مسلسل حرمان الملاشية: من الخدمات العامة وحتى حجب المياه عنها
المقدمة
هذا تقرير آخر من سلسلة تقارير يقدمها معهد الحوار يوثق فيها انتهاكات النظام الإيراني بحق البيئة الأحوازية، وما ينتج عن ذلك من تبعات تطال الإنسان، والحيوان، والأرض وكل من عليها. سياسات تنفذها الحكومات الإيرانية المتعاقبة تحت مسميات عديدة: تارة بعنوان بناء السدود.. وتارة مشروع زراعة قصب السكر.. وتارة التنقيب عن النفط إلخ، تُظهر تقارير معهد الحوار هذه السياسات على انها سياسات لم تترك شيئا إلا طالته فهدمته، حتى جعلتنا نطلق عليها اسم الإبادة البيئية بحق الأحواز.
في هذا الجزء نتناول قضية مدينة الملاشية.
شهدت مدينة الملاشية الواقعة في القرب من مدينة الأحواز العاصمة، انقطاعا لمياه الشرب والصالحة للاستخدام المنزلي، مستمر منذ أيام وسط تعتيم تام من قبل وسائل الإعلام الإيرانية الواقعة في محافظة «خوزستان» شمال الأحواز. لم تسلط الأضواء على هذه المعاناة المؤلمة إلا بعد تولي أحد الناشطين الاحوازیین نشر الخبر. كان ناشط كباقي الناشطين له اختصاص غير الاختصاص الإعلامي لكن الوضع المأساوي في الملاشية جعله ان يشعر بالمسؤلية، فنجح في إذاعة هذه المعاناة. هذا ويذكر أن توفر المياه الصالحة في الملاشية، والمناطق الأحوازیه المماثلة لها، لم يكن بالأمر المستمر أصلا؛ بل إن وصول المياه إلى الصنابير المنزلية لا يتم إلا لبضعة ساعات من كل يوم، إذا لم ينقطع أصلا لأيام متتالية كما يحدث منذ أيام في هذا الحي الفقير. هذا والجدير بالذكر هو أن الأحواز تمر بفصل الصيف البارح الذي تتجاوز فيه درجة الحرارة 45 .
ولعل هذه الأزمة المستديمة التي لاقت هذه الأيام بعض تسليط ضوء من قبل الإعلام، عبر ما تتيحه منصات التواصل الاجتماعي، هي قطرة طفحت عن كأس: ذلك أن المأسي التي تطال حي الملاشية، وهي واحدة من الأحياء الأحوازيه التي تعاني من مشاكل مماثلة، لا تعد ولا تحصى:
غياب التخطيط المدني
إن الغالب على مدينة الملاشية هو غياب شبه تام للشؤن البلدية التي تتميز بها جميع الأحياء العادية، حتى يكاد يطغى على البصيرة هذا الكم الهائل من البيوت المصطفة إلى جنب بعض دون أي تخطيط أو مراعاة للتقدم والتأخر. ويعود غياب التخطيط العمراني في هذا الحي إلى أن الحصول على قطعة أرض لبناء مأوى تم على طريقة الاستحواذ من قبل الأحوازیین في الملاشية وفق الصياغة التالية:
وقد كانت سياسات النظام الإيراني، نظير تدمير البيئة ومن ثم فقدان إمكانية الزراعة والصيد، والحرب ضد العراق من اهم مسببات الهجرة الأحوازیین إلى المدن، كما أجبرت هذه السياسات المجتمعات الریفیه الاحوازیه للهجرة نحو الأحواز العاصمة. ولكن عندما اصطدم هؤلاء النازحين بغلاء الحياة في الأحواز، ووجود تمييز يصنفهم أدنى مرتبة من الفرس المستوطنين وإلخ، لجأوا إلى أطراف العاصمة، و استقروا على أراضيها ثم جعلوا منها بيوتا.
