الأحوازية الحاملة معها الطابع العروبي وأصالة المحل. ففي جانب الأيسر من هذا السوق على مقربة من البوابة الأولى منه، هناك محل للنفايات، وعلى جواره تجلس نساء على الأرض تعرض بضاعتها فيها. 

 

وقبل فترة قصيرة من الزمن، جاء مرسوم حكومي أمر بالقضاء على الباعة المتجولين في هذا السوق، نظرا لوقوعه في قلب المدينة العاصمة وخشية تشويه جمالها حسب السلطات الإيرانية، حتى تم القضاء على جميع الباعة المتجولين فيه بالضرب والاعتقال ومصادرة البضائع. وقد مهدت الحكومة بإعلامها الحكومي إلى القضاء على مصادر رزق البائعات، حتى تجند الإعلام الحكومي لأسابيع تمهيدا لخلق صورة من الباعة جعلتهم أمثال المجرمين ومن يشوه جمال المدينة ويعدم أمنها، وتم تصوير الباعة على أنهم مجرد أفراد عديمي الأخلاق يتصرفون بعنف، ويسرقون حاجات المارة من المستوطنين الفرس. 

 

 

فعلى سبيل المثال يصف التقرير في وكالة إيرنا للأنباء أحوال سوق عبدالحميد بألفاظ مهينة والقبيحة، وينسب ذلك إلى الباعة المتجولين. وقد تعمد التقرير تزوير اسم السوق حتى، وقال عنه أنه سوق سمي بأحد شيوخ «عشائر» الأحواز لا سوق ولي عهد الإمارة الكعبية وبيت الحكم في الأحواز وفق التاريخ. حيث تهجم هذا التقرير على ثقافة البائعين وهم من العرب، وصور إنعدام النظم فيه بأنه انعكاس للروح العشائرية للناشطين فيه، بالضبط كما تعامل المفكر الحكومي ومؤرخي نظام الاحتلال طيلة قرن مع التاريخ الأحوازي وتصويره تاريخ ظلام وتخلف. 

 

 

الاستنتاج

 

 

 

هذه صورة من صور الظلم الذي يعاني منه الشعب الأحوازي بمختلف فئاته، وصورة مأساوية عن أمهات هذا الوطن اللاتي وقعن معيلات لأسرهن يعانين من شتى صنوف الاضطهاد. 

 

 

لقد حاول هذا التقرير القاء الضوء على هذه الظاهرة، سواء عبر التحذير من استفحالها عبر الاحصائيات الخاصة بالنظام الإيراني نفسه، أو عبر التطرق إلى ما تتعرض له النساء من فقدان الدعم الحكومي وعدم تخصيص ميزانيات لهن من المنظمات الإيرانية المعنية بدعم المعوزين؛ تلك المنظمات التي تستحوذ على خيرات الشعب الأحوازي، وتستغله لصالح نزواتها الخاصة. 

 

 

وتخبر هذه الظاهرة عن مدى تسري الفقر بين الأحوازيين نساء ورجالا. وبالنظر إلى أحوال النساء البائعات في الأحواز فإن حالة الفقر تكون مضاعفة ومأساوية، بين نسوة وقعت بين مطرقة الفقر لأسباب مختلفة، وبين السندان الحكومة التي جعلتهن بين الاستغلال ومصادرة بضائعهن وضربهن واعتقالهن على يد سلطات البلدية وقوات الشرطة. 

 

 

 

 

 

 

رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات

 



error: Content is protected !!