خبر الحوار-1 النبأ التحليلي عن كل جديد في المجتمع والثقافة الأحوازية
في الدوحة، العاصمة القطرية، حضر عبدالنبي القيّم، الكاتب والمؤرخ الأحوازي وبدعوة من المركز العربي للأبحاث والدراسات لإلقاء محاضرته تحت عنوان “النزعة القوميّة الفارسية: نشأتها وسماتها وتداعياتها ” وذلك في شهر أغسطس الماضي (2025).
المحاضرة ركّزت على نشأة الفكر القومي الفارسي وجذوره الاستعمارية، إذ اعتبر القيّم أنّ الاستعمار خلف في مستعمراته بذور التشظي والعداء بين الشعوب وذلك بطرق مختلفة منها نشر الأفكار القوميّة والعنصرية، وبعد ذلك عرّج القيّم على النموذج الإيراني وخصّ بالذكر دور كل من السِّر جان مَلكُم وهو ضابط رفيع المستوى في شركة الهند الشرقية وكذلك اردشير جي ربورت، ممثل زادشتي الهند في إيران، ودورهما في نشر الفكر القومي عند النخب الإيرانية، وهو الفكر الذي انتقل لاحقا ولو بعد عقود لغالبية الشعب الفارسي.
وأضاف القيّم، أنّ بعد ثورة 1857 في الهند اكتشف البريطانيون ضعف معرفتهم بالشعوب التي تقع تحت سيطرتهم فأرسلوا من ضباطهم نفرا للحصول على معرفة أعمق وأشمل من هذه الشعوب، ومن ضمن من أرسل إلى إيران أنذاك هو السِّر جان مَلكُم، و الذي ألف خلال زياراته الثلاثة كتابا في مجلدين أصبح بعد ذلك الكتاب المرجع لمفكري النزعة القوميّة الفارسية في إيران، إذ أن جان مَلكُم هو أول من قال بتقسم تاريخ إيران إلى ما قبل الإسلام وما بعده، وأكثر في تعظيم وتبجيل تاريخ إيران قبل الإسلام وفي المقابل احتقر تاريخ إيران الإسلامي، وكذلك هو القائل الأول بمقولة أنّ الإيرانيين لم يقبلوا الإسلام إلا بقوة السيف وأنّ العرب في فتحهم لإيران أبادوا كلّ شيء وحرقوا المكتبات ولم يتركوا للإيرانيين كتابا واحدا يشهد على حقبتهم الذهبية.
ما كتبه مَلكُم اجتمع مع أفكار غوبينو المفكر الفرنسي القائل أنذاك بتمايز الأعراق و تفوق العرق الآري و أنّ الفرس هم الآريّون القدامى، هذا المزيج الجديد كان يحتاجه بشدة المفكر وكاتب الفارسي المحبط و المهزوم نفسيا في تلك الأيام وذلك لسببين رئسيين: أولهما لمقارنة حالة بلاده المتخلفة مع ما ظهرت عليه أوروبا من تقدم ورقي ولاسيما في تلك الحقبة، والسبب الثاني هي الهزائم العسكرية ولاسيما الهزيمتان المتتاليتان اللتان مُني بهما الجيش القاجاري مقابل الجيش الروسي والتي تلتها اقتطاع عشرات المدن من إيران(1805 و1826)، وكما هو معروف في التجارب التاريخية تستدعي الشعوب عند حالات الانهزام النفسي الخطابات المتطرفة، وهذه المرة التقت وصفت الاستعمار مع الحاجة النفسية للمفكر والكاتب الفارسي، فتكوّنت أرضا خصبة نمت فيها النزعة القوميّة الفارسية، وساعدتها الأحداث السياسية اللاحقة في إيران والمنطقة.
يؤكد القيّم أنّ على الرغم من تأثر نسبة لا يستهان بها من النخب بالنزعة القوميّة والعنصرية الفارسية إلا أن هذه الأفكار لم تجد طريقها إلى عامة الشعب الفارسي إلى بعد مجيء رضا خان إلى سدة الحكم في عام 1925، وهو الحدث الكبير الذي تم هو الآخر بتخطيط وتنفيذ بريطاني وذلك لإيجاد كيان كبير يستطع أن يحول دون وصول روسيا السوفيتية الحديثة الولادة آنذاك إلى المياه الدافئة عموما وإلى الهند خصوصا.
مشروع نقد الفكر القومي الفارسي والكشف عن مثالبه وما يترتب عليه من ظلم على الشعوب غير الفارسية وما يتبعه من انتشار العداء بين الشعوب المتجاوره في جغرافية إيران تبلور في سنوات الأخيرة بشكل أكبر وأكثر إلحاحا لاسيما في كتابات الاستاذ يوسف عزيزي بني طرف وتحديدا في كتابه “الممالك المحروسة” وكذلك في مقالات وكتب الاستاذ عبدالرضا نواصري الثلاثة.
وفي خطاب هؤلاء الكتّاب الأحوازيين محاور يمكن تحديدها في عدد من النقاط ومن أهمها هي تحطيم الخطوط المحظورة في إيران الحديثة ونقد الفكر القومي الفارسي القائم على أفكار شوفينية مضى زمانها مثل التفوق العرقي لدى الشعب الآري، وبيان فشل أطروحة مفكري القومية الفارسية في بناء الأمة الواحدة ذات اللغة الواحدة والعَلَم الواحد، وضرورة العودة إلى ما يسميها الأستاذ عزيزي الممالك المحروسة، وهي في الواقع نوع من أنواع الفيدرالية.
المشوار ليس بسيطا ويحول دون تحقيق مبتغى هذا الطيف من كتّاب الأحوازيين و نشطائهم الكثير من العوائق ومنها غطرسة القوميين الفرس والأفكار المؤدلجة العصية على التغيير والتي ضربت بأطنابها خلال أكثر من مئة عام في عقول الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الفارسي، ومن جانب آخر أن عموم الشعوب غير الفارسية والعرب( الأحوازيين) خصوصا يعانون في الأغلب من فقر في المال وقلّة في النفوذ وغياب للمؤسسات الاجتماعية والمراكز العلمية و وسائل الإعلام وهذه كلها أدوات يصعب في غيابها التأثير في الأفكار والترويج لخطابات جديدة.
وعلى ما مرّ من ذكر العوائق إلا أنّ توصل طيف كبير وبارز من الكتّاب الأحوازيين لإطار فكري ومن ثم محاولاتهم الجادة لبيان وتحديد خطوطه والسير باتجاه تدوين خطاب إنساني يستطيع تفنيد الخطاب العنصري الفارسي المتزمت وحصره في زاوية و انتزاع شرعيته وصلاحيته أمام العقول والضمائر الحيّة، هي كلها أمور بإمكانها ولو بعد حين أن تسهل على الناشط الأحوازي حضوره في ساحات الفعل الاجتماعي وبالنتيجة ازدياد معدل عطائه سواء في الداخل أو الخارج، كما توفر له اطارا مقبولا يستطيع من خلاله الحجاج وكسب محاكم العقل والضمير، وبين الطرق العديدة والاستراتيجيات المختلفة قد تكون أطروحة الاستاذ عبدالنبي القيّم وزملائه بداية طريق يستحق من المفكرين والباحثين والناشطين الأحوازيين التدقيق ومزيد من الإمعان. و في الأخير لا يفوتني أن أقترح عليكم و بإصرار سماع محاضرة الأستاذ عبدالنبي القيّم فإنها حقا نافعة.