ولكن بالرغم من ان ملكية أراضي الملاشية هي ترجع لبعض من الأحوازيين الملاك وتم منحها لمن وفد عليهم من الأحوازیین من المناطق المتضررة جراء سياسات ايران الاستعمارية أو الحرب، لايزال يهدد النظام الإيراني وبلدية مدينة الأحواز سكنة هذه الأحياء ويقرر سلب منازلهم بحجة عدم حيازتهم على رخصة بناء من جانب البلدية. ولكن بعد خشية السلطات من ثورة أهالي المدينة، تركت السلطات القضية هذه، وأخذت تعاقبهم بمنع الخدمات من توفير المياه والكهرباء والصرف الصحي، وجعلهم يعيشون في ظروف صعبة، كما سنشير إلى ذلك بعد قليل. ولكن الأدهي من كل ذلك هو أن بعد فشل السلطات في سياساتها تلك، دعت أهالي الحي إلى تسديد مبالغ للبلدية لقاء منحهم وثائق ملكية للبيوت التي يسكنون بها.
وإذا ما أردنا العودة إلى أسلوب المعاقبة المتبع من قبل النظام الإيراني ضد الأحياء الأحوازية كالملاشية، أمكن حينها أن نشير إلى أن هذه السياسات الانتقامية استهدفت أيسر ما یجب توفره في الأحياء، فجعلت الملاشية فاقدة لمياه صالحة الشرب، غير متمتعة بشبكة مجاري للصرف الصحي، تفتقد إلى شوارع مخططة ومبلطة، خالية عن شبكة كهرباء تمد الحي بكهرباء متصلة. وهذه أمور هي أولى ما يجب القيام به في كل حي وقرية وفي كل تجمع بشري عصري.
ولكن حياة التهميش في الملاشية لا تختصر على ذلك، بل يشهد الحي هذا فقدانا تاما يتبين هذه المرة في: عدم وجود مشفى واحدا في الحي أو مستوصف صغير، وغياب مؤسسات خدمية نظير وسائط النقل العام، والمدارس والمكتبات، وانعدام المنتزهات ودور السينماء والمؤسسات الفنية إلخ. وهي كلها تقع في الدرجة الثانية من أولى ضرورات الحياة العصرية، أي الحياة التي تنتمي إلى القرن العشرين، ناهيك عن القرن الواحد والعشرين.
- عدم توفر المياه الصالحة للشرب: لعل هذه المأساة التي جعلتنا نخصص هذا التقرير للملاشية هي ذروة ما وصلت له السياسة الإيرانية في العبث بصحة الفرد الأحوازي وحالته النفسية وكامل وجوده. فلقد عمت وسائل التواصل الاجتماعي العامة، التي أصبحت صوت المضطهدين الأحوازيین في مثل هذه الحالات، بالأنباء الخاصة بقطع الماء منذ أسبوعين في هذا الحي. ولكن المهم في هذه الحالة ليس قطع المياه بحد ذاته، فهذا قد يحدث في كل مكان في إيران، نتيجة خلل في المرافق العامة، بل المهم هو أمرين: هو الانقطاع الدائم للمياه، وهذا ما أشرنا له؛ وثانيا تمرير المياه الملوثة جدا إلى هذا الحي. لقد جعل الانقطاع المستمر للمياه الناس أمام خيار واحد لا ثاني له وهو العودة إلى الطرق البدائية من حفر الآبار والبحث عن المياه الجوفية . فإذا كان لذلك دلالات معينة، فإن أولى دلالاتها هي المصادقة على تكرر قطع المياه والتعمد في ذلك. وما يزيد الأمر مأساة هو أن المياه النادرة المتوفرة في الملاشية، هي الأخرى، ملوثة غير صالحة للاستحمام فضلا عن الشرب، حتى خلق تلوث المياه هذا ظاهرة اسمها «بيع المياه المصفاة (ماي تصفيه)» يأتي بها الكثير من العاطلين عن العمل، من أبناء هذه الأحياء، فيوفرون دراجة فيها خزان ماء صغير ممتلئا بالمياه المصفاة يبيعونه للأهالي. إن استمرار قضية تلوث المياه في الأحواز والأحياء الفقيره، مثيل الملاشية، جعل بعض المسؤلين الفرس أنفسهم يحذرون من التبعات الكارثية لها، وقد كانت تصريحاتهم تتراوح بين امتلاء المياه من أوبئة قاتلة وبين من عد المياه في جميع الأحواز غير صالحة ملوثة.
