الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتمتطلبات النفوذ: دوافع ودلالات استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية

متطلبات النفوذ: دوافع ودلالات استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

على مدار الشهور السابقة قد تبلورت رؤية عربية سياسية موحدة إزاء بعض العلاقات في النسق الإقليمي، أفضى عنه مؤخرًا لتقارب سعودي- تركي، وكذلك مصري -قطري من جانب ومصري –تركي من جانب اْخر، وكان أبز هذا التحول مؤخرًا هو إعلان إيران والسعودية استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بوساطة ورعاية صينية، بعدما عقدت لقاءات رسمية في بكين بين الأطراف الثلاثة وكذلك بعد اللقاءات  التي جمعت الطرفين الإيراني والسعودي في بغداد وعمان عبر الشهور الماضية، ويشمل الاتفاق إعادة فتح السفارات، في غضون شهرين، والتعاون الأمني، واتفقت كل من المملكة العربية السعودية التي مثلها “مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني” وإيران التي مثلها “علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي” على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة عام 2001،  وأيضا تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار  الموقعة عام  1998، جاء ذلك ضمن بنود الاتفاق الذى وقعته الدولتان فى بكين لإستئناف العلاقات بين البلدين.

دوافع إيرانية وراء استئناف العلاقات مع السعودية

يمكن القول أن هناك العديد من المرتكزات الهامة التي انطلقت منها إيران في محاولة منها لنهج استراتيجية جديدة تجاة الدول العربية  والخليجية وذلك  انطلاقًا مما يلي:-

  • الوضع الاقتصادي المتدهور في الداخل الإيراني:

مع  استمرار الريال الإيراني في تسجيل انخفاض مقابل الدولار الأميركي وكذلك اتجاة مؤشرات التنمية الاقتصادية في إيران نحو الإنحدار فإن تطبيع علاقات مع الدول الخليجية سيكون له انعكاسًا إيجابيًا على الوضع الاقتصادي الداخلي ولاسيما أن هذا الاستئناف في العلاقات ربما يسمح للمملكة العربية السعودية في المستقبل للقيام بدور الوساطة لإبرام الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية وبالتالي على المدى البعيد يتم إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.

  • توجس إيران من وجود نوايا إقليمية بالإعداد لتوجيه ضربة عسكرية للداخل الإيراني:

خاصة بعد النشاط الدبلوماسي التي قامت به الإدارة الأمريكية عبر زيارات أرفع القيادات الأمريكية للمنطقة،  وذلك  ليس فقط في الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأمريكي؛ جاك سوليفان،  حيث زار فيها إسرائيل وأكد على التزام الولايات المتحدة  بأمن إسرائيل وناقش التحديات الإقليمية ومن بينها إيران ([1]) وإنما ايضًا  الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي ؛ ديفيد اوستن،  للمنطقة حيث زار “إسرائيل والأردن ومصر “([2]) كل تلك المعطيات ربما شكلت رؤية لدى طهران حول مدى جاهزية رؤية إقليمية مؤخرًا لتوجيه ضربة عسكرية لها، ولاسيما مع صعود بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء في إسرائيل وتشكيله أكثر حكومة يمنية متطرفة في تاريخ إسرائيل.

دوافع الوساطة الصينية

أثار التصاعد المتنامي للصين  في منطقة الشرق الأوسط  حفيظة واشنطن والتي تعتبر الصين “التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية” للولايات المتحدة وذلك في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2022.

ومن ثم فإن  النفوذ الصيني في المنطقة اثار العديد من التساؤلات من بينها ما الأهداف التي تسعى إليها الصين من زيادة وتيرة هذا الوجود؟ والذي ينعكس بطبيعته على التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين بكين والدول المحورية في هذا الإقليم. ويرجع ذلك لدلالتين كما يلي:-

  • زيادة النشاط الصيني في مناطق النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط:

تاريخيًا عرفت السياسة الخارجية الصينية الموجهة للشرق الأوسط بأنها اقتصادية تنافسية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة ولكن مؤخرأً شهدت هذه السياسة الخارجية تحولاً جذريًأ في تعاطيها مع الأزمات السياسية في  الشرق الأوسط، ليس فقط جاءت الوساطة الصينية بين إيران والمملكة العربية السعودية في محاولة للتقريب بين البلدين كجزء من السياسة الخارجية الصينية الجديدة الموجهة للشرق الأوسط من جانب انما جاءت أيضًا لزيادة النفوذ الصيني ضد النفوذ الأمريكي الذي بات ضعيفًا عقب الإنسحاب الأمريكي الاستراتيجي من المنطقة وذلك عقب ثلاث إدارات أمريكية متتالية وهم باراك اوباما وترامب وبايدن، وذلك من خلال اتباع سياسية الانسحاب العشوائي من المنطقة كان أخرها في افغانستان ديسمبر 2021.

