الإثنين, نوفمبر 17, 2025
دراساتنظرة عامة على واقع التعليم في الأحواز

نظرة عامة على واقع التعليم في الأحواز

هدم الهوية عبر تقييد التعليم باللغة الأم

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

 وضع التعليم في الأحواز مأساوي يعاني من فشل ذريع وأزمات جوهرية، نتيجة توجهات معطوبة متراكمة ومترابطة. فنظام تعليم الإيراني عنصري يمنع الأحوازيين من التعلم بلغتهم الأم العربية، إلى جانب أسباب كثيرة ومترابطة تجعل من التعليم مترد، على رأسها: الفقر والبطالة الممنهجة والحرمان الشديد؛ وقلة المدارس والنقص الحاد في عدد المدرسين ونزوح المعلمين المتمرسين؛ وارتفاع نسبة المتسربين من الدراسة وتفشي الأمية؛ والتعمد في تغيب الطلبة الأحوازيين عن المدارس مقارنة بنظرائهم في المناطق الإيرانية؛ ناهيك عن معاناة معظم الطلبة من سوء التغذية. 

 كل تلك الأسباب عموما جعلت هذا النظام التعليمي يقتل الإبداع ويهدر الطاقات والمواهب، ويضيع الفرص ويميت الحوافز والدوافع. إنه نظام تمركز كل سعيه على الحفاظ على الإطار التقليدي التابع للنظام الشمولي والعنصري. ونتيجة كل تلك المعاطب المترابطة أصبحت الأحواز تعيش حالة شديدة من التأخر العلمي والحضاري والمعرفي. 

وعلى العموم تنقسم التحديات التي تواجه التعليم، إلى تحديات عامة تشمل كل الجغرافيا التي تهيمن عليها  الدولة الإيرانية، وتلك التحديات الخاصة التي تتعلق بالأحواز تحديدا. وبما أن البحث هنا غير معني بالتحديات العامة يتم التطرق إلى الخاصة منها بتفصيل، ويتم الاكتفاء بالإشارة السريعة إلى العامة منها. 

  • تحديات التعليم في الأحواز

الف) الحرمان من التعليم باللغة الأم

اللغة الأم هي ركن مهم من الهوية الفردية والاجتماعية والثقافية، ويؤدي التعليم بها دورا أساسيا وحاسما في تنمية الأطفال، كما يعزز فيهم الثقة بالنفس وتقدير الذات والأمن النفسي(1). ولذلك لا تعد اللغة الأم مجرد وسيلة تواصل، بل هي في حقيقتها منصة للتعبيرعن المشاعر وتكوين الذاكرة والارتباط الثقافي بالدرجة الأولى.

ومنذ القرون القديمة في العصر العباسي والمشعشعي إلى العهد الكعبي، دون العلماء والأدباء الأحوازيون العديد من الكتب وداووين الشعر باللغة العربية، وتأسست مدارس وكتاتيب بلغت ذروتها في العهدين المشعشعي والكعبي موادها كلها كانت بالعربية. لقد كانت تأليفات علماء الأحواز في الصرف والنحو والبلاغة والفقه والتفسير والشعر عربية حصرا(2).

أما في فترة حكم الأمير خزعل بلغت مدارس مدينة المحمرة فقط عشرة كتاتيب حتى عام 1908، يدرّس فيها القرآن الكريم واللغة العربية وتاريخ الإسلام والرياضيات والجغرافيا والمنطق وعلم الأصول والفقه وعلم الرجال والرواية وعلم الحساب واللغة الإنجليزية. ثم تطور التعليم فتأسست في المحمرة عام 1911 المدرسة الكاسبية، ومدرسة ثانية سميت بـالمدرسة الخزعلية، وكان الأمير يطمح إلى تأسيس مدارس عليا فبادر بإنشاء دائرة للتربية والتعليم(3). وعلى العموم كانت جميع الكتب المؤلفة والمخطوطات المدونة حتى عام 1925 عربية لا يوجد فيها أي أثر للغة الفارسية.

ولذلك أفرز حرمان الشعب الأحوازي من التعليم باللغة الأم تحديات كثيرة عليهم، في ظل هذا الإرث التاريخي والحضاري، على رأسها انتشار الأمية. وتؤكد الإحصائيات الحكومية بأن حجم الأمية مرتفع جدا حيث يصل إلى 511 ألف شخص(4). وبهذه الإحصائية أصبحت الأحواز في المرتبة 3 من حيث انتشار الأمية في جغرافيا إيران. وإذا ما لوحظ شمول هذه الإحصائية الفئات العمرية ما بين 10 إلى 49 سنة فقط، فإن تعميمها سيعني تجاوز عدد 511 ألف أمي. وتتوزع نسبة الأمية بنسبة 35 بين الرجال، و65 في المئة بين النساء(5)

وبسبب عائق اللغة هذا لا يستطيع المعلم بناء علاقة حميمة وودية مع الطالب، لاسيما في المدارس الابتدائية الأساسية في التعليم، فلذلك يصبح المعلم عاجزا عن التعامل الكلامي، لا يستطيع فهم مشاعر الطفل وعواطفه. وهكذا ينعدم شرط مهم من شروط التعليم، وهو التعامل الحميم والعلاقة الحسنة بين المعلم والتلميذ، نتيجة تكون علاقة بين الطرفين على أساس اللغة الفارسية، مما يفقد التعليم والمعلم والطالب العربي مغزى عملية التعليم برمتها. بينما يؤدي سيكولوجيا، خلافا على ذلك، التعليم باللغة الأم إلى الاستيعاب المعياري للمواد الدراسية، ويضمن التنمية المعرفية للطالب. أما من الناحية الاجتماعية يسهل على الطفل الاندماج في بيئته الاجتماعية، فضلا عن أن اللغة الأم عنصر ثقافي مهم تربط الفرد بماضيه الثقافي. أما عاطفيا يؤدي استخدام اللغة الأم في التعليم إلى استمرار الرموز اللغوية، وبالتالي يمنع الانفصال العاطفي الناتج عن عدم استخدام لغته، ويزيد من كمية التعاملات وجودتها في بيئة المدرسة، ويزود الطلاب بالأداة الرئيسة للتفكير، وهي التعامل والتواصل مع الآخرين. ولكن العنصرية التي توجه العقلية الفارسية حرمت الأطفال من التعليم باللغة الأم، حتى مع تأدية ذلك إلى انتشار الأمية وانفصال الطلاب عن الدراسة؛ أي ما يحدث يوميا بتصريح النظام نفسه(6)