- شبكة المجاري: لا يتمتع هذا الحي بوجود أي شبكة للمجاري تصرف مياه الصرف الصحي، بل إن صرفها يتم عبر الطريقة القديمة، بواسطة جداول صغيرة نسميها «جوب (أجواب) أو جوق (أجواق)» تخزن المياه فيها، حتى تُصرف عبر ضغط المياه الداخلي فيها. وعادة ما لا تسع هذه الجداول المليئة بأنواع النفايات والملوثات ضغط المياه، حتى جعل الأمر هذا حي الملاشية طافح، على طوله وعرضه، طافح بالمياه التي تسيل في جميع الطرق والمعابر غير المعبدة. ويتفاقم هذا الوضع تأزما في أيام الشتى والصيف معا، لأن الشتاء يفاقم الوضع بمياه الأمطار، والصيف مصحوبا بترك المياه المخزنة خلف السدود بشكل غير علمي وعشوائي؛ حتى جعل الحي يشبه بحيرة من المياه الملوثة الداكنة اللون والخضراء الشكل تفوح عنها رائحة النتن والتعفن . هذا وقد تحولت مشكلة شبكة المجاري إلى حالة مأساوية عندما تسببت، طيلة وجودها على طول عقدين، بمكمن لوقوع الأطفال فيها («المنهول» أو «البالوعة») بين من راح ميتا، ومن تكسرت سيقانه وأضلعه، وبين شيخ وقع فيها فأصبح مشلولا بذلك . ولكل قصصه وحكاياه مع هذه المأساة.
- شوارع غير معبدة ولا مخططة: على أن وجود هذا الشرك القاتل: أعني به حُفَر الصرف الصحي، ما كان ليكون لو لا ذلك التخطيط المنعدم للشوارع في الملاشية، حتى جعلت الشوارع تشبه متاهة ملتوية على بعضها لا تخطيط فيها ولا تعبيد، مليئة بأنواع التضاريس الممانعة للسير على الأقدام ناهيك عبر السيارات والعربات. وهذا الأمر يعود إلى طريقة بناء هذا الحي، كما أشرنا، من أنه كان حي نشأ لإيواء المشردين من الفقر في قراهم وانعدام فرص العمل فيها، والفارين من غلاء المدينة، الهاربين من التمييز الفارسي الذي فيها، فكان حي الملاشية، والأحياء الأخرى نظير الملاشية وهي كثيرة في الأحواز العاصمة وباقي مراكز المدن .الأحياء التي مثلت ذروة السياسات الاستعمارية للنظام الإيراني، والرؤية الإيرانية القائمة على عدم الاعتراف بالأحوازيين أهل الأرض وأصحابها، ونهب ثرواتهم وكل ما يتعلق بهم، وجعلهم مهمشين في أراضيهم يبحثون عن أطراف يحتمون بها يعانون فيها شتى صنوف الفقر والاضطهاد . ثم إن لهذه الشوارع تبعات كبرى، من أبرزها هي انعدام إمكانية الإسعاف، في الحالات الطارئة، مما يجعل المصاب بطارئ صحي أمام حالة مستعصية الوصول إليه، مما يذهب بحياته في مهب الريح والعبث. كما سجل هذا الحي حالة من استعصاء وصول المطافئ من أجل وعورة الطرق هذا، حتى ألهمت النار جميع ممتلكات البيت الذي شبت فيه.