  • برجماتية صينية وراء التقارب السعودي الإيراني:

إن تقاربًا في العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية سيعزز من شرعية التواجد الصيني في بعض دول المنطقة العربية وسيكون له انعكاسات اقتصادية ايجابية على الصين ولا سيما  بعد التقارب السعودي الإيراني وذلك على الأزمات في المنطقة “اليمن –سوريا-العراق ولبنان” وذلك من خلال تضافرالجهود في التوصل لحلول سياسية في هذه البلاد والذي من شأنه أن يكون له انعكاس على التواجد الصيني عبر التنمية الاقتصادية والإعمار في تلك البلاد.

عطفًا على ما سبق فإن توجه الصين نحو بعض المناطق المتضررة من الحروب ربما يأتي من زاوية الاتجاة الصيني المتنامي في زيادة التعاون الاقتصادي مع بلدان تلك الدول نظرًا للعوائد الاقتصادية،  حيث تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين سوريا والصين يناير 2022،  في إطار مبادرة (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين (وقال السفير الصيني في دمشق فنغ بياو؛  في كلمة عقب التوقع على مذكرة التفاهم إن توقيع مذكرة التفاهم يعمق التعاون بين البلدين بما يقدم أكبر مساهمة في إعادة الإعمار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في سوريا.([3])

 وبالتالي فإن الوساطة الصينية لاستئناف العلاقات السعودية-الإيرانية ربما سيفتح مجالًأ للشركات الصينية في المستقبل للقيام بعملية إعادة الإعمار والتنمية في تلك البلدان بل أن الاستقرار السياسي في المنطقة سينعكس على الشراكات الاقتصادية الثنائية بين الصين وتلك البلدان وهو الدور الذي تحاول فيه بكين أن تجد لها دوراً فيه وذلك من مدخل الرياض-طهران.

انعكاسات دولية للنفوذ الصيني في الشرق الأوسط

أثار النمو الهائل للعلاقات الصينية – العربية في الفترة الأخيرة مخاوف الولايات المتحدة من الدور والحضور المتنامي للصين في منطقة الشرق الأوسط،  وتعتبر تلك المناطق تاريخياً  مناطق نفوذ أمريكية ولم يسبق لها أن شهدت نفوذاً سياسيًأ صينياً، والذي زاد بوتيرة سريعة على كافة المستويات في الفترة الأخيرة؛ وقد جاءت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ ديسمبر 2022 ،([4]) لحضور القمة الصينية- العربية الأولى وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي، والقيام بزيارة المملكة العربية السعودية وكذلك الوساطة الصينية في استئناف العلاقات السعودية الإيرانية للتأكيد على تزايد هذا النفوذ  السياسي والاقتصادي في المنطقة.

ومن الجدير ذكره أن الصين تبذل جهودًا متعددة في هذا الاتجاة لزيادة هذا النفوذ والذي ربما يكون له انعكاسات على صراع النفوذ الصيني الأمريكي داخل إقليم الشرق الأوسط أو خارجة وذلك على النحو التالي:-

  • النفوذ العسكري الأمريكي في مقابل النفوذ السياسي للصين في الشرق الأوسط.