المواثيق الدولية لضمان حق الإنسان في التعليم باللغة الأم

هناك مواثيق واتفاقيات دولية في الأمم المتحدة تضمن حق التعليم للجميع باللغة الأم. وعلى الرغم من توقيع إيران على تلك المواثيق إلا أنها لم تلتزم بها ولم تولي لها أي اهتمام. ومن بين هذه المواثيق هي: اتفاقية إزالة التمييز في مجال التربية والتعليم لعام 1960، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، واتفاقية القضاء على التمييز الديني 1981، واتفاقية الحفاظ على الحقوق القومية والدينية 1993، وغيرها من المواثيق الدولية.

وجدير بالذكر أن إيران لم تلتزم بتعهداتها وبالقوانين الموجودة في الدستور، من بينها المادة 15 التي تقر بالسماح للشعوب غير الفارسية التعليم بلغتها القومية في المدارس. أو المادة 19 التي تقر بالمساواة بين الشعوب وترفض العنصرية. غير أن هذه المواد مجرد حبر على ورق لم تمنع قمع من يطالب بتنفيذها بقساوة.

لقد صادقت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتفاقية حقوق الطفل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، التي تحدد حقوق الطفل منذ ولادته وتتضمن حقه في الحياة وفي الحصول على اسم وجنسية والحق في تلقي الرعاية من والديه، بالإضافة إلى حق الأطفال في الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم. وتركز هذه الحقوق العالمية بشكل جاد على أهمية التعلم باللغة الأم خلال مرحلة الطفولة المبكرة(7)

ب) الفقر والحرمان الاقتصادي

وضعت هذه السياسات التمييزية والعنصرية معظم الشعب الأحوازي دون خط الفقر؛  ومرارة أوضاع معيشية ضاغطة تبتدئ بأزمة الغذاء اء والسكن، ثم انعدام الامكانيات الخدمية البدائية: كشبكة الصرف الصحي والمستشفيات المتهالكة الخالية عن ممرضين وأطباء، وتنتهي بتدهور جميع الخدمات في المرافق العامة مثل البلدية والتعليم والصحة: ومشافي باهظة الأثمان تفرض تكاليف عليه مقابل علاج ورعاية رديئة لا تقيم وزنا لحياة الفرد(8).

ليس هذا فحسب بل وصل التمادي في ظلم الشعب إلى منع مياه الشرب الصالحة والهواء النقي. وغني عن القول كيف أفضت كل تلك السياسات العنصرية المتقومة بالفقر والتهميش الممنهج، إلى ظواهر مؤسفة من ضمنها عمالة الأطفال والتسول والتورط بجنح عديدة كبيع المخدرات والسرقة والانحرافات السلوكية جعلتهم عرضة للاستغلال في أغراض غير سوية.

وفي ظل هذا السياق الاقتصادي المعيشي، يغدو الرسوب والتسرب المدرسي (ترك التعليم) مشروعا في سبيل البحث عن القوت اليومي، وإعالة الأسر، أو توفير الملبس والمأكل. إنه يستحيل على أطفال يعيشون البؤس والحرمان، الحصول على ظروف عيش شبه طبيعية، بينما السياسات العنصرية ماضية على قدم وساق. ولذلك يجد الطفل نفسه مرغما على التوقف عن التعليم، وذلك قبل بلوغ مرحلة التعليم الثانوي بالنسبة لكثيرين، وغالبا قبل أن يحكم القراءة والكتابة.

وأكثر صور البؤس مشاهدة هي عدم تمكن بعض الأطفال من توفير تكاليف حياته اليومية إلا عبر البحث في النفايات، يجمع المواد البلاستيكية والزجاجية، ليبيعها على مصانع إعادة التدوير؛ أو عمل أطفال آخرون في بيع المياه النقية (ماي معدني) بدراجات يتجولون فيها بالشوارع بحثا عن مشتري. وقد أصبح آخرون منهم باعة متجولين يبيعون الزهور أو الكمامات أو المنديل بجوار إشارات المرور، أو يقومون بغسل الزجاج الأمامي للسيارات حين وقوفها عند الإشارات، أو البعض منهم يبيع كتب الأدعية والتعويذات في باب المستشفيات وفي المقابر(9)

هذا هو حال الأطفال الأحواز الحائرين والمصابين بالذهول في انتظار المستقبل المجهول. إن خيرات الأحواز يتم نهبها أمام أعين الشعب، ويعيش المستوطنون في بلدهم بالنعيم والرفاهية التامة، بينما يعيش أصحاب الأرض العرب البؤس والفقر والعوز والحرمان، كما ترسل ثروات هائلة من خيراتهم إلى دعم الميليشيات الموالية للنظام الإيراني في الدول المختلفة، ويذهب قسط منها لشراء ذمم السياسيين والإعلاميين حتى يعتموا على قضية الشعب، وقسط من الأموال تذهب لنشر التشيع الفارسي واللغة والثقافة الفارسية في دول عدة. 