- انقطاع التيار الكهربائي: وهكذا تمتد الحياة القاسية في الملاشية لتصل إلى انعدام التيار الكهربائي في عز النهار في أيام الصيف القاتلة في الأحواز. وهنا قد يكون التصريح بهذا القول العرضي مفيدا بعض الشيء من أن درجة الحرارة في الأحواز عموما لم تكن كما هي الحال قبل عقد من الزمن، ويشهد بذلك جميع من امتد عمره إلى عقدين أو ثلاث فقط. ويعود ارتفاع درجة الحرارة في الأحواز إلى ذلك التلاعب بالبيئة الأحوازية، وتجفيف مياهها ونهبها وتحويلها من منطقة تجري فيها أنهر كثيرة وفيها جوفية وفيرة إلى منطقة جافة تسيطر عليها السموم والجفاف. وبعد هذا العبث وارتفاع درجة الحرارة إلى ما فوق الخمسين، يأتي النظام فيضع الأحوازيين أمام انقطاع للكهرباء تجعلهم يكتون في حرارة الصيف؛ أمر يسبب بحالات اختناق للمسنين والأطفال والمرضى على وجه الخصوص. وأكثر من كل ذلك هو أن البنية التحتية لحي الملاشية مهملة تماما من جانب «شركة كهرباء خوزستان» وهي بالرغم من تنصلها المستمر عن الإقرار بفقدان شبكة كافية لإيصال الكهرباء للملاشية، تثبت في تقاريرها المنشورة، من حيث لا تريد، ضعف الكهرباء وانعدامها في الملاشية ما جعل الناس أمام انقطاع يومي للكهرباء .(هنا تقرير قديم يثبت قدم مشكلة الكهرباء في هذا الحي من جهة، واستمرار تلك المشكلة إلى اليوم من جهة أخرى).
غياب المرافق العامة
لقد كانت كل تلك الأمور المفتقدة في الملاشية، من انعدام المياه الصالحة للشرب حتى انقطاع التيار الكهربائي يوميا، هي حكاية انعدام أولى الخدمات والمرافق التي تجعل من التجمع البشري، قرية كان أو حاضرة أو مدينة إلخ، قابلا للاستمرار والتحمل والحياة؛ وكلها كما رأينا مفقودة في الملاشية. ولكن إلى جانب ذلك، فقد يعاني هذا الحي، والأحياء المماثلة له، من فقدان أمور أخرى حيوية، نشير لها في ما يلي من هذا التقرير.
- فقدان مشفى أو مستوصف: تشير المعايير العالمية إلى أن نسبة الأسرة في المشافي يجب أن تكون سريرا لكل 200 شخص؛ وبناء على ذلك إذا سلمنا بحجم العدد السكاني في حي الملاشية المذكور في الاحصاء الرسمي الإيراني، البالغ 50 ألف نسمة، فذلك سيعني وجوب توفير 250 سريرا في الملاشية، أي ما يقارب مشفيين، أو مشفى واحدا على الأقل بناء على وضع المشافي الإيرانية المتهالكة. ويشير الواقع إلى غير ذلك بمراحل: أولا لأن العدد السكاني للملاشية قد يفوق 80 ألف نسمة، وثانيا لأن هذا الحي الكبير لا يتمتع بوجود مستوصف صغير واحد، فضلا عن مشفى كبير فيه 125 سرير وممرضين وأطباء وأجهزة إلخ. وهذا الواقع الصحي يضطر بأهالي هذا الحي إلى الذهاب إلى مشافي الأحواز الحكومية، التي تعاني هي الأخرى من زيادة المراجعين، والتكلفة العلاجية العالية. ولتكميل الصورة يجب أن نستذكر أن «خوزستان وجنوب ايلام» وهی المناطق الشمالية الأحوازية، تسجل نسب عالية من الأمراض السرطانية والرئوية على الخصوص، جراء تلوث المياه بفعل ملوثات النفط ونفايات شركات الصلب، وظاهرة الجفاف المسببة بالعواصف الرملية ونفايات قصب السكر ومخلفات الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) التي دارت رحاها في هذه المناطق إلخ، مما يجعلها حرية بامتلاك أكبر عدد من مشافي وأسرة لتدارك كل تلك الملوثات، ولكنها على العكس من ذلك تسجل أعلى نسب من وفيات وأدنى نسب المرافق العامة كالمشافي وأجهزة تحلية المياه والالتزام بمعايير سلامة البيئة إلخ.