 تحتفظ الولايات المتحدة بوجودٍ عسكريٍ إستراتيجيٍ مهمّ في الشرق الأوسط، من أجل الحفاظ على مصالحها، وتُعتبر القواعدُ العسكرية والانتشار العسكري الأمريكي مظلَّة حمايةٍ للأمن والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، كما تمتلكُ الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتٍ اقتصادية إستراتيجية في الشرق الأوسط فهي شريكٌ لدول الخليج في استخراج وتصدير النفط قديمًا، وحاليًا هي من أكبر الشُركاء التجاريين والاستثماريين لكثيرٍ من دول الشرق الأوسط، وتعتمد عليها المنطقة في توفير الخدمات والمنتجات عالية التقنية؛ كالمعدّات الصناعية والطبِّية التكنولوجية والاستهلاكية والآلات ووسائل النقل وقطع الغيار.  وبلغ حجمُ التجارة بينهما 113 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لصندوق النقد الدولي بينما بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الشرق الأوسط حوالي 75مليار دولار، خلال الفترة من 2000 إلى2019، وفي المقابل تستثمر كثيرٌ من دول المنطقة مئات مليارات الدولارات من مدّخراتها السيادية في الولايات المتحدة.([5])

في المقابل، فإنَّ الصين تحتفظُ بوجودٍ أمنيٍ محدود لحماية مشاريعها الاقتصادية واستثماراتها ومواطنيها، أو ما يُسمِّيه البعض بوجودٍ عسكريٍ ناعم، ووجودٍ عسكريٍ محدود لحماية حركة التجارة عند الممرّات الإستراتيجية  وبالتالي يرتكز حضور الصين على الاقتصاد بالأساس..

بالتالي يمكن القول أن وفقًا للعلاقات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي تجمع الولايات المتحدة بالدول الخليجية والعربية فإنه من الصعب أن تلعب بكين دور بديل للدور الأمريكي في المنطقة، وانما وفقًا للنفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني المتزايد وتيرته في الشرق الأوسط من شأنه أن يضغط  في اتجاة زيادة وتيرة النفوذ والتنافس العسكري-الاقتصادي  الأمريكي  في المنطقة الموجه ضد الصين وبالتالي فإن ذلك سيكون له انعكاسات استراتيجية سلبية على منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط انطلاقًا من معضلة التوازن الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في هذه المنطقة.

  • احتمالية زيادة النفوذ العسكري الأمريكي في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.

لعل زيادة حضور الصين الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط،   سينعكس بدوره على احتمالية زيادة  الوجود الأمريكي في بحر الصين الجنوبي والمحيطين الهاديء والهندي عن طريق تحالف أوكوس الذي يضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أو عبر زيادة النشاط العسكري الأمريكي مع حلفاء الولايات المتحدة الاْسيان في تلك المنطقة، وذلك عن طريق زيادة حدة التعاون والدعم العسكري لتايوان أو زيادة المناورات العسكرية معها، بالإضافة لزيادة التواجد العسكري الأمريكي حول اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وزيادة تعزيز الشراكة العسكرية.

التقارب السعودي-الإيراني وانعكاساته على المنطقة

من دون شك سينعكس التقارب السعودي-الإيراني على ايجاد حلول سياسية في   الملفات  العالقة بين الجانبين في الشرق الأوسط،   وذلك منذ تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في بعض البلدان عقب الثورات العربية 2011، ولا سيما المناطق التي تعتبرها طهران مناطق نفوذ لها في المنطقة وهي اليمن وسوريا والعراق ولبنان. ويبدو ان هناك رغبة إيرانية في تخفيض التوتر القائم بين الجانبين الخليجي الإيراني وذلك بعد تصريح الخارجية الإيرانية عقب الإعلان عن استئناف العلاقات بوساطة صينية في بكين  على أن سياستها الخارجية اتخذت خطوة مهمة في سياق التطبيق العملي لعقيدة السياسة الخارجية المتوازنة والدبلوماسية الديناميكية والتفاعل الذكي وفي اتجاه تجسيد سياسة الجوار واستكمال الخطوات الفعالة السابقة)[6])

أولًا:  مناطق النفوذ الإيرانية
  • اليمن؛ تعتبر الأزمة اليمينة من أكثر الأزمات تأثيرًا على الأمن القومي السعودي-الخليجي، وذلك بسبب الاستهداف الحوثي المتكرر للأراضي السعودية وكذلك الإماراتية في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن التقارب السعودي الإيراني سينعكس بشكل سريع ومباشر على هذه الأزمة، فعقب الإعلان عن التوصل لإتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، أكد محمد عبدالسلام المتحدث باسم جماعة “أنصار الله” اليمنية (الحوثيون) أن المنطقة “بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها([7])
  • سوريا؛ شهدت العلاقات العربية السورية مؤخرَا زخمًا سياسيًا ، فقد قام الرئيس السوري، بشار الأسد، بأول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل 11 عامًا. مارس 2022،([8])   ومن ثم عقب الزلزال الأخير الذي اجتاح الشمال السوري فقد جاء التضامن العربي مع سوريا عن طريق  وصول وفد رفيع ضم عدداً من رؤساء برلمانات عربية إلى دمشق([9])