وبينما أقر مدير دائرة التعليم سابقا بتشكيل الأحواز شريان الاقتصاد الحيوي للاحتلال، فإنه لم يأبى التصريح بأنها تحتل المرتبة الثانية في معدل البطالة من بين 31 مقاطعة تشكل جغرافيا إيران(10). وفي إحدى الحالات التي تظهر مثالا متكررا عن مدى توغل الفقر بين الطلاب، نقلت وكالة أنباء إيلنا الإيرانية عجز 3000 طالب في المحمرة وعبادان عن دفع 5000 تومان (مايعادل 5 سنتا أمريكي) للحصول على نتيجة اختباراتهم في نهاية السنة (وتفيد شهادات ميدانية عددا أكثر مما ورد).

ومع بداية كل عام دراسي هناك العديد من الأسر تعجز عن توفير مستلزمات التعليم، كالقرطاسية والملابس؛ أسر لا تستطيع تأمين قوتها اليومي. وحسب قول مدير إحدى المدارس في عبادان: هناك طلاب لا يتمكنوا حتى من شراء حذاء للذهاب إلى المدرسة، لذلك أكثرهم يلبسون الشحاطة (الشبشب) وغالبية آباءهم عمال موسميين يعملون في مزارع النخيل. ولأن السنين الأخيرة دمرت زراعة النخيل بسبب التجفيف المتعمد وارتفاع ملوحة الأنهر، أصبح المزارعون في عداد جيوش العاطلين عن العمل، وضحايا سياسات التمييز. وهناك شهادة مديرة مدرسة تفيد بأن بعض الأسر تأتي للمدرسة طلبا للشاي والسكر، وكيف اضطرها هذا الحال، إلى أن تتكفل هي شخصيا بدفع تكاليف كتب 65 طالب في مدرستها. أما رئيس البلدية في المحمرة فقد أفاد بتجاوز عدد الطلبة الفقراء في هذه المدينة الأرقام المعلنة رسميا. وذلك يتبين من خلال جولة ميدانية في المدينة لمشاهدة الوضع  المأساوي الذي لا يمكن تصوره، والوضع الأشد تعاسة في أحياء الزهيرية والعبارة والطويبجات والمحيرزي والسرحانية وكوت الشيخ. فهذه الأحياء العربية التليدة هي شاهد على عيش الناس في منتهى الفقر والمأساة(11).

أما جائحة كورونا فكانت الطامة بالنسبة للنظام التعليمي. فبينما لزمت هذه الجائحة التعليم عن بعد، فإن عجز الأسر الفقيرة عن توفير وسائل اتصال، من جهاز لاب توب وهاتف محمول وإلخ، جعل الكثير من الطلاب لا يحضرون الصفوف المجازية، لأن الأسرة الواحدة لا تمتلك إلا جوالا واحدا يكون بحوزة الأب، المضطر للذهاب للعمل من الصباح إلى المساء، ما يعني عدم التحاق الأطفال بالصف إلا بعد رجوعه من الدوام. وهكذا يبقى الطفل منتظرا عودة الأب ليتمكن من إرسال واجباته والحصول على الحصة الدراسية. ولمثل هذه الأسباب الاقتصادية البحتة،  انقطع الكثير من الطلاب عن التعليم، وأقدم عدد منهم على الانتحار بسبب عدم القدرة على توفر الجوال(12). ومن البديهي أن لا تختصر هذه الأحوال على عبادان والمحمرة، بل هي السياسة المفروضة على كل المدن الأحوازية. فهذه مدينة أبو شهر وقد اشتكى الكثير من أهلها عجزهم عن شراء أجهزة الجوال، بسبب أسعارها المرتفعة، فضلا عن انعدام شبكة الإنترنت في العديد من المناطق الريفية(13) . إلى جانب كل ذلك تعاني مدارس أبو شهر من نقص شديد في عدد المعلمين، بشهادة المدير العام لدائرة التربية فيها: لدينا ما يقارب 1000 طالب محروم من أجهزة تمكنه الالتحاق بالتعليم عن بعد(14).

ج) عنصرية التعليم الإيراني

عملت أنظمة الاحتلال الإيراني المتعاقبة، بكل طاقاتها، على تعزيز التفوق الإثني، ودعم مقومات الاستعلاء الفارسي على حساب الشعوب الأخرى، وفي مقدمتها الشعب الأحوازي العربي. فمنذ نشوء الدولة الفارسية سن النظام عددا من السياسات العنصرية، بغية قمع العربية وتنفيذ التمييز ضدها، واذلال الناطقين بها. وكان سبيل كل ذلك هو النظام التعليمي الذي به أنيط تعزيز الروايات والسرديات والمزاعم الكاذبة ضد الشعوب غير الفارسية. لقد مارس هذا النظام عمليات تفريس واسعة ومبرمجة ضد الهوية العربية، واستعان بمختلف الأبعاد التاريخية للصراع العربي الفارسي من أجل إنجاح مهمته في تفريس العرب. هكذا شحنت الكتب الدراسية بالأحقاد تجاههم، فأطلقت عليهم  أقبح الأوصاف، حتى أخذت تصف الشعب الأحوازي بأنه غير عربي، وادعت بذلك أنها تريد إبعاده عن «لعنة العروبة» في تحايل باتت العروبة فيه مسبة، والتنكر لها إبعاد المسبة عن الشعب الذي كان ولا يزال لا يملك أعز من عروبته (15)

وفي أحدث سلسلة القرارات التي تصب في هذا الاتجاه، فرضت وزارة التعليم الإيراني التعليم المبكر للأطفال في سن الخامسة من عمرهم، لترغمهم على تعلم الفارسية مبكرا، وتبعدهم عن لغتهم الأم منذ نعومة الأضفار. وهذه سياسة لا شك أنها ستساهم في تسريع التفريس وتشديد وتيرة القضاء على اللغة الأم، ضمن إطار عملية الدمج القسري. غير أن هناك نسبة كبيرة من الأسر تشبثت وتمسكت بعروبتها، وظل الأطفال يشعرون باغتراب تجاه الفارسية لا يستخدمونها إلا حينما يكونوا بين جدران الصف، طارحينها كليا عند خروجهم عنه، للفسحة وفي ساحة المدرسة، حيث سرعان ما تعود العربية بقوة، لغة الكلام والدعابة والحياة بينهم. وكذا لا تستخدم غالبية الأسر الأحوازية الفارسية.