- وسائط النقل العام: إنه إذا كان الوصول إلى حي الملاشية عسيرا لوعارة الطرق وفقدان التخطيط لشوارع عامة، كما بينت الفقرة السابقة، فإن الخروج من هذا الحي إلى أماكن أخرى قريبة أو بعيدة، والتواصل بينه وبين باقي المناطق في مدينة الأحواز العاصمة فيه المصاعب ذاتها. فأول ما تجدر الإشارة إليه هنا هو فقدان شبه تام لوسائط النقل العامة، إذ أن حافلات النقل العام (خط واحد) لا تصل إلى حي الملاشية، كما أن مركبات الأجرة (تكسي) لا تصل إلى الحي ذاته، بل إنها في أحسن الأحوال تترك الراكب في مسافات بعيدة من هذا الحي مما يضطره إلى السير مشيا للوصول إلى بيته ومقصده.
وإذا كان ذلك، أي إذا كان ترجل المسافر من مركبات النقل، يتم بطلب من أصحاب المركبات تحاشيا من تبعات انفلات الأمن في هذا الحي، وتفاديا لالحاق الضرر بسياراتهم من وعورة الطريق، فإنه يمثل بوضوح مستوى ابتعاد هذا الحي من التواصل اليسير والعادي مع باقي مناطق الأحواز التي لا يبتعد عنها إلا كيلومترات يسيرة. وإذا ما أردنا البرهنة على وجود تعمد في جعل الملاشية على هذا الحال، أشرنا حينها إلى المسافة التي تفصل بين هذا الحي وحي «لشكر» المترف، وهي مسافة لا تمتد إلا إلى 10 كيلومترات تقريبا. مسافة قريبة ومرافق بعيدة من حيث الرفاه وسهولة المواصلات ووفرة الإمكانيات من مياه ومكتبات ومشافي ودور سينما ومنتزهات إلخ .
- انعدام المدارس والمكتبات: ليس هذا فحسب، بل إن فقدان وسائل النقل العام تنعكس بصورة حضارية عند ما ندرك أن الحي هذا الفاقد لوسائل النقل العام، لا يمتلك مدارس عامة، ابتدائية وثانوية ناهيك عن الكليات والجامعات، وليس فيه مكتبات عامة أيضا. وإذا كنا أشرنا إلى انعكاس وعورة الطرق وانعدام وسائل النقل العام على الحالة الصحية وعسر إيصال المرضى أصحاب الحالات الطارئة إلى المشافي، فإن هذه الفقرة تؤكد على أن فقدان وسائل النقل يضع جميع الطلاب والطاقات الموجودة في هذا الحي أمام معانات كبيرة للوصول إلى المدارس والجامعات. ثم إلى جانب ذلك فإن هذا الحي على طول السنوات الأخيرة شهد ظهور طاقات رياضية وعلمية عدیدة ، يمكن الإشارة منهم إلى السيدة هاشمية المتقيان وبعض المخرجين والشعراء إلخ مما يمكن الاستماع إلى معاناتهم في طفولتهم وشبابهم قوامها الكد من أجل اجتياز عقبات الحرمان والاضطهاد الممارس ضد حيهم وضدهم.
- انعدام المنتزهات ودور السينما والمؤسسات الفنية: هي التي تكمل الصورة القاتمة لحرمان هذه المدينة الواقعة بالقرب من الأحواز العاصمة. فبينما تشهد الأحواز برمتها قلة في المنتزهات ودور السينما والمؤسسات الفنية، وهي كلها أماكن تؤخذ كمؤشر على تقييم مستوى التنمية المدنية، فإن الحالة في الملاشية هي مضاعفة وكل هذه الأمور فيها منعدمة تماما: لا دار سينما توجد في هذا الحي ولا منتزه ولا أية مؤسسة فنية تمثيلا ورسما وموسيقى إلخ. وهذا يدل على انعدام الروح و عدم العناية بالحياة المعنوية في هذا الحي وبين أهله، ليس بتأثير منهم، بل بفعل السياسات الاستعمارية الإيرانية التي أرادت لهذا الحي، ومثله احياء كثير، أن يبقى يعيش حالة البؤس، حیث يواجه المواطنین الأحوازيین منذ بدء ساعات الصباح إلى نهاية اليوم المشاكل الخاصة بالمياه ويرکضون وراء رغيف الخبز.