 وبالتالي ربما تشهد العلاقات العربية السورية مزيداً من التعاون والتنسيق عقب التقارب السعودي الإيراني ولا سيما بعد تصريح الخارجية السورية عن “ترحيبها” بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وقالت إن “هذه الخطوة ستعزز الأمن والاستقرار بالمنطقة“.([10]) ومن ثم فإن سوريا تعتبر من أكبر الدول التي شهدت وتشهد المزيد من النفوذ الإيراني في الدول العربية، وبالتالي من الممكن التوصل لحل يخفض هذا النفوذ  الإيراني داخل سوريا بما يحفظ العلاقات الإيرانية السورية.. 

  • لبنان؛ من الجدير ذكره أن التقارب السياسي والاقتصادي في العلاقات السعودية الإيرانية سيكون له انعكاس إيجابي على الأزمتين السياسية والاقتصادية  التي يشهدهما لبنان، فمن جانب فإن ذلك سينشط من الدور السعودي في الملف اللبناني مرة أخرى وخاصة فيما يتعلق بالملف السياسي ودور حزب الله وذلك على غرار التدخل السعودي لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، وقامت السعودية إزاء هذا الأمر بمحاولة التدخل بين هذه الأطراف المتحاربة والمحتدمة في محاولة منها لإنهاء هذه الحرب الأهلية وذلك عبر مؤتمر الطائف الذي أسفر عن اتفاق الطائف 1989،  وهو الاتفاق الذي وضع اللبنات الاولى لحلم السلام اللبناني بعد أربعة عشر عامًا من الحروب في لبنان، ومن جانب اْخر سيفتح هذا التقارب افاقًا جديدة للبنان مع المحور الخليجي العربي بعدما كان منغلقًا بسبب السياسية التي اتبعها حزب الله. وخاصة بعد تأكيد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بعد الاتفاق السعودي الإيراني،  “أن التقارب السعودي الإيراني لن يكون على حساب شعوب المنطقة، وإنما لمصلحتها، في حال سار التقارب السعودي الإيراني في المسار الطبيعي فيمكن أن يفتح آفاقا في المنطقة وفي لبنان أيضا”.([11])

 

ثانيًا: ملفات التمدد الإيراني في الخليج العربي

السعودية-البحرين

منذ اندلاع الثورة الإيرانية نهاية سبعينيات الماضي، وتسعى طهران إلى اختراق المجتمعات الخليجية عبر تأليب المواطنين الشيعة الموجودين فيها، وتوظيفهم في الضغط على دولهم، بل وتعاملت معهم باعتبارهم امتداداً جغرافياً وديموجرافياً لها. وطيلة السنوات الماضية، كانت إيران تحاول تحريض شيعة السعودية ضد المملكة  العربية السعودية، تارة بإثارة مطالب اقتصادية خاصة بهم، وتارة أخرى بإشراكهم في الحكم، بل وصل الأمر إلى التدخل مباشرة في أحكام القضاء السعودي، احتجاجاً على إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر في يناير من العام 2016([12])

عانت معظم دول الخليج من التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لها، وعلى رأسهم مملكة البحرين حيث برز تصعيد إيران ضد البحرين عام 1968، حين طالبت إيران بضم البحرين لأراضيها بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة. أما عام 1981، فتم إحباط محاولة انقلاب مسلح في البحرين دعمته إيران، رغم ذلك، استمر التصعيد الإيراني في الجزيرة، حيث تم الكشف عام 1996 في البحرين عن تنظيم سري باسم “حزب الله” تآمر لقلب نظام الحكم. وفي عام 2011، قُتل 19 من رجال الأمن البحرينيين في مواجهات مع خلايا إيران في المملكة.وفي هذا السياق، تم في 2013، ضبط مستودع لمواد تصنيع المتفجرات تابع لخلايا موالية لإيران. وقد صدر عام 2016 أحكام صارمة ضد مؤسسي جماعة “حزب الله البحريني” الموالية لإيران).[13])