وقد حذر مراقبون دوليون من مخاطر هذه السياسة التي اقترحتها وزارة التعليم الإيرانية ونفذتها. ومن بين هؤلاء المراقبون كانت إيرينا تسوكرمان، محامية أمريكية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، حيث اعتبرت “أن تصنيف الأطفال الذين لا يتحدثون الفارسية بطلاقة ضمن الأطفال من ذوي الإعاقات يشكل انتهاكا سافرا لحقوق الإنسان، وأن إرغام هؤلاء الأطفال على تعلم الفارسية لفترة سنتين قبل دخول المدرسة يهدف إلى محاربة الانتماء إلى الهوية الثقافية ومنع التواصل والترابط الثقافي“(16).

د) النقص الحاد في عدد المعلمين 

تعاني المدراس، منذ عقود، من نقص شديد في عدد المعلمين. فبحسب الاحصائيات الرسمية تحتاج مدارس الأحواز إلى 18 ألف معلم. وهذا النقص الحاد أثر سلبيا على مستوى التعليم وجودته من دون شك. 

ولهذا النقص في عدد المعلمين أسباب كثيرة ومترابطة نظير: الحرمان المتزايد على المستوى المدني والخدمي؛ والتلوث البيئي والعواصف الترابية وسط تردي الخدمات الطبية والصحية؛ وتدهور الأوضاع الاجتماعية من حيث الأمن والمدنية والتعددية؛ وفقدان المدارس أبسط الإمكانيات والبنى التحتية؛ وآثار الحرب الإيرانية-العراقية ومخلفاتها التي أدت إلى رغبة متزايدة عند المعلمين في النزوح من الأحواز.

وبتأثير من كل ذلك أصبح موضوع هجرة المعلمين من التحديات الكبيرة للتعليم حيث يهاجر سنويا أكثر من 5 آلاف معلم(17). ولهذا السبب الرئيس، أي نقص عدد المعلمين، يتأخر الطلاب كل عام في بدء العام الدراسي؛ تأخر يتجاوز الأسابيع في أكثر الحالات، فضلا عن الغاء فروع هامة مثل الرياضيات والعلوم التجريبية في بعض المدارس للسبب ذاته. 

ولمعالجة نقص المعلمين ولسد الفراغ بادرت دائرة التربية بتقسيم المدارس إلى دوامين، صباحي وعصري، وعرضت على المعلمين تدريس ساعات إضافية، لمن يرغب بذلك. والملفت في كل ذلك هو إقبال المعلمين على أخذ ساعات إضافية خارج الإختصاص، إذ أخذ مثلا معلم التأريخ حصة الاقتصاد، ومعلم الكيمياء حصة الفيزياء إلخ. وغني عن القول أن المدرس بهذه الأحوال سيكون مرهقا ومنهكا مما ينعكس على جودة التعليم، المتردية أساسا، أضف إلى ذلك اكتظاظ الصفوف بالطلاب. وما كان المعلم ليقبل على مثل هذا الارتباك والتكفل بمواد من غير اختصاصه،  والتدريس في دوامين، إلا لقلة مرتبه (مرتب لم يصرف إلا بعد مرور 6 شهور من إتمام الحصة الإضافية الاختيارية). كل هذه العوامل مجتمعة  تجعل المدرس البارع والمختص يرفض التدريس بمثل هذه الظروف. أما المتضرر الوحيد في هذه الأوضاع فهو الطالب أولا وأخيرا.

ولقد كانت الحلول التي عُرضت لعلاج نقص المعلمين، حلولا أثبتت عقلية نظام يبتعد عن المهنية والكفاءة كل البعد: حيث قام بالتقاعد مع الحرس الثوري لتوظيف عدد من الخريجين الذاهبين لقضاء فترة خدمة العلم، وزجهم في المدارس. وبهذه الطرق غير العلمية ارتهن مستقبل الأطفال بيد من ليس لهم الخبرة اللازمة، وبغير المعني والمختص في التعليم، وربما بغير الراغب فيه، الهارب من رمضاء العسكرية إلى نار التعليم. يطلق على هذا المشروع، سرباز معلم، أي الجندي المعلم.

 ولا تكتمل تلك العقلية المشوهة التي تدير النظام التعليمي، إلا بالتطرق إلى ما تعرف بـمعلمي خريد خدمت: وهي منح إدارة بعض المدارس لإدارة مقاولين، يتكفلون عبر تعاقد مع دائرة التعليم، بتوفير المعلمين ودفع رواتبهم. وبما أن العقلية المقاولة لا تنظر إلى طبيعة العمل بقدر اهتمامها بالأرباح، استُغل المعلم شر استغلال، وعُرض عليه بعض التومانات لقا ساعات حضوره في الصفوف. وهكذا قضى هذا القرار على شرط الكفاءة في المعلم وجودة التعليم والتربية، وأبعدها عن كل رقيب وحسيب. أضف إلى كل ذلك طرق أخرى، لا تقل استهتارا بنظام التعليم، مثل التقاعد مع طلبة الجامعات في الفصول الأخيرة أو الخريجين، لمزاولة التدريس مقابل إعطائهم أجور زهيدة. يسمى هذا المشروع محليا بإسم معلمين حق التدريس. وفي خطة أخرى تمت دعوة المتقاعدين للقيام بالتدريس تحت مسمى العمل لساعات إضافية وذلك أيضا مقابل أجور منخفضة. وبما أن أساليب تعليم أكثر المتقاعدين ومعلوماتهم، سيما في مجال التقنية، قديمة جدا، فكانت أهون النتائج تقدم الطلاب في كثير من المجالات على المعلمين أنفسهم.