سياسة الإنتقام
ومن المبرر أن نتسائل في ختام هذا التقرير عن سبب هذا التمادي في جعل الملاشية محرومة من أبجديات الحياة المدنية من قبل النظام الإيراني. ويبدو أن السبب الرئيس في كل هذه المأسي والمصائب التي تتوالي على الملاشية وأهلها من قبل النظام، هو التاريخ النضالي الكبير لهذه المدينة. فما من شارع ولا زقاق في الملاشية إلا كان فيه شهيدا أو أسيرا أو مصابا، قدمه الحي هذا في جميع موجات الخروج والثورات الأحوازية، حتى جعل الأمن الإيراني يصنفه بالحي المعادي، هو وحي الثورة وباقي الأحياء الثائرة في الأحواز. ولذلك فإن السلطات الإيرانية تحجب بعمد الميزانيات الموزعة على أحياء الأحواز العاصمة، ولا تسمح بتخصيص جزءاً من هذه الأموال إلى حي الملاشية، ولو بضع دولارات نفطية ولذلك نرى هذا الحي القريب من وسط الأحواز العاصمة لا يتمتع بشارع عام واحد مبلط، ناهيك عن المشافي والمستوصفات والمكتبات والمدارس.كما أن السلطات الأمنية تسعى جاهدة لاذكاء الفتنة المذهبية والنزاعات القبلية في حي الملاشية وذلك بغية اشغال أهالي الحي بأنفسهم وجعلهم يتصارعون فيما بينهم. وهكذا تتجنب السلطات خطر خروج الأهالي عليها. وجعلهم بين أنفسهم يتصارعون، سياسة يمكن تتبعها وإثبات ممارستها من قبل النظام الإيراني إذا ما تسرب عن النظام هذا بعض التقارير التي لدي جهازه الأمني، وإذا ما سمح ببعض الاحصائيات التي لديه عن تنفيذ سياسة فرق تسد..
في الواقع من ضمن السياسات التي تنتهجها الحكومة الإيرانية تجاه الشعب الأحوازي هي سياسة الحرمان و الانکار و عدم تخصيص أي ميزانية لتنمية المناطق الاحوازية بأكملها، بهدف إبقاء الشعب الأحوازي منشغلاً في الصراع اليومي مع الفقر وانعدام الاستقرار والفقدان المستمر من أي خدمات أساسية. تهدف هذه السياسة إلى تقليص توقعات المطالب والحقوق بين أبناء الشعب الأحوازي إلى مستوى المطالبة بالحصول على المياه النظيفة ، والحصول على الكهرباء ، متناسين تمامًا حقوقهم في الحرية ، وحقوقهم السياسية و القومية التي حرموا منها لعقود طويلة.
إن اعتماد سياسة الحرمان التنموي من قبل الحكومة الإيرانية التي تحاول إفقار الشعب الأحوازي وعرقلة مطالبه بحقوقه الجماعية وعلى رأسها حقوقه الوطنية انها سياسة مدروسة تجعل الأحوازيين مشغولين فقط بالمطالبة باحتياجاتهم الأساسية للبقاء أحياء ولكن دون وعي إهمال حقوقهم الأساسية الأخرى المتمثلة في الحرية والحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من الأمور ذات الأهمية للتنمية البشرية للمجتمع الأحوازي.
لقد حاولنا في هذا التقرير والتقارير الخاصة بالبيئة، أن نشير إلى حدث اليوم، حدث تضور الملاشية عطشا وحرمان أهلها من أول الحقوق الإنسانية وأيسرها وهو الماء. وعند تناولنا لقضية الملاشية حاولنا أن نتجنب الحديث العاطفي الذي يوثق معاناة الأحوازيين هناك، وهو حديث ورواية لها قيمتها وتأثيرها الكبير على الرأي العام الداخلي والمحلي والعالمي بكل تأكيد، بل حاولنا إلى جانب ذلك التطرق إلى مختلف الجوانب المشيرة إلى معاناة هذا الحي بذاته، والتاريخ الطويل من الحرمان والتفقير والتهميش فيه.
احسنتم