نتيجة للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين فقد ساءت العلاقات البحرينية الإيرانية كان أخرها قرار البحرين إغلاق بعثتها الدبلوماسية لدى إيران وسحب جميع أعضاء بعثتها، على أن تشرع في اتخاذ الإجراءات المترتبة على تنفيذ قرار قطع العلاقات مع إيران وكان ذلك عقب قطع السعودية العلاقات مع إيران عام 2016([14])

لعل أبرز الانعكاسات التي ربما ستجنيها دول الخليج العربي  في حال توطدت وتماسكت العلاقات السعودية الإيرانية هو مطالبة إيران بضمانات تحد من النشاط الإيراني والتدخل الإيراني في شؤون الدول الخليجية وكذلك وقف نشر تصدير الثورة الإيرانية والتشييع في الجوار العربي وعلى رأسهم مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية.

 

ملفات تهديد الأمن القومي الخليجي

تتمثل أبرز مظاهر تهديد إيران للأمن القومي الخليجي فيما يلي:

اْولاً : الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)

عدم الاستجابة للجهود الدبلوماسية والسياسية لحل هذه القضية، وتنقد أية مواقف عربية وإسلامية تدعم سيادة الإمارات على هذه الجزر، حيث زعمت وزارة الخارجية الإيرانية  في بيان أن “إعلان أبوظبي” الصادر عن المؤتمر الـ46 لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في شهر مارس 2019 لم يأخذ باعتراضها وبعض الوفود الأخرى التي لم تسمها حول فقرة الجزر الثلاث.

ثانيًا:  السيطرة على الممرات والمضايق المائية

 تولي إيران اهتماماً استثنائياً بتعزيز تواجدها في الممرات والمضايق المائية في المنطقة(هرمز-باب المندب- خليج عدن)، وتشير التحركات والتصريحات الرسمية للقادة الإيرانيين، إلى أن إيران تسعى للانفراد بمصير مضيق هرمز دون سواها، برغم الأحقية التاريخية لسلطنة عمان في ذلك وممارستها لهذا الحق، وهي تسعى من خلال ذلك لجلب ميزة أخرى تضاف إلى الميزات الجيوسياسية والجيوستراتيجية للموقع البحري أو المائي لإيران، الممتد من بحيرة قزوين شمالاً، مروراً بشط العرب شرقاً، وبالخليج العربي إلى بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً([15])

مما لا شك فيه أن استئنافًا للعلاقات بين طهران والرياض مع تعهد الجانبين بعودة التنسيق حول القضايا العالقة بوساطة صينية، ونستطيع القول إن الاتفاق من شأنه تعزيز هذا التوجه حول الإنعكاسات الحتمية على مناطق النفوذ الإيراني سواء في اليمن أو سوريا أو لبنان وربما  ايضًا سيحد من التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول الخليجية مع إيجاد مخرج لإيقاف التهديدات الإيرانية في منطقة الخليج العربي.

سيناريوهات التوافق السعودي الإيراني

السيناريو الأول:

على المدى القصير في ظل التفاهم والتوافق الذي توصلت له بكين عبر الوساطة لإستئناف العلاقات السعودية الإيرانية وتبنى بكين لمسار التفاوض  بين الطرفين في بكين الأشهر القادمة،  فإن سيناريو التطبيع الكامل للعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين ومن ثم التوافق حول حلّ بعض الملفات العالقة بين السعودية وإيران، هو الأقرب والأرجح في الفترة المقبلة.

السيناريو الثاني:

على المدى البعيد وهو في حالة عدم توافق طهران والرياض  حول الضمانات السياسية المتبادلة عبر التفاوض في بكين في الأشهر القادمة وبالتالي ستعود نقطة العلاقات الثنائية إلى محورها السابق قبل الوساطة الصينية.

بناءًا على المعطيات السابقة حول تصريحات طهران فور الاتفاق مع السعودية في انتهاج سياسة اقليمية خالية من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية  فإن السيناريو الأول يبقى هو الأرجح في الفترة المقبلة.