وكان آخر هذه القرارات الهوجاء، في السنوات الأخيرة، مشروع معلمان طرح أمين، الذي هو عبارة عن استقطاب المعممين من الحوزات الدينية للقيام بواجب التعليم. وهكذا زج بهؤلاء في المدارس دون أي صلاحيات ومؤهلات علمية، لمجرد إثبات ولاءهم للنظام ومرشده. وبناء على هذا المشروع تم توظيف 8850 معمما في  المدارس، لغاية الآن، بناء على معلومات المدير العام لدائرة التعليم(18)

وأمام كل ذلك لا بد من التذكر بأن هذه الخطط الهزيلة، في النظام التعليمي، ليست مخصصة للأحياء والمستوطنات الفارسية، كلا.. بل هي خطط جيئ بها من أجل سد نقص المعلمين في المدارس الواقعة بالمدن والأحياء العربية التي لم يطالها الاستيطان والتفريس بعد؛ لأن مدارس المستوطنين بعيدة عن كل هذا الهزال.

هـ) فقدان المدارس وتآكل بنيتها

لم تُستثنى احصائيات التعليم عن قاعدة التعتيم والتعاطي الأمني مع جميع الاحصائيات: نظير التعداد السكاني للأحواز؛ ونسب البطالة والتوظيف فيها؛ وعدد السجناء والأسرى إلخ. ورغم ذلك تتسرب من هنا وهناك بيانات على لسان بعض المسؤولين، تظهر عدد الطلبة في المراحل الابتدائية والاعدادية (المتوسطة) والثانوية.

فبناء على هذه المعلومات غير الرسمية، والمشاهدات الميدانية، يناهز عدد الطلاب في الأحواز 1.9 مليون طالب، يحتاجون إلى 20 ألف صف دراسي كحد أدنى(19).  لا يتجاوز عدد المدارس 5500 مدرسة، 50 بالمئة منها متهالكة وغير آمنة، و25 بالمئة بحاجة إلى تهديم كلي وإعادة إعمار(20). أما طلبة مدارس «فني وحرفهاي» والجامعات المهنية (أي تلك التي تركز على تعليم المهن والحرف) فهي تعاني من نقص ملحوظ في عدد المدرسين، تفتقد لإمكانيات تعليمية عملية، لانعدام ميزانيات وورشات مزودة بأدوات وأجهزة تعليمية لازمة. 31 بالمئة من هؤلاء الطلاب يتخرج دون مزاولة جهاز أو دخول مختبر.

وطلبا للاختصار تتم الإشارة إلى أمثلة يسيرة، كمقاطعة الغيزانية وغيرها، لإثبات أزمات نظام التعليم وفقدان البنية التحتية: تتكون الغيزانية من 80 قرية وبلدة، يبلغ إجمالي سكانها 38 ألفا؛ 9 آلاف منهم طلاب مدارس. وبينما تضم هذه المنطقة 60 مدرسة، حسب الإحصاء الرسمي، 40 في المئة من هذه المدارس خالية عن أي معلم أو معلمة. وأمام احتجاج الأهالي ضد تردي أوضاع التعليم رد مدير دائرة التربية: على الأهالي أنفسهم البحث عن معلمين، فليس لدينا كادر حتى نرسله لكم(21). وغالبية المدن والقرى والضواحي المختلفة تعاني من المشاكل نفسها. فمثلا لا تعثر على مدرسة ثانوية واحدة على طول الطريق الفاصل الأحواز عن المحمرة، البالغ 120 كيلومترا، رغم امتداد عشرات البلدات والقرى والأرياف على جانبيه. أما في مدينة إِعْسَلُه، بناء على اعتراف قائم مقامها: “نقص حاد في عدد المدارس، إذ تعاني المدارس فيها من مشاكل في شبكة المياه ومن عدم توفر تيار كهربائي“(22). لم يشفع لمدارس عسلو تواجد المصانع العملاقة في قطاعي الغاز والبتروكيماويات، حتى لقبها الاحتلال بعاصمة الطاقة.

 كل المدارس والمعلمين في تناقص مطرد، وجودة التعليم هابطة، ويرغب أغلب المدرسين بالهجرة والتخلص من الحرمان في هذه المدن(23). فبنية معظم المدارس متدهورة ومتهالكة، حيث تزعج الطفل وتتعب نفسيته. تخلو هذه المدارس عن محفزات أو دوافع تحبذ تواجد الطالب فيها. فلن تجد على سبيل المثال مزرعة فيها، أو رسمة جميلة على الجدران، تخلو عن دورة مياه نظيفة فيها غسيل يد، ناهيك عن مياه نظيفة للشرب، أو كراسي للجلوس. تجد الصفوف متهالكة ومكتظة؛ يضم كل صف 40 طالبا، يتجاوز في مدارس أخرى عدد الـ50. كل كرسي يحمل طلاب ثلاث، ملتصقين ببعض، بين جدران محطمة، ومملوءة بالشتائم والكلام البذيء، ومن حولها القمامة منتشرة في في كل ساحة المدرسة. أما غالبية القرى والضواحي، فلا مندوحة لها إلا في عقد صفوفها بالكرفانات المتنقلة (الحاويات). 

وإذا كانت المدارس والمراكز التثقيفية تؤدي دورا أساسيا في توعية المجتمع والحد من تفشي الجريمة، كما يقول فيكتور هوجو: “من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن”؛ فإن حال هذه المدراس التي تتسبب بنفور الطلاب يعني قيادة المجتمع نحو الهاوية. 

و) معدل الطلاب الأحوازيين مؤشر التأزم

يعد مستوى حضور الطلاب الأحوازيين الصفوف أقل من الطلبة الإيرانيين؛ وذلك لعدة أسباب، من أهمها:

  •  النقص الحاد في عدد المعلمين وبدء العام الدراسي بتأخير: فالعام الدارسي، في أفضل الأحوال، لا يبدأ إلا بعد 10 أيام من السنة الدراسية.
  •  وارتفاع درجات الحرارة وانعدام وسائل التكييف وفقدان مياه الشرب الصالحة.
  •  والعطلات الناتجة عن العواصف الترابية، والحوادث الطارئة، مثل انقطاع التيار الكهربائي، وانقطاع المياه.
  • وامتداد عطلة عيد الفرس، عيد النوروز، إلى شهر كامل، بسبب التسويف الإداري والفوضى الحاكمة على التعليم. فالمدارس تغلق أبوابها قبل بدء العطلة الرسمية بعشرة أيام، ولا تعود للدارسة إلا عشرة أيام بعد انتهاء العطلة الرسمية؛ مقارنة بمدارس إيران. 
  • تعطيل المدارس لسبب جديد هو اشتداد الحر بفعل الجفاف إثر مصادرة مياه الأحواز وتجفيف أنهارها وأهوارها، حيث يتم تعطيل المدارس عند بداية الصيف بعشرين يوما قبل باقي المدارس الإيرانية(24).  وهكذا يكون إجمالي معدل العطلات في العام الدراسي الواحد، 60 يوما.

 ولو ضربنا هذا العدد على فترة 12 عاما أي حتى نهاية المرحلة الدراسية الثانوية، يكون حضور الطلبة الإيرانيين 720 يوما، أكثر من حضور طلبة الأحواز. وبعبارة أخرى تبلغ الفترة الزمنية لحضور طلبة الأحواز في المدارس، في أفضل الأحوال، 9 سنوات،  بدلا 12 سنة حتى إكمال الثانوية.

ليس هذا فحسب، بل إن معدل ساعات حضور الطلاب الأحوازيين في الصفوف، هي أقل من الطلبة الإيرانيين: إذ لا تتجاوز فترة تواجد الطلاب في الصف 3 ساعات و30 دقيقة، هذا إذا سلمنا جدلا بأن هذا الوقت كله مفيد ومثمر من الناحية التعليمية. أما الطالب الإيراني يتواجد في الصفوف حوالي 4 ساعات و15 دقيقة. وذلك يظهر فرقا يوميا يبلغ 45 دقيقة. ولو جمعنا هذا الوقت طيلة سنين الدراسة، حينها يظهر البون الشاسع بين مدارس الأحواز وإيران، في فترة الدارسة الطلابية البالغة 12 عاما.

ز) سوء التغذية في مدارس الأحواز

يحذر خبراء التغذية مرارا من تفشي ظاهرة سوء التغذية بين الطلبة الأحوازيين، مطالبين مؤسسة الرعاية الاجتماعية بالتدخل، بعد تأكيد عدة دراسات ميدانية على ذهاب الطلاب للمدارس دون تناول وجبة الفطور وعدم تقديم المدرسة وجبة الغداء لهم. لقد تسبب الفقر والحرمان، والبطالة، وانعدام وعي الوالدين بأثر التغذية الصحية على الدارسة، وضرورتها في النمو الذهني والجسمي للأطفال، بضعف جسدي وذهني، وبانخفاض قدرة التركيز والاستيعاب الدراسي بين الطلاب. لذلك يعاني الكثير من الطلاب من انعدام الحيوية، والخمول وتشتت الانتباه والكسل والملل، لمعاناة أبدانهم من فقر الدم وافتقارها للمواد الأساسية مثل الفيتامينات والبروتينات الحيوية للجسم السليم. 

كما أفضى تعطيل الحصة الرياضية وعدم تخصيص مدربين حرفيين لها، إلى قلة النشاط والحراك البدني، وأعدم أدوات التسلية، وأفقد الطلاب محفزات الرياضة في بيئة المدرسة. وكلها أسباب لها أثرها السلبي على عملية التعليم برمته، وفي تأزم البيئة الدراسية ونفور الطلاب عنها(25)

  1. الأسباب العامة لأزمة النظام التعليمي الإيراني

ألف) فساد عملية استقطاب المعلمين

يعد المعلم أحد أركان التنمية والتقدم، وعمود تربية جيل ناجح. يحتل المعلم دورا حيويا في عملية التنشئة، مما جعل طريقة اختياره في البلاد المتقدمة دقيقة جدا، حيث يتم انتقاءه من بين الطلاب الناجحين، أصحاب المؤهلات القوية، ليتم تدريبه وتربيته، فيما بعد، في معهد المعلمين وليزود بالمهارات الكافية لتمكينه وتحويله إلى معلم مؤهل قادر على المساهمة الصحيحة في تنشئة الأجيال القادمة لإدارة البلاد. وعلى عكس كل ذلك فإن طريقة اختيار المعلمين في إيران مختلفة تماما، تتم عبر استقطاب ولائي، لا ينجح فيه سوى من يعلن ولائه لنظام الحكم. 

وتستقطب مؤسسة التعليم، في أكثر الحالات، المعلمين من بين خريجي الجامعات، وعبر اختبارات روتينية، دون إعدادهم وتربيتهم بمعهد المعلمين. وذلك من أجل تجاوز عقبة الصرف على تدريبهم مهنيا لفترة 4 سنوات، حسب عقليتهم، متناسين أن خريج الجامعة لا يمكن أن يكون معلما ناجحا بمجرد حصوله على الشهادة الجامعية.

ب) الضيق الاقتصادي للمعلم وتهميشه

يعاني المعلم كثيرا من الوضع المعيشي المتردي، ويعد راتبه الأقل مقارنة بسائر الدوائر الحكومية. لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري للمعلم حاليا 250 دولارا أميركيا، وهو لا يغطي النفقات اليومية ولا التكاليف الشهرية. لذلك يعيش غالبية المعلمين دون خط الفقر، مما يضطرهم للبحث عن دخل آخر، خاصة أولئك الذين لا يملكون سكنا، أو لديهم عوائل كبيرة وأبناء يدرسون في الجامعات. 