ختامًا

من خلال ما سبق يتضح أن هناك مصالح ثلاثية متبادلة مشتركة سواء من الصين من وراء القيام بدور الوساطة بين السعودية وإيران، أو من خلال التقارب الإيراني السعودي ذاته، وبالتالي يمكن القول أن الاستراتيجية الصينية الجديدة التي تتبعها الصين والمتزايدة حضورها في الشرق الأوسط مع الدوافع الصينية من وراء زيادة هذا الحضور، ربما سيفتح الباب نحو المزيد من النفوذ السياسي بدوافع اقتصادية صينية في المنطقة وبالتالي ينعكس ذلك على وتيرة التوتر بين واشنطن وبكين سواء داخل إقليم الشرق الأوسط أو خارجه في المحيطين الهادئ والهندي هذا من جانب،  فمن جانب أخر فإن زيادة هذا النفوذ ربما يمكن بكين في القيام بمزيد من النشاط الدبلوماسي للعب دور أكبر في ايجاد حلول لبعض الأزمات السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية.

 يمكن القول أن التعاون المتزايد بين الصين والدول العربية سينعكس ايجابًا على التنمية الاقتصادية في المنطقة إلا انه لا يبنغى للدول العربية التوجه نحو الكتلة الشرقية بقيادة الصين مع ترك التفاعل مع الفواعل الغربية وعلى رأسهم واشنطن بل ينبغى انتهاج سياسة التوازن في السياسة الخارجية الموجهة إزاء الدول الغربية وكذلك الاْسيوية وفقاً للمصلحة الوطنية لكل بلد عربي وذلك يرجع لطبيعة الأدوار المكملة التي تلعبها كلًا من الصين وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

 

 

محمد نبيل البنداري: باحث في العلاقات الدولية وشئون شرق الاوسط

 

 

 

المصادر 

[1]) مستشار الأمن القومي الأمريكي يبحث مع نظيره الاسرائيلي البرنامج النووي الايراني، روسيا اليوم، 7 مارس 2023، تاريخ الدخول 14 مارس 2023، الرابط  https://cutt.us/9wNFr

[2]) زيارة وزير الدفاع الأمريكي للمنطقة.. هل حملت جديداً؟، الجزيرة، 7 مارس 2023، تاريخ الدخول 14 مارس 2023، الرابط  https://cutt.us/ARfGp

[3]) الصين وسوريا توقعان على مذكرة تفاهم في إطار مبادرة الحزام والطريق. Arabic news cn،   13 يناير 2022، تاريخ الدخول 13 مارس 2023،  الرابط  https://2u.pw/Ok0nBd

[4]) الرئيس الصيني يصل السعودية في بداية زيارة تاريخية لحضور 3 قمم، CNN عربية، 7 ديسمبر 2022، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط  https://cutt.us/F527G

[5]) التنافس الامريكي الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الاوسط، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 22 ابريل 2021، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط https://cutt.us/kRN0O

[6]) خارجية إيران توضح ما تسعى إليه من خلال الاتفاق مع السعودية، cnn عربية، 12 مارس 2023، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/Nra85y

[7]) الحوثيين بعد اتفاق السعودية وإيران: المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، CNN عربية، 10 مارس 2023، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/j5IiIO

[8]) بشار الأسد في زيارة تاريخية لدولة الإمارات العربية، CNN، 12 مارس 2022، تاريخ الدخول 13مارس 2023، الرابط https://2u.pw/eHnZTb

[9]) وفد رفيع يضم عددا من الوفود العربية يلتقي بالاسد في دمشق، روسيا اليوم، 26 فبراير 2023، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط https://cutt.us/k5xOD

[10] ) سوريا تعلن موقفها من اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات، CNN عربي، 11 مارس 2023، تاريخ الدخول 23 مارس 2023، الرابط https://cutt.us/Sju5L

[11]) نصر الله: التقارب السعودي الإيراني جيد وسيكون في صالح الشعوب، 10 مارس 2023، تاريخ الدخول14 مارس 2023، الرباط https://2u.pw/5HylEP

[12]) إيران مصد التهديد الرئيس في للأمن الخليجي والعربي، مجلة درع الوطن، وزارة الدفاع، الإمارات العربية المتحدة، يونيو 2016، تاريخ الدخول 14 مارس 2023، الرابط  https://2u.pw/gBC8Gb

[13]) تاريخ تصعيد إيران ضد البحرين ، العربية، 20 مايو 2020، تاريخ الدخول 14 مارس 2023، الرابط  https://2u.pw/LloNEL

[14]) بعد السعودية البحرين تقطع العلاقات مع إيران، سكاي نيوز عربية، 4 يناير 2016، تاريخ الدخول 13 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/a0gbQg

[15]) مصدر سابق.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!