وهذا الراتب المتدني يضع المعلم أمام خيارين: إما يقوم بمزاولة التدريس في ساعات إضافية، أو يلجأ إلى أعمال أخرى مثل العمل سائقا، أو فتح محلات بيع صغيرة إلخ. ولا شك بأن حالة عدم الرضا هذه، وانشغال المعلم بهواجس معيشية، وانعدام فسحة زمنية لتطوير المعلومات والتفكير، تنعكس سلبا على عملية التعليم برمتها. وعندما تجتمع كل هذه الأسباب فلن تكون الحصيلة سوى تأزم التعليم وانخفاض جودته. 

كما أن وقوع المعلم تحت الحاجة الاقتصادية والمعيشية الملحة تجعله عرضة لقبول الرشاوى وتفشي الفساد الظاهر على: بعض المخالفات التعليمية، والتحايل المتمثل في ظاهرة التدريس الخاص في البيوت، وبيع الاسئلة إلخ، مما يصيب عملية التعليم بالسقوط و تهاوي قيمة التعليم والمعلم معا.

كما قضى الفقر المعيشي بين المعلمين على الدافع والرغبة في مواصلة الدراسات العليا، خاصة أن وزارة التربية لا تشجعه ولا تمنحه أية تسهيلات، مثل الترفيع أو زيادة الراتب بالقدر الملحوظ. تشارك وزارة التربية، بشكل مباشر، في تجويع المعلم، وعدم تمتعه بالمكانة الاجتماعية اللائقة، مما جعل الطلاب أنفسهم يبتعدون كليا عن اختيار مهنة المعلم.

ج) أساليب التعليم التقليدية

أساليب التعليم في عموم إيران متخلفة، ولاسيما في مدارس الأحواز، ولا تزال بدائية تفتقر إلى أبسط الإمكانيات. فلن تجد أثرا لتقنيات التعليم الحديثة، مثل الشاشات الذكية أو أجهزة عرض البيانات (بروجكتور) أو أجهزة بث الكترونية؛ كما لا توجد مختبرات مزودة بأجهزة ومواد تعليمية؛ ولا توجد مكتبات أو صالات للقراءة أو الامتحان؛ ولا توجد برامج لرحلات علمية أو زيارة المتاحف والمعارض.

 لا تزال تركز أساليب التعليم التقليدية هذه على الحفظ وتخزين المعلومات، ثم استفراغها في موعد الامتحان. لا يتعلم الطالب في هذه المدارس التخطيط أو النظم، ولا يعي قيمة الوقت، ولا نمط الحياة السليمة، ولا طرق النجاح وأساليب التقدم.لا يهتم النظام التعليمي بقابليات الفهم والاستيعاب، ولا ينمي قدرة التحليل وتطوير المهارات والحصول على كفاءات. إنه لا يعلم أصلا أساليب البحث العلمي، بل كل ما هنالك نسخ ولصق للمعلومات.

وهذا ما تجده في الدراسات العليا بالتحديد إذ هي عبارة عن دراسات عليا لسرقة المعلومات ليس إلا. هذا النظام التعليمي لا يعلم الفرد المهارات اللازمة للحياة ولا طرق حل المشاكل على أسس منطقية، بل أصبح بنفسه مصدر قلق، ينتج التوتر والكآبة وانخفاض الدافع وهبوط تقدير الذات. يشعر الطلاب والمعلمون معا بالنفور من المدارس ومن البعض، ولا يرغبون الحضور فيها، وكثيرا ما يتمنون العطلات وينتظرونها باشتياق.

د)  توقف الدعم الحكومي من المدارس

أوقفت الحكومة الإيرانية دعم المدارس، منذ سنين. كل مصاريف المدارس تؤخذ من الرسوم المفروضة على الطلاب. وعلى الرغم من مواد الدستور التي أقرت بوجوب مجانية التعليم تدار جميع المدارس بالرسوم التي يدفعها الطلاب.

وهذا بالتحديد خلق انشطارا في التعليم بنويا وطبقيا: بنيويا من حيث انقسام التعليم إلى تعليم خاص يتمثل بالمدارس الخاصة والجامعات الأهلية، والمدارس والجامعات الحكومية؛ واقتصاديا من حيث دراسة الأكثرية الفقيرة في بنية النظام التعليمي الحكومي المتهالك، وأقلية تتمتع بأفضل مستويات الدراسة في النظام التعليمي الخاص.  ويكفي مثالا في جدية الاحتلال الإيراني في تخليه عن دعم المدارس، ما فعلته شركة الكهرباء في الأحواز، حين أقدمت على قطع التيار الكهربائي عن مدرسة، بمجرد تأخرها في تسديد تكلفة الكهرباء، وذلك أثناء الامتحانات الوزارية للصف 12 وفي ذروة الصيف حيث درجة الحرارة تبلغ 50 درجة.

ومن خلال تحديد الميزانيات للعام القادم (2026) بإمكان المتتبع أن يكشف درجة اهتمام النظام بالتعليم والانفاق عليه. تشير هذه الميزانيات إلى تصدر الحرس والقوات المسلحة المستوى الأول في الإنفاق؛ ثم يليه مؤسسات الخطاب الأيديولوجي الطائفي؛ ثم وزارة الاتصالات. أما التربية والتعليم، والجيل الواعد، فكلها مؤجلة الى إشعار غير مسمى، حيث تقوقعت التربية والتعليم ذيل القائمة. وفي موقف يكشف عمق الأزمة أوصت وزارة التربية المدارس بتشجيع الطلاب على إعادة كتبهم المستعملة، حتى يتسنى للمدارس توفير بعض الميزانية من خلال بيعها إلى محلات إعادة التدوير(26).

هـ) التسرب المدرسي

التسرب المدرسي هو إهدار تربوي هائل، وتأثيره السلبي يطال جميع مناحي المجتمع وفئاته. فهو يزيد من حجم الأمية، ويضعف البنية الفكرية والمعرفية للمجتمع، ويترك الساحة للتعصب والنعرات الضيقة والتحزب، ويفشي العطالة الفكرية.

يعادل التسرب الدراسي تفشي الأمية، وازدياد حجم المشكلات الاجتماعية، وانحراف المراهقين، وتورطهم بالجنح: كالسرقة والاشتباكات العشوائية والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، وتعاطي المخدرات إلخ. وكل ذلك يعني بوضوح دخول المجتمع في دوامة من المشاكل. كما يؤدي التسرب إلى استمرار الجهل والتخلف، ومن ثم سيطرة العادات والتقاليد والقيم البالية التي تحد وتعوق تطور المجتمع، حتى يصبح المجتمع جاهلا بحقوقه، ويتحول إلى مجتمع مقهور وخاضع، لأنه عاجز عن التحول إلى مجتمع سيد وحر(27)

الاستنتاج

لقد حاولت هذه الدراسة التطرق إلى بعض المشاكل والمعاطب التي يعاني منها النظام التعليمي الخاص بالاحتلال الإيراني، على سبيل التوثيق واليسر. ولذلك قسمت أهم وجوه تأزم هذا النظام إلى أسباب خاصة وعامة.

من الأسباب الخاصة هي: الفقر والبطالة الممنهجة والحرمان الشديد؛ وقلة المدارس والنقص الحاد في عدد المدرسين ونزوح المعلمين المتمرسين؛ وارتفاع نسبة المتسربين من الدراسة وتفشي الأمية؛ والتعمد في تغيب الطلبة الأحوازيين عن المدارس مقارنة بنظرائهم في المناطق الإيرانية؛ ناهيك عن معاناة معظم الطلبة من سوء التغذية.

والأسباب العامة هي: فساد عملية استقطاب المعلمين، والضيق الاقتصادي للمعلم وتهميشه، وأساليب التعليم التقليدية، وتوقف الدعم الحكومي من المدارس، والتسرب الدراسي. 

 

رحيم حميد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات

 

 

المصادر والهوامش

 

  1. سعيد بوسامر، أنا لغتي، الأحواز: نشر قهوه. 
  2. عبد النبي قيم، بانصد سال تاريخ خوزستان، تهران: نشر اختران. 
  3. إنعام مهدي علي السلمان، حكم الشيخ خزعل في الأحواز، مكتبة دار الكندي، بغداد، ص21 و22.
  4.  لا يزال معيار الأمية في إيران يحدد بعدم القدرة على القراءة والكتابة.
  5. .(عصر ما الأهواز 2019/1/1).
  6. في تصريح له كان المدير العام للشؤون الاجتماعية والثقافية في الأحواز، مهرداد موسوي، قد حذر من أن 30 ألف طالب انقطعوا عن التعليم بسبب عدم فهمهم لغة التعليم. وبدلا عن التطرق لهذا السبب الرئيس ألقى باللوم على الوالدين لأنهم يعلمون أبناءهم العربية فقط، وأخذ يحذر من اللغات الأجنبية، بالتزامن مع إعلانه عن تأسيس أمانة عامة لتعزيز الفارسية في الأحواز.(وكالة انباء رهياب نيوز2021/9/20).
  7. صدر قرار دولي في 16 مايو 2007، برقم A/ERS/61/266، أكدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة ضرورة محافظة الدول الأعضاء على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها. وضربا منه بكل القرارات الأممية ينتهك الاحتلال الإيراني كل هذه القرارات بشكل ممنهج.
  8. حدد البنك المركزي الإيراني معيار خط الفقر لعام 2021 حسب التضخم المرتفع بمتوسط الدخل الشهري 360 إلى 400 دولارا أمريكيا لكل أسرة مكونة من 4 أفراد، وإن أخذنا هذا المعيار بعين الاعتبار وعممناه على الأحوازيين بأسرهم التي تفوق هذا العدد المحدد، تأكدنا من أن أكثر من 90 في المئة منهم يعيشون دون خط الفقر.
  9. . رحيم حميد  2020/3/17 ،أطفال الأحواز جياع ومتضررين مرغمون على العمل- معهد واشنطن.( https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/ahwazi-children-iran-starving-abused-and-forced-work) 
  10. موقع تابناك رمز الخبر 792871-2019/10/30.
  11. وكالة انباء ايلنا رمز الخبر 113216.
  12. قناة BBCالفارسية 2020/11/26.
  13. موقع تابناك، رمز الخبر1004009 ، 2020/9/21
  14. وكالة انباء جمهوري اسلامي، رمز الخبر 993، 2021/7/29.
  15. ديويد مناشري، نظام آموزشي وساختن ايران مدرن، عرفان بادامجي، تهران: نشر سينا.   
  16. .رحيم حميد، النظام التعليمي الجديد في إيران؛ تكميم للأفواه وإدانة للغات غير الفارسية. 8يوليو2019Washington institute.org
  17. وكالة أنباء جمهوري اسلامي 2021/12/7.
  18. وكالة أنباء صدا وسيما رمز الخبر3149963.
  19. وكالة انباء خورنا رمز الخبر 142313.
  20. وكالة انباء خانه ملت 2020/9/21.
  21. منظمة حقوق الإنسان الأهوازية 26سبتمبر/إيلول 2017.
  22. وكالة أنباء مهر،  2021/11/29.  
  23. وكالة انباء جمهوري اسلامي، رمز الخبر 83049237، 2018/9/30.
  24. وكالة أنباء مهر 2018/1/30
  25. وكالة أنباء إيسنا ، رمز الخبر 11731.
  26.  وكالة انباء تسنيم،  12 ديسمبر 2021.
  27.  وجدير بالذكر أن خلال فترة تفشي جائحة كورونا إزداد طين التعليم الهش بلة، مما سبب في ارتفاع نسبة المتسربين من التعليم في المرحلة الابتدائية في مدارس الأحواز. .(وكالة انباء جمهوري اسلامي 2021/11/30).

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"